استمارة البحث

القسم 2. تنمية المجتمع المحلّي (المحلة)

  • ما هي التنمية المحلّية؟
  • لماذا الانخراط في التنمية المحلّية؟
  • متى وأين علينا الانخراط في التنمية المحلّية؟
  • مَن يجب أن يكون مشاركاً في التنمية المحلّية؟
  • كيف ننخرط في التنمية المحلّية؟

لنفترض أنّ نوعيّة الحياة في مجتمعكم المحلّي تتدهور. صاحب العمل الأضخم في البلدة أخذ أعماله وانتقل إلى مكان وجد فيه التسهيلات والعمل أقل كلفةً. من دون معاشات ثابتة لم يعد لدى العديد من الناس في البلدة المال الكافي للحفاظ على بيوتهم وأراضيهم، أو لدعم المنظمات الخيرية. من جهة أخرى، وجد عددٌ من الأشخاص أشغالاً، ولكن كان عليهم أن يقطعوا مسافات طويلة للوصول إليها. وفي بعض الأوضاع الأسوأ، وجد بعض الأفراد أنفسهم مشرّدين، كما بعض الأسر التي باتت تعيش في ملاجئ أو في سيّاراتها. ازداد العنف في البلدة، جزئيّاً بسبب بقاء الشباب بلا أي إشراف بعد ساعات المدرسة مع غياب أهاليهم على الطرقات يقطعون المسافات ليصلوا إلى أعمالهم، وأيضاً بسبب ازدياد الإدمان على التدخين والمخدّرات الذي غالباً ما يرافق ظروف الناس الصعبة. تحوّل المجتمع المحلي إلى مكان كئيب ويثير الكآبة، وشعر معظم المواطنين بالعجز عن القيام بأي أمر تجاه ذلك. كيف يمكن تحويل هذا الوضع كي يبدأ الناس بالتحرّك لتحسين حياتهم؟

الردٌّ الممكن هو إقناع الناس أنّه يمكنهم إحداث الفرق، وجمْع هؤلاء الناس للعمل معاً للتفكير في ما يمكن أن يقوموا به، ومن ثمّ حثّهم على القيام به. ولكن ماذا لو كانت هنالك انقسامات حادّة في المجتمع المحلّي أو لو كان معظم السكّان لا يرى نفسه قادراً على تغيير أي أمر؟ ربّما تكون بعض المجموعات مستبعدة من المسار السياسي أو تخضع لتمييز ضدّها اقتصاديّاً أو اجتماعيّاً أو طائفياً، وربّما كان التواصل بين المجموعات المتنوعة العديدة في المجتمع المحلي شبه معدوم، كما إن معرفتها عن بعضها بعضاً معدومة. قبل أن نتمكن من جعل الناس يعملون معاً علينا مساعدتهم على التواصل فيما بينهم وعلى خلق الثقة بينهم.

إنّه وضعٌ تكون فيه التنمية المحلية لازمة لا محالة. فإذا تمكّن أعضاء المجتمع المحلي من التواصل عبر الخطوط الطبقية والإثنية والسياسية والطائفية واللغوية، ومن إقامة المنظمات العلاقات والسياسات للاستفادة من مواردهم والتعاطي مع مشكلاتهم، عندها سيجعلون الحياة أفضل للجميع. في هذا القسم (والقسمين التالييْن)، سنناقش ثلاث مقاربات للتنظيم المجتمعي وتغيير المجتمع المحلي، وهي مختلفة ولكنها متقاطعة. في هذا القسم، سنطرح كيفية وضع العمل الأساسي وخلق الأساس لجهود تعاونية على صعيد المجتمع المحلي كهذه.

ما هي التنمية المحلّية؟

كما ذكرنا في القسم الأوّل من هذا الفصل، التنمية المحلّية هي بناء المجتمع المحلي من خلال تحسين العمليات التي تجري من خلالها الأمور. يمكن لذلك أن يشكّل غايةً بحد ذاته، ولكن يمكن أن يُنظَر إليها كذلك كبداية لمسار أوسع.


فيما يمكن تعريف التنمية المحلّية على أنّها مسار تحسين، فهي، كسائر عمليات الانتظام المجتمعي، يجب أن تركّز على التحرّكات والنتائج. لا يمكنكم إشراك الناس في مسار أو في خلق مسار إلاّ في حال وجود غاية في النهاية، سواء كانت إقناع البلدية بوضع إشارة ضوئية للسير أم إنهاء الفقر. لذلك، عندما نطرح كيفية الانخراط في التنمية المحلية، وكيفية استخدامها، فإنّنا نشمل اختيار المسائل التي تخاطب الحاجات المجتمعية المعاشة. وفقط من خلال التركيز على القيام بتحرّكات لتحقيق هذه النتائج التي تعالج هذه المسائل، يكبر احتمال جعل الموطنين منخرطين.

القسم الأوّل من الفصل يحدّد أربعة أنواع من التنظيم المجتمعي:

  • التنمية المحلية: تخلق بنية تحتيّة للحراك والتحركات المجتمعية.

  • التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات: نوعٌ من التنظيم المجتمعي الذي يستخدم النظام السياسي وغيره من النٌظم لبناء السياسات التي تعمل على تحسين نوعية حياة كافّة المواطنين.

  • التحرك الاجتماعي والمناداة الخاصة بالنظم: تجعل المواطنين ينخرطون في فهم "السلطة" وبنائها، واستخدامها للمناداة والمفاوضة من أجل مصالح المجتمع المحلي.

  • بناء الائتلافات: يشكّل مجموعات على مدى المجتمع المحلي مكوّنة من المنظمات والأفراد، إمّا للعمل على مسائل معيّنة أو لطرح حاجات مجتمعية أكثر عموميّةً.

غالباً ما يُنظر إلى هذه الجوانب الأربعة من التنظيم المجتمعي على أنها منفصلة، ولكن قد يكون من المفيد أكثر اعتبارُها أجزاء متقاطعة من كلٍّ واحد. إذا أدّيتم عملاً جيّداً في التنمية المحلية فسيكون لكم قاعدة آمنة، مكوّنة من أناس لديهم القدرة على التحرّك في أي طريقة من الطرق المتعدّدة. التنظيم المجتمعي الحقيقي يعمل على خلق مجتمع محلّي جاهز لأي شيء. التنمية المحليّة هي خلق بنية تحتية مرتكزة إلى المجتمع المحلي وشاملة، يمكن لها على هذا الأساس أن تتجاوب بأي طريقة لازمة لمواجهة التحدّيات وللاستفادة من الموارد ولخلق تغيير اجتماعي إيجابي.


المفاهيم السابقة حول تقسيم هذا الحقل إلى ثلاثة نماذج (التنمية المحلية والتخطيط الاجتماعي والتحرّك الاجتماعي) جرى استبدالها بنظرةٍ أكثر شموليّة تعرّف النماذج الثلاثة على أنها مترابطة ومتقاطعة.

إنّ "عدّة العمل المجتمعي" تقبل بَل وتوسّع النظرة الأخيرة. هي تعرّف النماذج الثلاثة كسلسلة (حيث لا  يظهر التمايز بين النماذج دائماً) تعمل أفضل من خلال نهج تشاركي يشمل عدّة قطاعات من المحلّة أو المجتمع. يمكن لأي من هذه النماذج الثلاثة أن يكون أساساً للتمكين المجتمعي والتعلّم، ولكن كل نموذج منها يتوجّه نحو نوع مختلف من الأوضاع والنتائج.

التنمية المحلية تلعب دور القاعدة الأساس لأنواع أخرى من الانتظام، وهي بحدّ ذاتها تصوّب نحو مسائل مجتمعية تؤثّر على الجميع: التنمية الاقتصادية، والصحة العامّة، الخ. الغاية هي بناء قدرة المجتمع المحلّي على التعاطي مع أي حاجات أو مسائل تنشأ، وهي تظهر في مشاريع مجتمعية أصغر كتنظيف الأحياء وبناء ملعب في المجتمع المحلي...الخ.  وهي تساعد هذه المشاريع على تحديد الحس المجتمعي وبنائه لدى مختلف سكّان المنطقة.

التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات يتوجّهان إلى الحلول عبر السياسات (تغيير القوانين أو التنظيمات، أو تمريرها لمعالجة المشكلات أو الظروف) لاسيّما تلك التي يبادر إليها المسؤولون أو القادة الآخرون من داخل المجتمع المحلي أو من خارجه. يجب تحديد هذه السياسات من خلال مسار تشاركي يُشرك جميع الذين يستفيدون من هذه السياسات أو يتأثّرون بها. غالباً ما يُشرك هذا النموذج أشخاصاً يتمتّعون بخبرة من خارج المجتمع المحلي يعملون مع أعضاء المجتمع المحلّي على الاستراتيجيّة والتخطيط.

أمّا التحرّك الاجتماعي، فيرتكز على فرضيّة أنّ هنالك قوّة في الأعداد. من خلال الاتّحاد والقيام بالتحرّكات يكتسب الناس العاديّون النفوذَ السياسي أو الاقتصادي من أجل خلق التغيير. غالباً ما يكون التحرّك الاجتماعي ضروريّاً (وغالباً ما يسْتَخدم) عندما يكون الإنصاف غائباً بشكل جدّي، وحيث لا توجد إرادة عند النافذين على تصحيح ذلك. يمكن للمجموعة المحرومة في هذا الوضع أن تكتسب السلطة وتمارسها من خلال التحرّك الجماعي، وأن تخلق توزيعاً أكثر عدالة في اهتمام الرسميين والموارد.

المشترك في تفسيرنا لكافّة هذه النماذج هو الفرضية أنّ المجتمع يمتلك قدرةً أو يمكن أن يبني قدرةً على حل العديد من أو معظم مشاكله الخاصّة، وأن يحدّد الاتّجاه الذي يجب أن تسلكه الصحة والتنمية المجتمعية. هذا يعني أنّ المجتمع يمتلك (أو يمكن أن يكتسب عبر المساعدة والخبرة) الأشخاص والمؤسسات والمعرفة والذكاء وكيفية العمل السياسية والاقتصادية للتعاطي مع المسائل التي يواجهها.

يُستخدم أحياناً تعبيرا "التنمية المجتمعية" و"التنمية المحلّية" للدلالة على نفس المفهوم، ولكن مفهوميْ المجتمع والمحلّة ليسا واحداً، وقد يتطلّب العمل مع كلّ منهما مقاربة خاصّة به. (لتسهيل الأمور في هذا القسم، سنستخدم مصطلح "التنمية المحلّية" للإشارة إلى العمل بطريقة معيّنة مع كل من المحلّيات والمجتمعات المحدّدة ذاتيّاً.)

المحلّة هي مكان (بلدة، أو حي في مدينة أو مشروع سكني أو منطقة ريفيّة)، والتنمية المحليّة تنظر إلى هذا المكان كجماعة، أو مجتمع محلّي.

أمّا مصطلح "مجتمع محلّي"، فالشائع أن يُستخدم للدلالة على المكان الذي يعيش فيه الناس وكذلك على الأشخاص الذين يسكنون فيه. يمكن أن يشير المجتمع المحلي كذلك إلى مجموعة من الأشخاص يعرّفون عن أنفسهم كمجتمع، بسبب تشارك التجارب أو الخلفيّات أو القيم أو الدين أو الثقافة. يمكن أن يُطلق رئيسُ بلديةٍ على بلدته مصطلح "مجتمع محلّي"، ولكن في معظم المدن مجتمعات محلّية محدّدة ذاتيّاً ضمنها (مجتمعات إثنيّة أو آتية من بلدان أخرى أو ذات ميول جنسيّة مختلفة أو مجتمعات أعمال...الخ). وفيما لا يتشارك بالضرورة كافّة أعضاء هذه المجتمعات نفس وجهات النظر أو لا يتصّرفون بالضرورة بنفس الطرق، فهم مع ذلك يرون أنفسهم مجموعين على أمرٍ مهم مع سائر أعضاء مجتمعهم المحلّي.

يأتي الفرق هنا عند محاولة تنظيم محلّة ليست "مجتمعاً محلّياً" محدّداً ذاتيّاً، بل فقط مجموعة أشخاص صدف أنّهم يقطنون في نفس المكان. إذ إنّ أعضاء المجتمع المحلّي المحدّد ذاتيّاً يبدؤون ببعض الثقة المتبادلة، وتكمن الفرضيّة في أنّ هناك على الأقل فكرة أو تجربة أو قيمة مشتركة أساسية بينهم. أمّا سكّان المحلّة، فقد يشعرون أنّ ما يجمعهم قليلٌ جدّاً، أو حتّى أنّ مصالحهم تتضارب. من هنا، قد تتمكّن التنمية في مجتمع محلّي محدّد ذاتياً أن تباشر بشكل أسهل نسبياً عندما يقبل الأعضاء أنّها فكرة جيّدة. في المحلّة، قد لا يحصل أي شيء قبل أن يتمكّن السكّان من القيام باتّصالات، وتحديد مصالح مشتركة، والمباشرة بالنظر إلى أنفسهم كجماعة أو مجتمع محلّي... ما قد يأخذ وقتاً طويلاً.


المحلّة يمكن أن تكون مجتمعاً محلّياً بنفس الطريقة. إذ تتمتّع العديد من البلدات الصغيرة، لاسيّما تلك التي تسكنها بشكل أساسي عائلات عاشت فيها لأجيال عديدة، بالانتماء المُعاش في المجتمعات المحلية.

على سبيل المثال، يسود "نيو إنغلاند"، (البلدة الصغيرة التي يقطنها كاتب هذا النص)، نزاعات وانقسامات عديدة، ولكن عندما أُحرقت حظيرة مُزارع الألبان، تبرّع سكّان المدينة من جميع المشارب بالمال والمواد والعمل من أجل إعادة بنائها. وكان نفس الأمر قد حصل في سنوات سابقة لطاحونة الخشب وورشة عمل صانع الأُطر الخشبية، على الرغم من أن صانع أطر الأخشاب كان "شخصاً جديداً"، أي من الأشخاص الذين انتقلوا إلى البلدة في العقود الأخيرة فقط. لكنّ الواقعَ أنّه عاش في البلدة وشارك الناس حياتها ما جعله "عضواً" في المجتمع المحلي، مع أنّ المقيمين المولودين في البلدة لم يكونوا يعرفون جدوده!

إذاً ما الذي تتكوّن منه التنمية المحلّية في الواقع ؟ ما هو نوع البنية التحتية التي تشير إليها؟ إنه باختصار (إذ إنّنا سنغوص في المزيد من التفاصيل لاحقاً عندما نناقش كيفية الانخراط في التنمية المحلّية) عبارة عن خلق أنظمة ومسارات دامجة وتشاركية تجمع كل مَن هو/هي في المجتمع المحلي سويّة للعمل على مشكلة أو باتّجاه أهداف مشتركة. كما يترتّب عليها تشجيع القيادة من قلب المجتمع المحلي، وتطوير شبكات التواصل التي تغطّي كافّة القطاعات، وجعل المسار جزءاً مقبولاً من الحياة المجتمعية.

تشدّد التنمية المحلّية (غالباً ولكن ليس دائماً - على عكس التحرّك الاجتماعي) على التحرّك الإيجابي من جانب المجتمع المحلّي بأسره، بدل افتراض ضرورة النزاع. قد يكون الغرض كسب الاستقرار الاقتصادي، أو من أجل تحسين الظروف الاجتماعيّة و/أو السياسيّة، أو حماية المجتمع المحلي من التهديد (تدمير حي من أجل فسح المجال أمام طريق سريع أو مساكن ذات كلفة عالية)، أو الحفاظ على طابعه التاريخي والثقافي والبيئي. مهما كان الشكل الذي يتّخذه، المقصود بالمسار أن يبني المجتمع المحلي ويجعله أقوى، وأن يساعد أعضاءَه على أن يروا أنّه عليهم العمل سويّة من أجل أغراض مشتركة، وأن يحفّزهم على خلق الطرق لجعل ذلك ممكناً.


بشكل عام، يصوّب التحرّك الاجتماعي، الذي سنشرحه بتفصيل أوسع في القسم الرابع من هذا الفصل، باتّجاه أعضاء المجتمع المحلّي الذين يكونون بشكل ما محرومين أو مجرّدين من حقوقهم أو مهمَلين أو يعامَلون دون عدل. غالباً ما تكون غاية التحرّك الاجتماعي كسب النفوذ واستخدامه لمحو الظلم و/أو تغيير السياسات والممارسات غير المنصفة أو المؤذية، التي كانت تُستخدم ضد ذلك المجتمع المحلي. هو عادةً، على الأقل في البداية، عمليّة "خصومية" مبنيّة على بناء النفوذ السياسي وتقويته.

التنمية الاجتماعية هي مسارٌ تعاوني يشمل كافّة قطاعات المجتمع المحلي ومبنيٌّ على إيجاد أرض مشتركة وتحديد رؤية مشتركة والسعي خلفها. (في الواقع، يمكن أن تتقاطع التنمية الاجتماعيّة مع التحرّك الاجتماعي عندما يكون مجتمعٌ محلّي بأسره محروماً أو مميَّزاً ضدّه، وعليه أن يكسب النفوذ للتفاوض مع "هيئات الدولة" أو مع مجتمعات محلّية أخرى.)

كِلا النموذجين يشكّلان جوانب ضرورية من التنظيم بناءً على الظروف في مجتمع محلّي معيّن. كلّما كانت التقسيمات أعمق والظلم أكبر كبر احتمال أن يكون التحرّك الاجتماعي (الذي غالباً ما يُنظر إليه كشكل كلاسيكي من أشكال التنظيم المجتمعي) هو المسار المناسب للسلوك. وبعد أن يكون المجتمع المحلي قد استحق كرسيّاً حول الطاولة من خلال إظهار قدرته على الحسم وكسب المعارك السياسيّة، قد يتحوّل التحرّك الاجتماعي إلى تنمية محليّة. (من جهة أخرى، قد تتحوّل التنمية المحلّية إلى تحرّك اجتماعي، في حال فشلت الطرق الأخرى في تحقيق النتائج.)

لماذا الانخراط في التنمية المحلّية؟

  1. التنمية المحليّة يمكن أن تكسر الحواجز ضمن المجتمع المحلي من خلال تشجيع التواصل وتحسينه بين مختلف الأفراد والمجموعات السكّانيّة:

عندما يعمل مواطنون من قطاعات عديدة مجتمعيّة معاً لقياس المقدّرات والحاجات، يتعرّفون إلى بعضهم بعضاً ككائنات بشريّة، أكثر من مجرّد أشخاص أو جماعات (مثلاً، "الشباب" أو "الفقراء" أو "رجال الأعمال"). هذا التفاعل لا يتيح لأشخاص من خلفيّات وظروف مختلفة أن يعملوا سويّة فحسب، بل هو يعزّز الاحترام المتبادل والشعور مع الآخرين أيضا.

  1. التنمية المحلّية يمكن أن تجمع أشخاصاً ليس بينهم أي صلة في الأوضاع العاديّة، وتعرّف المجتمع المحلي كجامعٍ لهم جميعاً:

فيما هي تكسر الحواجزتربط التنمية المحلية أعضاء المجتمع المحلي معاً وتسمح لهم برؤية كل واحد كجزء من وحدةٍ تعمل بشكل جيّد فقط عندما يحصل كافّة أجزائها على حاجاتهم.

  1. التنمية المحلية يمكن أن تؤسّس لأرضية صلبة يقوم عليها الدعم المجتمعي للتحرّكات حول مسائل مهمّة:

عندما يكون المجتمع المحلي في مسار يشمل الجميع في مناقشة استراتيجية كيفية التعاطي مع المسائل، تصبح خططُ التحرّك الناتجة منتميةً إلى المجتمع المحلي. سيعمل أعضاء المجتمع المحلي جاهدين على رؤيتها تنفّّذ عندما يشعرون أن الخطط خططهم.

  1. التنمية المحلية يمكن أن تساعد الأفراد والمجموعات على اكتساب مهارات ومعارف جديدة:

بعضها يشمل ما يلي:

  • مهارات القيادة والإدارة

  • فهماً أفضل للأشخاص الآتين من خلفيّات مختلفة، وقدرة أفضل على التواصل معهم

  • مهارات التعامل مع الأشخاص ضمن العلاقات الإنسانية

  • مهارات تيسير جلسات العمل

  • مهارات تحليلية

  • نظرة عامّة على كيفية تفاعل الأنظمة للتأثير على حياة المجتمع المحلي

  • فهماً لكيفيّة تأثير الاقتصاد على حياة الناس، على الصعيديْن الصغير والواسع

 5.التنمية المحلّية يمكن أن تدفع إلى الأمام قادة طبيعيين من داخل المجتمع المحلي:

يحصل ذلك بشكل طبيعي كنتيجة لعمليّة التنمية المحلية، كما يحصل من خلال تشجيع القادة الحاليين.

  1. التنمية المحلّية يمكن أن تشجّع المجتمع المحلي على تحديد موارده الخاصّة وعلى فهم نقاط قوّته:

عندما يمتلك الناس فهماً واضحاً لما هو متاح أمامهم ولما يمكنهم القيام به عندها يستطيعون استخدام مواردهم على أفضل وجه.

  1. التنمية المحلية يمكن أن تجعل المجتمع المحلّي مكتفياً ذاتيّاً وقادراً على تحديد مشكلاته بنفسه وحلّها: تشمل مزايا هذا الموقف ما يلي:

    1. زيادة الثقة المجتمع المحلي في نفسه واحترامه لذاته، ما يحفّز المواطنين على التعامل مع المشكلات الصعبة وحلّها

    2. خفض (أو القضاء على) حاجة المجتمع لأنْ يعتمد على مصادر خارجية للحصول على مساعدة، ما يؤدي إلى عدم وجود "خبراء" يحدّدون ما هو مناسب للمجتمع

    3. زيادة في السرعة التي يتمكن المجتمع من خلالها الاستجابة للمشكلات وتعبئة الموارد

    4. التأكّد من أنّ المشكلات التي يطرحها المجتمع المحلي هي فعليّاً تلك التي تهمّه

  2. التنمية المحليّة يمكن أن تُعطي الجميع صوتاً ، وتجعل الديمقراطيّة التشاركية الطريقة الطبيعية لصناعة القرار المجتمعي:

إنّ تشكيل بنية تحتيّة دامجة وتشاركية تؤمّن سماع آراء الجميع وحاجاتهم، ويؤدّي إلى تأسيس أنظمة مجتمعية تُشرك كافّة القطاعات.

  1. التنمية المحليّة يمكن أن تبني قاعدةًً لمجتمع محلي واقعي ولإنصاف حقيقي، ما يؤدّي إلى مجتمع محلّي صحّي وتغيير اجتماعي إيجابي وطويل الأمد:

عندما يعمل الناس سوية كمجتمع محلّي يصبح من الأصعب تهميش مجموعات معيّنة أو تجاهل حاجاتهم، وأسهل بكثير تصوّر مجتمع حيث تتوفّر فيه دعامات الصحّة للجميع، والعمل باتّجاه هذا المجتمع. للمزيد عن محدّدات الصحّة وبناء مجتمعات محلّية صحّية، انظروا الفصل 2، القسم 3: مدن صحية / مجتمعات محلية صحية والفصل 17، القسم 5: تحليل المحدّدات الاجتماعية للصحة والتنمية.

متى وأين عليكم الانخراط في التنمية المحلّية؟

في معظم أقسام "عدّة العمل المجتمعي"، يبدأ الجواب عن سؤال "متى" بجملة مشابهة لما يلي: "فيما يكون هذا النشاط مناسباً في معظم الأحيان ، تبقى هناك أوقات محدّدة يكون فيها مفيداً بشكل خاص". ولكن في هذه الحالة، سنقوم باستثناء لهذه الممارسة. فَفيما تنطلق التنمية المحلّية عادةً بسبب حاجة معيّنة أو ظروف صعبة، فهي مطلوبة في الواقع في أي وقت، عملياً، وفي أي مكان يتّسم فيه النظام الاجتماعي بالظلم، أو تكون نوعيّة الحياة لبعض أعضاء المجتمع المحلي على الأقل غير مقبولة، أو تكون فيه الأنظمة أو الموارد غير ملائمة لتلبية كافّة حاجات المجتمع، أو يكون فيه المجتمع المحلي مهدَّداً من الداخل أو من الخارج. وقد تكون التنمية المحلية مناسبة حتّى عندما تكون الأمور على ما يرام، إذ يكون عندها الوقت ملائماً للقيام بتغييرات إيجابيّة، يكون من الأصعب القيام بها في الأوقات الصعبة (تحسينات في الظروف البيئية، مثلاً، أو دفعه باتّجاه مناطق صديقة للمشاة). بكلمات أخرى، هنالك حاجة للتنمية المحليّة في كافّة الأوقات تقريباً، وفي أي مجتمع محلّي أو محلّة تقريباً.

في بعض المجتمعات المحلية قد تكون الحاجة أكثر وضوحاً: غادر أصحاب العمل الرئيسيّون، وتدهور قطاع الإسكان، وأصبحت واجهات المحلاّت في الشارع الرئيسي فارغة وبالية، والعنف يزداد أو قد أصبح على مستويات الرعب...الخ. كما قد تكون هنالك توتّرات طائفية أو إثنيّة، أو قد أصبح العديد من المشرّدين في الشوارع، أو تفاقمت المشكلات في المدارس الرسميّة أو البيئة، أو فاح الفساد في البلدية. مهما كان الوضع، سيكون جليّاً أن المجتمع المحلّي يحتاج إلى أن يقوم بأمرٍ ما قبْل تفاقُم الأمور.

ولكن في حالات عديدة، تكون المشكلات خفيّة أو غير مُعترَف بها. على سبيل المثال، قد يكون هنالك اتّفاق غير معلن بأنّ سوء استهلاك الكحول والعنف المنزلي مقبولان في الحياة المجتمعية. قد يدير أعضاء المجتمع المحلي رؤوسهم فلا يلاحظون الجوع والفقر في بقع معزولة في المجتمع، أو ببساطة لا يدركون أن أعداداً كبرى من مواطنيهم لا يتمكّنون من الوصول إلى الرعاية الصحيّة. إلى أن تبرز الأزمة، لا يستطيع العديد من المجتمعات المحلية رؤية المشكلات التي تواجهها هذه المجتمعات، أو ربّما لا ترغب برؤيتها. قد يتطلّب الأمر كارثة (كما حصل في الفيضانات والدمار الذي حلّ على مدينة نْيو أورْليانْز إثر إعصار كاترينا عام 2005) لكي يواجه المجتمع المحلي (أو البلد بأسره) الوقائع ويتعاطى معها.

يمكن لمسار التنمية المحلّية المستمر أن يؤدّي ليس فقط إلى مجتمع محلي أكثر صحّة، بل يمكن أن يساعد المجتمع المحلّي على النجاة من الأوقات الصعبة، وحتّى على الجهوزيّة للكوارث، والاستفادة من الأوقات الجيّدة لجعل الأمور أفضل. لهذا السبب، تكون التنمية المحلّية مناسبة في أي مجتمع محلّي في أي وقت.

مَن يجب أن يكون مشاركاً في التنمية المحلّية؟

حتى يكون أكثر فعاليّة، على مسار التنمية المحلية أن يكون شاملاً وتشاركياً. هذا يعني أنّ عليه أنْ يشمل كافّة قطاعات المجتمع المحلي (ويُعطي الجميع أصواتاً متساوية) وأن تكون أدوارهم ليس للعب دور المستشارين أو المرشدين، بَل كمشاركين بشكل كامل في كافّة مراحل التعاطي مع المسائل المجتمعية والعمل باتّجاه حلّها ونحو نوعيّة أفضل للحياة.

من المهم عدم اعتبار المجتمعات المحلية المحدّدة ذاتيّاً قطعةً واحدةً متجانسة. على سبيل المثال، لا يتكوّن "مجتمع من الأفرو - أميركيين" في أي مدينة أميركية من أشخاص يفكّرون بنفس الطريقة على حد سواء، أو لديهم نفس الدخل أو نفس مستوى التعليم. قد يكون لهذا المجتمع قادة، لكنّ هؤلاء القادة لا يتحدثّون بالضرورة باسم كل فردٍ من أفراد ذلك المجتمع وكأنه وضع أي فردٍ آخر منهم. قد يكون هنالك مؤسسات أو منظمات تحتل مواقع هامة في المجتمع، ولكنها لا تمثّل الجميع. إذ إنّ التنوع يعود إلى أكثر من لون البشرة أو الخلفية: إنّه يشمل الآراء والمواقف السياسية، والدخل، والمواقف، وعدداً كبير من العوامل الأخرى. ينبغي أن تُدرجوا أكثر ما يمكن من هذه العوامل عندما تعملون على استقطاب أشخاص للمشاركة في التنمية المحليّة.

في ما يلي بعض العوامل التي يجب أن تنظر إليها جهود التنمية المحلية لدى تشكيل مجموعات قاعدية:

  • الاهتمام في الجهود

  • الأصل العِرقي

  • الطائفية والإثنية

  • الجندر (النوع الاجتماعي)

  • الميول الجنسية

  • الموقع الجغرافي: قد يعني ذلك شمل أشخاص من أحياء مختلفة، أو من مناطق ريفية متعدّدة، أو حتى من مختلف ساحات المدينة. يكون الموقع الجغرافي مهمّاً بشكل خاص عندما يكون للأشخاص الآتين من مناطق (أو بلدان أو ثقافات) مختلفة اهتمامات ومصالح مختلفة، بسبب الاختلاف في المنظور والدخل والثقافة، الخ...

  • الدخل: هذا قياس اقتصادي بحت.

  • التماهي مع الطبقة: قد يكون ذلك مرتبطاً بالدخل أو لا، فقد يكون دخل بعض العمّال الصناعيين أعلى من دخل معظم الإداريين الوسطيين، ولكنهم يعرّفون عن أنفسهم كطبقة عاملة وليس كطبقة وسطى. من جهة أخرى، فإن هؤلاء الإداريين الوسطيّين والمهنيّين الآخرين، وسائر العاملين في المكاتب ذوي الدخول المتقاربة، قد يعتبرون أنفسهم طبقة وسطى. وقد تنظر امرأةٌ جامعيّة تعيش من الرعاية الاجتماعية إلى نفسها بشكل مختلف تماماً عن امرأة في ظروف مماثلة كانت قد تسرّبت من المدرسة الثانوية. إن التماهي مع الطبقة هو مسألة موقف وتاريخ شخصي، وغيرها من العوامل بقدر ما هو مسألة الدخل

  • العمر

  • الدين

  • الثقافة: قد تكون الثقافة مرتبطة بالخلفيّة المناطقية أوالعرقية أو الإثنيّة (العوامل التي تأتي عادةً إلى الذهن عندما نذكر كلمة ثقافة) والعمر والطائفة  والدين، الخ... على سبيل المثال، للمراهقين لغتهم الخاصة وأعرافهم وأنماطهم، كما لمجموعات المهاجرين والمجموعات الدينية. كلٌّ منها ثقافة بالنسبة لنفسها ويجب مراعاتها عند الانخراط في التنمية المحلّية.

  • اللغة

  • المنظمات والمؤسسات: يجب إشراك نوادي الخدمات والمنظمات العائلية والجهوية والمنظمات المرتكزة إلى المجتمع المحلي والمستشفيات والجامعات والمكتبات وأجسام أخرى، فهي يمكن أن تجلب موارد ومكوّنات قيّمة معها.

  • الحكم المحلي والبلديات والهيئات الحكومية. يجب إدخال ليس فقط المسؤولين المعيّنين والمنتخَبين، بل كذلك الشرطة ورجال الإطفاء وعاملي الرعاية الاجتماعية وآخرين في مواقع مماثلة. ففيما تتغير السياسات والنُظم فهم الذين سيحملون جزءاً كبيراً من الثقل، ويجب أن تجري مشاركتهم في تملّك مسار التنمية من البداية.

كيف ننخرط في التنمية المحلّية؟

إنّ " القاعدة الحديدية" للتنظيم المجتمعي هو ألاّ تفعلوا للناس ما يمكنهم القيام به بأنفسهم. وبالتالي، فإنّ المسار تشاركي، من حيث التعريف.

إن الطبيعة التشاركية للتنظيم هي جوهرية، بغض النظر عن نوع التنظيم. في النهاية، قد يعتمد المسار الدمجي، الذي ما برحنا نصفه، على التحرّك المباشر وعلى ممارسة النفوذ السياسي من أجل النجاح، ولكنّه قد يعتمد أيضاً على التعاون. كذلك، يمكن أن تكون التنمية المحلّية تمريناً في جمْع كافّة قطاعات المجتمع المحلي معاً (حتى هؤلاء الذين يستخدمون النفوذ عادةً) في جهود من أجل تحسين الظروف ونوعيّة الحياة للجميع.


يتوقف "مَن" يشملهم تعريف "المجتمع المحلي" على الوضع القائم بدايةً: إذا كان غرض التنظيم الحصول على قدم المساواة أو التعامل بإنصاف مع المجموعة التي كانت محرومة منهما، عندها ستكون هذه المجموعة هي المجتمع المحلّي المطروح. أمّا إذا كانت الغاية إحياء البلدة التي كانت مُترفة اقتصادياً ثمّ مات اقتصادهاً، أو تحسين الظروف الصحية في كافّة المجالات، عندها يكون جميع المواطنين مقصودين.

الوضع المثالي هو حيث يمكن إقناع الجميع في المحلّة بالعمل سويّةً، وحيث تتم مراعاة مصالح الجميع. في واقع الأمر، قد تكون هذه الحالة نادرة، ولكنّه أمرٌ يستحق النضال من أجله. يشكّل بناء المجتمع وتطوير البنية التحتية التي تجعل ممكناً للناس العملُ معاً ضرورةً بغضّ النظر عن الغاية من التنظيم.

هنالك عددٌ من الخطوات الأساسية في التنمية المحليّة سنتناولها بحسب الترتيب الذي ينبغي أن تقام به تقريباً. نقول "تقريباً" لأنّ كلّ مجتمع محلّي وكل وضع هو فريد من نوعه. في بعض الحالات، قد تضطرّون إلى العمل على عدّة أمور في آن واحد، أو القيام بخطوة معيّنة خارج الترتيب، أو حتّى تجاوز خطوةٍ ما تماماً. من المهم الاستجابة للظروف القائمة.

  1. التعرّف إلى المجتمع المحلي:

إن تعبير "التعرّف" هنا يعني في الحقيقة ثلاثة أمور:

  • التعلّم عن التاريخ والعلاقات والمسائل والانقسامات والجوانب الأخرى من المجتمع المحلي أو المحلّة التي تعملون معها، قبل المباشرة في العمل

  • التعرّف على الأشخاص في المجتمع المحلي: بناء علاقات، لكي يعرفوا من أنتم، وماذا تفعلون هنا، ولماذا يجب التحدّث معكم والوثوق بكم

  • فهم كيف يرى الناس في المجتمع المحلي أنفسهم والآخرين

(انظروا الفصل 3، القسم 2: فهم المجتمع المحلي ووصفه.)

سننظر باختصار في ما تعنيه كلٌ من هذه الأمور في الممارسة:

تاريخ المجتمع المحلي

إنّ معرفة بعض تاريخ المجتمع المحلي ضرورية للغاية. إن عدم فهم التحالفات والخصومات والنزاعات والنجاحات في المجتمع المحلي، لاسيّما تلك التي تعود إلى الماضي القريب، يجعلكم عرضةً لارتكاب أخطاء جسيمة. وسيستغرق الوقت الذي ستمضونه للتنظيف بعد الفوضى أكثر بكثير من الوقت الذي تقضونه للتأكد من أنّكم لن تُسببوا الفوضى أصلاً.

للتعلّم تاريخ المجتمع المحلّي، عليكم التحدث إلى أولئك الذين شهدوه أو سمعوا عنه مباشرة من المصدر. يمكن للمحادثات مع وجهاء المجتمع المحلي الكبار أو المقيمين منذ فترة طويلة أن تُسفر عن قدر كبير من المعلومات (وبطبيعة الحال، ليس كافّة ما تسمعونه موضوعيّاً بالضرورة أو دقيقاً). إذا قمتم بإجراء اتصال مع مروحة واسعة من الناس، يمكنكم على الأقل فرز القصص ومعرفة أين تتّفق وتختلف. كما يمكن أن يكون مفيداً أيضاً هنا بعض البحث في أرشيف الصحف أو على شبكة الانترنت.

التعارف مع الناس وبناء الثقة

في العديد من المجتمعات المحلية (أكانت محدّدة جغرافياً أو طبقياً أو أو طائفياً أو إثنياً أو من خلال معيار آخر)، يكون صعباً على شخص آتٍ من الخارج أن يدخل بسهولة بين الناس. قد يكون أعضاء المجتمع المحلي متحفّظين عن تمضية الوقت معكم أو الإصغاء لما تقولونه، لاسيّما إذا كنتم مختلفين عنهم بشكل واضح. وحتّى لو كنتم أصلاً أعضاء في المجتمع المحلي، أو كنتم تأتون من خلفية أو ثقافة مماثلة لتلك الموجودة في المجتمع المحلي الذي تعملون معه، فلن تكسبوا ثقة الناس بسرعة. ستفعلون ذلك من خلال البرهنة عن الالتزام والبقاء أقوياء.

ينبغي أن تقضوا وقتاً في المجتمع المحلي والاجتماع بالأشخاص في المكان الذي يعيشون فيه (على الطرقات، وفي النشاطات المجتمعية، وفي المخازن والمطاعم، والحانات، وفي بيوت الناس). هنالك سبب يجعل منظمة  "فصائل السلام" ومنظمات مماثلة تصر على عيش المتطوعين في المجتمعات المحلية التي يعملون فيها، فالتآلف يحصد تآلفاً. إذا كان أعضاء المجتمع المحلّي يعرفونكم فعليّاً ويقيمون علاقة بكم (أي أجروا أحاديث معكم عن عائلتكم وعمّا تحبّونه وما لا تحبّونه وقيمكم ومُثلكم) فسيميلون على الأرجح إلى الثقة بكم والإصغاء لكم عندما تطلبون منهم الانضمام إلى جهود التنمية.

فهم كيف ينظر أعضاء المجتمع المحلي إلى أنفسهم وإلى الآخرين

سيساعدكم فهم كيف نظر أعضاء المجتمع المحلي إلى أنفسهم وإلى الآخرين، داخل المجتمع وخارجه، على فهم أين ينبغي أن تبدؤوا مع المجتمع المحلّي. فيما يلي بعض العوامل التي قد تودّون استكشافها:

  • ما مدى تفاعل أعضاء المجتمع المحلي مع بعضهم بعضاً؟ إلى أي مدى يعرفون بعضهم بعضاً؟ هل هناك حس بالتضامن المجتمعي، أم هناك انقسامات عميقة بين أهل البلدة والوافدين الجدد، أو بين الناس من مختلف المناطق أو الطوائف أو الإثنيّات؟ وهل هناك آليات موجودة في المجتمع المحلي تعمل على التقريب بين الناس أو تُباعد بينهم؟

  • هل يرى أعضاء المجتمع المحلي أنفسهم كمجتمع محلي؟ أم هل يرون أنفسهم كجزء من مجتمعات متعدّدة؟ هل يتماهون مع المجتمع المحلي كما قمتم بتحديده أم مع أي مجتمع محلّي آخر؟ أو هل تحدّ العائلةُ أو الصداقةُ أو العملُ عالمَهم؟

  • كيف يرى أعضاء المجتمع المحلي التغيير وقدرتهم الذاتيّة على إحداث التغيير؟ هل يريدون التغيير؟ هل يشعرون أنّ التغيير ممكنٌ؟ هل هم غاضبون؟ خائفون؟ غير مبالين؟

  • هل لدى المجتمع المحلي حسٌّ بالاعتداد بالنفس أو شعور بالنقص؟ هل يشعر المجتمع المحلي أنّه مضغوط من قوى خارجيّة؟


تشكّل كيفية نظر أعضاء المجتمع المحلي إلى التغيير وحسّهم بمجتمعهم عاملين  في غاية الأهمّية للفهم. إذا شعر الناس أنّهم غير قادرين على التأثير على الأحداث أو أنّه ليس لديهم مهارات لاستخدامها في تحسين حياتهم ومجتمعاتهم المحلّية، فلن يحاولوا. غالباً ما يكون إقناع المواطنين أنّهم قادرون على إحداث الفرق أوّل (وأصعب) مهمّة تواجه المنظّمين المجتمعيّين وبُناة المجتمعات المحلية.

ويمكن أن يكون الأمر أصعب من ذلك عندما يرى بعض أفراد المجتمع المحلّي أنفسهم قادرين فعلّياً على إحداث التغيير، فيما يرى آخرون أنّها قضية خاسرة ("إنهم أقوياء للغاية"، و"ليس لدينا علم بكيفية سير الأمور"، و"كل ما يحصل يتقرّر وراء الكواليس على أي حال"، الخ.). إنّ القيام بمنع المجموعة الواثقة من هيمنتها أو سيطرتها (ما سيعزّز فقط شعور الآخرين بالعجز) وفي نفس الوقت إبقاءهم منخرطين لهو توازن صعب ولكنه ضروري.

 
  • ما هي أنواع الصلات الحالية أو المحتمَلة التي يتمتّع بها أعضاء المجتمع المحلي مع صانعي السياسات أو الأفراد أو المجموعات المؤثّرة الأخرى؟ هل يرون هذه الصلات ممكنة أو مفيدة؟

  1. تحديد الأسباب التي ستسهم في جعل المجتمع المحلي راغباً في التنمية المحلّية:

في ثلاثينات القرن الماضي، السبب الذي مكّن سُولْ ألينْسكي (الذي يُنظر إليه بشكل عام بوصفه "أب التنظيم المجتمعي الحديث")، من جمع مجموعات الأحياء التي كانت عدائية تجاه بعضها، هو أنّ هذه المجموعات تشاركت مصلحةً جامعة وهي تحسين ظروف العمل في حظائر الماشية، واستياءً مشتركاً من أرباب العمل الذين كانوا يستغلّونهم. إذا كان المجتمع المحلّي هو للتلاقي، فلا بدّ أن يكون هنالك أسباب وجيهة للقيام بذلك، وهذه الأسباب يجب أن يحدّدها المجتمع بنفسه، وليس سلطة ما أو خبير أو منظّم من الخارج، مهما كانت نيّاتهم حسنة.

قد تكون هذه الأسباب مسائل صغيرة محدّدة (إفساد حديقة الحي أو الحاجة إلى مزيد من الإضاءة في الشوارع) أو هموماً أكبر (مثل الخوف من احتضار المجتمع اقتصاديّاً أو اجتماعيّاً، أو مشاعر استياء والشعور بالعجز، أو الإحساس بأنّ الفرص تفَوَّت، أو التمييز والظلم على نطاق واسع، أو العداء إزاء الخارج...الخ). علاوةً على ذلك، قد لا تكون الأسباب مفهومة أو مشتركة من قبل الجميع. من الضروري معرفة ما يهم أفراد المجتمع المحلّي، وتحديد ما يمكن أن يحرّكهم لكي يتوحّدوا ويتّخذوا الإجراءات اللازمة لمعالجة الهموم. (انظروا الفصل 3: تقدير حاجات المجتمع المحلي وموارده.)

  1. تحديد مَن هم قادة الرأي والأفراد والمجموعات الموثوق بها في المجتمع المحلّي:

قادة الرأي هم الذين يقيِّم معظمُ أعضاء المجتمع المحلّي آراءَهم إيجاباً ويتبعون نصائحهم. قد يكونون قادةً بسبب مواقعهم (مدراء شركاء تنفيذيين أو رجال دين أو رؤساء جامعات أو مسؤولين حكوميين أو دراء جمعيات)، أو لذكائهم المفترض (أطبّاء أو أساتذة)، أو ببساطة لأنّهم برهنوا عن رزانة في التفكير وإنصاف في التعاطي في الماضي. غالباً ما يكونون مواطنين عاديّين اكتسبوا احترام جيرانهم من خلال ممارسة رجاحة العقل والمنطق والتعاطف والقيم العالية.

ابحثوا عن هؤلاء الناس وابدؤوا معهم، فهم يعرفون كيفيّة جذب الآخرين، ويعلمون مَن مِن الناس يمكن أن يُحضر آخرين كذلك معه. دعمُهم سيقدّم مصداقيّةً لجهود التنمية المحلية، كما سيكونون، على الأرجح، قادرين على تحديد النزاعات الجماعية والشخصيّة والثغرات الأخرى في التنمية المحليّة، والمساعدة في هذه المجالات. (انظروا الفصل 7، القسم 6: إشراك أصحاب النفوذ الأساسيين في المبادرة.)


نجحت جهود ألينْسْكي في تنظيم بعض الأحياء في شيكاغو ، على الأقل جزئيّاً، لأنّه تمكّن من كسب دعم المجموعتيْن الأهم بالنسبة للسكّان، وهما النقابات والكنيسة الكاثوليكيّة.

ربّما كان أهم ما تقومون به هو معاملة الجميع باحترام. إذا استطعتم بناء سمعة كأشخاص مستقيمين ونزيهين، تحترمون الجميع، فسيكون الناس على أكثر من استعداد لسماع ما تريدون قوله. أمّا إذا تعاطيتم معهم بازدراء، أو قدّمتم أنفسكم كعارفين بالأمور أكثر من أعضاء المجتمع المحلي، سيكون من الأفضل أن تغادروا وتستخدموا وقتكم بطريقة أخرى.

  1. استقطاب أعضاء المجتمع المحلي للجهود:

تعتمد التنمية المحلّية في المقام الأوّل والرئيسي على الاتّصال الشخصي. اللقاء مع الناس في بيوتهم، والنقاشات من باب إلى باب، والوصول إلى المنظمات والمؤسسات والوكالات، كافّة هذه الطرق وغيرها هي أساس الجهود التنظيمية. من الصعب إقناع أي أحد بأي أمرٍ من دون تواصل مباشر. (انظروا الفصل 6، القسم 1: تطوير خطّة اتّصال.)


بَل يمكن ويجب أن يستمر الاستقطاب على نحو متواصل. لا يهم أين أصبحتم في مسار التنمية المحلية، فستبقى هنالك حاجة للاستفادة من المزيد من المشاركين.

في الواقع، لا يمكن فصل الاستقطاب عن بناء الثقة وعن أن تصبحوا جزءاً من المجتمع المحلي. يعتقد العديد من المنظّمين أنّ عليهم أن يعيشوا فعليّاً في المجتمع لبناء أي قدرٍ من المصداقية، وقد يكون ذلك صحيحاً، على الأقل في بعض المجتمعات المحلية. يمكن لوجود دعم من قادة الرأي وآخرين من أعضاء المجتمع المحلي والمجموعات الموثوق بها، أن يخدم الغرض نفسه أحياناً ، لكنّها ليست بديلاً من القيام بالعمل الجوهري في أي تنظيم، أي إجراء اتصالات شخصيّة مع أكبر عدد ممكن من الناس، والحفاظ على الاتصالات يوماً بعد يوم.

  1. بناء نظام تواصل: التحسين الأول من تحسينات النُظم الضرورية في التنمية المحلية هو بناء شبكة تواصل تجعل ممكناً لأي شخص الوصول إلى أي شخص آخر. هكذا نظام يجعل العمل سويّة ليس أسهل بكثير فحسب، بل يساعد أيضاً عل إخماد الإشاعات وتهدئة المشاكل قبل أن تقع.

إنّ القدرة على القيام باتّصال مباشر مع سيّدة لمعرفة ما قصدَته تماماً بما نقل عما كتبته في الصحيفة، أو لمعرفة هل هي فعلاً تخطّط لما سمعتموه عنها، يمكن أن تُحدث كل الفرق. قد لا تكون ملاحظتها عدائيّة (أو قد لا تكون أصلاً قد عملت بهذه الملاحظة)، أو قد تكون لم تقصد أن تُطلق خطّتها قبل نقاشها معكم ومع آخرين بدايةً. من جهة أخرى، إذا وقعت مشكلة فعليّة فمن الأفضل التعاطي معها بشكل مباشر وحلّها قبل الاحتجاج ، بدل الشكوى والانتظار حتى يفوت الوقت.


من معجزات القرن الماضي العظيمة، أنّه بعد الدمار الذي ألحقته القنبلتان على هيروشيما وناغازاكي، لم يَستخدم أحدٌ القنبلة النووية ضد الكائنات البشرية. سببٌ ممكنٌ لتجنّب هكذا كارثة هو وجود الهواتف الحمراء على مكاتب رئيس الولايات المتّحدة وزعيم الاتّحاد السوفييتي. لقد اسْتُخدم نظام التواصل هذا، الذي بادر به لينْدون جونْسون في منتصف ستّينات القرن الماضي، أكثر من مرّة لإعلام الرئيس أو الزعيم عن تحرّكات كان من الممكن أن تُعتبر عدائيّة، لوْ لمْ تُفسَّر عندها فوراً ، وقد تكون هذه التفسيرات قد جنّبت العالم حرباً نوويّة.

في هذا المعنى، لا يعني نظام الاتّصال بالضرورة معدّات وتجهيزات (كالنظام الهاتفي المعقّد أو شبكة الكومبيوتر)، بَل المقصود أن يعرف الناس بمَن يتّصلون ومن أجل ماذا، والتأكّد من أنّ الجميع يستطيع أن يصل لكل الآخرين. قد يكون ذلك ببساطة عبر تمرير قائمة بأسماء وعناوين البريد والبريد الإلكتروني (حيث يوجد) وأرقام الهواتف، أو قد يكون معقّداً كإقامة "شجرات تواصل" (ما يسمح باعتبار العديد من ذوي الدخل المحدود الذين قد لا يملكون هواتف أو كومبيوتر).

  1. تشجيع القيادة من داخل المجتمع المحلي منذ البداية:

من المهم القيام بتحديد القادة الطبيعيين وتدريبهم والإشراف عليهم حتى يتمكّنوا من تحمّل مسؤولية متزايدة، وفي النهاية توجيه الجهود بأنفسهم. إحدى الجزئيّات المفتاحية التي على التنمية المحليّة أن تخلقها هي القيادة المحلّية ما يجعل من الممكن ادامة الجهود إلى ما لا نهاية مِن قِبَل المجتمع المحلي. (انظروا الفصل 13، القسم 5: تطوير فصائل من القيادات المجتمعيّة: نموذج لتعلّم الخدمة، حيث تجدون طرق إيجاد القادة المحتملين وتدريبهم.)

  1. خلق بنية تساعد المجتمع المحلي على تحقيق غاياته:

من أجل تقوية جهود التنمية وتنسيقها، غالباً ما يكون ضرورياً خلق منظمة من نوعٍ ما، أو حتّى أكثر من واحدة، لتأمين البنية لتحرّككم ولتنسيقه. الاستثناء لهذه القاعدة هو الوضع الذي تكون فيه منظّمة ذات مصداقيّة أصلاً موجودة، وهي قادرة أن تأخذ على عاتقها القيام بالتنمية المحلّية.

هنالك عدّة أسباب لتأسيس منظمة أو بنية أخرى، وهي :

  • المنظّمةُ تجعل العملَ أسهل: المنظّمة تعطي الجهود هويّةً يمكن استخدامها بعد ذلك في البحث عن موارد، وصناعة التحرّكات وتنفيذها بها، واكتساب الوضعيّة الرسمية، والإدلاء بالمواقف. تجعل أسهل العملُ في عالم التنظيمات الحكومية والحملات التمويلية، فهي أسهل للشرح من مسار تنمية محلّية لا يزال دون إطار، كما يمكن أن تجتذب أعضاء بشكل أفضل كذلك.

  • المنظمةُ تجعل العملَ أكثر جدوى وأكثر فعاليّة: الهيكلية تجعل من الأسهلَ تقسيمَ المهمات وتفويضها بفعاليّة، من أجل الاتّصال بالناس عندما ينبغي تنفيذ المهام، ورصد كافّة الأمور.

  • المنظّمة تُعطي الجهودَ مكاناً في المجتمع المحلي: المنظمة تشرّع جهود التنمية، وتُظهر أنّها جدّية وأنّها مدعومة بشكل جيّد.

  • المنظّمةُ تقدّم شكلاً لجهود التنمية: المنظمة هي شيء يمكن للمجتمع المحلي أن يشير إليه كنتيجة لاجتماعهم. له مضمون وغرض، بدل أن يكون مجرّد مجموعة أفراد يتكلّمون عن القيام بأمرٍ ما. له اسم، والناس مرتبطون به. أن تكون حقيقة.

  • المنظّمة تخلق تركيزاً للعمل المجتمعي: المنظمة يمكن أن تعمل كجسم تنسيقي لأي أمرٍ يأتي لاحقاً، فهي تؤمّن تركيزاً مادّياً (مكتباً وهاتفاً وحاسوباً، حتّى لو كانت هذه الأمور في مطبخ أحدهم أو غرفة جلوسه) بالإضافة إلى التركيز الاجتماعي والسياسي. الناس ينتمون إليها، أو يعملون معها أو لصالحها، وهم يهتمّون لما تمثّله، لأنّها تمثّلهم.

  • المنظّمة توحّد المنخرطين في التنمية المجتمعية: المنظّمة تعطي أعضاء المجتمع المحلّي إطاراً رسميّاً لكي ينتموا إليه ويشاركوا فيه. هي تجمع الناس معاً مادّياً (من أجل الاجتماعات والنشاطات الأخرى)، وتجعلهم يتماهون معها، ومع أعضاء آخرين أو مشاركين فيها.

  • المنظّمة تعطي المجتمع المحلي كياناً خلقه هو بنفسه وامتلكه: إذا كانت جهود التنمية تنفَّذ بشكل جيّد فستنمو المنظّمة من مشاركة المجتمع المحلي ومن أفكاره. ولأنّ المجتمع يملّكها فسيعمل جاهداً لكي يُنجحها.

للمزيد عن إنشاء منظّمة، الرجاء الذهاب إلى الفصل 5، القسم 5: إنشاء ائتلاف (1): بدء ائتلاف والقسم 6: إنشاء ائتلاف (2): صيانة الائتلاف بالإضافة إلى الفصل 9: تطوير بنية تنظيمية للمبادرة.


حتى هذه المرحلة، تنطبق خطوات الانخراط في التنمية المحليّة كذلك على التحرّك الاجتماعي أو تغيير السياسات. أمّا الخطوات القادمة، فهي مصوّبة تحديداً باتّجاه جهود تسعى إلى توحيد المجتمع المحلّي بأسره في تحرّك يحسّن الظروف للجميع، وليس نحو جهود لاكتساب الإنصاف أو النفوذ لمجموعة كان التعاطي معها ظالماً، ولا تحرّك لتغيير السياسات والقوانين. الطرائق الخاصّة بتنفيذ هذه الأنواع من التنظيم يجري طرحها في القسمين الثالث والرابع من هذا الفصل.

  1. تحديد المسائل الأهم المتّصلة بهموم المجتمع المحليّ الإجماليّة:

كما حصل عندما التأمت مجموعتكم، ينبغي أن تأتي المسائل الواجب العمل عليها من المجتمع المحلّي بنفسه، وأن تعكس هموم أعضاء المجتمع وحاجاتهم. قد تكون بعض هذه المسائل نفس الأسباب التي حددتم من أجل اللّقاء أصلاً، وقد تأتي أخرى كنقاط انطلاق من أجل غاية أوسع. في كلتا الحالتين، لن يجد الناس المسائل مُلزِمة إلاّ إذا قاموا بأنفسهم بتوليدها. (انظروا الفصل 17: تحليل مشكلات المجتمع المحلي وحلوله.)

  1. تطوير خطّة استراتيجية:

بعد أنّ حدّدتم ما الذي ستقومون به (أي المسائل أو المشكلات التي ستعالجونها)، الخطوة التالية هي إيجاد طريقة لكيفيّة الوصول إليها. الطريقة للقيام بذلك هي من خلال تطوير خطّة استراتيجية (برنامج عمل خطوة بخطوة لتحقيق غاياتكم). هذا يعني مباشرة العمل في مسار تشاركي، لبناء رؤية للمجتمع المحلّي ورسالة لجهودكم، والأهداف الواجب الوصول إليها، والاستراتيجية التي ستصلون من خلالها، والتحرّكات التي ستنفّذ كافّة ما سبق (رؤية فرسالة فأهداف فاستراتيجية فتحرّكات). (لوصفٍ تفصيلي أكثر عن التخطيط الاستراتيجي، انظروا الفصل 8: بناء خطّة استراتيجية، وللمزيد عن التخطيط التشاركي، انظروا الفصل 18، القسم 2: مقاربات تشاركية في التخطيط لتدخلات مجتمعية.)

إنّ جزءاً مهمّاً من التخطيط هو اعتبار ما هو ممكن وما الذي سيساعدكم على المحافظة على استمرار مسار التنمية. على سبيل المثال، من الحكمة ألاّ تحاولوا الوصول إلى غاياتكم النهائيّة جميعها في نفس الوقت، بَل العمل ضمن مراحل. صوّبوا بدايةً على أمرٍ قابل للتحقيق، لكي يكون لجهودكم نجاحٌ أوّلي يمكن البناء عليه. وعندما تتحقّق هذه الغاية، قوموا بالتفكير الاستراتيجي من جديد، وانتقلوا إلى الغاية التالية التي تكون أكثر صعوبةً بشكل ما. ومع كل مرحلة من الجهود، يصبح الناس أكثر ثقةً والتزاماً بالوصول إلى الغايات الطموحة التي وضعتموها في الخطّة الاستراتيجية.

  1. تطبيق الخطة:

هنا تحصدون كافّة ما قمتم به من تنظيم وعمل مجهد. المجتمع المحلي يقوم بتحرّك لتحقيق النتائج التي يبتغيها، بناءً على الخطّة التي تمّ تطويرها.

  1. الاستمرار في رصد العمل وتقييمه:

تَعتبر "عدّة العمل المجتمعي" هذه الوظائف في غاية الأهميّة لأي جهود، لدرجة أنّها تخصّص لها أربعة فصول (36 – 39) لتقييم المنظمات والمبادرات المجتمعيّة. إنّ رصد عملكم وتقييمه بشكل دوري يُعطيانكم فرصة تغيير ما لا يعمل بشكل جيّد، وفرصة الاستجابة للتغييرات في المجتمع المحلّي، فضلاً عن معرفة ما تقومون به بشكل جيّد، وإمكانيّة إعطائكم أفكار حول كيفيّة البناء على نجاحاتكم.

يجب أن تنظروا إلى المسار أيضاً فضلاً عن النظر إلى نتائج ما قمتم به. ما مدى النجاح الذي قدّمتموه إلى كافّة قطاعات المجتمع المحلي؟ ما مدى استثمار هذه القطاعات في إحداث التغييرات التي ستحسّن حياة الناس أو التسبّب بها؟ ما مدى جودة سير منظّمتكم، وهل تلبّي حاجات المجتمع المحلي؟ هل التحرّك الذي تشاركون به فعّالٌ في إبقائكم على الطريق باتّجاه الغايات؟ هل تحقّقون النتائج التي تصوّبون باتّجاهها؟

  1. جعل جهود التنمية المحلّية مستدامة ذاتيّاً ومُدارة من المجتمع المحلي، فتصبح مكوّناً ثابتاً دائماًً:

لا يزال "مجلس الأحياء خلف الساحة" الذي ساهم سُول أَلينْسْكي في تأسيسه عام 1939 موجوداً كمنظّمة، مع أنّ معظم الذين انخرطوا فيه أصلاً فارقوا الحياة منذ زمن بعيد، ولقد انتقل الحي من كونه مؤلّفاً تقريباً بشكل كامل من سكّان ذوي البشرة البيضاء والأوروبيين الشرقيين إلى سكّان هِسبانيين (من أصل لاتيني) وأفرو- أميركيين. قد لا تكونوا مهتمّين بهذه الدرجة من العمر المديد، ولكن التنمية المحلّية هي مسار مستمر. الأفراد والمجموعات تنتقل، والآخرون الذين لا يعلمون شيئاً عن جهودكم يأخذون المكان. في حال بَنيْتم مجتمعاً محلّياً متيناً ومنظّمة قويّة تنتمي إلى أعضاء المجتمع المحلي يديرونها بأنفسهم، فالمنظمة ستسمر طالما هنالك حاجة لها.

باختصار

التنمية المحلية هي وجهٌ من أوجه التنظيم المجتمعي الذي يركّز على بناء بنية تحتيّة من العلاقات والمسارات والنُظم التي تجعل ممكناً أن يحل المجتمع المحلّي مشكلاته الخاصّة بنفسه وأن يتجاوب مع حاجاته، وذلك من خلال التخطيط والتحرّك والمناداة. ينبغي أن يكون مسار التنمية تشاركيّاً وشاملاً لكافّة القطاعات، ويجب تشجيع القيادات وتغذيتها من داخل المجتمع المحلّي.

التنمية المحلّية هي قاعدة أي جهود تنمية، فهي المسار الذي يُستقطَب من خلاله أعضاء المجتمع المحلّي إلى المشاركة في الجهود، ويُطلب منهم تحديد الحاجات والمشكلات المجتمعية والتعامل معها من خلال استخدام الموارد والسلطة التي تأتي من تضامن عدد كبير من الأشخاص الذين يتحدّثون بصوت واحد. قد يعني ذلك توحّد كافّة أعضاء مجتمع محلّي واسع لطرح مسائل مجتمعية بأهميّة التنمية الاقتصاديّة أو الصحّة العامّة، أو قد يعني اتّحاد أعضاء من مجتمع محلّي محدّد بشكل أدق (القادمين من بلد آخر، أو المنتمين إلى طائفة ما، أو العاملين في تجارة أو مصنع ما، أو الحاصلين على المساعدات الاجتماعية، أو القاطنين في مشروع سكني ما) لمعالجة هموم أكثر تحديداً، أو للمطالبة بالتعاطي المنصف.

مهما كان الوضع، التنمية المحلية تبدأ بفهم المجتمع المحلّي وتاريخه، وبناء العلاقات واحدة تلو الأخرى. يمكن للعلاقات مع الأفراد المفاتيح أن تساعد بشكل كبير في جذب الآخرين إلى الجهود وفي تحديد الثغرات المحتمَلة وسبل النجاح. وعندما يبدأ الاستقطاب، يتم تحديد القادة المحتملين أو الحاليين من داخل المجتمع المحلي، وتجري تغذيتهم بالدعم والتدريب. في مرحلةٍ ما، تشكّل الجهود، على الأرجح، منظّمةً أو بنيةً رسميّةً أخرى لتلعب دور نقطة الارتكاز. المنظمة (التي يديرها المجتمع المحلي، جامعةً الكل وتشاركية كما يجب أن تكون الجهود من البداية) تنخرط في تحديد المسائل، والتخطيط الاستراتيجي والتحرّك، والتقييم. فضلاً عن ذلك، تجد المنظّمة الموارد لاستدامة الجهود، وتصبح العربة التي تنقل الجهود إلى الأمام على المدى الطويل.

التنمية المحلّية مفيدة تقريباً في أي مجتمع. فهي يمكن أن تعالج الظلم، أو المشكلات البنيوية أو القصور، أو بناء السياسات أو تغييرها، أو مشكلات مجتمعيّة خطيرة أخرى. إذا أُجريت بشكل جيد فإن التنمية المحليّة يمكن أن تؤدي إلى تغيير اجتماعي إيجابي وطويل الأمد، وإلى مجتمع محلّي أكثر صحّة.

نشجّعكم على إعادة إنتاج هذه المادة، لكن نرجو أن تذكروا مرجعها، "عدة العمل المجتمعي" على الموقع:

Http://ctb.ku.edu

Contributor 
فِيلْ رابيْنوفِيتْز

موارد

على الإنترنت

City of Calgary Community Assessment Handbook – Locality Development model.

The Community Organizing Toolbox
A resource of the Neighborhood Funders Group.  Information on community organization, with some examples.

Community Organizing

وصف وروابط إلى مزيد من المعلوات عن "سول ألينسكي" والتنظيم. هذه الصفحة هي جزء من موقع أكبر بكثير ينظر في طرق مختلفة للتنمية والتنظيم في خدمة شرح واستكشاف التنمية عبر منظمات متعددة.

موارد مطبوعة

Rothman, Jack (2001), Approaches to community intervention.  In Rothman, J., Erlich, J.L., and Tropman, J.E., Strategies of Community Intervention (6th edn.).  Itasca, IL: F.E. Peacock, pp. 27-64.