استمارة البحث

  • ما هو التقييم التشاركي؟
  • لماذا قد تستخدمون (أو لا تستخدمون) التقييم التشاركي؟
  • متى تستخدمون التقييم التشاركي؟
  • مَن يجب أن ينخرط في التقييم التشاركي؟
  • كيف تنفّذون التقييم التشاركي؟

يعلم الذين يبنون المجتمعات المحلية أنّ إشراكَ أصحاب المصلحة في عملهم، أي الناس أصحاب المرتبطين والمتأثرين بشكل مباشر بالمشاريع، مهمٌ للغاية. فذلك يعطيهم المعلومات التي عليهم تصميمها، وتعديلها أو تغييرها، وما يجب أن يقوموا به لتلبية حاجات المجتمع المحلي، وبشكل خاص حاجات الناس الذين تقصد المبادرة أو التدخّل أن يكونوا المنتفعين. وهذا صحيح تحديداً ربطاً بالتقييم.

الفصل 36، القسم 2 هو عن البحث التشاركي المستند إلى الناس أو المجتمع المحلي. ويمكن استخدام هذا البحث، كما نشرح في القسم، في وصف المجتمع المحلي، وفي تقدير المسائل والحاجات المجتمعية، وفي إيجاد الممارسات الفضلى واختيارها، و/أو في التقييم. نعتبر أنّ موضوع التقييم التشاركي مهم بما يكفي حتّى نخصص له قسماً بحد ذاته، ولنُظهر كيف يتلاءم مع الصورة الأوسع للبحث التشاركي.

إنّ بناء مشاركة أصحاب المصلحة في المشروع منذ البداية لفكرة جيّدة. إحدى الطرق الأفضل لاختيار الاتجاه الصائب لعملكم، هي في إدخال أصحاب المصلحة في تحديد حاجات المجتمع المحلي الحقيقية والسبل التي من خلالها يمكن للمشروع أن يكون له الأثر الأكبر. ومن أفضل الطرق لاكتشاف أية أنواع من التأثيرات يترك عملكم على الناس الذين استهدفهم العمل، أن تشملوا في فريق التقييم الأشخاص الذين هم على الجانب المتلقي للمعلومات أو الخدمات أو المناداة.

غالباً ما ترون ما يجري بشكل أوضح عندما تنظرون من خلال أعين هؤلاء المنخرطين بشكل مباشر فيه، أي أعين المشاركين والموظفين والآخرين المنهمكين في التنفيذ أو في المشاركة في برنامج أو مبادرة أو أي مشروع آخر. في الفصل 36، القسم 2، ناقشنا كيف يمكن إدخال هؤلاء الناس في القيام بأبحاث عن المجتمع المحلي واختيار مسائل للطرح واتجاهات للسير فيها. هذا القسم هو عن كيف يمكن إدخالهم في كل نطاق المشروع، بما فيه التقييم، وكيف يعود ذلك في الغالب بالفائدة على مخرَجات المشروع النهائية.

ما هو التقييم التشاركي؟

عندما يفكر معظم الناس بالتقييم، فهم يفكّرون في أمرٍ يحصل في نهاية المشروع، أي أمرٍ ينظر إلى المشروع بعد انتهائه ويقرّر ما إذا كان جيّداً أم لا. يجب أن يكون التقييم في الحقيقة جزءاً متكاملاً من أي مشروع من بدايته. يشمل التقييم التشاركي كافة أصحاب المصلحة في المشروع، أي هؤلاء المتأثرين به أو الذين يقومون بتنفيذه، فضلاً  عمّن يساهم في فهم المشروع وفي تطبيق هذا الفهم من أجل تحسين العمل.

التقييم التشاركي، كما سنرى، ليس ببساطة مسألة أن نطلب من أصحاب المصلحة المشاركة. إن شمل جميع المتأثرين يغيّر طبيعة المشروع الكاملة مِن مشروعٍ ينفَّذ من أجل الناس أو المجتمع المحلي إلى شراكة بين المستفيدين ومنفّذي المشروع. فبدل أن يكونوا ناساً عاجزين تُنفّذ المشاريع عليهم، يصبح المستفيدون قادةً مساعدين في المشروع، يحرصون على التعرّف على حاجاتهم الحقيقية وحاجات المجتمع المحلي وعلى طرحها.

لا تكون هذه المقاربة في التخطيط والتقييم ممكنةً من دون الثقة والاحترام المتبادلَين. وهذان يجب أن يتم تطويرهما مع الوقت، ويصبح هذا التطوير أقرب للتحقق إذا كان يبدأ من فهم الثقافة والعادات المحلية، سواء كان العمل في قرية ما في بلد نامٍ أو في أي بلد متقدم آخر. إنّ احترام الأفراد والمعرفة والمهارات التي يتمتّعون بها يساهم بشكل أساسي في تعزيز الثقة والانخراط على المدى الطويل.

الناحية الأخرى الضرورية لأي مسار تشاركي هي التدريب المناسب لكافة المنخرطين. قد لا يعي بعض أصحاب المصلحة أنّ البحث الخاص بالمشروع قائم، وقد لا يكون عند آخرين أية فكرة عن العمل مع أناس من خلفيّات مختلفة، كما قد لا يعرف البعض ما العمل بنتائج التقييم عندما يحصلون عليها. سنناقش في سيلق هذا القسم كافّة هذه المسائل: انخراط أصحاب المصلحة، وتأمين الثقة، والتدريب.

الهدف الحقيقي للتقييم ليس فقط معرفة ماذا جرى بل استخدام هذه المعلومات لتحسين المشروع، ومن أجل تحقيق ذلك، يجب أن يشمل التقييم البحث في مجالَين على الأقل:

  • العملية، أو المسار: يتضمّن مسار المشروع التخطيط والنشاطات اللوجستية اللازمة لتصميمه وإدارته. هل قمنا بتقديرٍ صحيح قبل البدء، لمعرفة ما هي الحاجات الحقيقية؟ هل استخدمنا نتائج التقديرات لتحديد الحاجات وتلبيتها عند تصميم المشروع؟ هل صمّمنا المشروع وأدرناه ضمن الجداول الزمنية والبنى الأخرى التي أردناها؟ هل أَدخلْنا الناس الذين كنّا نرغب إدخالهم؟ هل كان لدينا أو هل حصلنا على الموارد المتوقّعة؟ هل كان الموظفون والآخرون مدرّبين ومُحضّرين للقيام بالعمل؟ هل جاءنا الدعم المجتمعي الذي توقّعناه؟ هل سجّلنا ما كنّا نقوم به بدقّة وفي الوقت المناسب؟ هل راقبنا وقيّمنا كما كنّا ننوي؟
  • التطبيق: تطبيق المشروع هو القيام فعليّاً بتشغيله. هل قمنا بما كنا ننوي القيام به؟ هل خدمنا أو أثّرنا على أعداد الناس التي اقترحناها؟ هل استخدمنا الطرائق التي اعتمدنا استخدامها؟ هل كان مستوى نشاطنا كما أردناه (مثلاً، هل أمّنّا ساعات الخدمة التي نوينا تأمينها)؟ هل وصلنا إلى الجمهور / الجماهير التي استهدفناها؟ ماذا قّدمنا تحديداً أو ما هو الذي قمنا به بالتحديد؟ هل قمنا بتغييرات عن قصد أو عن غير قصد، ولماذا؟
  • المخرجات: مخرجات المشروع هي نتائجه: ما حصل فعلياً كعاقبة لوجود المشروع. هل كان لعملنا الآثار التي توخّيناها؟ هل كان للمشروع آثار أخرى لم تكن متوقعة؟ هل كانت إيجابيّة أو سلبية (أو لا هذه ولا تلك)؟ هل نعرف لماذا حصلنا على هذه النتائج؟ ماذا يمكن أن نغيّر وكيف، من أجل جعل عملنا أكثر فعاليّة؟

 

كُثرٌ ممّن يكتبون عن التقييم التشاركي، يمزجون المجالين الأوّلين المذكورَيْن أعلاه في مسار التقييم، ويضيفون مجالاً ثالثاً وهو تقييم الأثر، بالإضافة إلى تقييم المخرجات. تقييم الأثر ينظر إلى النتائج بعيدة المدى للمشروع، أكان المشروع يستمر، أو يعمل وينتهي.

مشاريع التنمية الريفية في العالم النامي، مثلاً، تُخلَق ببساطة لنقل مهارات محدّدة للناس المحليين، المتوقّع منهم عندها أن يطبّقوا هذه المهارات ويعلّموها لغيرهم. وحالما يتعلّم الناس هذه المهارات، التي ربّما تكون تقنيات زراعة معيّنة أو تنقية المياه، ينتهي المشروع. إذا أظهر تقييم الأثر، بعد خمس أو عشر سنوات، أنّ المهارات التي جرى تعلمها في المشروع، ليس يجري تطبيقها فحسب بَل أنها انتشرت، فإنّ أثر المشروع إذاً كان طويل المدى وإيجابيّاً.  

يجب أن يبدأ التقييم مع التقدير والتخطيط من بداية المشروع من أجل تغطية هذه المجالات بشكل صحيح. وفي التقييم التشاركي، يجب أن ينخرط أصحاب المصلحة في:

  • تسمية المشكلات أو الأهداف المطروحة وتأطيرها.
  • بناء نظرية ممارسة (مسار أو نموذج منطقي) لكيفية تحقيق النجاح.
  • تحديد الأسئلة المفروض طرحها عن المشروع والطرق الأفضل لطرحها. هذه الأسئلة ستحدّد ما ينوي المشروع القيام به، وبذلك ما المفروض تقييمه.

ما هي الغاية الحقيقية، مثلاً، لبرنامج تقديم غذاء أكثر صحة في غداء المدارس؟ يمكن أن تكون ببساطة إقناع الأطفال بتناول كمية أكبر من الفاكهة الخضار والحبوب الكاملة، ويمكن أن تكون جعلهم يتناولون كميات أقل من الطعام المصنّع غير الصحي، ويمكن أن تكون تشجيع الأطفال ذوي الوزن الزائد أو البدينين على تخفيض وزنهم، كما يمكن أن تكون ببساطة تثقيفهم حول الطعام الصحي وإقناعهم أن يغامروا أكثر بأكلهم.

أسئلة التقييم التي تطرحونها تعكس غاياتكم ربطاً بالبرنامج وتحدّدها. إذا لم تقيسوا تخفيض الوزن، مثلاً، فهذا بوضوح ليس ما تهدفون إليه. إذا نظرتم فقط إلى زيادة استهلاك الأطفال للطعام الصحي، فأنتم تتجاهلون الواقعة أنه إذا لم يخفّف الأطفال من تناول الأمور الأخرى (الطعام السريع غير الصحي، مثلاً)، فسيزيد وزنهم، بكل بساطة. هل هذا أفضل من عدم تناول الطعام الصحي؟ تجيبون عن هذا السؤال عبر اختيار ما تريدون أن تراقبوا: إذا أصبح أفضل، فلا يعود مهمّاً ما يأكله الأطفال إضافةً إلى الطعام الصحي. أمّا إذا لم يصبح أفضل، فستهتمون.

  • جمع المعلومات عن المشروع
  • إعطاء معنى لهذه المعلومات
  • الاتفاق على ما ستحتفلون به، وما ستعدّلون أو تغيّرون، بناءً على المعلومات من التقييم.

لماذا قد تستخدمون (أو لا تستخدمون) التقييم التشاركي؟

لماذا قد تستخدمون التقييم التشاركي؟ الجواب السريع والقصير هو أنّه غالباً ما يكون الطريقة الأكثر فعاليّة لمعرفة ماذا يجب أن تعرفوا، في البداية وخلال مسار المشروع. إضافةً إلى ذلك، يحمل التقييم التشاركي مكاسب للمشاركين الأفراد وللمجتمع المحلي لا تحملها طرق أخرى. أهمّ إيجابيّات التقييم التشاركي:

  1. يعطيكم التقييم التشاركي منظوراً أفضل على الحاجات الأولية للمستفيدين من المشروع وعلى آثاره النهائية. إذا انخرط أصحاب المصلحة، بمن فيهم المستفيدين من المشروع، من البداية في تحديد ما هي الحاجات الواجب تقييمها، ولماذا، ناهيك عمّا يجب أن يكون تركيز المشروع، فمن الأرجح أن يصوّب عملكم بالاتجاه الصحيح، وأن تحدّدوا بشكل صحيح ما إن كان مشروعكم فعّالاً أو لا، وأن تفهموا كيف تغيّرون لتجعلوه كذلك.
  2. يقدّم لكم التقييم التشاركي معلومات لا تستطيعون الحصول عليها بطرق أخرى. عندما يعتمد اتجاه المشروع وتقييمه، على الأقل جزئياً، على معلومات من ناس في المجتمع المحلي، هذه المعلومات تكون في معظم الأحيان أسهل المنال إذا طالب فيها شخص مألوف. يمكن لأهل المجتمع المحلي الذين يسألون أصدقاءهم وجيرانهم، أن يحصلوا على معلومات لا يقدّمها هؤلاء لشخص غريب.
  1. يقول لكم ماذا نجح وما لم ينجح، من منظور مَن هم الأكثر انخراطاً بشكل مباشر: المستفيدين والموظفين. إنّ المنفذين للمشروع والمتأثرين بشكل مباشر به هم الأكثر قدرة على فرز الفعّال مِن غير الفعّال.

تسمية المشكلات/الأهداف وتأطيرها

توثيق التدخّل وآثاره

استخدام المعلومات للاحتفال وللقيام بتعديلات

بناء نموذج منطقي لتحقيق النجاح

تحديد أسئلة البحث وطرائقه

إعطاء معنى للبيانات

  1. يخبركم التقييم التشاركي لماذا ينجح أمرٌ ما أو لا ينجح. في معظم الأحيان، يستطيع المستفيدون أن يشرحوا تماماً لماذا لم يستجيبوا لهذه التقنية أو المقاربة المعّينة، وبذلك يعطونكم فرصة أفضل لتعديلها بشكل صائب.
  2. يُنتج التقييم التشاركي مشروعاً أكثر فعاليّة. للأسباب التي ذُكرت للتو، أصبحتم أكثر قابلية للبدء في الاتّجاه الصحيح، ولمعرفة متى عليكم تغيير الاتّجاه إذا لم تغيّروه حتّى الآن. الثمرة هي مشروع يطرح المسائل المناسبة في الطريقة الملائمة ويحقق ما يقرّر أن يقوم به.
  3. يمكّن التقييم التشاركي أصحاب المصلحة. إذ يعطي مَن لا يجري عادة استشارتهم، أي بعض الموظفين والمستفيدين تحديداً، الفرصة ليصبحوا شركاء كاملين في تحديد اتجاه المشروع وفعاليته.
  4. يؤمّن التقييم التشاركي صوتاً لمَن لا يُسمع صوتهم في معظم الأحيان. المستفيدون من المشروع هم غالباً ناس ذوو دخل محدود ومستويات محدودة نسبياً من التعليم، ونادراً ما يتمتعون بفرصة التكلّم باسم أنفسهم، هذا وهم غالباً ما يعتقدون أن هذا ليس من حقهم. من خلال إدخالهم من البداية في تقييم المشروع، أنتم تؤكدون أنّ أصواتهم ستسمع، وفي نفس الوقت، هم يتعلمون القدرة على التكلم باسم أنفسهم والحق بذلك.
  5. يعلّم التقييم التشاركي مهارات يمكن استخدامها في الوظائف وفي مجالات أخرى في الحياة. بالإضافة إلى تطوير مهارات أساسية وقدرات بحثيّة معينة، يشجع التقييم التشاركي على التفكير النقدي والتعاون وحل المشكلات والتحرك المستقل وتلبية مواعيد إنجاز الأعمال، الخ... وهذه المهارات، يقدّرها جميعها أصحاب العمل، كما هي مفيدة في حياة العائلة والتربية والمشاركة المدينية وفي مجالات أخرى.
  6. يقوّي التقييم التشاركي الثقة بالنفس وتقدير الذات لدى مَن لديهم القليل منهما. هذه الفئة من الناس يمكن أن تتضمّن ليس فقط المستفيدين من المشروع، بل وأيضاً آخرين لم تسمح لهم الظروف أن يثقوا بكفاءاتهم الذاتية أو بقيمتهم للمجتمع. فتَعرُّضهم لفرصة الانخراط في نشاط ذي معنى ومليء بالتحدي وأن يتم التعاطي معهم كزملاء من قبل اختصاصيين، يمكن أن يخلق فرقاً كبيراً لهؤلاء الذين نادراً ما يُفرض احترامهم أو ما يعطَون فرصة لتحقيق ذاتهم.
  7. يعرض التقييم التشاركي للناس طرقاً يستطيعون من خلالها التحكّم بشكل أكبر في حياتهم. إذ إنّ العمل مع مهنيين وآخرين لإتمام مهمّة معقّدة لها عقبات مرتبطة بالعالم الحقيقي، يمكن أن يُظهر للناس كيف يمكن لهم أن يتحرّكوا للتأثير على الناس والأحداث.
  8. يشجّع التقييم التشاركي على تملّك أصحاب المصلحة المشروع. إذا شعر هؤلاء المنخرطون أنّ المشروع لهم وليس أمراً مفروضاً عليهم، سيعملون بجد في تطبيقه وفي إجراء تقييم مفصّل يتضمن معلومات ويساهم في تحسين المشروع.
  9. يحث التقييم التشاركي على الإبداع لدى كافّة المنخرطين. لمَن لم ينخرط مسبقاً في أمرٍ مماثل، يمكن للتقييم التشاركي أن يكون إلهاماً، يفتح الأبواب على طريقة شاملة جديدة في التفكير وفي النظر إلى العالم. أمّا بالنسبة لمن شارك في تقييمٍ من قَبل، فإنّ فرصة تبادل الأفكار مع ناس لهم أساليب جديدة في النظر إلى ما هو مألوف، يمكن أن تؤدّي إلى منظور جديد على ما كان يبدو مسألة جامدة.
  10. يشجع التقييم التشاركي على العمل التعاوني. لكي يعمل التقييم التشاركي جيّداً، يجب أن يُنظر إليه من قبل جميع المنخرطين كعمل تعاوني، حيث يُحضِر كل مشارك إلى الجهود أدوات ومهارات معيّنة، وتُعطى قيمة لكل مشارك لما يساهم به. التعاون من هذا النوع لا يؤدّي فقط إلى إيجابيات عديدة كتلك المذكورة آنفاً، بَل ويعزّز روحاً أكثر تعاونية للمستقبل كذلك، ستقود إلى مشاريع مجتمعية أخرى ناجحة.
  11. يشكّل التقييم التشاركي جزءاً متناسباً من جهود تشاركيّة. عندما تجري دراسة المجتمع المحلي والتخطيط لمشروع بإطار تعاوني بين المستفيدين من المشروع والموظفين وأعضاء المجتمع المحلي، لا بد من شمل التقييم في الخطة العامّة ومقاربته بنفس طريقة مقاربة سائر المشروع. ولكي يكون التقييم جيّداً، يجب أن يكون التخطيط له جزءاً من التخطيط العام للمشروع. إضافةً إلى ذلك، يتناسب المسار التشاركي بشكل عام مع فلسفة الارتكاز إلى المجتمع المحلي أو المجموعات أو المنظمات القاعديّة.

مع كل هذه الجوانب الإيجابية، يحمل التقييم التشاركي بعض الجوانب السلبية كذلك. وما إذا كانت السلبيات تفوق الإيجابيات يعتمد على ظروفكم، ولكن سواء قررتم الانخراط في ذلك أم لا، من المهم فهم أنواع التبعات التي يمكن أن يجرّها. أهم السلبيات للتقييم التشاركي تتضمّن:

  1. يأخذ التقييم التشاركي وقتاً أكثر من المسار التقليدي. لأنّ هنالك عدّة ناس لديهم مناظير مختلفة منخرطين، بعضٌ منهم لم يشارك في أي تخطيط أو تقييم قبل ذلك، تأخذ الأمور أكثر وقتاً ممّا لو كان مهني متخصّص يقيّم، أو لو كان فريق متآلف مع التقييم يعدّ وينفّذ كل شيء ببساطة. اتخاذ القرار يتضمّن الكثير من النقاش، كما أنّ جمع الناس يمكن أن يكون صعباً، ويجب تدريب المقيّمين، الخ.
  2. يجب تأسيس الثقة وترسيخها بين كافة المشاركين في المسار. عندما تبدؤون أمراً جديداً (أو حتّى لو كان المشروع مستمرّاً، وهذا جد ممكن)، من المرجّح أن تخلق مسائل لها علاقة بالفروقات الطبقية والثقافية، الخ. وهذه المسائل تقسّم مجموعات أصحاب المصلحة، ما يؤدي إلى عقبات خفيّة ومماطلات تستمر إلى أن تُحل، وهذا لن يحصل بين ليلة وضحاها. سيمضي الكثير من الوقت والجهود الواعية قبل أن يشعر كافّة أصحاب المصلحة بالراحة ويثقوا بأنّ حاجاتهم وثقافتهم يتم تناولها.
  3. عليكم التأكّد من أنّ الجميع منخرطون، وليس فقط "قادة" المجموعات المختلفة. غالباً ما تعني "المشاركة" مشاركةَ بنيةِ نفوذٍ موجودة أصلاً. معظم القادة هم فعلاً كذلك: ناس معنيّون لدرجة عالية بمصالح المجموعة الفضلى، ويثق بهم الآخرون ليمثّلوهم ويديروهم في الاتّجاه الذي يعكس على أفضل وجه هذه المصالح. ولكن أحياناً، القادة هم الذين يدفعون بأنفسهم إلى الأمام، ويحاولون التأكيد على أهميتهم الذاتية من خلال الطلب من الآخرين القيام بما يجب أن يقوموا به.

إذا أشركتم فقط قادة الناس أو المجتمع المحلي، يبرز خطر خسارة (أو عدم كسب) ثقة سائر الناس ومنظورهم، ويمكن لهؤلاء الناس أن يكونوا أصلاً لا يحبون القائد من النوع الثاني (المذكور أعلاه) ولا يثقون به، أو يمكن لهم أن يروا أنفسهم بكل بساطة مُبعَدين من المسار. يمكن أن يعتبروا التقييم التشاركي كوظيفة للسلطة، فلا يهتمون بالمشاركة فيها. العمل على استقطاب الناس "العاديين" بالإضافة إلى، أو بدل القادة، يمكن أن يكون خطوة مهمّة لمصداقية المسار. لكنّ ذلك يضيف كثيراً من الجهد كما يمكن أن يكون تسويقه صعباً.

  1. عليكم تدريب الناس على فهم التقييم وكيف يعمل المسار التشاركي، بالإضافة إلى تعليمهم مهارات البحث الأساسيّة. هنالك فعلاً عدد من السلبيات المحتملة هنا. السلبية البديهية هي مسألة الوقت التي طرحناها سابقاً: التدريب يأخذ وقتاً للتحضير، ووقتاً للتنفيذ، ووقتاً للولوج فيه. المسألة الأخرى هي السؤال عن نوع التدريب الذي يتجاوب معه المشاركون. كما هنالك مسألة أخرى لها علاقة بالاستقطاب: هل الناس مستعدون لصرف الوقت اللازم حتى يتم تحضيرهم للمسار، ناهيك عن وقت المسار بحد ذاته؟
  2. يجب أن تحصلوا على تبنّي والتزام من المشاركين. علماً بما على المقَيّمين أن يقوموا به، يجب أن يلتزموا بالمسار وأن يشعروا بملكيّته. عليكم تصميم التدريب والمسار بحد ذاته حتّى يُحدِث هذا الالتزام.
  3. حياة الناس (الأمراض ورعاية الأطفال ومشكلات العلاقات وإدخال المحاصيل، الخ) يمكن أن تسبّب تأخيرات أو تقف في وجه التقييم. يعيش الفقراء في كل مكان على الحافّة، ما يعني أنّهم موجودون في حالة توازن دقيق. وأي انحدار لهذه الجهة أو تلك (طفل مريض أو أيّام عديدة من المطر المتواصل) يمكن أن يحدث خللاً ينتج عنه انعدام القدرة عن المشاركة في يومٍ ما أو في كافة الأيام. ومثلاُ، إذا كنتم تتعاطون مع قرية ريفية تعتمد على الزراعة، يمكن لأي مشكلة في الأحوال الجوية أن تعطّل المسار بأكمله، بشكل مؤقت أو دائم.
  4. عليكم أن تكونوا مبدعين في الطرق التي تحصلون فيها على المعلومات وتسجلونها وتقدّمون تقارير عنها. إذا كان بعض المشاركين في التقييم أميين أو تصف أمّيين، أو إذا كان المشاركون يتكلمون عدداً من اللغات/اللهجات المختلفة (مثلاً، الفيليبينية أو الإنكليزية أو الاسبانية أو غيره)، عليكم أن تجدوا طريقة لتسجيل المعلومات في بشكلٍ يفهمها الجميع، وتكون بدورها، مفهومة لمَن هم خارج المجموعة.
  5. يمكن للمموّلين وصانعي السياسات ألاّ يفهموا أو لا يؤمنوا بالتقييم التشاركي. في أسوأ الأحوال، يمكن لذلك أن يجعلكم تخسرون التمويل أو فرصة تقديم الطلب لتمويل. وفي أحسن الأحول، سيكون عليكم قضاء وقت طويل والقيام بمجهود كبير لإقناع الممولين وصانعي السياسات أنّ التقييم التشاركي هو فكرة مفيدة، فتحصلوا على دعم لجهودكم.

بعض هذه السلبيات يمكن أن يُنظر إليها كذلك كإيجابيات: التدريب الذي يتلقّاه الناس يندمج مع تطويرهم لمهارات جديدة يمكن نقلها إلى مجالات أخرى في الحياة، مثلاً. إطلاق طرق مبدعة للتعبير عن الآراء يُفيد الجميع. وحالما يقتنع الممولون وصانعو السياسات بمنافع المسار التشاركي والتقييم التشاركي، يمكن أن يشجعوا الآخرين على استخدامه كذلك. رغم ذلك، إنّ كافّة هذه السلبيّات المحتملة تأكل الوقت، ما يمكن أن يكون عصيباً. فإذا كان ضرورياً للغاية أن تجري الأمور بشكل سريع (وهذا ليس دائماً صحيحاً، كما نعتقد أنّه كذلك)، ربّما التقييم التشاركي ليس الطريق الذي يجب أن نسلكه.

متى تستخدمون التقييم التشاركي؟

إذاً أين تقومون باستخدام التقييم التشاركي؟ فيما يلي بعض الأسباب التي يمكن أن تجعلكم تقرّرون أن التقييم التشاركي هو الخيار الأفضل لتلبية أغراضكم:

  1. عندما تكونون أصلاً ملتزمين بمسار تشاركي للمشروع. يمكن أن يكون التخطيط للتقييم ضمن خطة المشروع العامّة ومصمّماً بشكل تعاوني، كجزء من الخطّة.
  2. عندما يكون الوقت متوفّراً لديكم، أو عندما تكون النتائج أهم من الوقت. كما يجب أن يبدو بديهيّاً من الجزء الأخير من هذا القسم، إحدى أكبر مساوئ التقييم التشاركي هي الوقت الذي تأخذه. إذا لم يكن الوقت أهم مسألة لديكم، يمكن أن تكسبوا إيجابيات التقييم التشاركي دون الحاجة للتعويض عن السلبيّات العديدة.
  3. عندما تستطيعون إقناع الممولين أنّها فكرة جيّدة. يمكن أن يحدّد الممولون أنّهم يريدون تقييماً خارجيّاً، أو يمكن لهم ببساطة التشكيك بقيمة التقييم التشاركي. في الحالتين، سيكون لديكم بعض محاولات الإقناع للقيام بها من أجل استخدام المسار التشاركي. ولكن، إذا حصلتم على دعمهم، ستُعجِب الممولين فكرة أنّ التقييم التشاركي بشكل عام أقل كلفة، وأنّ له قيمة مضافة، تتمثّل في مهارات التمكين والمهارات الأخرى التي يمكن نقلها.
  4. عندما يمكن أن كون هنالك مسائل في المجتمع المحلي أو لدى الناس، من الصعب على المقيّمين الخارجييّن (أو الذين يقدمون البرامج كذلك ربطاً) أن يعرفوا عنها. يمكن للعوامل السياسية والاجتماعية والعلاقات بين الأشخاص في المجتمع المحلّي أن تحرف نتائج التقييم، وإذا لم يفهم المقيّمون هذه العوامل وتاريخها، لن يكون لديهم أية فكرة أن ما يكتشفونه له أي لون. المقيّمون الذين هم جزءٌ من المجتمع المحلّي يستطيعون المساعدة على فرز تأثيرات هذه العوامل، وبذلك استخلاص تقييم أكثر دقّة.
  5. عندما تحتاجون إلى معلومات يصعب على أيّ كان من خارج المجتمع المحلي أو من غير السكّان الحصول عليها. عندما تعلمون أنّ أعضاء المجتمع المحلي أو السكّان ذوي الصلة غير مستعدين للتكلّم بحرّية أمام أحدٍ من الخارج، يصبح التقييم التشاركي الطريقة لرفع احتمالات حصولكم على المعلومات التي تبتغونها.
  6. عندما يكون جزءٌ من غاية المشروع هو تمكين المشاركين ومساعدتهم على تطوير مهارات يمكن نقلها. هنا، يصبح التقييم التشاركي، كما يجب أن يكون في أيّ حال، جزءاً من المشروع بحد ذاته ومن غاياته.
  7. عندما تريدون أن تجمعوا سوية المجتمع المحلي أو السكّان. بالإضافة إلى تعزيز الروح التعاونية، كما ذكرنا سابقاً، يمكن للتقييم التشاركي أن يخلق فرصاً للناس الذين لا تربطهم عادة صلات تجعلهم يعملون مع بعض أو يعرفون بعضهم بعضاً. تستطيع هذه الألفة بعد ذلك الانتقال إلى جوانب أخرى من حياة المجتمع المحلّي، وصولاً إلى تغيير السمات الاجتماعية للمجتمع المحلي على المدى البعيد.

من يجب أن يكون منخرطاً في التقييم التشاركي؟

لقد أشرنا مراراً إلى أصحاب المصلحة، أي الناس المتأثرين بشكل مباشر بالمشروع الذي يجري تقييمه. من هم أصحاب المصلحة؟ يختلف ذلك من مشروع إلى مشروع، تبعاً لمحور التركيز، والتمويل، والمخرجات المتوخّاة، الخ... ولكن يبقى هنالك عدد من المجموعات التي هي معظم الأحيان مُنخرطة:

  1. المشاركون أو المستفيدون: الناس الذين يهدف البرنامج إلى إفادتهم. يمكن أن يكونوا مجموعة محدّدة (أي ناس لديهم وضع صحّي معيّن، مثلاً)، أو سكاّن معينين (كاللاجئين الفلسطينيين أو العراقيين أو الصوماليين، أو سكان منطقة معيّنة)، أو مجتمع محلي ككل. يمكن لهؤلاء أن يكونوا يتلقون خدمة مباشرة (مثلاً، تدريب على التوظيف) أو يمكن أن يكونوا ببساطة واقفين إلى جانب المشروع لأنّهم سيستفيدون ممّا سيقوم به (كالوقاية من العنف في حيٍّ ما). هذه الطبقة من الناس هي عادة صاحبة المصلحة الأكبر في نجاح المشروع، وهي التي غالباً ما تتمتّع بالخبرة الأقل في التقييم.
  2. موظفو المشروع المنتظمون و/أو المتطوعون: الناس الذين يقومون فعليّاً بالعمل لمتابعة هذا المشروع الذين يمكن أن يكونوا مهنيين، أو أناس يتمتعون بمهارات معيّنة، أو متطوعين مجتمعيين. يمكن أن يعملوا بشكل مباشر مع المستفيدين من المشروع كمرشدين، أو معلّمين، أو مقدِّمي الرعاية الصحية. كما يمكن أن ينادوا بحقوق المهاجرين، أو أن يحدّدوا الأماكن العامّة المفتوحة الواجب المحافظة عليها، أو أن يردّوا على الهواتف وأن يساهموا في ملء مغلفات الرسائل والمنشورات. أيّا كانوا، فهم في معظم الأحيان يعرفون عمّا يقومون به أكثر من أيّ شخص آخر، ويمكن لحياتهم أن تتأثّر بالمشروع بنفس القدر الذي تتأثر به حياة المشاركين أو المستفيدين.
  3. الإداريون: هم الناس الذين ينسّقون المشروع أو جوانب محدّدة منه. وهم، مثل الموظفين المنتظمين والمتطوعين، يعرفون الكثير عمّا يجري، وهم منخرطون بشكل حميم في المشروع وفي يوميّاته.
  4. المقيّمون الخارجيون: في حال كانوا منخرطين. في حالات عديدة، يتم توظيف مقيّمين خارجيين لإدارة التقييمات التشاركية. الحاجة لانخراطهم هي بديهية.
  5. المسؤولون المحليون: قد يلزمكم الحصول على دعم القادة المجتمعيين أو قد ترغبون، ببساطة، في أن تعطوهم والمشاركين الآخرين، الفرصة للتعرّف بعضهم على بعض في إطار يمكن أن يؤدّي إلى فهم أفضل لحاجات المجتمع المحلي.
  6. آخرون تتأثر حياتهم بالمشروع: يختلف تعريف هذه المجموعة إلى حد كبير من مشروع إلى مشروع. بشكل عام، المقصود هو الناس الذين ستتغير وظائفهم أو جوانب أخرى من حياتهم إمّا من خلال اشتغال المشروع بحد ذاته أو من خلال مخرجاته.

يمكن أن يكون أحد الأمثلة ملاّكي الأراضي الذين يتأثر الاستخدام المحتمل لأراضيهم من خلال مبادرة بيئية أو خطة للحي.

كيف تنفّذون التقييم التشاركي؟

يشمل التقييم المجتمعي عناصر تصميم المشروع بالإضافة إلى عناصر تقييمه. فما تقيّمونه يعتمد على ما تريدون أن تعرفوه وما تحاولون القيام به. فتحديدُ أسئلة التقييم الفعليّة يطلقُ مسارَ المشروع تماماً كما يوجّه برنامجُ اختبار قياسي منهجيةَ التعليم. عندما تأتي هذه الأسئلة عن دراسة تقديرية شارك فيها أصحاب المصلحة، يصبح التقييم مرحلةً من مسار بحث تشاركي مرتكز إلى المجتمع المحلي (انظروا الفصل 36، القسم 2).

للتقييم التشاركي مرحلتان: واحدة تتضمن إيجاد أصحاب المصلحة وتدريبهم ليكونوا مقيّمين مشاركين. والثانية، التي يمكن أن تجري قبل أو خلال المرحلة الأولى، تشمل التخطيط للمشروع وتطبيقه وتقييمه، وتتضمّن ست خطوات:

  • تسمية المسألة وتأطيرها
  • تطوير نظرية ممارسة لتناول المسألة
  • الاتفاق على الأسئلة التي ستطرح، وكيف ستطرح للحصول على المعلومات اللازمة
  • جمع المعلومات
  • تحليل المعلومات التي جرى جمعها
  • استخدام المعلومات للاحتفال بما نجح، ولتعديل المشروع وتحسينه

سنبحث في المرحلتين بالتفاصيل.

المرحلة الأولى: إيجاد أصحاب المصلحة وتدريبهم ليكونوا مقيّمين مشاركين

للأسف، هذه المرحلة ليست ببساطة الإعلان عن تقييم تشاركي ثم الجلوس في الخلف بانتظار أن يأتي الناس ويدقّوا على الأبواب ليصبحوا جزءاً منه. في الواقع، يمكن لهذه المرحلة أن تكون من أصعب الجوانب في عمليّة إجراء التقييم التشاركي.

هنا يأتي دور بناء الثقة الذي ذكرنا سابقاً. فالناس الذين تعملون معهم يمكن ألاّ يثقوا بالغرباء أو يمكن أن يكونوا قد تعوّدوا على وعود بالانخراط تبيَّن أنّها فارغة أو تمّ تجاهلها. هم متعودون أن يتم تجاهلهم بشكل عام، و/أو أن تُقدّم لهم خدمات وبرامج لا تحاكي حاجاتهم الحقيقية. إنْ كنتم  لم تبْنوا بعد علاقة لدرجة تسمح للناس بأن يصدّقوا أنّكم ستتابعون وتلاحقون ما تقولونه، فالآن هو الوقت للقيام بذلك. ستستهلك هذه العملية بعض الوقت والجهود، ويمكن أن تضطرّوا لأن تبرهنوا أنّكم ستكونون هنا بعد ستة أشهر، لكن الأمر يستحق هذه الجهود. إذا كان لديكم علاقات تبادل ثقة واحترام، فذلك يزيد احتمال نجاح المشروع، ناهيك عن نجاح التقييم. (انظروا الفصل 14، القسم 5: بناء الالتزام وإدامته والفصل 14، القسم 7: بناء العلاقات وإدامتها)

ولكن فلنفترض أنكم أزحتم هذه الخطوة من الدرب، وأنكم أقمتم علاقات جيدة في المجتمع المحلي وبين الناس الذين تعملون معهم، بالإضافة إلى موظفي المشروع. ولنفترض أيضاً أن هؤلاء الناس يعرفون القليل أو لا يعرفون شيئاً عن التقييم التشاركي. هذا يعني أنّهم بحاجة إلى التدريب لكي يصبحوا فعّالين.

إذا كان تقييمكم فعلاً جزءاً من جهود تشاركية واسعة، يبرز السؤال حول ما إذا سيجري، ببساطة، استخدام نفس الفريق الذي قام بالتقديرات و/أو خطّط المشروع في تنفيذ التقييم، وربّما مع بعض الإضافات. لهذا المسار من التحرك ما له وعليه. لقد جرى جمع الفريق فعلاً، وقد طوّر طريقة للعمل المشترك، وخضع لبعض التدريب في طرائق البحث، الخ... لذا فهم قادرون على البدء من أرضية صلبة، وهذه طبعاً نقطة إيجابيّة.

أمّا حقيقة أنّ لديهم مصلحة كبيرة في رؤية البرنامج وقد نجح، فهي سيف ذو حدّيْن: فهم ربّما يترجمون النتائج على أفضل صورة ممكنة، أو حتى يتجاهلون المعلومات السلبية، أو يمكن أن يتشوقوا ليروا تماماً أين وكيف يجب تعديل العمل ليمشي بطريقة أفضل.

المسألة الأخرى هي "احتراق" الأشخاص. التقييم يعني مزيداً من الوقت بالإضافة إلى الوقت الذي وضعه فريق التقدير الأولي والتخطيط. وفيما يمكن لبعض الأشخاص أن يبدوا مزيداً من الاستعداد للمتابعة، فإن آخرين ربما  كانوا بحاجة إلى راحة (أو ربّما إلى أن ينتقلوا إلى مرحلة أخرى من حياتهم). إذا كانت إمكانية تجميع فريق جديد واردة فهذا سيعطي الذين اكتفوا، أو تعبوا، الفرصةَ للانسحاب بلباقة.

أمّا كيفية التعاطي مع هذه المسألة، فهي تعتمد على مواقف هؤلاء المنخرطين، وعلى عدد الأشخاص الذين سيكون عليكم أن تجذبوهم وعلى ما التزم به الأشخاص(إذا كان استقطاب الفريق الأولي حقّاً صعباً، فقد لا يكون لديكم خيارات كثيرة).

  1. استقطاب مقَيّمين مشاركين: هنالك عدة طريق للقيام بذلك. في بعض الأوضاع، يكون من الأفضل والمنطقيّ أكثر أن تضعوا إعلاناً عامّاً يطلب متطوعين. وفي أوضاع أخرى، يكون من الأفضل مخاطبة أناس معينين من الأرجح أنهم مستعدون بسبب التزامهم بالمشروع أو بالناس. الطريقة البديلة هي مخاطبة القادة المجتمعيين أو أصحاب المصلحة لكي يقترحوا مقيّمين ممكنين.

نتناول الاستقطاب في عدة أمكنة أخرى في "عدّة العمل المجتمعي"، وبشكل خاص في الفصل 7: التشجيع على الانخراط في العمل المجتمعي، وفي الفصل 11، القسم 1: تطوير خطة لإشراك متطوعين، وفي الفصل 11، القسم 2: استقطاب متطوعين ، وفي الفصل 36، القسم 2: البحث التشاركي المرتكز إلى المجتمع المحلّي.

يتضمّن بعض الخطوط التوجيهية الأساسية:

  • استخدام قنوات الاتصال والأساليب التي تصل إلى الناس الذين تستهدفونهم.
  • جعل الرسالة واضحة بقدر الإمكان.
  • استخدام لغة بسيطة سهلة (و/أو أية لغة/عامية/لهجة يستخدمها السكّان).
  • وضع الرسالة حيث تكون الجماهير.
  • التقرّب من المشاركين المحتملين فردياً عند الإمكان. إذا وجدتم أناساً يعرفونهم لاستقطابهم، فهذا حتّى أفضل.
  • شرح ما يكسبه الناس من المشاركة.
  • توضيح للناس أنّه يُطلب منهم المشاركة لأنهم يتمتعون بالصفات اللازمة للمشاركة.
  • تشجيع الناس، ولكن في صراحة وصدق حول الكم المطلوب منهم القيام به ومداه.
  • الاتفاق مع المشاركين حول ما يريدون وما يستطيعون القيام به.
  • محاولة ترتيب الدعم اللازم لجعل المشاركة أسهل (مثلاً، تأمين رعاية لأطفالهم).
  • الطلب من الناس الذين استقطبوهم أن يوصوا بآخرين أو أن يستقطبوهم.

بشكل عام، المهم بالنسبة للمقيّمين المشاركين المحتملين، تحديداً الذين لا تربطهم بالمشروع علاقة وظيفية، أن يفهموا الالتزام القائم. من الأرجح أن يستمر التقييم لمدّة سنة، إلاّ إذا كانت مدة المشروع أقل بكثير من ذلك، وفيما تتوقعون وتخططون لبعض المتسرّبين، يجب أن يكون معظم الفريق متوافراً لهذا الوقت.

ومن أجل أن تجعلوا الالتزام أسهل، ناقشوا مع المشاركين أنواع الدعم التي يحتاجونها لتلبية التزامهم (مثلاً، رعاية الأطفال والنقل) وحاولوا إيجاد طرق لتأمينها. رتّبوا اجتماعات في أوقات وأمكنة تكون سهلة عليهم (ولا تُكثروا الاجتماعات). أمّا المشاركون الموظفون الذين يَدفع لهم المشروع، فيجب أن يُعتبر التقييم جزءاً من عملهم العادي، حتى لا يكون عبئاً إضافيّاً غير مدفوع يشعرون بعدم إمكانية رفضه.

احْرصوا على تركيب فريق يجمع مختلف أقسام السكّان أصحاب المصلحة. كما ذكرنا سابقاً، إذا استقطبتم "القادة" فقط من السكان المستفيدين، مثلاً، يمكن أن تخلقوا نفوراً لدى سائر المجموعة، وألاّ تحصلوا على منظور حقيقي لتفكير تلك المجموعة أو لوجهات نظرها، كما يمكن أن تُحبطوا الغرض من الطبيعة التشاركية للتقييم. حتّى لو كان القادة يمثلون المجموعة تمثيلاً جيداً، من الأفضل لكم توسيع دائرة الاستقطاب على أمل تطوير مزيد من القيادات المجتمعية وتمكين مَن ليسوا دوماً مستعدّين للإفصاح عن آرائهم.

  1. تدريب المقيّمين المشاركين: قد يلزم المشاركين تدريب في مجالات متعددة، وفقاً لخلفياتهم. فمثلاً، يمكن أن يكون لهم خبرة متواضعة في حضور الاجتماعات والمشاركة فيها، فيكون عليهم البدء من هنا. يمكن لهم أن يستفيدوا من تقديم لفكرة التقييم التشاركي، وكيف يعمل. كما سيحتاجون دون ريبة إلى بعض التدريب في جمع البيانات وتحليلها.

أمّا كيفية إجراء التدريب، فستتغير مع حاجات المشروع والمشاركين وأوقاتهم. يمكن أن يجري التدريب في مرّات متقطّعة على مدى طويل نسبياً من الوقت (أسابيع أو أشهر) كما يمكن أن يجري في مرّة واحدة خلال خلوة في نهاية أسبوع، كما يمكن أن يتم المزج بين الاحتمالين. لا يوجد هنا خطأ أو صواب. الخيار الأوّل قد يسمح بالمشاركة لعدد أكبر من الناس. أمّا الثاني، فيسمح بتعارف الناس، بعضهم إلى بعض، أكثر وتقاربهم كفريق، ومزج الخيارين قد يسمح بالاثنين معاً.

من نفس المنطلق، هنالك عدّة طرائق تدريبية، كلٌّ منها وجميعها يمكن أن يكون مفيداً مع مجموعة معيّنة. فمثلاً، التدريب على مهارات الاجتماعات (معرفة متى وكيفية المساهمة، ومتابعة النقاش، الخ...) قد تُنجز بشكل أفضل عبر التعليم الفردي بدلاً من التدريس العام. أمّا مهارات إجراء المقابلات، فمن الأفضل تعلّمها من خلال لعب الأدوار وتقنيات اختبارية أخرى. كما يمكن أن يكون من الأفضل أن يأتي التدريب من المشاركين أنفسهم في بعض الحالات كمقاربة الناس المحليين، مثلاً.

بعض المجالات حيث التدريب ضروري:

  • عملية التقييم التشاركي: كيف يعمل التقييم التشاركي، وغاياته، والأدوار التي يلعبها الناس في العملية، وما يمكن أن يكون مُتَوقّعاً.
  • مهارات الاجتماعات: متابعة النقاشات، ومهارات الإصغاء، والتعاطي مع الاختلاف أو النزاع، والمساهمة والردود المناسبة، والقواعد العامة وبعض "الأصول" (إتيكيت)، الخ...
  • إجراء المقابلات: جعل الناس يشعرون بالراحة، ولغة الجسد ونبرة الصوت، وطرح أسئلة مفتوحة وأسئلة متابعة، وتسجيل ما يقوله الناس ومعلومات أخرى مهمّة، والتعاطي مع المقاطعات والإلهاء، والمقابلات مع المجموعات. (لمزيد من المعلومات عن مهارات إجراء المقابلات، يمكن الذهاب إلى الفصل 3، القسم 12: إجراء المقابلات والفصل 3، القسم 15: الطرق النوعية في تقدير المسائل المجتمعية و الفصل 40، القسم 3: الحصول على مردود من المشاركين واستخدامه)
  • المراقبة: المراقبة (أو الملاحظة) المباشرة مقابل المقاربة التشاركية، واختيار الأوقات والأماكن المناسبة للمراقبة، والمعلومات ذات الصلة المطلوب تضمينها، وتسجيل الملاحظات (لمزيد من المعلومات عن تقنيات المراقبة، يمكن الذهاب مرّة أخرى إلى الفصل 3، القسم 15).
  • تسجيل المعلومات وعرضها على المجموعة: ما يقوله ويقوم به مَن تجري مقابلتهم ومراقبتهم، والرسائل غير اللفظية التي يرسلونها، ومَن هم (العمر، الوضع، الخ...)، وما كانت عليه الظروف، والتاريخ والوقت، وعوامل أخرى أثّرت على المقابلة أو المراقبة.

لمَن لا يرتاحون للكتابة، أو عندما لا تكون الكتابة ممكنة، أو عندما تكون اللغة عائقاً، يجب أن يكون هنالك طرق تسجيل وتقرير بديلة. الرسوم والخرائط والجداول وتسجيل الشرائط والفيديو، أو طرقٌ أخرى إبداعية لتذكّر تماماً ما قيل أو ما جرى ملاحظته أو مراقبته، يمكن أن تكون بديلة، وفقاً للحالة. في المقابلات، وفي حال استخدام التسجيل السمعي أو الفيديو، من الضروري أخذ الإذن ممّن تجري مقابلته أوّلاً قبل أن يأتي من يقوم بالمقابلة مع عدّته، منعاً لحصول أي سوء تفاهم.

  • تحليل المعلومات: التفكير النقدي، وما هي الأمور التي تخبرك عنها الإحصاءات وأمور أخرى للتفكير. (لمزيد من المعلومات، الذهاب إلى  الفصل 17: تحليل مشكلات وحلول المجتمع المحلي وتحديداً إلى الفصل 17، القسم 2: التفكير النقدي و الفصل 17، القسم 4: تحليل الأسباب الجذريّة للمشكلات: تقنية "لكن لماذا؟")

ولمزيد من المعلومات عن التدريب بشكل عام، انظروا الفصل 12، القسم 2: تصميم جلسة تدريب والفصل 12، القسم 3: إجراء جلسة تدريب

المرحلة الثانية: التخطيط للمشروع وتقييمه وتطبيقه

تقول فرضيّة هنا إنّ كافة مراحل المشروع ستكون تشاركية، وليس فقط التقييم، بل إنّ التخطيط له والتقديرات التي قادت إليه تشمل كذلك أصحاب المصلحة (دون أن يكونوا بالضرورة هم أنفسهم مَن سيقوم بالتقييم). إذا لم ينخرط أصحاب المصلحة منذ البداية، فلن يكتسبوا الفهم العميق لغرَض المشروع وبنيته كما لو كانوا قد شاركوا في صنعه. بناءً عليه، فإنّ التقييم الناتج سيكون أقل اتساماً تبصراً وعمقاً (ولذلك، يصبح أقل قيمة) من تقييم مشروع كانوا قد انخرطوا به منذ البداية.

  1. تسمية المشكلة أو الغاية المطروحة وتأطيرها: تحديد ما تقيّمون يعرّف القصد مما يريد المشروع أن يطرح وأن يحقّق. ممثلو المجتمع المحلي وأصحاب المصلحة، أي كل مَن لديه ما يكسبه أو يخسره، يعملون سوية لتطوير رؤية ورسالة مشتركتَين. ومن خلال جمع المعلومات عن هموم المجتمع المحلي وتحديد المقدّرات الموجودة، يمكن للمجتمعات المحلية أن تفهم المسائل التي يجب على المشروع أن يركّز عليها.

تسمية المشكلة أو الغاية تعني تحديد المسألة الواجب طرحها. أمّا التأطير، فله علاقة بالطريقة التي نرى المسألة من خلالها. فمثلاً، إذا اعتُبر عنف الشباب مشكلة محصورة بتطبيق القوانين فقد يستدعي التأطير عندها طرقاً محدّدة لحل المشكلة: قوانين أكثر صرامة، وتطبيقاً أشدّ، وعدم التسامح نهائياً مع العنف، الخ... أمّا إذا كان إطاره مجموعة من عدد من المسائل (توّفر الأسلحة اليدوية والبطالة واستخدام الشباب للمخدّرات، ومسائل اجتماعية أدّت إلى تشكيل عصابات، والشعور بالتهميش واليأس لدى أناس معيّنين، والفقر، الخ)، عندها يمكن أن تشمل الحلول إيجاد وظائف وبرامج ترفيهية، والإرشاد، وعلاج الإدمان، الخ، بالإضافة إلى تنفيذ القوانين. كلّما نعرف أكثر عن المشكلة، وكلما أدخلنا في تفكيرنا مناظير متنوعة كلما استطعنا تأطير المشكلة بشكل أدق، ويصبح احتمال وصولنا إلى حل فعّال أكبر.

  1. تطوير نظرية ممارسة لطرح المشكلة: كيف تقومون بجهود مجتمعية بشكل تكون فيه حظوظ حل المشكلة المطروحة كبيرة؟ تجيب عدّة مجتمعات محلية ومنظمات عن هذا السؤال من خلال رمي برامج غير منسَّقة على المشكلة أو بافتراض أنّ مقاربةً ما (مثلاً، تعزيز القوانين، كالمثل المذكور سابقاً) ستهتم بالموضوع. في الواقع، يجب أن يكون لديكم خطة لخلق حل، ولتطبيقه، ولتقييمه، ولتعديله، وللحفاظ عليه، هذا إذا أردتم أن ينجح الحل.

مهما سمّيتم هذه الخطة (نظرية في الممارسة، أو نموذجاً منطقياً، أو ببساطة مقاربة أو عملية) فهي يجب أن تكون منطقية ومتّسقة وأن تأخذ بعين الاعتبار كافّة المجالات اللازم تنسيقها حتى تعمل بشكل جيّد، وحتى تعطيكم خطوطاً توجيهيّة عامّة ولائحة بالخطوات الواجب اتّباعها للقيام بالعمل.

بمجرد تحديد المسألة، مثلاً، يمكن لنظرية في الممارسة أن تكون كما يلي:

  1. تشكيل ائتلاف لمنظمات ووكالات وأعضاء من المجتمع المحلي معنيين بالمشكلة.
  2. استقطاب فريق بحث تشاركي يشمل ممثلين من كافّة مجموعات أصحاب المصلحة وتدريب الفريق.
  3. يجمّع الفريق المعلومات الأولية الإحصائية والنوعية عن المشكلة ويحدّد مقدّرات أو إمكانات المجتمع المحلي التي يمكن أن تساعد في طرحه.
  4. استخدام المعلومات التي لديكم من أجل تصميم حل يأخذ في حسبانه تعقيد المشكلة والإطار.

يمكن أن يكون ذلك برنامجاً أو مبادرة وحيدة، أو أن تكون جهود على صعيد المجتمع المحلي منسَّقة وتشمل عدّة منظمات والإعلام والأفراد. إذا كان الوضع أقرب للأخير، فهذا جزء من التعقيد الذي يجب أن تأخذوه بعين الاعتبار. يجب أن يكون التنسيق جزءاً من الحل، وكذلك الطرائق للتحايل على العقبات البيروقراطية التي يمكن أن تواجهكم، والوسائل لإيجاد الموارد الماليّة والبشريّة اللازمة.

 

  1. تطبيق الحل
  2. إجراء المراقبة والتقييم اللذَين يعطيانكم مردوداً مستمرّاً عن كيفية تلبية الأهداف، وما يجب أن تغيّروا من أجل تحسين الحل.
  3. استخدام المعلومات من التقييم لتعديل الحل وتحسينه.
  4. العودة إلى النقطة "ب" وتكرارها مراراً إلى أن يتم حل المشكلة، أو  الاستمرار إلى ما لا نهاية للمحافظة على مكاسبكم وزيادتها (وهذا أكثر ترجيحاً بما أن العديد من المشاكل المجتمعية لا تختفي فعليّاً أبداً).

 

  1. الاتفاق على أسئلة التقييم الواجب طرحها، وعلى كيفية طرحها للحصول على المعلومات اللازمة. كما أشرنا سابقاً، فإنّ اختيار أسئلة التقييم يوجّه العمل بشكل رئيسي. فما تختارونه هنا هو ما ستنتبهون إليه. إذ يمكن أن تتأتّى نتائج جد مهمّة عن مشروعكم لم تعوها من قبل بتاتاً، لأنّكم لم تبحثوا عنها أي لم تطرحوا الأسئلة التي كان بالإمكان أن تكون هذه النتائج هي الردود عليها. لذا يصبح مهمّاً جدّاً اختيار الأسئلة اختياراً متأنياً، فهي التي تحدّد ماذا ستجدون.

يشكّل تأطير المشكلة أحد العناصر الأساسيّة هنا: وضعها في إطار وسياق، والنظر إليها من كافّة الجهات، وأخذ مسافة من افتراضاتكم وتحيّزكم من أجل الحصول على نظرة أوضح على المشكلة، وأسع. العنصر الثاني هو تصوّر المخرجات التي تريدون والتفكير بما يجب تغييره وكيف، من أجل الوصول إلى هذه المخرَجات.

 

التأطير مهم في هذا النشاط كذلك. إذا أردتم مجرد خفض عنف الشباب فمن الممكن أن تكون القوانين الأكثر صرامة والتنفيذ الأشد هما الحل المنطقي، مفترضين أنّكم على استعداد للالتزام بها إلى الأبد. أمّا إذا أردتم ليس مجرد خفض أو حتّى إزالة عنف الشباب، بَل تغيير المناخ الذي يرعاه (مثلاً، تغيير اجتماعي على المدى الطويل)، فيصبح الحل أوسع بكثير ويتطلّب، كما أشرنا سابقاً، إلى أكثر بكثير من مجرّد تعزيز تنفيذ القانون. ولا شك أنّ الحل الأوسع يعني أسئلة تقييم أكثر، وأكثر تعقيداً.

في الحالة الأولى، يمكن أن تكون الأسئلة محدودة بشكل من الأشكال كما يلي: "هل كان هنالك اعتقالات وإدانات لمعتدين شباب  بسبب جرائم عنفيّة في الفترة الزمنية المدروسة، بالمقارنة مع الفترة الأخيرة التي كانت فيها سجلاّت قبل وضع الحل في موضع التنفيذ؟" أو "هل تلقّى المعتدون الشباب عقوبات أشد من قبل؟" أو "هل أصبحت الحوادث العنفيّة التي يتورط فيها الشباب أقل؟"

بالنظر إلى الصورة الأوسع، يمكن، بالإضافة إلى بعض من هذه الأسئلة، طرح أسئلة عن برامج الإرشاد للمعتدين الشباب لكي يغيّروا مواقفهم وللمساعدة على تسهيل عودة انتقالهم إلى المجتمع المدني، وعلاج المخدّرات والكحول، والحد من بيع الأسلحة اليدوية، وتغيير المواقف المجتمعية، الخ...

  1. جمع المعلومات: هذا هو الجزء الأكبر من تطبيق التقييم، على الأقل بالنسبة للوقت والجهود. يمكن لمجموعة متنوعة من المقيّمين أن تقوم بأية خطوة من الخطوات التالي أو بجميعها، وفقاً للمعلومات اللازمة:
  • البحث في الإحصاءات السكانية أو في سجلات رسمية أخرى، أو في أرشيف جديد، أو في مجموعة في المكتبة، أو في الإنترنت، الخ...
  • مقابلات فردية و/أو جماعيّة
  • مجموعات مركّزة (بؤريّة)
  • جلسات تشارك معلومات مجتمعية
  • مسوح
  • مراقبة تشاركية أو مباشرة

في بعض الحالات، وبشكل خاص مع المجموعات غير المتعلّمة في البلدان النامية، على المقيّمين أن يجدوا وسائل خلاّقة لاستخراج المعلومات. في بعض الثقافات، يمكن أن تكشف الخرائط أو الرسوم أو التمثيل ("إذا كانت هذه الصخرة تمثل منزل شيخ القرية...")، أو حتّى رواية القصص أكثرَ مما تكشفه الردود على الأسئلة المباشرة.

(لمزيد من المعلومات عن التقنيّات القياسية، يمكن الذهاب إلى الفصل 3، القسم 3: إقامة منتديات عامة وجلسات استماع و الفصل 3، القسم 6: تنظيم مجموعات مركّزة، والفصل 3، القسم 12: إجراء المقابلات، والفصل 3، القسم 13: إجراء المسوح، والفصل 3، القسم 15: الطرق النوعية في تقدير المسائل المجتمعية، وكذلك الفصل 31، القسم 1: كيف نُجري بحثاً: نظرة عامّة)

 

  1. تحليل المعلومات المجمّعة: بمجرد جمع كافة المعلومات اللازمة، تصبح الخطوة التالية إعطاءها معنى: ماذا تعني الأرقام؟ ماذا تقول لكم حكايات الناس وآرائهم عن المشروع؟ هل مشيتم بالعملية التي خطّطتم لها؟ في حال لا، هل أحدث ذلك فرقاً إيجابيّاً أو سلبياّ؟

في بعض الحالات، من السهل نسبياً الإجابة عن هذه الأسئلة. في حال وجود أهداف محدّدة لخدمة الناس، أو لإنجازات المستفيدين، يمكن لكم أن تكتشفوا بسرعة ما إذا كانت تحقّقت أم لا. (خطّطنا لخدمة 75 شخصاً، وخدمنا فعليّاً 82. توقّعنا أن يتابع البرنامج 50 فردا، ولكن 60 شخصاً أتمّوه.)

في حالات أخرى، من الأصعب تفسير ما تعنيه المعلومات. ماذا لو قال نصف مَن قابلتموهم تقريباً أن المشروع ساعدهم والنصف الآخر قال العكس؟ نتيجة كهذه يمكن أن تتطلّب منكم القيام بالتحرّي. (هل هنالك نمط إثني أو عرقي أو جغرافي أو ثقافي في تحديد من كان إيجابياً ومَن كان سلبياً؟ مع مَن عملت كل مجموعة؟ أين اختبروا المشروع وكيف؟ هل تجمع أعضاء كل مجموعة أمورٌ محدّدة مشتركة؟)

بينما يتطلّب تجميع المعلومات معظم العمل والوقت فإن تحليلها يشكّل ربّما الخطوة الأهم في عملية التقييم. تحليلكم يقول لكم ما يلزم أن تعرفوه من أجل تحسين مشروعكم، كما يعطيكم البراهين اللازمة عند العمل على ضمان استمرار التمويل والدعم المجتمعي. من المهم أن يجري التحليل بشكل جيّد وأن يعطي النتائج الغريبة معنى كما في تلك التي ذكرنا أعلاه. هنا يبرز التدريب الجيّد والتوجيه المفيد في استخدام التفكير النقدي وتقنيات أخرى. (لمزيد من المعلومات عن التفكير النقدي وحل المشكلات، يمكن الذهاب إلى الفصل 17: تحليل مشكلات وحلول المجتمع المحلي).

بشكل عام، يغطّي جمع المعلومات وتحليلها المجالات الثلاثة التي ذكرنا سابقاً في القسم: المسار والتطبيق والمخرجات. الغرض هنا هو تأمين المعلومات من أجل تحسين المشروع بالإضافة إلى تأمين المساءلة والمحاسبة للمموّلين والمجتمع المحلي.

  • العملية: ترتبط العملية، أو المسار، بلوجستيات المشروع ( أو سَوقيّاته). هل كان التنسيق والتواصل جيّدَين؟ هل كانت عملية التخطيط تشاركيّة؟ هل كان الجدول الزمني لكل مرحلة من المشروع (الوصول إلى الناس والتقدير والتخطيط والتطبيق والتقييم) واقعياً؟ هل تمكّنتم من إيجاد أو توظيف الناس المناسبين؟ هل وجدتم التمويل والموارد الأخرى اللازمة؟ هل كان المكان مناسباً؟ هل عمل أعضاء فريقَي التخطيط والتقييم سويّة بشكل جيّد؟ هل قام الناس المسؤولون بما كان متوقّعاً منهم؟ هل برز قادة غير متوقَّعين (في مجموعة التخطيط)؟
  • التطبيق: هل قمتم بما كنتم قد نويتم القيام به (الوصول إلى الأعداد المتوقَّعة من الناس، واستخدام الطرق المقرّرة، وتأمين الكم والنوع من الخدمة أو النشاط المخطّط لها)؟ ليس المقصود بهذا الجزء من التقييم تقدير الفعالية، بل مجرد تحديد ما إذا كان المشروع قد نُفّذ كما كان مخطّطاً أم لا، أي ماذا فعلتم فعلياً وليس ماذا أنجزتم كنتائج. هذا الأمر هو التالي.
  • المخرَجات: ماذا كانت نتائج ما قمتم به؟ هل تحقّق ما تمنيتموه؟ في حال نعم، كيف تعلمون أنه كان نتيجة ما قمتم به وليس بسبب عامل آخر (أو عوامل أخرى)؟ هل كانت هنالك نتائج غير متوقّعة؟ هل كانت سلبية أم إيجابية؟ لماذا حصل كل ذلك؟
  1. استخدام المعلومات من أجل الاحتفاء بما نجح ولتعديل المشروع وتحسينه: في حين أنّ المساءلة والمحاسبة مهمّتان (إذ إنْ لم يكن هناك مفعول للمشروع، مثلاً، فإن الجهود تذهب سدىً) فإن قوة الدفع الحقيقية للتقييم الجيّد تبقى قدرته التكوينية، أو التشكيلية. هذا يعني أن المقصود من التقييم تأمين معلومات يمكن أن تساعد على تكوين المشروع وإعادة تشكيله لتحسينه. نتيجةً لذلك، تكون الأسئلة الإجمالية لدى رؤية المسار والتطبيق والمخرَجات هي التالية: ما الذي نجح بشكل جيّد؟ ما الذي لم ينجح؟ أية تغييرات قد تحسّن المشروع؟

تتطلّب الإجابة عن هذه الأسئلة مزيداً من التحليل، لكنها تسمح لكم بتحسين المشروع بشكل ملحوظ. إذ فضلاً عن إسقاط أو تغيير وتعديل هذه العناصر من المشروع التي لم تنفع فعليكم ألا تتجاهلوا تلك التي نجحت: لا شيء كامل، فحتى المقاربات الفعّالة يمكن أن تكون أحسن.

لا تنسوا الاحتفال بنجاحاتكم. الاحتفال يقدّر العمل المضني لكل مَن ساهم وقيمة جهودكم، ويخلق الدعم المجتمعي، ويقوّي التزام المعنيين. وربّما كان الأهم أنّه يوضح أنّ عمل الناس سويةً يمكن أن يحسّن نوعية الحياة في المجتمع المحلي.

هناك عنصر أخير في البحث والتقييم التشاركي لا يمكن تجاهله وهو أنّه عندما تبدؤون مشروعاً وتجعلونه ناجحاً، عليكم صيانته والمحافظة عليه. يجب أن يستمر البحث والتقييم التشاركي، ليس بالضرورة مع نفس الفريق (الفرق)، بل مع فرق تمثّل كافّة أصحاب المصالح. الظروف تتغير، ويجب على المشاريع أن تتأقلم. لذا من الضروري البحث في هذه الظروف، وتقييمُ عملكم تقييماً مستمراً سيُبقي على العمل فعالاً ومتجدّداً.

قد تظنون أن العمل انتهى إذا نجح المشروع. عاودوا التفكير! فالمشاكل المجتمعية لا تُحلّ إلا إذا جرى ممارسة الحلول بفعالية. إذ في اللحظة التي تديرون فيها ظهركم، فإن الظروف التي جهدتم لتغييرها يمكن أن تبدأ في العودة إلى ما كانت عليه قبل المشروع. يجب أن يستمر العمل، مدعوماً بالبحث والتقييم التشاركي، إلى ما لا نهاية من أجل المحافظة على المكاسب التي حصلتم عليها وزيادتها.

باختصار

التقييم التشاركي هو جزءٌ من البحث التشاركي، وهو يعني أصحاب المصلحة في مشروع مجتمعي من خلال وضع معايير التقييم للمشروع، وجمع البيانات وتحليلها، واستخدام المعلومات التي اكتُسبت من أجل تعديل المشروع وتحسينه.

المسار التشاركي يُدخِل كافة المناظير المتعدّدة المهمّة لمَن هم أكثر تأثّراً بالمشروع، والذين هم على الأرجح الأكثر صلة بالتاريخ المجتمعي والثقافة المجتمعية. ويمكن أن تكون المعلومات ووجهات النظر التي يساهم هؤلاء فيها أساسية في فعالية المشروع. إضافة إلى ذلك، يُشجّع انخراطهم المجتمع المحلي على تبنّي المشروع، ويمكن أن ينتج عن ذلك مكاسب مهمّة في المهارات والمعرفة والثقة بالنفس وتقدير الذات لدى الباحثين. بشكل عام، يخلق التقييم التشاركي حالة ربح للجميع على كافّة الجهات.

يتضمّن التقييم التشاركي عدّة خطوات:

  • استقطاب فريق تقييم من أصحاب المصلحة وتدريبه
  • تسمية المشكلة وتأطيرها
  • تطوير نظريّة في الممارسة توجّه مسار العمل
  • طرح أسئلة التقييم الصحيحة
  • جمع المعلومات
  • تحليل المعلومات
  • استخدام المعلومات للاحتفال وتعديل العمل

الخطوة الأخيرة، وهي كالعديد من الاستراتيجيات والتحركات المطروحة في عدّة العمل المجتمعي، هي المثابرة. إذ من الضروري أن يستمر البحث التشاركي بشكل عام، والتقييم التشاركي بشكل خاص، طالما العمل مستمر، وذلك من أجل متابعة حاجات المجتمع المحلي وظروفه، والاستمرار في تعديل المشروع لجعله أكثر تجاوباً وأكثر فعاليّة. وغالباً ما يتوجبّ على العمل أن يستمر إلى ما لا نهاية، من أجل المحافظة على التقدّم وتجنّب الانزلاق والعودة إلى الظروف أو المواقف التي جعلت هذا المشروع ضرورةً أصلا.

نشجّع على إعادة إنتاج هذه المواد، على أن تذكروا مرجعها، "عدة العمل المجتمعي" على موقع:

Http://ctb.ku.edu

Contributor 
فِيل رابينوفيتْز

مصادر الإنترنت

 

https://www.betterevaluation.org/sites/default/files/Evaluation.pdf
"Participatory Evaluation:  What Is It?  Why Do It?  What Are the Challenges?"
Ann Zukoski and Mia Luluquisen.  Community-Based Public Health Policy and Practice, Issue #5, April, 2002

 

"التقييم التشاركي: ما هو؟ لماذا القيام به؟ ما هي التحديات؟" آن زوكوسكي وميا لولكيسن. السياسة والممارسة في الصحة العامة المستندة إلى المجتمع المحلي. العدد 5، نيسان/أبريل 2002.

 

http://www.eldis.org/participation/pme/index.htm
A resource guide to participatory monitoring and evaluation from Eldis - a UK development resource organization.  This is a huge and comprehensive website.

 

دليل للمراقبة والتقييم التشاركيين، صادر عن منظمة "إيلديس"، منظمة تطوير موارد في المملكة المتحدة. موقع هائل وشامل.

 

http://www.gse.harvard.edu/hfrp/eval/issue2/index.html
The Evaluation Exchange, vol. 1, No. 3/4, Fall, 1995,  Harvard Family Research Project.  Issue on participatory evaluation.

 

تبادل التقييم، المجلّد 1، العدد 3/4، خريف 1995، مشروع البحث العائلي في هارفارد. عدد عن التقييم التشاركي.

 

http://www.idrc.ca/en/ev-9377-201-1-DO_TOPIC.html
Edward T. Jackson and Yussuf Kassam.  Knowledge Shared: Participatory Evaluation in Development Cooperation.  Kumarian Press: Bloomfield, CT, 1998. Book of essays and case studies on participatory evaluation (free to read online).  IDRC Free Books online.

 

إدوارد جاكسون ويوسف قسّام. تشارك المعرفة: التقييم التشاركي في التعاون التنموي. مطبعة كوماريان: بلومفيلد، 1998. كتاب المقالات ودراسات الحالة حول التقييم التشاركي (القراءة مجانيّة على الإنترنت).

 

http://www.mosaic-net-intl.ca/article-PM&E.PDF
Results Based Participatory Monitoring and Evaluation 1, by Francoise Coupal

 

المراقبة والتقييم التشاركيين المبنيَين على النتائج 1، بقلم فرانسواز كوبال.

 

http://www.nonprofitquarterly.org/section/499.html
"Participatory Evaluation: How It Can Enhance Effectiveness and Credibility of Nonprofit Work."  Susan Saegert, Lymari Benitez, Efrat Eizenberg, Tsai-shiou Hsieh, and Mike Lamb, CUNY Graduate Center. The Nonprofit Quarterly, 11, 1, Spring 2004

 

"التقييم التشاركي: كيف يمكن أن يحسّن فعالية العمل غير الربحي ومصداقيته؟" سوزان سايجرت وليماري بينيتز، وإفرات أيزنبرغ، وتساي شيو هسيا، ومايك لامب. مركز خريجي جامعة نيويورك (CUNY). الفصلية غير الربحيّة، 11، 1، ربيع 2004.

 

https://www.phac-aspc.gc.ca/php-psp/ccph-cesp/pdfs/cc-manual-eng090407.pdf
Guide to Project Evaluation: A Participatory Approach.  From Health Canada, the Public Health Agency of Canada.

 

دليل تقييم المشاريع: المقاربة التشاركيّة. من الصحة في كندا، وكالة الصحة العامة في كندا.

 

http://www.ssw.umich.edu/youthAndCommunity/pubs/guidebook.pdf#search=%22participatory%20evaluation%22
Facilitator's Guide for Participatory Evaluation with Young People.  Barry Checkoway and Katie Richards-Schuster.  The program for Youth and Community of the University of Michigan School of Social Work.

 

دليل الميسرين للتقييم التشاركي مع الشباب. باري شيكواي وكايتي ريشارد شوستر. برنامج الشباب والمجتمع المحلي في جامعة كلية العمل الاجتماعي في ميشيغان.

 

http://www.undp.org/eo/documents/who.htm
Who Are the Question Makers? A Participatory Evaluation Handbook.  From the Office of Evaluation and Strategic Planning of the United Nations Development Programme.

 

من هم واضعو الأسئلة؟ كتيب عن التقييم التشاركي. مِن مكتب التخطيط الاستراتيجي والتقييم في برنامج الأمم المتحدة للتنمية.

 

http://web.worldbank.org/WBSITE/EXTERNAL/TOPICS/EXTPOVERTY/EXTISPMA/0,,contentMDK:20190347~menuPK:412148~pagePK:148956~piPK:216618~theSitePK:384329,00.html
A good description and discussion of participatory evaluation methods and techniques in an international development context from PovertyNet, a website of the World Bank.  A lot of information on non-text techniques for use with non-literate populations.

 

وصف جيد ونقاش لطرائق التقييم التشاركي وتقنياته في إطار تنموي عالمي من موقع الفقر، التابع للبنك الدولي. الكثير من المعلومات عن التقنيات غير النصيّة للاستخدام مع الشعوب غير المتعلّمة.