استمارة البحث

القسم 6. بعض المبادئ والإفتراضات والقيم الأساسية لتوجيه العمل

  • ماذا نعني بالقيم والمبادئ والفرضيات؟
  • قيم "عدة العمل المجتمعي" الجوهرية
  • مبادئ "عدة العمل المجتمعي" الجوهرية
  • فرضيات "عدة العمل المجتمعي"

عمل الصحة والتنمية المجتمعي يجمع الفن والعلم. فهو، من جهة، ينمو من دروس التجارب التي يتعلمها الناشطون والمهنيون المجتمعيون، فيما هم يحاولون خلق أنظمة وبرامج وتدخّلات وسياسات تُحسّن حياة الناس وصحة الجميع في المجتمعات المحلية. ومن جهة أخرى، قد ينبع من الشغف بالعدالة الاجتماعية والمساواة والإنصاف، ما يجعل أناساً يعملون بأجور منخفضة من أجل بناء مجتمعات محلية صحية بحق حيث يتمتّع كافة المواطنين بما يحتاجونه، بغض النظر عن خلفياتهم وظروفهم.

لا ينشأ الالتزام بالمجتمع المحلي من لا شيء، بَل تدفعه وتوجّهه قيمٌ ومبادئ وفرضيات نابعة من خلفياتنا وثقافاتنا وخبراتنا وقراراتنا التي تعي ما هو الصواب. وتشكّل هذه القيم والمبادئ والفرضيات رؤيتنا للعالم كما يجب أن يكون، وتحفّزنا لمحاولة جعله كذلك.

إنّ غرض الفصل الأوّل من "عدّة العمل المجتمعي" هو تأمين إطار عمل للفصول القادمة الأكثر تحديداً.  وأساس إطار العمل هذا هو مجموعة القيم والمبادئ والفرضيات التي تثقّف رؤيتنا للصحة والتنمية المرتكزة إلى الناس في المجتمع المحلي. في هذا القسم، سنحاول وضع أهم هذه القيم والمبادئ والفرضيات، وإظهار كيف تترابط مع بقيّة "عدّة العمل المجتمعي".

ماذا نعني بالقيم والمبادئ والفرضيات؟

نستخدم أحياناً تعبيرات القيم والمبادئ والفرضيات كأنها تعني بمجملها الشيء نفسه: الحقيقة التي تشكل الأساس الذي نبني عليه تعاطينا مع العالم. في الواقع، ومع أنّ هذه التعبيرات الثلاثة تجسّد "حقائق" بشكل ما، فهي تختلف في المعنى والجوهر. وبالرغم من أنّنا ندرك كم هي تتشابه فسنحاول في هذا القسم التعاطي مع كل تعبير من هذه التعبيرات الثلاثة بشكل منفصل. ويمكن أن يساعدنا فهم الاختلاف بينها على الفرز بين العمل على الوقائع والخبرة التي تمّ تفحّصها بشكل جيّد، وبين تطبيق القواعد والأحكام الأخلاقية والمعنوية، وبين التجاوب للعواطف وللتحيز و"للمعرفة" غير المُختبرة التي قد لا تكون دقيقة.


يمكن لمجمل تلك المفاهيم (الوقائع والتجارب، والأخلاقيات والمعنويات، والتحيّز، والمشاعر، و"المعرفة العامّة") أن تكون أسباباً شرعية للتحرك في بعض الظروف. (من غير المنطقي أن يكون المرء لاعنفيّاً في مواجهة شرطي عنصري مسلّح بالكلاب الشرسة والهراوات، ولكن لوْ لمْ يكنْ المناضلون في "حركة الحقوق المدنية" في الولايات المتّحدة كذلك، أي لاعنفيين، فلربما كان الأميركيون الأفارقة قد بقوا محرومين مِن حق التصويت حتّى الآن. إذ إنّ الواجب الأخلاقي كان أهم من الوقائع والخبرات في ذلك الوضع). للمزيد عن تصنيف ما نفكر به وكيف نفكّر، يمكن مراجعة الفصل 17، القسم 2: التفكير النقدي.

 
  1. القيم:

القيم هي الخطوط العريضة التي توجّه حياتنا وسلوكنا. لكلّ منّا مجموعة من المعتقدات الراسخة في ما يجب أن يكون العالم عليه. عند بعض الناس، فإن يُملي هذه المعتقدات إلى حد كبير هو الدينُ أو الثقافةُ أو مجموعةُ الأقران أو المجتمعُ بشكل عام. عند آخرين، فإنه قد تمّ الوصول إليها من خلال التفكير الملي والتأمل في التجارب، ما يجعلها فريدة. وهي عند معظم الناس خليط من الاثنين. غالباً ما تتعلّق القيم بالمسائل الجوهرية في حياتنا، ومنها العلاقات الشخصية والجنسية، والأخلاقيات، والأدوار الاجتماعية والجندر، والعِرق، والطبقة الاجتماعية، وتنظيم المجتمع، الخ.

في ما يلي تصريحات عن قيم (وهي لا تجسّد بالضرورة قيم فريق عمل "عدّة العمل المجتمعي"):

  • قضاء الوقت مع أولادكم هو أهم من العمل المتأخّر في المكتب.

  • أهم غاية مرغوبة في الحياة هي أن يصبح المرء غنياً.

  • يستحقّ كل إنسان فرصة عادلة في الحياة.

  • المُثليّة هي أمر خاطئ.

  1. المبادئ:

المبادئ هي "الحقائق" (جمع حقيقة) الأساسية العلمية أو المنطقية أو الأخلاقية/المعنوية التي تنشأ من الخبرة والمعرفة والقيم (في معظم الأحيان)، وعليها نبني تحركاتنا وتفكيرنا. وبالنسبة إلى "عدة العمل المجتمعي"، فالمبادئ هي دعامة فهمنا للتنمية والصحة المجتمعيتين، والحقائق التي تشكل الأسباب التي تجعلنا نقوم بهذا العمل، بالإضافة إلى كونها العمل بذاته.

تُستمد المبادئ العلمية والمنطقية من التجربة والاختبار، ومن المعرفة (التي تتأتّى بدورها من التجربة والاختبار لدى شخصٍ آخر)، ومن التحليل المنطقي، و/أو من النظرية. إنها "موضوعية" (أي خالية من التحيّز ومن الفرضيات غير المُختبَرة، الخ، ومبنية بقوّة على تحليل معلّل) قدر الإمكان وهي تُعتبر صحيحة إلى أن يثبت العكس. وهي تتضمن القوانين الطبيعية وغيرها من القوانين التي يعمل من خلالها الكون، بالإضافة إلى امتدادات هذه القوانين إلى عالم التحرك البشري. (مثال: إذا اصطدمتم بشجرة وأنتم على سرعة 110 كلم في الساعة، لا بد أن تُقتلوا أو أن تصابوا إصابات خطرة. في حال قدتم السيارة وأنتم ثملون فلن تتمكنوا من  التحكم والسيطرة، ولن يكون لسرعة ردود فعلكم قيمة ما سيجعل احتمال اصطدامكم بتلك الشجرة بتلك السرعة عالياً. المبدأ: لا تقودوا وأنتم سكارى.)

المبادئ العلمية والمنطقية لها نماذج كمثل البيانات التالية: "لكل فعل هنالك ردة فعل مساوية ومعاكسة" (قاعدة نْيوتُن الثالثة للحركة) أو "كان الديناصور أكبر حيوان على اليابسة لملايين من السنين". مبادئ كهذه يمكن التأكّد منها من خلال الملاحظة أو المراقبة (القذيفة التي تنطلق من مدفع تدفع المدفع بذاته إلى الوراء بالاتجاه المعاكس، وهذا متّسق مع قاعدة نيوتُن) أو أنها مدعومة بمختلف أدلة المتوفّرة (آلاف من بقايا الديناصورات، والأنظمة الجيولوجية والكيميائية التاريخية)، هذه المبادئ تشكّل "نظريات" فقط لأنّها غير قابلة لأن تُبرهَن بالكامل بسبب استحالة العودة في الزمن أو التنقل في الفضاء بين النجوم.

أمّا المبادئ الأخلاقية والمعنوية، فهي حيث تأتي القيم. هذه المبادئ تنتج عن قيم ومعتقدات مرسّخة، وغالباً ما تكون هي المبادئ التي يُبنى عليها العمل المجتمعي. الإخلاص للعملية الديمقراطية ولقدسية الحياة، وواجب الناس في أن تساعد بعضها بعضاً...هذه الأمور لا تأتي من اختبار علمي أو منطقي بل من سلّم قيمي يضع الكرامة الإنسانية والعلاقات في الأولوية.


 

في الواقع، ليست هذه القيم دائماً هي التي تحفّز عمل التنمية والصحة المجتمعيين. فمثلاً، تقوم المصلحة الفردية (أمان شخصي أكبر وراحة وفرص اقتصادية أكثر) في كثير من الأحيان بدورٍ أساسي، مثلها مثل عوامل أخرى.

 

قد يكون أَحَد أوضح التصريحات عن مبدأ أخلاقي هو إعلان الاستقلال الأميركي الذي كتبه توماس جِفِرْسون (بمساعدة من بِنيامن فرانكلين) في عام 1776: "نعتبر أنّ هذه الحقائق تدل على ذاتها، وهي أنّ الناس جميعاً وُلدوا متساوين، وأنّهم مُنحوا من الخالق حقوقا غير قابلة للمساومة، تتضمّن الحياة والحرية والسعي وراء السعادة..."

في الواقع، يُظهر هذا البيان بشكل جيّد كيفية ترابط القيم والمبادئ، علماً بأن المبادئ ترتكز إلى القيم، ولكنها مذكورة هنا وكأن القيمة هي المبدأ. قد يكون جِفِرْسون وفرانكلين اعتبرا أنّ هذه "الحقائق" تدل على ذاتها (أي أنها بديهية بشكل لا تحتاج فيه إلى شرح أو دعم)، ولكن في نفس الوقت، فإن سائر العالم بأكمله تقريباً خارج المستعمرات الأميركية كان يدل على عكس هذه "الحقائق". اليقين الذي تمتّع به الآباء المؤسسون الأميركيون كان له علاقة بمبادئهم وليس بأي دليل علمي يبرهن أنّهم على حق.

في نفس الوقت، قد يحمل الناس نفس المبادئ، ولكنهم قد يفسّرونها من خلال سلمٍ مختلف من القيم. قد يعتقد إثنان من الأفراد، مثلاً، أنّ البشر وُلدوا متساويين. قد يعني ذلك بالنسبة لأحدهما أن واجبه معاملة الجميع كمساوين له ومحاولة كسب العدالة للجميع. أمّا بالنسبة للآخر، فقد يعني ذلك أنّه كون الجميع يبدؤون متساوين فإن على أيّ شخص لا ينجز عمله أو لا يحسنه، أن يتحمّل مسؤولية فشله، ومن هنا، فهو لا يستأهل المساعدة والاحترام.
 


 

حتّى المبادئ العلمية تستند بشكلٍ ما إلى القيم. فاستخدام الطريقة العلمية والتمسّك بالبيّنة المُختبَرة (أي الدليل الذي جُرّب أو روقب)، والاستعداد لتصديق البرهان حتى لو تناقض مع فرضيات ثقافية أو دينية، هذه بمجملها هي خصائص النظام القِيمَي الذي يضع في أولوية عالية التفكيرَ العلمي والمنطقي بالإضافة إلى ملاحقة المعرفة في العالم الحقيقي.

 أعداد كبيرة من الناس في مختلف أنحاء العالم تؤمن بقيم مختلفة، ومنهم مَن يضع أهمية أكبر على التقاليد الثقافية والدينية، ويرى عالم العلم بلا قيمة عندما يتناقض مع هذه التقاليد. من هنا، لا يؤمن الكثير من الأشخاص المتدينين بنظرية التطور البشري لأنّ المفهوم   الذي  يقول إن يكون للبشر أسلافا حيوانية تعود إلى مخلوقات الخلية الواحدة قبل بَليوني أو ثلاثة بلايين عام، إنما يخالف روايات الأديان السماوية التي يقول إن العالم خُلق في ستّة أيّام.

 
  1. الفرضيات:

هي المستوى التالي من "الحقائق"، وهي تلك التي نشعر أنّنا يمكن أن نعتبرها بديهية وفقاً للمبادئ التي قبلناها. فإذا قبِلْنا مثلاً بأنّ الحياة هي حقّ "غير قابل للنقاش"، أي أنّها حق لكل إنسان ولا يمكن نزعها، فعندها، سنفترض بشكل عام أنّ قتل شخص آخر هو خاطئ، أو على الأقل أنّه لا يحق لنا القيام بذلك.

الفرضيات بشكل عام لا يتم تفحّصها، فهي الوقائع أو المعتقدات التي لا نسائلها لأنّنا "نعلم" أنّها دقيقة، حتى لو لم تكن كذلك. فجملة "أنا افترضت أنّ...." لا تسبب المشكلات فقط في الأفلام السينمائيّة، فمعظمنا وجد نفسه في أوضاع يواجه خلالها عواقب فرضيّات غير صحيحة.

مع ذلك، تبقى صحيحة الفكرة التي ترى أنّنا جميعاً نُستحضر فرضيّات إلى ما نقوم به، ولا تشكّل "عدة العمل المجتمعي" هنا استثناءً. ولكنّنا نتمنّى أن تكون فرضياتنا مبنيّة على مبادئ تمّ التفكير الملي فيها، كما نحاول أن نعيد تقييمها من وقت إلى آخر للتأكّد من أنّنا لا نعمل على فرضيّات خاطئة.

ما يلي هو بعض القيم والمبادئ والفرضيّات الأساسية التي بُنيت عليها "عدة العمل المجتمعي". وليست اللوائح المذكورة أدناه شاملة بالضرورة ، كما أنّ ترتيبها ليس بالضرورة بحسب الأولويّة.

قيم "عدة العمل المجتمعي" الجوهرية

سنبدأ بالقيم، لأنّها، كما شرحنا أعلاه، تشكّل بشكل عام أساس العمل الذي نقوم به. وليست القيم "صحيحة أو غير صحيحة"، أو "دقيقة أو غير دقيقة"، مع أنّ قيمنا قد تملي علينا أن نرى قيم الآخرين خاطئة أخلاقياً أو معنوياً (أو حتى منطقياً)، لكن القيم تشكّل تعبيراً عن معتقدات المرء وعما يفضّله. قيمنا هي انعكاس لِكيفية رؤية كلّ منا للعالم، وكيف يتعامل معه. وبحكم طبيعة القيم، فنحن نرى قِيَمنا صحيحة، وندافع عنها من خلال حججنا وأصواتنا الانتخابية وأحياناً بحياتنا.

ومع أنّ القيم قد تتغيّر بل إنهاَ تتغيّر كلما تطوّر الناس وتعلّموا، تبقى هنالك بعض القيم الأساسية التي يحملها معظم الناس: الحاجة لحماية الحياة البشرية والمحافظة عليها، مثلاً، أو مسؤولية الكبار عن رعاية الأطفال. هذه وغيرها من القيم الأخرى (عدد منها موجود في لوائح قواعد كالوصايا العشر أو هي مستقاة من الأديان السماوية بشكل عام) يحملها معظم الناس في معظم المجتمعات، وهي غالباً ما تكون في أساس القوانين والأعراف الاجتماعية.

فيما يلي بعض القيم التي تستند إليها "عدة العمل المجتمعي":

  1. كل فرد في المجتمع المحلي له الحق بحياة لائقة ذات نوعية جيّدة:

هذه قيمة أساسية عند معظم الأشخاص المنخرطين في التنمية والصحة المجتمعيتين. وتتبنّى هذه القيمة "شرعة أوتاوا لتعزيز الصحّة"، وهي بيان السياسات الصادر عن أوّل مؤتمر دولي عن تعزيز الصحةبرعاية "منظمة الصحة العالمية" في أوتاوا، كندا، عام 1986. مّما يقوله البيان أنّ متطلبات الصحة في أي مجتمع محلي هي السلام، والمسكن، والطعام الكافي، والدخْل المناسب لإعالة الأفراد والعائلات، ونظام بيئي متّوازن، وموارد مستدامة، وعدالة اجتماعية، وإنصاف. (انظروا الفصل 2، القسم 3: مدن صحية / مجتمعات محلية صحية للمزيد عن هذا الموضوع)

  1. كل فردٍ في المجتمع أو الجماعة يستحق الاحترام والاعتبار المتساوي:

هذا التصريح شامل إلى درجة أنه يمكن بكل سهولة أن يكون مبدأً، ولكنّنا نضعه هنا لأنّه يؤسس تقريباً لكل ما كتب في "عدّة العمل المجتمعي".

التعاطي مع كل فرد باحترام واعتبار لا يعني عدم إمكانية الاختلاف مع الأفراد، أو حتى مكافحة ما يقومون به. بَل هو يعني أنّه علينا مقاربتهم كمساوين يظنّون أنّهم على صواب، بدَلاً من تصنيفهم، أو التعاطي معهم كأشرار أو أغبياء. وعبر هذه المقاربة يكبر الاحتمال بأن نحصل بدورنا على الاحترام من قبلهم.


 

لا شك أنّه في الحياة الواقعية، هنالك أوقات عديدة لا تنفع فيها المقاربة المنطقية. فبعض الناس يرى هذه المقاربة فرصةً أو رخصةً لهم باستغلالنا، ويعتبرنا أغبياء لأننا نقدم لهم هذه الفرصة. استطاع غاندي أن يمارس "اللاعنف" بنجاح مع البريطانيين وذلك لوجود شيء من حس "اللعب بإنصاف" لديهم. وربّما لو كان غاندي تحدّى النازيين لَكانوا على الأرجح قد قتلوه لدى أول محاولة مِن قِبله.

في حال مواجهة معارضة كهذه، من المهم تحديد الواقعة والرد عليها، ولكن لا تستخدموا نفس التكتيكات التي كان سيستخدمها خصمكم لو سنحت له الفرصة. الوضع المثالي هنا هو في حماية أنفسكم من دون أن تصبحوا ما هو خصمكم عليه.

 

 
  1. يجب أن تكون الغاية النهائية لأي بحث أو عمل مجتمعي أن يكون مفيداً في تحسين حياة الناس، وتحديداً حياة هؤلاء الأكثر حاجةً، و/أو الأقل نفوذاً. لا معنى للبحث أو للتحرك في العمل المجتمعي والصحّي، إلاّ إذا ساهم في جودة حياة المجتمع المحلي أو العالم. المعرفة شديدة الأهمّيّة، لكنّها لا تعود كذلك ما لم نفعل شيئاً بها.

  1. لا مكان للعنصرية أو التحيّز (بسبب الدين أو الطبقة الاجتماعية أو الجِندر أو الميول الجنسية أو الخلفية الإثنية أو الإعاقة، الخ) في المجتمع المدني. فالتمييز بكل بساطة غير مقبول. (انظروا الفصل 27: الأهلية الثقافية في عالم متعدد الثقافات.)

  1. يتطلّب الإنصاف أن يتمتّع كل إنسان متأثر ببحثٍ أو بمسألةٍ ما (أي كافة أصحاب المصلحة) بالفرصة إمّا للمشاركة المباشرة أو للتمثيل في التخطيط والتطبيق والتحليل ربطاً بالتدخل أو البحث الناتج. يجب أن يكون العمل المجتمعي، في أي مجالٍ كان، بمثابة خلق أوضاع جديدة مع الناس المتأثرين، وليس القيام بأمور لهم أو من أجلهم.  (انظروا الفصل 7، القسم 1: بناء خطة لزيادة المشاركة في العمل المجتمعي والفصل 7، القسم 2: تعزيز المشاركة بين المجموعات المتنوعة والفصل 7، القسم 7: إشراك الأشخاص الأكثر تأثّراً بالمشكلة والفصل 18، القسم 2: مقاربات تشاركية في التخطيط لتدخلات مجتمعية.)

  1. لا يتمحور هذا العمل حول السلطة والنفوذ أو المنافسة بل المصلحة العامة. من هنا، يجب تشارك السلطة والقيادة قدر الإمكان، دون أن يؤثّر ذلك بشكل كامل على غرض هذا العمل.


 

من الصعب تحديد ما إذا كان هذا الأمر قيمةً أم مبدأً. فقد يكون في أحيان عديدة الاثنين معاً (مثلاً، عندما نقول "نحن نتبنى هذه الحقائق...") بما أنّه ينبع من إطار ذهني يضع قيمةً عالية على الإنصاف والديمقراطية والمشاركة، وبنفس الوقت، هو يعمل كأساس للعمل.

مبادئ "عدة العمل المجتمعي" الجوهرية

المبادئ، كما وصفناها سابقاً، هي الحقائق التي يستند عليها عملنا. وهي تختلف عن القيم بأنّ القيم تعكس ما نؤمن به بعمق وما نشعره، بينما المبادئ تعكس ما نفكّر فيه. ومع أنّ المنطق الذي تتأتى عنه المبادئ قد ينبع (بَل وهو ينبع غالباً) من نظامنا القيمي، المبادئ بشكل عام عملية ولا تهدف إلى توجيه تفكيرنا وسلوكنا بشكل عام بَل إلى جعل تفكيرنا وسلوكنا (وقيمنا) تستغل في العالم الواقعي.

  1. "الإنصاف" لا يعني أن الجميع يحصلون على نفس الأمور، بل أنّ الجميع يحصلون على ما يحتاجونه:

هذا يعني أنّ العدل يتضمّن التأكّد من أنْ يصبح عند مَن لديهم أقل ما يكفيهم لتلبية حاجاتهم، وأنْ لا يتم تجاهلهم أو استغلالهم من جانب من لديهم المال أو النفوذ.

  1. يكبر احتمال نجاح العمل المجتمعي إذا شمل كافّة أصحاب المصلحة، مِنذ البداية:

هذا هو المبدأ الذي يتأتّي من القيمة المتعلّقة بالإنصاف وشمل كافّة المتأثرين بالمسألة. ونحن هنا نذكره كمبدأ لأنّه تصريح علمي: إنّ عمليّات التخطيط والتطبيق والتقييم، ببساطة، تسير بشكل أفضل بوجود معطيات ومشاركة من جانب جميع المعنيين. يَنتُج عن هذا المسار التشاركي أفكارٌ أكثر، ودعم أوسع، واحتمال تجنّب الأخطاء التي يسبّبها الجهل بتاريخ المجتمع المحلي أو التحركات السابقة، وتبنّي التحرك الناتج مِن قِبل جميع المتأثرين. (للمزيد عن إشراك كافة أصحاب المصلحة، يمكن التوجّه إلى الفصل 18، القسم 2: مقاربات تشاركية في التخطيط لتدخلات مجتمعية والفصل 36، القسم 2: البحث التشاركي المرتكز إلى المجتمع المحلّي.)

  1. يجب تشجيع القيادة من داخل المجتمع المحلي وتغذيتها:

في حال بُني من الداخل فالأرجح أن يَحدُث التغيير المجتمعي الإيجابي، والأكثر ترجيحاً هو أن يستمر. يجب أن يأتي القادة إلى هذا العمل من المجتمع المحلي، لأنّهم يعرفون المجتمع المحلي بشكل جيّد، ولأنّ لديهم المصداقية بسبب انتمائهم إلى المجتمع المحلي، ولأنّ لديهم مصلحة كبيرة في النجاح. أمّا أن يأتي أناس من الخارج لفرض الحلول والقيادات فقد ينفع ذلك على المدى القصير، ولكنّه يُعيق قدرة المجتمع المحلي على النمو والتطور. (انظروا الفصل 13، القسم 1: تطوير خطّة لبناء القيادة والفصل 13، القسم 5: تطوير فصائل من القيادات المجتمعيّة: نموذج لتعلّم الخدمة.)

  1. العمل المجتمعي يتطلّب تخطيطاً مليّاً في كل مرحلة من مراحل المسار:

قياس الحاجات وتحديد المسألة، والتخطيط الاستراتيجي، والتطبيق، والتقييم، وصيانة الجهود، كافة هذه المراحل تتمتع بفرص أكبر بالنجاح إذا ترافقت مع التخطيط التعاوني. (انظروا الفصل 3، القسم 1: بناء خطة لتحديد الحاجات والموارد المحلية والفصل 4، القسم 1: بناء خطة لوضع مسائل الصحة والتنمية المجتمعيّتَيْن على الأجندة المحلية والفصل 6، القسم 1: تطوير خطّة اتّصال والفصل 7، القسم 1: بناء خطة لزيادة المشاركة في العمل المجتمعي والفصل 8: بناء خطّة استراتيجية والفصل 10، القسم 1: تطوير خطة لتوظيف الموظفين وتوجيههم وتدريبهم والفصل 11، القسم 1: تطوير خطة لإشراك متطوعين والفصل 13، القسم 1: تطوير خطّة لبناء القيادة والفصل 18، القسم 2: مقاربات تشاركية في التخطيط لتدخلات مجتمعية والفصل 36، القسم 5: بناء خطّة تقييم والفصل 42، القسم 1: بناء خطة للاستدامة المالية والفصل 44، القسم 1: بناء خطّة لدعم الجهود المجتمعية المتّصلة والفصل 46، القسم 1: التخطيط لمأسسة المبادرة.)

  1. التقييم ضروري للغاية ومفيد بعدّة طرق، مع أنّه قد ينفع أكثر على الأرجح كأداة لتحسين عملكم:

فالتقييم يستطيع أن يُظهر أين تكون التغييرات ضرورية، كما إنه يُشير إلى المشكلات ونقاط القوة، ويقترح تحركات إضافية، ويؤمّن المساءلة والمحاسبة. التقييم التكويني، أي الذي يتفحّص مليّاً مسار جهودكم ومضمونها ويقارن ما جرى بما كان مفترضاً أن يجري ويحلل ما قمتم به على ضوء ما يمكن القيام به لتحسينه، هذا التقييم يمكنه أن يقول لكم ما إذا وُجدت ضرورة لتغيير أجزاء من المسار أو تغيير الأهداف لكي تصبح جهودكم أكثر فعالية. التقييم الجامع، أي الذي يقرر بكل بساطة ما إذا كان ما قمتم به كان جيداً أم لا، مركّزاً فقط على المحاسبة، هذا التقييم أقل إفادة من الأوّل، إذ يمكن أن يوقف جهوداً في أثناء مسارها في حين يكون ما يلزم لكي تنجح الجهود هو مجرد تغيير بسيط في التنفيذ. (انظروا الفصول 36 – 39 للمزيد عن التقييم.)

  1. المخرجات مهمّة:

صحيح أن الإشارة المتكررة إلى الفشل وجلد النفس قد لا يكونان مساعدَيْن، ولكن من المهم تذكّر السبب الذي جعلكم تقومون بهذا العمل بدايةً. عليكم الاستمرار بالقيام بأفضل ما يمكنكم من أجل تكييف جهودكم لكي تزداد فعاليتها، ومتابعة التطلّع إلى غايتكم النهائية.

  1. الوقت هو الجوهر:

اسمحوا دائماً بما يكفي من الوقت حتى تحدث الأمور، سواء في التخطيط أوالتنفيذ. هذا يعني في الواقع أن نأخذ في الحسبان ما تتطلّبه الجهود أو البرامج لكي تبدأ بالتالي:

  • استقطاب فريق تخطيط تشاركي

  • بناء خطة

  • جمع الناس والمكان والمواد والمعدات وأي أمر آخر يلزم

  • إيجاد التمويل أو موارد أخرى

  • القيام بالعمل الفعلي

  • تصميم التقييم وتطبيقه وتحليله

  • القيام بالتغييرات التي يقترحها التقييم، ثم القيام بكافة الخطوات السابقة من جديد

ترك وقت كاف في البرنامج يعني كذلك إفساح الوقت للنتائج لكي تَحدث. في بعض برامج الصحة العامة، مثلاً، قد يتطلّب الأمر سنوات لمعرفة ما إذا كانت طريقةٌ ما في الوقاية قد نجحت حقّاً. وحتّى في برامج عديدة يراها بعض صانعي السياسات كتعديلات سريعة، قد لا تكون النتائج قادمة بالسرعة التي يودّونها. البرمجة في الوقت اللازم لجعل المهمة تُنَفّذ قد تكون محبطة ولكنها ضرورية للنجاح.


قد يرى المشرّعون أن برنامج التدريب على الوظائف هو مسألة بسيطة يتعلّم من خلالها العاطلون عن العمل مهارة معيّنة، شبيهة بحضور أي صفٍ عن أي مادّة لعدد من الأسابيع. لكن صانعي السياسات لا يدركون في معظم الأحيان أن الأشخاص ليس فقط يتعلمون بسرعات مختلفة بل إن بعض المشاركين قد لا يكونون قد عملوا في أية وظيفة سابقاً، ولا يفهمون أساسيات الانسجام مع المشرفين والزملاء، أو حتى العمل على الوقت المحدد كل يوم. قد يتطلّب تعليم كافة الأمور الأساسية بالإضافة إلى المهارة ذات الصلة وقتاً أطول مّما خطّط له صانعو السياسات، ولكنّ ذلك سيكون أكثر فعالية على المدى البعيد.

 
  1. لا تجعلوا القضمة أكبر مما يتّسع له فمكم:

صوّبوا باتّجاه العالي، ولكن كونوا صادقين مع أنفسكم والآخرين حول ما يمكنكم القيام به فعلياً، وكم سيستغرق من الوقت.

  1. تأكّدوا من أنّ التمويل والموارد الأخرى مناسبة لما تحاولون القيام به:

إنّ محاولة تنفيذ مشروع من دون الموارد اللازمة هو تماماً وصفة للفشل. من المنطقي إعادة قياس نواياكم، أو السماح لمزيد من الوقت إلى أن تحصلوا على ما يلزمكم، وهذا أفضل بكثير من بدء تشغيل جهودكم من دون المواد اللازمة لتنفيذها. (انظروا الفصل 42: الحصول على منح وموارد مالية بالإضافة إلى الفصل 46، القسم 6: تشارك المواقع والموارد الأخرى والفصل 46، القسم 9: الحصول على موارد مشتركة والفصل 46، القسم 11: استدراج إسهامات ودعم عيني والفصل 46، القسم 12: تصميم حدث لجميع الأموال وتنفيذه والفصل 46، القسم 13: السعي وراء تمويل من طرف ثالث والفصل 46، القسم 14: تطوير بنية تتضمن رسوماً بدل الخدمات والفصل 46، القسم 15: اكتساب تمويل من القطاع العام والفصل 46، القسم 16: تأمين منح وترتيبات للعطاء المخطَّط  والفصل 46، القسم 17: تأسيس برنامج للعضوية وإدامته والفصل 46، القسم 18: تطوير منتجات وتسويقها.)

  1. يجب أن يجري التحرك المجتمعي في الوقت وعلى المستوى اللذين يجعلانه أكثر فعاليةً:

المقصود بمستوى التحرك المجتمعي هو المكان الذي يصوّب التحرّك باتّجاهه. قد تخطّطون لتحرّك لمنفعة مجموعة معيّنة إلا أن جهودكم تكون أكثر فعالية إذا صوّبتم باتّجاه صانعي السياسات أو مجموعات أخرى أو أفراد آخرين قد تؤثّر أعمالهم على المجموعة التي تعنيكم.

ولنفس الأسباب، يجب أن تجري جهودكم في الوقت الأفضل لها للحصول على الأثر المرغوب. قد يعني ذلك تنسيق الجهود وتزامنها مع الإجراءات التشريعية الدورية (إصدار موازنة الحكومة، مثلاً)، أو في موسم معيّن (أن تتزامن مثلاً جهود جمع التمويل للعائلات المشرّدة مع عطلة الشتاء)، أو مع جهود مماثلة وطنية أو عالمية (مثلاً، يوم محو الأمية الوطني أو العالمي) أو مع أحداث حاليّة تتطوّر. (فأنتم تريدون القيام بالحملة للمحافظة على مساحة مفتوحة عندما يبزغ احتمال تطوّر الحملة، بشكلٍ تعطون فيه جهودكم الوقت الكافي لجمع الرأي العام وتُطلعونهم على الحقائق. إذا انتظرتم حتّى تبدأ الجرّافات بتقطيع الشجر، فقد يكون الوقت أصبح متأخراً كثيراً.)

  1. يجب أن يكون التدخّل المجتمعي قابلاً للتكرار والاستدامة:

لكي يكون التدخّل "قابلاً للتكرار"، يجب أن يكون قابلاً لأن يُعاد تطبيقه بنجاح في أمكنة أخرى و/أو مع مشاركين آخرين. يجب أن تكون العناصر الأساسية للتدخّل فعّالة (ربّما مع بعض التعديلات لمجتمع محلي آخر أو جمهور آخر) في أي مكان، ويجب أن تكونوا قادرين على شرح كيف يعمل التدخّل تماماً، حتى يستطيع شخص آخر تنظيمه وإدارته وتنفيذه في وضع آخر. هذا يعني أنه عليكم فهم عناصر التدخّل بوضوح، ومعرفة ما الذي يجعله ناجحاً. وبما أنّ الصيغة غالباً ما تتضمّن مزيجاً من النظرية والفلسفة والمقاربات الشخصية والسياسات والطرائق، عليكم أن تنتبهوا كثيراً لما تقومون به، وأن توثقوه وتقيّموه، إذا أردتم أن يتمكّن شخص آخر من القيام به.

ولكي يكون التدخل مستداماً، عليكم أن تكونوا قادرين على تشغيله لمدّة طويلة. يتضمّن ذلك ليس فقط تنفيذ العمل بفعاليّة، ولكن أيضاً إيجاد الموارد المادّية والموارد الأخرى اللازمة للمحافظة على استمراره، وبناء الدعم المجتمعي، وتأمين التدريب المستمر للموظفين الجدد والقدامى، والتقييم المستمر، ومحاولة تحسين ما تقومون به.

هذا يؤدّي إلى المبدأ التالي:

  1. العمل المجتمعي لا ينتهي:

مهما كان عملكم (أكان تدخلاً مجتمعياً أو حملة مناداة أو تحركاً مجتمعياً لمرّة واحدة لتحقيق غاية محدّدة أو تأسيس منظمة أو تأسيس مبادرة مجتمعية تعتمد على بنفسها)، لا تنتهي مهمّتكم عندما تصلون إلى غايتكم الأوليّة. فإذا لم تعملوا على صيانة ما تقومون به أو التأكّد من أنّ آخرين يقومون بذلك، سينهار ما تقومون به. فَلإحداث تغيير في مجتمعٍ محلي، عليكم الإبقاء على عملكم لمدّة غير متناهية.

  1. لا تضيعوا البوصلة عن رؤيتكم ومبادئكم وقيَمكم أثناء نضالكم من أجل أن تحصل الأمور:

غالباً ما يكون مغرياً أن تأخذوا أي تمويل متوفّر أو أن تغيروا ما تقومون به لكي تكونوا مؤهلين للحصول على الموارد. وأحياناً، قد يبدو لكم أنّ تعديل غرضكم يجعله أكثر استساغة وأقل إثارة للجدل، وأنّ ذلك سيجعل حياتكم أسهل. عندما تظهر هذه الاحتمالات، من الضروري مراجعة ما هي رؤيتكم وما هي رسالتكم وما هي أهدافكم النهائية. في حال لزم تغيير أي منها بسبب تغييرات في الظروف أو في الحاجات المجتمعية، فَلْيكن، ولكن إذا كان حافز التغيير يتناقض مع مبادئكم أو رؤيتكم أو السبب الذي جعلكم تقومون أصلاً بهذا العمل، فعليكم رفضه. إنّ نزاهة قضيتكم ومنظمتكم وكرامتها أعز وستسهم في جهودكم أكثر من أي ربح قصير المدى، أكان مادياً أو في العلاقات العامة.

  1. الغاية الحقيقية للعمل المجتمعي هي التغيير الاجتماعي الإيجابي:

الوضع المثالي في معظم الأحيان هو في تحسين نوعية الحياة لجماعة معينة أو للجميع في المجتمع المحلي. غالباً ما يعني ذلك تغيير بعض الجوانب الأساسية في الطريقة التي يفكر بها المجتمع المحلي أو يعمل، كمواقفه تجاه العنف المنزلي، مثلاً، أو التزامه التعليم أو المحافظة على البيئة، أو استهلاك الكحول أو الطعام غير الصحي، أو مفهوم المجتمع المحلي للعدالة الاجتماعية. إذا استطعتم مساعدة المجتمع على تغيير مواقفه وسلوكياته بطريقة إيجابية فسيصبح مكاناً أفضل للجميع ليعيشوا فيه.

فرضيات "عدة العمل المجتمعي"

كما شرحنا سابقاً أعلاه، الفرضيات هي أفكار نعتبرها بديهية أو مضمونة. والفرضيات تختلف عن القيم، إذ إنّها تنبع في معظم الأحيان من التحليل المنطقي (أو ما نراه منطقياً)، وليس من المعتقدات المترسّخة بعمق فينا، كما تختلف الفرضيات عن المبادئ في أنّها لا تكون عادةً أساس تفكيرنا وتحركنا، بل هي توجّهنا في كيف نتجاوب مع هذه المبادئ.

من شبه المستحيل ذكر كافة فرضياتنا، وذلك ببساطة لأنّنا لا نعي عدداً كبيراً منها. هي متأصلة بعمق في تفكيرنا لدرجة أنّنا حتّى لا ندرك أنّها فرضيات فهي تبدو كالحقائق. آخذين ذلك بعين الاعتبار، سنحاول تعداد بعض أهم الفرضيات التي استند عليها العمل في "عدّة العمل المجتمعي":

  1. كل فرد تقريباً يريد الأفضل للمجتمع المحلي:

قد يختلف الناس على تعريف ما هو الأفضل، وعلى كيفية الوصول إلى هذا الأفضل، ولكن غايات الناس غالباً ما تكون متشابهة: العيش في مجتمع محلي أفضل ما يمكن بأفضل الطرق الممكنة. إذا بدأنا بهذه الفرضية، يصبح أسهل علينا تأسيس أرضية مشتركة والمباشرة في العمل سوية. لا شك أن "شيطنة" مَن نختلف معهم سهلٌ ويُعطينا شعوراً بالرضا، ولكنّه لا يؤدي إلى مكان. بينما الافتراض من جهة أخرى أنّ الآخرين يريدون الكثير من نفس الأمور التي نريدها، قد يؤدّي إلى التعاون في بعض القضايا، ويمكن على الأقل أن يبدأ حواراً حول قضايا أخرى. وهذا أفضل بكثير من فريقين يِعْلقان في المواجهة دون أية فرصة للحركة على الصعيد العملي وعلى صعد أخرى.

  1. يصبح الناس بشكل عام مستعدّين للمساعدة ما إن يفهموا ظروف بعضهم بعضاً: أثناء البحث عن العدالة في المجتمع المحلي، غالباً ما نُصدَم بمواقف تبدو خبيثة وخالية من الإحساس. ولكن هذه المواقف تكون في أحوال عديدة نتيجة فقدان التواصل بين الناس في ظروف مختلفة. في حال لم تكونوا تعرفون أحداً يستفيد من الأعمال الخيرية فمن السهل عليكم الافتراض أنّ متلقي الأعمال الخيرية هم أناس كسولون وليسوا مستعدّين للعمل. ولكن عندما تواجهكم حقيقة حياة هؤلاء، كالأمّهات الوحيدات من دون معيل اللواتي تعشن في يأس على قدر ضئيل من المال (حتّى في بعض البلدان حيث نظام الرعاية أفضل من بلدان أخرى)، واللواتي تفتقدن في معظم الأحيان إلى معظم المهارات الأساسية، وتواجهن خسارة الرعاية الصحية، وهنّ مجبورات على دفع جزء كبير من دَخلهنّ لرعاية أطفالهنّ (هذا في حال كان لديهن عمل)، يصبح عندها من الصعب عليكم النظر إلى "من يتلقّون المساعدات الخيرية" بمنظار سلبي.

  2. غالباً ما يبادل الناس الاحترام بالمثل إذا جرى التعامل معهم باحترام:

سواء كنتم تتعاطون مع مشاركين في تدخلٍ ما، أو مع خصوم، أو مع حلفاء، تعاملوا معهم مثل ما تحبون أن تُعامَلوا. القاعدة الذهبية هي بشكل عام خط توجيهي مفيد، ليس فقط أخلاقياً ومعنوياً، بل عمليّاً كذلك.

  1. تُبنى الائتلافات والشراكات والمجموعات التعاونية، كل علاقة على حِدة:

قد يكون من السهل نسبياً جمع عدد من الناس والمجموعات سوية حول مسألة ما، ولكن جعلهم يبقون ويعملون سوية هو موضوع آخر. العلاقات التي يبنونها بعضهم مع بعض هي "المادة اللاصقة" التي قد تجعل ذلك يحصل.

أحد رؤساء مجلس النواب في الولايات المتحدة، "تِيب أونيل"، كان يقول أن العمل السياسي بمجمله هو عمل محلي. ما كان يقصده هو أن العمل السياسي شخصي، وأن التحالفات تُبنى علاقة تلو الأخرى. ويَصح ذلك بالنسبة للناشطين المجتمعيين، كما يصح بالنسبة لأعضاء مجالس النواب. (انظروا الفصل 5، القسم 5: إنشاء ائتلاف (1): بدء ائتلاف والفصل 5، القسم 6: إنشاء ائتلاف (2): صيانة الائتلاف.)

  1. يجب أن يصدّق الناس أن الأمر ممكن، أو يؤمنوا بذلك، قبل أن يعملوا على جعله يحصل:

هذا هو السبب الذي يجعل الرؤية التشاركيّة مهمّةً للغاية في العمل المجتمعي، ولكن ذلك يصح أيضاً على الصعيد الفردي. فالطلاب، مثلاً، عليهم أن يؤمنوا أنهم قادرون على التعلّم قبل أن يضعوا التركيز والجهود اللازمة للقيام بذلك. في حال أصابهم الإحباط فستبدو المهمة مستحيلة ويصبح الاستسلام أسهل من المخاطرة بالفشل المستمر.

على الفرد أو المجتمع المحلي أن يكون قادراً على تصوّر المستقبل من أجل جعله يحصل. في حال عدم وجود إيمان بإمكانية التغيير، فلن يكون هنالك تغييرٌ على الأرجح.

  1. عندما يعمل الناس معاً، يكون ذلك أفضل وأنجح من أن يعمل كلٌّ بمفرده:

معاً سيكون لديهم أفكارٌ أكثر، وسيطورون قدرات أكثر لجعل الأمور تتم، وسيغذّون طاقة بعضهم بعضاً من أجل الإبقاء على حركة الجهود. إذاً، وعند الإمكان، يكون التحرّك المتّفق عليه والموزّع على عدّة أفراد أو مجموعات هو في معظم الأحيان أكثر فعالية على المدى البعيد من التحرك الذي ينفذه فردٌ بمفرده أو تنفذه منظمة بمفردها.

  1. العالم ليس مثالياً. هذا العمل هو ضروري لخلق تغيير اجتماعي إيجابي وجعل العالم مكاناً أفضل للجميع.

باختصار

تشكّل القيم والمبادئ والفرضيات أساساً لكل قسم من أقسام "عدّة العمل المجتمعي"، وهي التي تَستخدمُها لتوجيه عملها. وتجسّد هذه القيم والمبادئ والفرضيات، بشكل عام، الكرامة والقيمة الأساسيتين لكافة الناس، وقدرة المجتمعات المحلي على (بَل ضرورة) حل مشاكلها الخاصة وإنتاج قادتها من داخلها، والضرورات العملية والأخلاقية للعمل الصحي والمجتمعي، والحاجة للتغيير الاجتماعي الإيجابي.

المقصود بهذا القسم هو مساعدة مستخدمي "عدّة العمل المجتمعي" على فهم منظورها " وربّما توضيح بعض ما سيقدّم في العدّة. كما يقصد القسم مساعدة المستخدِمين على التفكير في قيمهم ومبادئهم وفرضياتهم الخاصة، وعلى جعلها واعية، وعلى تفحّصها، وعلى استمرار التدقيق فيها فيما هم يقومون بهذا العمل الصعب والذي هو في غاية الأهمية.

نشجّعكم على إعادة إنتاج هذه المواد، على أن تذكروا مرجعها، "عدة العمل المجتمعي" على الموقع:

Http://ctb.ku.edu

Contributor 
فِيْل رابيْنوفِيْتز

 

Fawcett, Stephen B.  Some Values Guiding Community Research and Action.  Journal of Applied Behavior Analysis, 24, no.4 (1991), pp.624-636.