استمارة البحث

القسم 3. التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات

  • ماذا نعني بالتخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات؟
  • لماذا ينبغي على صانعي السياسات الانخراط في مسار تشاركي للتخطيط الاجتماعي؟
  • لماذا ينبغي على المجتمع المحلّي أن ينخرط في مسار تشاركي للتخطيط الاجتماعي؟
  • متى تكون عمليّة التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات مناسبة؟
  • من يجب أن يشارك في التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات؟
  • كيف يمكن أن ينخرط صانعو السياسات بفعاليّة في التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات؟
  • كيف يمكن أن تنخرط المجتمعات المحلّية بفعاليّة في التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات؟

شعر رئيس البلديّة بالقلق، فلقد جلب معه نموُّ المدينة في العقدين الأخيرين العديدَ من المشكلات المتفشّية عادةً في حياة المدينة، والتي كان قد تمكّن المجتمع المحلي من تجنّبها حتّى الآن، فتحوّل أحد الأحياء إلى مكانٍ لا أحد يريد العيش فيه، إذ سيطر عليه مروجّو المخدّرات وعصابات الشباب، وطغت عليه أكثر وأكثر المنازل المغطّاة بألواح خشب.

كان الحي، حتى وقت قريب، متماسكاً، ومجتمعاً محليّاً من الطبقة العاملة، وكان العديد من الناس لا يزالون يعيشون في نفس المنازل التي عاشت فيها عائلاتهم على مدى نصف قرن أو أكثر. ولكن المزيد منهم غادر بسبب ارتفاع معدّل الجريمة وتدهور وضع الحي. ولم يكن رئيس البلدية يريد أن يرى ما كان جزءاً حيويّاً من البلدة قد أصبح حيّاً فقيراً معدما.

في محاولة لإنقاذ الحي، قرّر رئيس البلدية الدفع باتّجاه سياسة لتنمية للمنطقة، فحثّ مجلس البلدية على تخصيص الأموال اللازمة لهذه الجهود، ونظّم مجموعات ضغط على المجلس التشريعي للولاية للحصول على أموال الولاية المناسبة كذلك. فكّر أنّه إذا أمكن إنقاذ السكن وتحسينه، وإذا كانت لشركات الأعمال أن تجد لها موقعاً في الحي، فقد يوقِف ذلك الانزلاق ويُقنع السكّان القدامى بالبقاء، ويجذب العائلات الشابة التي قد تجدّد روح المجتمع المحلّي التي كانت موجودة هناك لمدّة طويلة.

علم رئيس البلدية أنّه حتّى لو استطاع الحصول على الأموال، فستنجح الخطّة فقط بدعم سكّان الحي. لهذا السبب، اتّصل بأفرادٍ كان يعرفهم في الحي، بالإضافة إلى رجال الدين، وقادة منظمات أخوية ودينية وخدماتية وثقافيّة، من أجل تشكيل لجنة تساعد على بناء خطّة لاستعادة حيّهم.

أحياناً، تأتي الأفكار والدوافع للتنمية المجتمعية من المخطّطين الاجتماعيين وصانعي السياسات. يمكن لذلك أن يكون إيجابياً، طالما أنّ الأفكار لا تُفرض على المجتمع المحلي دون موافقته ودون أن تكون له علاقة بالقرارات التي ستؤثّر عليه.

في القسم السابق حول التنمية المحلّية، تناولنا تنظيم المجتمع المحلي الذي غالباً ما ينبع من المجتمع المحلّي نفسه أو من أفراد أو منظمات داخله، استجابةً لمسألة أو حاجة. في القسم القادم، سنعالج الأوضاع التي يكون فيها على المجتمع المحلي أن يتّخذ إجراءات لإزاحة القادة أو آخرين من أجل إحداث التغيير. أمّا هذا القسم فهو عن التنظيم المجتمعي الذي يكون على شكل التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات، والذي يمكن أن يكون مفيداً عندما يأتي الدفع ممّن هم في السلطة، وليس من الناس المتأثّرين به.

في أماكن أخرى في "عدّة العمل المجتمعي" (الفصل 25: تغيير السياسات والفصل 31، القسم 10: إجراء أبحاث للتأثير على السياسات والفصل 32، القسم 2: تطوير وثيقة مشروع للتغيير، كما في مواقع مبعثرةً في الفصول 31 - 33)، نناقش كيف تستطيع المجموعات القاعدية والمنظمات المجتمعية المبادرة وإحداث تغيير السياسات. في هذا القسم، سنُعنى بالأوضاع التي يكون الدفع الأوّلي من صانعي السياسات أنفسهم، استجابةً لما يعتبرونه أزمةً أو مسألة ينبغي التعاطي معها.

ماذا نعني بالتخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات؟

التخطيط الاجتماعي هو المسار الذي يحاول من خلاله صانعو السياسات (المشرّعون والوكالات الحكومية والمخطّطون والمموّلون في معظم الأحيان) حلّ المشكلات المجتمعية أو تحسين الظروف في المجتمع المحلي من خلال صنع سياسات مقصود بها تحقيق نتائج محدّدة وتطبيقها. قد تتّخذ هذه السياسات شكل قوانين أو تنظيمات أو محفّزات أو حملات إعلامية أو خدمات أو معلومات، أي مروحة واسعة من الاحتمالات. المجتمع المحلي أو مجلس الصحّة الوطني الذي يتبنّى قانوناً يمنع التدخين في أمكنة معيّنة، مثلاً، هو يحاول حماية العموم من التدخين غير المباشر من جهة التخفيف من التدخين بشكل عام، من جهة أخرى.

هنالك تاريخ طويل للتخطيط الاجتماعي في الولايات المتّحدة وفي غيرها من البلدان. تقليدياً، كان ذلك يعني أنّ صانعي السياسات قرّروا ما اعتبروه جيّداً للمجتمع المحلي أو للسكّان، وفرضوا سياسةً معينة بِنِيّة إحداث النتائج التي يبتغونها. في الحالات الأفضل، كان ذلك يعني برامج تنفع عدداً كبيراً من الناس (مثل برنامجَيْ "العقد الجديد  الذي أطلقه الرئيس فْرَنْكلين روزفلت" و"البداية الأساس" في الولايات المتّحدة، وبرامج صحّة عامّة أخرى). في الحالات الأسوأ، استُخدم التخطيط الاجتماعي للمنفعة (الاقتصادية أو السياسيّة) الخاصّة بصانعي السياسات وأصدقائهم وداعميهم.

في حالات أخرى، أدّى التخطيط إلى تبعات سلبيّة رغم نواياه الحسنة. فعلى سبيل المثال، التجديد المدني في خمسينات وستّينات القرن الماضي، قصد، من خلال تنظيف الأحياء "المزرية"، جَعْل المدن أمكنة أفضل للعيش (أكثر أماناً وأكثر جاذبيّة وأكثر صحّة اقتصادياً). في الواقع، كان له هذا التأثير معظم الأحيان فقط على الناس الذين انتقلوا إلى مساكن جديدة وشركات أعمال جديدة، بعد أن كان السكّان الأصليّون قد غادروا دون أن يكون لهم مكان يتوجّهون إليه. في العديد من الحالات، حطّم التخطيط مجتمعات محليّة صالحة وتتمتّع بالحيويّة.


ربّما المثال الأكثر شهرةً لذلك في الولايات المتّحدة كان التسوية للطرف الغربي في lمدينة بوسطن، وهو حيّ للمهاجرين من الجيل الأول، صوّرتهم دراسة سوسيولوجية معروفة اسمهاالقرويون في المناطق الحضرية، قام بها هِربِرتْ غانس (​​وللسخرية، نُشرت لأول مرة في عام 1962، بعد عامين من اختفاء الحي). وقد أظهرت الدراسة كيف كان هذا الحي المديني يعمل مثل قرية ريفية، مع بُنى ومؤسسات اجتماعية أدّت إلى حِس مجتمعي قوي، حتّى في خضم مدينة كبيرة من القرن العشرين. كانت أجيالٌ من المهاجرين، لاسيّما الإيطاليين واليهود من أوروبا الشرقيّة، قد أصبحت أميركيّةً هنالك، مع الحفاظ على روابطها الثقافية والعائلية.

بعيدا عن أي آفة وفساد، وعلى الرغم من أنّ الحي كان يتألف في معظمه من مساكن في مبانٍ، فقد كان مجتمعاً محلياً حقيقياً يتمتّع بحياة في الشارع ملوّنة وحيوية، ويحبّه السكّان. ثمّ هُدم الحي وحلّ مكانه مجمّع سكني فاخر يحدّه الطرق السريعة ويحيط به سور يشبه السلسلة. تطلّ عليكم لافتة بجوار المجمّع السكني، المقصود أن يَنظر إليها أشخاصٌ عالقون في حركة المرور على أحد الطرق السريعة، تقول ما يلي: لو كنتم تعيشون هنا، لكنتم قد وصلتم إلى بيوتكم الآن." كان سكّان الطرف الغربي أصبحوا إذاً ;في بيوتهم الآن. الحقيقة هي أنّه طالما لا يزال الذين بقوا على قيد الحياة يصدرون نشرة ويعقدون لقاءات بعد مرور خمسين عاماً، فهذا يوضّح تماماً كمْ كان المخطّطون بعيدين عمّا كان "جيّداً من أجل السكّان.

من جهة أخرى، ليس بالضرورة أن يكون شكل التخطيط الاجتماعي من الأعلى إلى الأسفل. بدءاً من ستّينات القرن الماضي، حملت برامج اجتماعية عديدة متطلبات للمشاركة المجتمعية في التخطيط وفي تطبيق البرامج والمبادرات. (يشكّل المثالَ الساطع على ذلك برنامجُ "المدن النموذجيّة"، وهو الحجر الأساس لحملة الرئيس ليندون جونسون على الفقر.) وفيما احتُرمت هذه المتطلبات في حالات انتهاك القوانين أكثر مما احترمت في حالات تطبيقها، فلا شك أنّ المبادرات الاجتماعيّة سارت بشكل أفضل وبَنَت سياسات أفضل عندما شارك المتأثرون بها في صنعها.

على الرغم من حسن النية، فالتخطيط من الأعلى إلى الأسفل قد لا يأخذ في الاعتبار حقائق الوضع الذي يعالجه، ويمكن لهذا الفشل أن ينبع ممّا يلي:

  • جهل المجتمع المحلي وواقع أنّ ما ينجح في مجتمع قد لا ينجح في آخر: قد تعمل الأنماط الاجتماعية أو التاريخ (لاسيّما المحاولات السابقة لمعالجة المسألة المطروحة) أو الاقتصاد في المجتمع المحلي، فرديّاً أو جماعيّاً، على خلق وضع فريد. وينبغي أن يُفهم هذا الوضع قبل القيام ببناء سياسة ناجحة.

  • الجهل عن حياة الذين يستهدفهم التخطيط: قد تكون الفرضيّات الثقافيّة للمجموعات المهاجرة أو للآتين من خلفيّات معيّنة إثنيّة أو عرقيّة، غائبة تماماً عن المنخرطين في التخطيط لهم. وحتّى لو كان التقسيم بين صانعي السياسات والسكّان الذين يستهدفهم التخطيط اقتصاديّاً فقط ، فقد تبقى اختلافات جمّة في الطرق التي يرون بها العالم، فضلاً عن الاختلافات الواسعة في العوالم التي يعيشون فيها. إذا لم يفهم صانعو السياسات الثقافة والفرضيّات (والحاجات الحقيقية) للناس الذين يأملون أن يؤثّروا بهم فإن مصير السياسات آيل إلى الفشل.

  • التبعات غير المقصودة التي لا تظهر في البداية: أحياناً تكون لِخطّة أو سياسة تبدو إيجابيّة في الظاهر، نتائج سلبيّة في العمق. على سبيل المثال، كان المقصود من المساكن العامّة التي شيّدت في الولايات المتّحدة بعد الحرب العالمية الثانية أن تكون مساكن نظيفة وآمنة ومريحة للمواطنين ذوي الدخل المحدود. بدلاً من ذلك، ولّد طابع هذه المساكن المؤسساتي وعزلتها من حياة المجتمعات المحلية السائدة غربةً ويأساً لدى السكّان، وأدّى إلى جرائم وظروف عيش مقيتة.


هُدمت مؤخّراً مباني مشاريع "كابْريني الأخضر" في شيكاغو، المشهورة بالمخدّرات والجرائم، واستُبدلت بمساكن لأصحاب دخل متنوّع، صمّمت لكي تكون جزءاً من الحي، واحتفظ بعدد من وحدات المساكن مخصّصة للسكّان السابقين في مشروع "كابْريني الأخضر".

  • غياب خبرة صانعي السياسة في الميدان: الممارسون، لاسيّما الذين يتمتّعون بمؤهّلات أكاديميّة، يعرفون أنّ الفرق بين النظرية والواقع غالباً ما يكون سحيقاً. عندما تتواجه التدخّلات أو المبادرات ذات السيناريوهات الأفضل على الإطلاق مع ضعفٍ في التمويل وثقافة الشارع ومناورات سياسية وإدمان على المخدّرات وعدم ثقة بالآتين من خارج المجتمع المحلي ومعارك حول النفوذ...فلن تسير الأمور دائماً كان اعتقد المخطّطون.

إضافةً إلى ذلك، يمكن استخدام التخطيط الاجتماعي لتقديم غايات لا علاقة لها بِخيْر المتأثّرين بها أو بتحسين أوضاعهم. هكذا غايات قد تقصد منفعة أصدقاء سياسيين نافذين أو داعمين لهم، أو مجرّد توليد رأس مال سياسي. في هذا الحالات، ستكون على الأرجح مخطّطة ومُدارة بشكل سيّء، ويكون تأثيرها ضئيلاً. من جهة أخرى، قد تكون الغايات مناسبة وتستحق الإطراء، ولكّنها لا تُطرح بشكل فعّال بسبب غياب المهارات أو الرغبة لدى المكلّفين بتطبيقها. في هذه الحالات، يمكن للمساعدة من جانب المواطنين أن تساعد تجنيب مسار التخطيط الاجتماعي الفشل.

ترى "عدّة العمل المجتمعي" التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات كشراكة بين المجتمع المحلي وصانعي السياسات من أجل خلق سياسات تُحدث تغييراً اجتماعيّاً إيجابياً. نتيجةً لذلك، سننظر إلى التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات من زاويتيْن:

  1. من منظور صانعي السياسات: أي كيفيّة استخدام عملية التخطيط الاجتماعي لخلق السياسات التي تحقّق غاياتها مع أفضل النتائج الإيجابيّة للجميع في المجتمع المحلي، فضلاً عن صانعي السياسات أنفسهم.

  2. من منظور القاعدة: أي كيفية مقاربة صانعي السياسات في بداية العملية، لكي يتمكّن المتأثّرون من تغيير السياسات في المجتمع المحلّي من المشاركة في التخطيط وفي تطبيقه.

لماذا ينبغي على صانعي السياسات الانخراط في مسار تشاركي للتخطيط الاجتماعي؟

لقد ذكرنا سابقاً أن منحاً حكومية عديدة ومنحاً أخرى تشترط المشاركة المجتمعية كواحد من متطلبات التمويل. من جهة أخرى، ذكرنا أيضاً أنّ السياسيين المصمّمين يمكن أن يلتفوا على هذا المطلب من خلال تعيين "مجالس مجتمعيّة" تصدّق فوراً على أي سياسة يضعها أمامها السياسيّون. علاوةً على ذلك، فالمشاركة المجتمعية، كما سنطرحها لاحقاً في هذا القسم، هي مسار يتطلّب وقتاً والتزاماً وتنظيماً، بالإضافة إلى كمّ كبير من العمل من جانب جميع المعنيين. لماذا إذاً يستأهل الأمر بالنسبة لصانعي السياسات أن يُشركوا المجتمع المحلّي في التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات فيما هم  غالباً ما تكون عندهم القدرة على فرض خططهم الخاصّة؟

هنالك فعلياً عدد من الأسباب المغرية، على المدى القصير وعلى المدى البعيد:

  1. المشاركة المجتمعية تزيد احتمال خروجكم بسياسة فعّالة:

من دون معرفة تاريخ المجتمع المحلي وبُنيته الاجتماعية، وما يمكن أن يسهم به أعضاء المجتمع المحلي، فأنتم تخاطرون بارتكاب أخطاء جسيمة. إذ يمكن لمحاولة تكرار أمرٍ لم ينجح في الماضي، أو الافتراض أنّ مجموعات معيّنة ستعمل معاً وهي على خلافات حادّة لسنوات عديدة، أن تقوّض جهود التنمية المجتمعية قبل أن تبدأ. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يحيط أعضاء المجتمع المحلّي صانعي السياسات والمخطّطين بحاجات المجتمع الحقيقية، لكي يتم التعاطي مع المشكلات والمسائل الأهم.

  1. تؤدّي المشاركة المجتمعية إلى تملّك المجتمع ودعمه لأي مبادرة تتأتّى عن جهود التخطيط الاجتماعي:

عندما يكون للناس دورٌ في التخطيط وصناعة القرار، يشعرون أنّ أي خطّة تطبّق هي خطّتهم، ومن هنا، سيسعون جاهدين لإنجاحها. نادراً ما يكون هذا الأمر صحيحاً بالنسبة للخطط المفروضة على المجتمع المحلّي من الخارج.

  1. يمكن لصانعي القرار، لاسيّما المسؤولين المُنتَخَبين، أن يكسبوا سياسيّاً من إشراك المجتمع المحلّي:

سيُنظر إليهم على أنهم يحترمون ناخبيهم، وسيكسبون أيضاً الاحترام والمصداقيّة في حال برهنت المبادرات التي يرعونها عن فعاليّتها. إذا تمكّنوا من تحسين نوعيّة حياة أعضاء المجتمع فسيكبر رأسمالهم السياسي.

  1. يمكن لأعضاء المجتمع المحلّي أن يُخبروا صانعي السياسات عن التغييرات في الظروف التي تتطلّب تغييرات في السياسات بمرور الوقت:

ما هو ملائم اليوم قد لا يكون كذلك بعد خمس سنوات. تضع المشاركة المجتمعية عيوناً وآذاناً في المجتمع المحلي لالتقاط التغييرات التي قد لا يكون صانعو السياسات عالمين بها، ولمنع البرامج والمبادرات من أن تصبح باطلة أو بالية.

  1. يمكن المشاركة المجتمعيّة أن تخلق علاقات وشراكات مجتمعيّة بين مختلف المجموعات التي تستطيع أن تعمل سويّةً:

من خلال شمل كافّة قطاعات المجتمع المحلّي، تستطيع المشاركة أن تجمع معاً أفراداً ومجموعات لا صلات فيما بينها في الأوضاع الطبيعية (أو قد لا تكون تريد هذه الصلات أصلاً)، وتساعدها على فهم أين تكمن مصالحها المشتركة.

  1. تساعد المشاركة المجتمعية على إبقاء بناء المجتمع المحلي مستمرّاً على المدى البعيد:

من خلال وضع النفوذ على التخطيط وصناعة القرار جزئياً أو بالكامل في أيدي المجتمع المحلّي، يؤمّن المسار بقاء الذين باشروا في الجهود مهتمّين ومنخرطين، وعدم ترك أمور أخرى أو تغييرات في المناخ السياسي تلهيهم.

  1. تسهم المشاركة المجتمعية في مأسسة التغييرات التي تُحدثها التغييرات في السياسات:

يكبر احتمال اعتناق المجتمع المحلّي السياسات التي خُلقت بمشاركة كافّة قطاعات المجتمع المحلّي. سيؤدّي دعمهم بمرور الوقت إلى التغيير الدائم.

  1. تؤمّن المشاركة المجتمعية الطاقة للمجتمع المحلي لمتابعة التغيير في الاتّجاهات الإيجابيّة:

عندما يرى أعضاء المجتمع ما يمكن أن يحقّقوه، سيكونون مستعدّين لأخذ تحدّيات جديدة على عاتقهم. المشاركة المجتمعيّة يمكن أن تغيّر مواقفهم حول ما هو ممكن، الأمر الذي ربّما كان العنصر الوحيد الأهم لخلق التغيير.

 

لماذا ينبغي على المجتمع المحلّي أن ينخرط في مسار تشاركي للتخطيط الاجتماعي؟

فيما يبدو بديهياً أن المجتمعات المحلية والمجموعات القاعديّة تريد المشاركة في التخطيط وفي تنفيذ السياسات، فهذا ليس هو الحال دائماً. فقد يشعر الناس أنّه مشكلة الآخرين، أو أنّها ببساطة لا تملك الوقت أو الطاقة للانخراط في جهود تخطيط كهذه. الناس الذين لم تُتح لهم فرصة سابقة لأن يصنعوا القرار غالباً ما يجدون المشهدَ مرعباً. فهم لم يختبروا العمل في الاجتماعات والتخطيط ونشاطات أخرى مشابهة، إنهم يشعرون بالغرابة، ويعتبرون أنّه من الأسهل أن يتركوا للآخرين صناعة القرار. قد يشعرون أيضاً أنّ ما لديهم للمساهمة به ضئيل، أو أنّهم لن يُسمَعوا حتّى لو كانوا حول الطاولة.

إن جعل أعضاء المجتمع المحلّي يسهمون يتطلّب الوقت والمجهود. قد يحتاجون إلى التدريب و/أو الإرشاد من أجل أن يصبحوا مرتاحين إلى إجراءات المسار التشاركي وفرضيّاته (انظروا الفصل 18، القسم 2: مقاربات تشاركية في التخطيط لتدخلات مجتمعية). من جهة أخرى، ربما كانت لديهم المهارات للمشاركة غير أنهم قد يكونون في حاجة إلى حافز للقيام بذلك. وقد يتطلّب إضفاء الثقة على المسار وصانعي القرار الكثير من التنظيم المجتمعي (النقاش من باب إلى باب، أو المحادثات الشخصيّة، أو الاجتماعات الصغيرة في البيوت) قبل أن يكون المجتمع المحلّي مستعدّاً لأن يأخذ خطر (أو مشقّة) المشاركة على عاتقه.

ولكن، يمكن أن تكون مكافآت المشاركة عظيمة للمجتمع المحلّي، والأسباب التي تجعل المجتمع المحلي يعتنق المشاركة هي انعكاس للأسباب التي يرغبها صانعو السياسات، وبعضها ما يلي:

  1. تؤمّن المشاركة فرصة لتثقيف صانعي السياسة عن الحاجات والهموم الحقيقية للمجتمع المحلي:

كما ذكرنا، عندما يخطّط صانعو السياسات في الفراغ، فغالباً ما تفشل خططهم، لأنّهم لم يأخذوا في الحسبان وقائع الوضع والحاجات الحقيقية للسكّان المستهدَفين. يمكن لأعضاء المجتمع المحلي أن يساعدوا صانعي السياسات على فهم حياتهم (الصعوبات التي يواجهونها ونقاط القوّة التي يحضرونها وما الذي يشعرون أنّه من الواجب طرحه).

  1. تسمح المشاركة لأعضاء المجتمع المحلّي بالمساعدة على خلق سياسات تعمل على تلبية حاجاتهم:

يمكن لأعضاء المجتمع، من خلال المشاركة في بناء السياسات، أنْ يروا أنّ هذه السياسات وُضعت لتحسين حياتهم فعلياً، بدل من تكون دون تأثير أو أن تَفرض عليهم المزيد من الأعباء.

  1. المشاركة توفّر لأعضاء المجتمع المحلي الاحترام الذي يستحقّونه:

بدل أن يُنظر إليهم كضحايا أو كمصدر إزعاج، يُنظر إلى أعضاء المجتمع المحلي المنخرطين في مسار تخطيط اجتماعي تشاركي كزملاء ومواطنين معنيين بتحسين مجتمعاتهم. فهم يُحترمون كبَشر (كما يجب أن تكون الأمور دوماً ولكنّها ليست كذلك) وللمهارات والمعرفة والجهود التي يسهمون بها في المسار.

  1. المشاركة تجعل أعضاء المجتمع المحلّي يتحكّمون بمصائرهم:

إنّ مسار التخطيط الاجتماعي وبناء السياسات التشاركي يُنتج مواطنين يقرّرون ما هي السياسات التي تنفعهم، ويُعطيهم فرصة تغيير هذه السياسات في حال فشلها. فهي تجعل قيد التطبيق شعار "مجلس الحي خلف الساحات" في شيكاغو الذي أسّسه المنظّم الأسطوري، سول ألينْسكي": "نحن، الناس، سنقرّر مصيرنا."

  1. تبني المشاركة القيادة المجتمعيّة من الداخل:

يتعلّم الذين يشاركون في المسار مهارات القيادة، فضلاً عن ممارستها، كما يبدؤون برؤية أنفسهم كأشخاص لديهم القدرة على أن يكونوا قادة. الخطوة الأكثر أهميّة في القيادة وفي القيام بتحرّكات للتأثير على الأحداث المضرّة بكم، هي الإيمان بقدرتكم على ذلك.

  1. المشاركة تستحث المجتمع المحلي على أخذ مسائل أو قرارات أخرى مرتبطة بالسياسات على عاتقه في المستقبل، وعلى رؤية نفسه متحكّماً بمستقبله:

من هنا، يستمر مسار التنمية المجتمعية مع الوقت.

  1. المشاركة تؤدّي إلى تغيير اجتماعي طويل الأمد:

فيما يزداد تحكّم أعضاء المجتمع المحلي بالمزيد من المجالات في حياتهم نتيجةً للمهارات والمواقف المُكتَسَبة من المسار التشاركي، فهم سيخلقون تغييرات ستحسّن نوعية الحياة للجميع في المجتمع المحلي، وسيقومون بمأسسة هذه التغييرات.


يمكن أن تعني "المشاركة المجتمعية" عدّة أمور بالنسبة لصانعي السياسات وللنشطاء المجتمعيين. كما ذكرنا باختصار أعلاه، يمكن لصانعي السياسات التعامل ظاهرياً مع المشاركة المجتمعية، فيما هم فعليّاً يقومون بالالتفاف عليها أو تجاهلها. هنالك، في الواقع، مستويات للمشاركة المجتمعية، وكلٌّ منها قد يكون مناسباً في أوقات مختلفة وفي ظروف مختلفة. تجدون طرحاً كاملاً لهذا الموضوع في الأداة الرقم 1.

متى تكون عمليّة التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات مناسبة؟

بخلاف التنمية المحليّة والتحرّك الاجتماعي، النوعين الآخريْن من التنظيم المجتمعي اللذيْن ناقشناهما في هذا الفصل (انظروا القسميْن 2 و4)، فإن التخطيط الاجتماعي يُستهَل مع صانعي السياسات أو مَن يكلّفونهم. من وجهة نظر صانعي السياسات، يكون التخطيط الاجتماعي مناسباً في الحالات التالية:

  • المجتمع المحلي يطالب به: قد تكون هناك مشكلة مجتمعية قد وصلت إلى حدّ شعر فيه المجتمع المحلّي بضرورة القيام بأمر ما من دون أن يعرف ما هو أو ما إذا كان لديه الموارد للقيام به. قد يطلب عندها المساعدة من صانعي السياسات أو من مصادر خارجيّة.

  • وصلت مسألة أو مشكلة ما إلى حدود الأزمة، وأصبح واضحاً للجميع واجب القيام بأمرٍ ما. قد يتطلّب الأمر أحياناً حدثاً محدّداً أو أكثر (على سبيل المثال، أعمال الشغب الاجتماعي أو اضطراب عنيف) لوضع مسار التخطيط الاجتماعي على السكّة. ولكن في حالات أخرى، قد يكون المسار تجاوباً  مع ظروف مستمرة (مثلاً، بطالة متصاعدة أو تزايد في جرائم الشباب).

  • هنالك مسألة أساسية مزمنة (كالفقر أو العنف أو السكن أو الجوع، الخ) لفتت نظر صانعي السياسات، وبسبب الترويج الإعلامي أو الرأي العام، شعر المسؤولون المنتخبون والوكالات أو آخرون موجودون في مواقع يمكّنهم من القيام بأمرٍ ما بضرورة الاستجابة.


مثال: لطالما تواجد الفقر المدقع في الولايات المتّحدة، ولكنّ حرب الرئيس جونسون على الفقر كانت مدفوعة جزئياً بنشر كتاب مايكل هارينغتون "أميركا الأخرى: الفقر في الولايات المتّحدة"، عام 1962. صدم الكتاب العديد من الأميركيين الذين لم يكونوا يعرفون مدى جدّية المشكلة، ما أجبر الحكومة على التحرّك.

  • توّفرت موارد لمعالجة المسألة: قد تقرّر الحكومة (أو مجلس المحافظة أو البلدية) تخصيص أموال لغرض خاص، مثلاً، أو قد تلتفت مؤسسة كبيرة (هي ومواردها الماليّة) إلى مسألة معيّنة.


مثال: تُخصّص في الوقت الحالي مؤسسة غايْتْس، كميّات هائلة من الأموال لاستئصال أمراض متنوعة في العالم النامي ما يجعل ضروريّاً خلقُ بُنى تقوم بتقييم الأبحاث وتوزيع الأدوية وتعليم تقنيات الوقاية، ومن جهة أخرى صرف الأموال بفعاليّة.

 
  • يهتم شخص نافذ (رئيس الجمهورية أو الحكومة، أو شخصيّة نافذة في البرلمان أو مجلس الشيوخ، أو محافظ أو رئيس بلديّة) بمسألة أو مشكلة أو مجموعة سكّانية معيّنة ويصمّم على القيام بأمرٍ ما حيالها.

  • يقرر مسار التخطيط الاستراتيجي أو الاقتصادي الذي يشارك فيه صانعو السياسات أنّ هنالك مسألة معيّنة يجب معالجتها، أو أنّ مجتمعات محليّة أو مجموعات سكّانية معيّنة تحتاج لنوع من المساعدة.

  • يصبح واضحاً (على صعيد البلدية أو المحافظة أو البلد بالإجمال) أنّ هنالك انزلاقاً عامّاً اقتصاديّاً و/أو اجتماعيّاً و/أو بيئيّاً يتوجّب إيقافه.

يمكن للتخطيط الاجتماعي أن يكون مناسباً من منظار المجتمع المحلّي في كافّة هذه الأوقات كذلك. إذا كان المجتمع المحلي لم يبادر أصلاً إلى القيام بتحرّكٍ ما (إمّا لمعالجة المشكلة أو للحصول على المساعدة لذلك)، قد يحتاج إلى مساعدة خارجيّة لكي يتحقّق أمرٌ ما.

من يجب أن يشارك في التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات؟

مرّة أخرى، يختلف التخطيط الاجتماعي عن كلٍّ من التنمية المحليّة والتحرّك الاجتماعي. في التنمية المحليّة، يجب تمثيل كافّة قطاعات السكّان في البلدة أو المنطقة (الأغنياء والفقراء، والكبار والصغار، والذكور والإناث، وكافّة الأعراق والإثنيّات) في الجهود. في التحرّك الاجتماعي، المشاركون اللازمون هم فقط الأفراد والمنظّمات التي تمثّل المجموعة السكّانية المحدّدة التي تعمل على كسب سلطةٍ. أمّا عدد المشاركين المهمّين في مسار التخطيط الاجتماعي وسماتهم فتقع بين هذين الحدّين.

ولكي يعمل التخطيط الاجتماعي جيّداً، يجب أن يكون على الأقل صانعو السياسات مدعوّين للمشاركة بالإضافة إلى كافّة أصحاب المصلحة، وكلّما زاد التمثيل، كان ذلك أفضل. "أصحاب المصلحة" هو تعبير يشمل كافّة المتأثرين بشكلٍ مباشر وبطريقةٍ ما بالتغييرات المحتملة في السياسات أو بالمسائل المطروحة. في ما يلي أمثلة عن بعض أصحاب المصلحة:

  • الذين تستهدف السياسة المطروحة إفادتهم

  • الذين تقصد السياسة المطروحة التحكّم بهم بشكل ما. على سبيل المثال، قد تضع سياسة استخدام الأراضي قيوداً على المقاولين، ولذا يجب أن يكونوا ممثّلين في مناقشة السياسة وبنائها على الرغم من أنّ صوتهم ينبغي ألا يهيمن، فهم يشكّلون فريقاً واحداً من بين العديد من الأطراف المعنيّة.

  • الذين سيكون عليهم تطبيق السياسة أو إنفاذها

  • الذين يخدمون أو يعملون مع السكان المتأثرين بشكل مباشر بالسياسة. قد تشمل هذه الفئة عاملي الخدمات الإنسانية أو الصحّية، والمربّين، ورجال الدين...الخ.

  • المنظمات أو شركات الأعمال التي يمكن أن تخسر أو تربح مصادر دخل أو موارد أخرى، أو التي ستضطر إلى تغيير طريقة عملها بسبب تغيير محتمل في السياسات

  • صانعو السياسة والمسؤولون الرسميّون

  • سكّان آخرون مهتمّون.


مع أنّ صانعي السياسات هم بشكل عام من المسؤولين الرسميّين، ليست هذه الحالة دائمة. إنّ شركة كبيرة تطوّر وتطبّق سياسات داخليّة قد تؤثّر على آلاف من الأشخاص، كما إن الذين يملكون مساحات واسعة من الأراضي أو بنايات مهمّة، من الأفراد أو المنظّمات، قد يفرضون سياسات حول استخدامها، وقد يكون لهذه السياسات أثرٌ على بلديات أو مناطق بمجملها.

كيف يمكن أن ينخرط صانعو السياسات بفعاليّة في التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات؟

في حال كنتم من صانعي السياسات، فقد يكون لديكم هموم تتخطّى نتائج السياسة المعيّنة التي وضعتموها. قد تضطروّن إلى الإلتفات إلى الكلفة والمدّة الزمنيّة والتبعات السياسية وإلى عوامل أخرى تؤثّر على السياسة دون أن ترتبط بالضرورة بمدى قابليّة السياسة المعيّنة للتطبيق أو بكُونها تفيد المستهدَفين أو تُؤذيهم. قد يكون مغرياً القفز فوق المشاركة المجتمعية تماماً وبناء خطّة، ببساطة، وفرضها على المجتمع المحلي.

وبقدر ما هو مغرٍ توفير الوقت و"الفعاليّة" فغالباً ما يكون أكثر منطقيّةً قضاء الوقت اللازم لجعل جميع المنخرطين يساندون بحماس (أو على الأقل يقبلون) أي سياسة جديدة، ويستعدّون لدعمها عندما تضعونها. ستكونون على الأرجح أنجح إذا فكّرتم وتصرّفتم أكثر كمنظِّمين مجتمعيّين، وأقل كخبراء يعرفون مصلحة المجتمع.

المشاركة المجتمعية غاية مهمّة لمعظم المنظّمين المجتمعيين، وهي تبدأ بكل شخص على حدة. في القسم السابق، وصفنا مسار إجراء الإتصالات، وبناء الثقة في المجتمع المحلي، وإشراك جميع القطاعات في نهاية المطاف في الدراسة المجتمعية وفي التخطيط للأنشطة والسياسات التي تهدف إلى تحسين نوعية الحياة، وفي تنفيذها وتقييمها. على صانعي السياسات، إذا كانوا جادّين في الانخراط المجتمعي والمشاركة، أن يشاركوا في هذا المسار أيضاً.

كصانعي سياسات، لديكم حسنات وسيئات في هذا المسار. فأنتم معروفون، وعلى الأرجح فإن انخراطُكم لن يربكَ الناسَ، ولكن بما أنّكم معروفون وتتمتّعون بسمعةٍ في المجتمع المحلّي قد لا تكون دائما إيجابيّة، فقد تكون الثقة بكم مفقودة من البداية. سيكون عليكم التغلّب على ذلك، وإقناع الناس بنيّتكم الحسنة من أجل جعل الأمور تسير، ما قد يؤدي بهم إلى الخوف من الاتصال بأي شخص مسؤول.

لهذه الأسباب، ولأنّكم تأتون إلى المجتمع المحلي حاملين فكرة عن المجال الذي ستطرحونه فسيختلف مسار التنظيم قليلاً عمّا لو كان الأمرُ تنميةً محليةً (القسم الثاني من هذا الفصل) أو تحرّكا اجتماعيّاً (القسم الرابع). سيتقّدم أمرٌ ما إلى الأمام، وتصبح المهمّة التنظيمية هنا إشراك المجتمع المحلي قدر الإمكان، لاسيّما أصحاب المصلحة، في كل مرحلة من الجهود، وجعل معرفة الناس وحاجاتهم توجّهكم إلى أقصى درجة ممكنة.

 


هنالك خط رفيع هنا. إن كون الأشخاص أعضاء في المجتمع المحلي لا يعني أنّهم بالضرورة يملكون أجوبة جيّدة عن كافّة المشكلات أو المسائل التي يواجهونها، ولكن هذا يعني أنّ لديهم منظوراً أفضل لما هي حياتهم ربطاً بتلك المشكلات والمسائل وبما يحصل فعليّاً في المجتمع. إذا أردتم أن يدير المجتمع المحلي الجهود بشكل كامل (ما يمكن أن يكون شديد الفعاليّة) فقد يكون عليكم رعاية بعض التدريب وتأمينه للمشاركين. يعتمد ذلك بشكل أساسي على الناس، فإذا كان المجتمع المطروح يحتوي على العديد من السكّان ذوي الدخل المحدود، أو من اللاجئين أو العمال الوافدين الذين تختلف لغتهم أو ثقافتهم بشكل ملحوظ عن سائر السكّان فقد تجدون أنّ الكثير من الأشخاص يحتاج إلى بعض الدعم من أجل المشاركة بشكل كامل.

ما إن يصبح الناس نسبيّاً متمكّنين مما هو ممكن وبكيفية التعاطي مع الأنظمة المختلفة السياسية والمالية والاجتماعية وغيرها فسيكبر احتمال تمكّنهم من إيجاد حلولهم الخاصّة. المجتمع المحلي الذي له خبرة أصلاً في هذا المجال هو مستعدّ على الأرجح للقيام بالجهود وحده، وقد يحتاج فقط دعماً ماليّاً و/أو سياسيّاً. أمّا المجتمع من دون تجارب سابقة والذي لم تسنح له حتى أي فرصة، فسيحتاج إلى أكثر بكثير من ذلك.

من الأساسيٌّ للغاية احترام أعضاء المجتمع المحلي والتعامل معهم كشركاء، ولكن هذا لا يعني التضحية بالممارسات الفضلى أو بخبراتكم السابقة، بقدر ما لا يعني تجاهل المجتمع المحلي. التوازن هنا دقيق، ولكن إذا انطلقتم بالشكل المناسب فستكونون أنتم والمجتمع المحلي مسرورين بالمسار وبالنتائج.

 

ربّما كنتم تعملون من خلال منظمة محليّة أو أكثر، أو من خلال الحكومة أو وكالة أخرى لها حضور في المجتمع المحلي، وقد تعتمد صدقيّتكم على صدقية هذه المنظمة أو الهيئة، لذا عليكم أن تختاروا بتأنٍّ. إذا كان الاعتبار الوحيد سياسيّاً فقد تنتهون بمسار غير معنيّ بالمشاركة المجتمعية أو حتى بالمعارضة الفاعلة. (على سبيل المثال: تخطّى رئيس بلدية شيكاغو، ريشار دايْلي، شرط المشاركة المجتمعية في "برنامج المدن النموذجيّة"، من خلال تعيين مجلس "تمثيلي للمجتمع المحلي" من بعض المتطفّلين السياسيين الذين لا يستجيبون إلاّ له.)

الخلاصة هي أنّ على الناس أن يصدّقوا أنّكم جديّون بشأن إشراكهم، ويجب أن تكونوا كذلك. إذا وعدْتم بالمشاركة المجتمعية ولم تفوا بوعدكم، أو إذا أمّنتم مشاركة رمزية فقط، فسيتبخّر أي بناء للثقة كنتم قد عملتم عليه، وسيكون عليكم البدء من جديد. مرّة أخرى، انظروا الأداة رقم 1 من أجل مناقشة شاملة عن مستويات المشاركة المجتمعية، وعما تؤدّي إليه كلّ منها، وكيف يمكن استخدامها ومتى.

 

خطوات العمل لكيفية إشراك صانعي السياسات المجتمع المحلي:

 


تُشير الخطوات أدناه إلى صانعي السياسات بتعبير "أنتم". وهذا التعبير هنا قد يعني صانعي السياسات بأنفسهم أو أي شخص بادر إلى القيام بمسار التخطيط الاجتماعي، وقد يكون الناس الفعليّون الذين يقومون "بالتنظيم" موظّفين في وكالة عامّة، أو عاملين في منظمة مرتكزة إلى المجتمع المحلي، مموَّلة للمساعدة في بناء السياسة المحليّة حول مسألة معيّنة، أو مسؤولين محليّين، الخ.

  1. القيام باتّصالات مع أفراد وهيئات ومنظمات تعرف المجتمع المحلي بشكل جيّد، واستخدام معرفتها وصدقيّتها لتسهيل الطريق عليكم:

يمكن لهؤلاء مساعدتكم على تجنّب أنواع الأخطاء التكتيكية التي يمكن بسهولة أن يؤدّي إليها عدم معرفتكم الوثيقة بالمجتمع، كما يمكن لهم أن يقدّموكم إلى الأشخاص الذين تعتبر آراؤهم مهمة عند مَن تريدون إشراكهم، فضلاً عن تقديمكم إلى مشاركين محتملين.


ينطبق هنا نفس التحذير على كافّة المنظّمين المجتمعيين: تأكّدوا من الحصول على كافّة جوانب القصّة، ومن القيام باتّصالات مع كافّة الأشخاص الضروريّين. على سبيل المثال، قد لا يريد قادة المجتمع المحلي، على الأقل في البداية، العمل مع قادة "عصابات الشباب" لإنهاء العنف الشبابي، ولكن إذا لم يكن قادة العصابات منخرطين فالأرجح أن الجهود لن تتحرّك إلى أي مكان. حاولوا توسيع شبكتكم واستخدام كافّة اتّصالاتكم للتأكّد من الوصول إلى الجميع، وليس فقط هؤلاء الذين أوصت بهم صلاتكم الأوليّة.

  1. جعل المسار وغاياتكم واضحة في اجتماعات صغيرة تؤدّي إلى اجتماع أوسع:

قوموا بلقاءات مع المجموعات الرسميّة (النوادي والمنظمات الأخويّة وفرق الرياضة والمجموعات الدينية، والمشاركين في برامج الخدمات الصحية والإنسانية، والاتّحادات العمّاليّة ومجموعات عمّاليّة أخرى، وطبقات مختلفات) بالإضافة إلى العائلات ومجموعات الأصدقاء في البيوت أو في أماكن مشابهة غير رسميّة. دَعوا أحد أعضاء المجتمع المحلي الموثوق بهم يرافقكم، أو تأكّدوا من كونه أحد الضيوف أو أحد الحضور، لكي يقف إلى جانبكم.

  1. عقد اجتماعات لشرح غرضكم والبدء باستقطاب أعضاء من المجتمع المحلي للمشاركة في الدراسة والتخطيط:

قوموا بتشجيع أكبر عدد ممكن من الأشخاص الذين تكلّمتم معه على الحضور، وخطّطوا لطلب الالتزام من الأشخاص المستعدّين للانخراط في المسار. قد يكون منطقيّاً أن يعقد الاجتماع ويديره شخصٌ محلّي، كأحد القادة أو أحد أعضاء المجتمع المحلي المحترمين، أو ميسّر جيّد بشكل استثنائي.

ينبغي أن يشرح الاجتماعُ بوضوح المسألةَ أو المشكلة الواجب طرحها والمسارَ التشاركي الذي تنوون استخدامه في معالجتها. يجب أن تتاح للجمهور فرصة طرح الأسئلة، كما ينبغي أن تُسمَع أفكارهم عن المسألة وعن أنواع النتائج التي يريدون أن يروها، وعن كيفيّة سير العمليّة. إنّه الوقت المناسب لاستقطاب أشخاص إلى مجموعة التخطيط، والطلب من الناس جذب آخرين يعرفونهم إلى داخل المسار. في الوضع المثالي، تكونون أصلاً قد حصلتم على قاطرة من الدعم من خلال الاجتماعات الأصغر. وفي هذا الاجتماع الكبير تكون الغاية هي جعل المجتمع المحلي بأسره معكم ضمن المسار، وموافقاً على الانخراط. (للمزيد عن الاجتماع الأوّل، انظروا الفصل 5، القسم 5: إنشاء ائتلاف (1): بدء ائتلاف، والفصل 16، القسم 1: إجراء اجتماعات فعّالة.)

  1. حددوا موعداً لاجتماع المجتمع المحلي التالي، والبدء بعمليّة التخطيط:

عليكم الاستمرار في عقد اجتماعات للمجتمع المحلي في فترات دورية لإعلام مَن ليسوا منخرطين بشكل مباشر في التخطيطب بما يحصل. في نفس الوقت، يجب أن تبدأ مجموعة التخطيط، التي تمثّل كافة القطاعات والمجموعات المتأثّرة بالسياسات التي سيخلص المشاركون إليها، بعقد اللقاءات لمناقشة اللوجستيات (أو الأمور العملانية، مثل أوقات الاجتماعات وأماكنها، والجدول الزمني)، والإجراءات (كيف ستُتخذ القرارات، وكيف سينسَّق المسار ومَن سيقوم بذلك)، وتحديد المهام. في البداية، يكون تحديدُ الدعم الذي يلزم المجموعة جزءاً من مهمّتها. هل يحتاج الأعضاء إلى تدريب؟ هل هنالك أمور يجب أن يعرفوها (كالممارسات الفضلى أو نتائج الأبحاث حول المسألة)؟


إن تكوين مجموعة التخطيط مهمٌّ جدّاً. يجب أن تكون فعليّاً ممثّلةً لكافّة أصحاب المصلحة، ما قد يعني أنّه عليكم أو على أعضاء المجموعة استقطاب أو إقناع آخرين بالانضمام، فيجب شمل الأشخاص المعارضين للمسار، مع أنّ ذلك قد يبدو فكرةً سيئة. إذا بنَت المجموعة قواعد أساسية صحيحة منذ البداية (انظروا الفصل 16، القسم 4: تقنيات لإدارة نقاشات المجموعة) فيجب أن يصبح ممكناً عقد نقاش مُنتِج، فيشعر الّذين يعارضون الأفكار أن المسار منصف وشامل، حتّى لوْ لمْ يتم تبنّي أفكارهم.

  1. تأمين أي تدريب أو دعم لازم:

قد ترغبون في جمع الأقل تعليماً أو ذوي الدخل المحدود مع مرشدين من وكالات الخدمة الإنسانيّة أو الصحّية، أو مجرّد تزويد الجميع بالتدريب في مهارات الاجتماعات والتخطيط الاستراتيجي وحل النزاعات و/أو مجالات أخرى، لتجنّب استفراد أي جماعة أو  فرد، وهذا يتوقف على الأشخاص المنخرطين. يخدم التدريب والدعم على الأقل غرضين: التأكّد من أنّ جميع المشاركين لديهم الأدوات الفكريّة والاجتماعيّة اللازمة للقيام بالمهمة المطروحة، وضمان استمرار انخراط جميع المجموعات المتأثّرة، وليس فقط أولئك المتعلّمين والذي يُستَخدمون للمشاركة في الاجتماعات والمسارات الاجتماعية.


وفقاً لمدى التغيير الذي يهمّكم ومستوى الانخراط المجتمعي الذي تصوّبون باتّجاهه، قد لا تضطرّون إلى القيام بكافّة هذه الخطوات. في بعض الحالات، قد يكفي إبقاءُ المجتمع المحلي على علم بما يجري، من خلال اجتماعات دورية والإعلام ولائحة إلكترونية. في حالات أخرى، قد يكون ما تحتاجونه اجتماعٌ عامّ أو اثنان، مع فرصة لمداخلات من المجتمع المحلي. أمّا إذا كنتم تأملون بالمشاركة الكاملة فقد يكون اتّخاذ الخطوات أعلاه منطقياً.

كيف يمكن أن تنخرط المجتمعات المحلّية بفعاليّة في التخطيط الاجتماعي وتغيير السياسات؟

كما ذكرنا سابقاً، تتعاطى عدّة أقسام في "عدّة العمل المجتمعي" مع كيفية مبادرة المجتمعات المحليّة في تغيير السياسات. عندما تأتي المبادرة من صانعي السياسات، يختلف الوضع بشكلٍ ما، بما أنّ مسألة المشاركة المجتمعية قد لا تكون على أجندة المخطّط. في معظم الحالات إذن، يُترك للقادة والناشطين المجتمعيّين أمرُ إثارة هذه القضية والتأكّد من إشراك المجتمع المحلّي في المسار. في حال قاوم صانعو السياسات الفكرة، وكانوا غير قابلين لتغيير رأيهم بالمنطق أو الحجج، قد يكون عندها الوقت قد حان للتحوّل إلى أسلوب التحرّك الاجتماعي (انظروا القسم الرابع من هذا الفصل). من جهة أخرى، إذا عمل صانعو السياسات والمجتمع المحلي كشركاء وليس كخصوم، تكون الإنتاجية عادةً أكبر بكثير.

خطوات العمل على كيفية تأمين القادة والناشطين المجتمعيين إشراك المجتمع المحلي:

  1. التعرّف على صانعي السياسات من البداية، والحفاظ على الاتّصال معهم لكي يكون خطّ التواصل مفتوحاً عندما تطفو مسائل السياسات:

يهتم النوّاب والمشرّعون، وأعضاء المجالس البلديّة ومجالس المحافظات أو المقاطعات، والمخاتير وكافّة المسؤولين الرسميّين، بما يفكّر به المواطنون. والوصول إلى هؤلاء المسؤولين ممكنٌ، على الأقل في بعض الأوقات. إن القيام بمجهود يمكّنكم من لقائهم ومعرفتهم بشكل جيّد لكي يتمكّنوا من التعرّف عليكم وسط الحشود والرد على مكالماتكم، ويكونوا مستعدّين لمناقشة المسائل معكم. عندما تبادرون إلى القيام مسار تغييرٍ في السياسات تستطيعون مفاتحتهم بجعل المسار تشاركيّاً، وسيَستمعون. (انظروا الفصل 32، القسم 3: إجراء تواصل رسمي والمطالبة بالمشاركة والفصل 33، القسم 11: تطوير علاقات متواصلة مع المشرّعين ومساعديهم والمحافظة عليها.)

  1. محاولة توقّع حاجات المجتمع المحلي ربطاً بالسياسات المطروحة، ومقاربة صانعي السياسات قبل أن يقرّروا التحرّك:

كونكم أعضاءً في المجتمع المحلي يؤهلكم لمعرفة المجتمع وما هو لازم ومتى، أكثر من صانعي السياسات. إذا شرعتم أنتم في التحدث عن تغيير السياسات فقد يكون لديكم فرصة أفضل بكثير للمبادرة إلى القيام بعملية التخطيط التشاركي. (انظروا الفصل 32، القسم 2: تطوير وثيقة مشروع للتغيير.)

  1. تزويد أنفسكم بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن منافع المسار التشاركي كما عن المسألة نفسها:

قوموا بقراءة الأبحاث والأدبيّات عن سياسة التغيير الاجتماعي وعن المسار التشاركي الشامل، وتعلّموا ما قامت به مجتمعات محلّية أخرى، وابحثوا عن الممارسات الفضلى على الإنترنت، الخ. يمكن أن تكونوا أكثر إقناعاً كلّما زادت معرفتكم. (انظروا الفصل 31، القسم 1: كيف نُجري بحثاً: نظرة عامّة.)

  1. تعبئة المجتمع المحلي:

قوموا "بتبشير" المواطنين بحسنات العمليّة التشاركية بحيث يقفوا معكم في المطالبة بالمشاركة في أي قرارات متعلّقة بالسياسات التي تؤثر عليهم. إذا كان واضحاً أنّ المجتمع يريد المشاركة وهو مستعد للقيام بالعمل الضروري وسيدعم تنفيذ السياسات الناجمة عن ذلك، فسيكون من الصعب على صانعي السياسات المقاومة.

باختصار

التخطيط الاجتماعي يمكن أن يكون وسيلةً فعّالة للتنظيم المجتمعي والتنمية، ولتغيير السياسات، إذا دخل في روح من الشراكة مع المجتمع المحلّي. إذا استطعتم كصانعي سياسات أو كبناة مجتمعات، جعْل المسار شاملاً وتشاركيّاً فعلاً تكبر الفرص في أن تتأتّى عنه نتائج إيجابية وطويلة الأمد على صانعي السياسات كما على المجتمع المحلّي.

نشجّعكم على إعادة إنتاج هذه المادة، لكن نرجو أن تذكروا مرجعها، "عدة العمل المجتمعي" على الموقع:

Http://ctb.ku.edu

Contributor 
فِيلْ رابيْنووِيتْز

موارد

موارد مطبوعة

Amanda Smith Barusch (2006). Foundations of social policy: Social justice in human perspective. (2nd edn.) Belmont, CA: Thomson Brooks/Cole.

نص متماسك عن الجوانب المختلفة من السياسة الاجتماعية المطروحة في هذا القسم

James H. Dalton, Maurice J. Elias, and Abraham Wandersman (2007). Community psychology: Linking individuals and communities. (2nd edn.) Belmont, CA: Wadsworth/ Thomson Learning.

أنظروا بشكل خاص الفصل عن تنظيم المجتمع المحلي والتغيير الاجتماعي والذي يصف مقاربات عدة بما فيها البحث في السياسات والمناداة من وجهة نظر نفسية المجتمع المحلي.

Judith C. Meredith and Catherine M. Dunham (1999). Real clout: A how-to manual for community-based activists trying to expand healthcare access by changing public policy. Boston: The Access Project. (30 Winter Street, Suite 930, Boston, MA 02108.)

المورد ينير تفاصيل عن عملية تشكيل السياسات وعن الحياة الحقيقية لصنع السياسات التشريعية.

Elizabeth A. Segal and Stephanie Brzuzy (1998).  Social welfare policy, programs, and practice. Itasca, IL: F.E. Peacock.

نص جيد  آخر يركز خصوصاً على  الرفاه الاجتماعي.

موارد على الإنترنت

AICP Landmarks and Pioneers.

سيرة مختصرة لشيري آرنْستين  وسلمها وأهميته.

Participation Guide: 10 Key Ideas.

سلّم آرنستين ونموذج ديفيد وِلْكوكس عن المشاركة.

The Guide to Effective Participation.

طرائق مختلفة للوصول إلى النص الكامل لديل ديفيد ولكوكس.