استمارة البحث

القسم 3. مدن سليمة/ مجتمعات محلّية سليمة

  • ما هي "المدن الصحيّة / المجتمعات المحلّية الصحيّة"؟
  • لماذا استخدام "المدن صحيّة / المجتمعات المحلّية الصحيّة"؟
  • مَن يجب أن يكون جزءاً من "المدن صحيّة / المجتمعات المحلّية الصحيّة"؟
  • كيف تستخدمون "المدن صحيّة / المجتمعات المحلّية الصحيّة"؟

ما الذي يحدّد المجتمع المحلّي الصحّي؟ المجتمع المحلّي، كالفرد، هو كائنٌ حيّ، وصحّته هي نتيجة شبكة معقّدة من العوامل والأحداث، منها ما يسيطر عليها بوعيه، ومنها ما لا يتحكّم بها.

ما هو مفهومكم للمجتمع المحلي الصحّي (أي المجتمع الذي تودّون أن تعيشوا وتربوا أطفالكم فيه، والذي تستطيعون المشاركة بسعادة في حياته، وحيث تستطيعون أن تكبروا)؟ ما الذي يجعل المجتمع المحلي صحيّاً؟

تلك رؤى لطيفة، ولكن هل تستطيع أن تشمل الجميع في المجتمع المحلّي؟ هل المجتمع المحلي صحّي في حال كان العديد من سكّانه يعانون التمييَز ضدّهم أو لا كلمة لهم في الحكم؟ هل هو صحّي إذا كان العديد من سكّانه لا يتمتّع بأماكن آمنة ونظيفة للعيش، أو هم مهدّدون بالعنف اليومي؟ أو إذا لم يؤمّن وظائف مقبولة لعدد معيّن من المواطنين أو تعليماً لأطفالهم؟ وإذا كان بعض هؤلاء الأطفال يتعرض للإهمال أو يُساء إليهم؟ أو إذا لم يكن الجميع يتمتع بالهواء النقي للتنفّس والماء النظيفة للشرب؟ هل هو صحّي إنْ لم يكن بين المجموعات المختلفة في المجتمع المحلّي (بسبب اختلافات طبقية أو عرقية أو إثنيّة) تواصل إيجابي، بكل بساطة، أو إذا كانت المجموعات تشكّك بالأخرى المختلفة عنها أو تتعاطى معها بشكل عدائيّ بشكل مباشر ؟

قد يشمل حلمكم شوارع مزنّرة بالأشجار، وواجهات أماميّة نظيفة، والكثير من الحدائق والمساحات المفتوحة. وقد ترون مكاناً حيث يهتم الجميع بالأطفال، وحيث الشارع يعجّ بالحياة، وحيث يدير مخازنَ الحي أهلُ الحي. قد ترون مكاناً حيث الخدمات عظيمة (مستشفيات وعيادات ممتازة، ومدارس وجامعة هائلة، وشرطة وحماية من الحرائق عظيمة، ونقل عام مؤمّن للجميع وسهل الوصول إليه ويمكن الاعتماد عليه).

المجتمع المحلّي الصحّي، هو فعليّاً كالجسم البشري الصحيح: إنه المجتمع حيث تؤدّي كافّة الأنظمة وظيفتها كما يجب، وحيث تعمل معاً لجعل المجتمع المحلي يسير سيراً جيّداً. الصحّة لدى الفرد هي، إلى درجة كبيرة، نتيجة حصول بلايين خلايا الجسد على ما تحتاجه. بالنسبة للمجتمع المحلي، الصحّة هي، إلى درجة كبيرة، نتيجة حصول كافّة المواطنين على ما يحتاجونه، ليس فقط ليحيوا بل أيضاً لتزدهر حياتهم.

المجتمع المحلي الصحّي هو كلٌّ متكامل أكبر من مجموع أجزائه. هو مكان يعتني الأشخاص فيه بعضهم ببعض، وحيث يختلط أشخاص من خلفيات متنوعة بارتياح ويعملون معاً لمصلحة مجتمعهم. باختصار، المجتمع المحلي الصحّي هو مكان تؤمَّن فيه لكافّة المواطنين نوعيّةٌ حياة لائقة، على الأصعدة الاقتصادية والمادّية والبيئية والاجتماعيّة والسياسيّة.

يمكن لإحدى الحجج أن تكون (وغالباً ما تكون كذلك) أنّه يستحيل مقاربة أي مسألة صحّية أو مجتمعيّة دون التعاطي مع المجتمع المحلي ككل (انظروا القسم السابق اسبق/تابع من هذا الفصل). فكما يمكنكم تعزيز صحّة الأفراد، هنالك أمور يمكنكم القيام بها لتعزيز صحة المجتمع المحلي. في هذا القسم، سنبحث في "المدن الصحّية/ المجتمعات المحلية الصحيّة" كإطار عمل لبناء مجتمع محلي صحّي.

ما هي "المدن الصحيّة/المجتمعات المحلّية الصحيّة"؟

تشكّل "المدن الصحّية/المجتمعات المحلية الصحيّة" إطار عمل نظريّاً لمسار تشاركي يمكن للمواطنين أن يخلقوا من خلاله مجتمعات محلّية صحيّة. في مؤتمر في تُورُنْتو عام 1985 نظّمه "تْريْفور هانْكوك"، تحدّث "لِن دُوهْل" عن قناعته الراسخة بأنّه لا يمكن طرح المسائل الصحّية بفعاليّة إلاّ من خلال مقاربة شاملة على صعيد المجتمع المحلّي. أخذت إيلونا كيكْبوش، وهي مسؤولة في "منظمة الصحّة العالميّة" شاركَتْ في المؤتمر، الفكرةَ معها إلى مكتب منظمّة الصحّة الأوروبي في كوبِنْهاجن. وخلال بضعة أسابيع جرى توظيف السيدين دُوهْل وهانْكوك كمستشارَيْن لمساعدة "منظمة الصحة العالمية" وكيكْبوش على بدء حركة "المدن الصحيّة" في أوروبا. بعد انقضاء سنة، أعدّ المشاركون في مؤتمر المنظّمة في أوتاوا شرعة أوتاوا، وهي "دستور" "المدن الصحّية/المجتمعات المحلية الصحيّة".

في السنوات التي تلت هذا المؤتمر الأوّل، انتشر المفهوم في مئات من المدن الكبيرة والوسط في كافّة القارّات، كما تمّ استخدامه في بلدياّت أصغر، ومجتمعات محلّية ريفيّة في البلدان النامية وتلك المتقدّمة. وقد أصبح الآن الطريقة القياسية التي تطرح بها "منظمة الصحة العالمية" موضوع الصحة المجتمعيّة، وهو يشمل مسائل مجتمعيّة أخرى كذلك.

المجتمع المحلّي الصحّي، كما ذكرنا سابقاً، هو مكان تعمل فيه كافّة الأنظمة بشكل جيّد (وتعمل معاً)، ويتمتّع كافّة المواطنين فيه بحياة ذات نوعيّة جيّدة. هذا يعني أنّ صحّة المجتمع المحلّي تتأثر بالمحدّدات الاجتماعيّة للصحة والتنمية (العوامل التي تؤثّر على الصحة والتنمية على الصعيدين المجتمعي والفردي. (انظروا الفصل 17، القسم 5: تحليل المحدّدات الاجتماعية للصحة والتنمية بالإضافة إلى الرقم 1 أدناه.)

إذن، كيف يبدو نموذج "المدن الصحّية/المجتمعات المحلية الصحيّة"؟ بخلاف نموذج اسبق/تابع (انظروا القسم 2 من هذا الفصل)، ليس لهذا النموذج رسم بياني أو جدول، لسبب أساسي هو أنّ مساره يختلف تماماً مع اختلاف المجتمعات المحليّة. إنه استراتيجية محدَّدة بمرونة تَطلب من المواطنين والمسؤولين أن يجعلوا هدف المجتمع المحلّي الصحّي أولويتهم، وأن يسعوا خلف هذه الغاية من خلال إشراك كافّة أعضاء المجتمع المحلي في تحديد المسائل الأهم لديهم وطرحها.

لنموذج "المدن الصحّية/المجتمعات المحلية الصحيّة" فرضيّتان ركيزتان وهما:

 1.رؤية شمولية للصحة: كما ذكرنا، فالنظرة الشمولية للصحّة تأخذ بعين الاعتبار كافة العناصر في حياة المجتمع المحلي، بما أنّها تؤثّر على صحة الفرد وصحة المجتمع المحلّي نفسه. وتضع شرعة أوتاوا مستلزمات الصحة في المجتمعات المحلية كما يلي:

 السلام: يمكن تفسير هذا التعبير لتغطية التحرّر من الحروب بالإضافة إلى التحرّر من الخوف من الأذى الجسدي.

خلال حرب فيتنام، كان الرجال الشباب السود معرّضين إحصائياً للقتل بالرصاص من المسدّسات وهم يسيرون على طرقات أحياء منازلهم أكثر من الجنود الشباب السود. هذه الأحياء لم تكن تعيش في سلام، بأي تعريفٍ كان!

  •  المسكن: مسكن لائق مناسب للمناخ ولحاجات الساكنين وتحمّل متطلّبات الطقس.
  • التعليم: تعليم مجّاني للأطفال (وأحياناً للكبار أيضاً، كما في حال محو أمّية الكبار)، ومناسب ليجهّزهم لحياة منتِجة ومريحة في المجتمع، وتعليم متوفّر وفي متناول الجميع.
  •  الغذاء: ليس مجرد طعام، بل طعام كاف، وذو قيمة غذائية مناسبة لتأمين دوام الصحّة والنشاط لدى الكبار، والنمو المناسب للأطفال.
  •   الدخل: التوظيف الذي يؤمّن دخلاً مناسباً لنوعيّة حياة مقبولة، ودعم القطاع الرسمي لغير القادرين على العمل أو على إيجاد وظائف.
  •  نظام بيئي مستقرّ: هواء نظيف وماء نظيفة وحماية البيئة الطبيعيّة، بالإضافة إلى الموارد المستدامة التي تشمل المياه والأراضي للزراعة، والمعادن، والموارد الصناعية، ومصادر الطاقة (الشمس والرياح والمياه والأرض) والنباتات، والحيوانات، الخ.
  • العدالة الاجتماعيّة: عندما توجد العدالة الاجتماعيّة لا يُساء إلى أحد أو لا أحد يُستَغلّ من قبل الأكثر نفوذاً. لا أحد يعاني من التمييز ضدّه، ولا أحد يتعذّب دون لزوم بسبب الفقر أو المرض أو الإعاقة. يجري التعامل مع الجميع بمساواة وإنصاف تحت القانون، ويكون للجميع صوت في كيفية إدارة المجتمع والمجتمع المحلي.
  •  الإنصاف: الإنصاف ليس نفس الأمر تماماً كالمساواة، فالإنصاف لا يعني أنّ الجميع يحصل على نفس الأشياء، بل أنّ الجميع يحصل على ما يحتاجه أو يصل إليه.

    إذا أُخذت كافّة هذه العوامل بعين الاعتبار فإن الصحّة ستتجاوز عندها بأشواط العلاج الطبّي وتصل إلى كافّة جوانب الحياة المجتمعيّة.

 2.الالتزام بتعزيز الصحّة: يختلف تعزيز الصحة عن النماذج المعروفة أكثر من نماذج العلاج والوقاية. فالعلاج والوقاية ينظران إلى الصحّة من وجهة نظر سلبيّة: هنالك أمرٌ ما ليس على ما يرام، أو على وشك أن يكون كذلك، وسيتدخّل الخبير الطبّي لتصليحه أو تجليسه. أمّا تعزيز الصحة، فينظر إلى الصحّة من وجهة نظر إيجابيّة: يمكنكم القيام بخطوات إيجابيّة لتحسين رفاهكم والحفاظ عليه.

يشكّل تعزيز الصحّة (سنستخدم هذا التعبير هنا لنعني تعزيز المجتمعات المحلية الصحية كما تعزيز الأفراد الصحيين) مفتاحاً للتفكير النظري خلف "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" وكذلك لتطوير المجتمعات المحلية الصحية فعليّاً. ويتطلّب تعزيز الصحة المجتمعية التزاماً من جانب كافّة قطاعات المجتمع المحلي، لاسيّما الحكومة، وذلك من خلال:

    1. بناء سياسة عامّة صحيّة: يمكن للمجتمعات المحلية التأسيس لسياسات ترعى الصحة المجتمعية. وبحسب شرعة أوتاوا فإن هذه السياسات هي "تحركات منسَّقة تؤدّي إلى سياسات صحية واجتماعية ومرتبطة بالدخل تعزز المزيد من الإنصاف." من هنا، فإنّ منع التدخين في المطاعم، وسياسات الضرائب المحليّة التي تشجّع قطاع الأعمال على خلق فرص عمل، وتدريب الشرطة والعاملين مع الشباب ومساعدتهم على التواصل مع الشباب ولَجم العنف الشبابي، والقوانين البيئية الصارمة...قد تُعتبر جميعها سياسة عامّة صحية. ويُنتِج الدعم المجتمعي لسياسة كهذه مناخاً يجعل القيام بخيارات صحيحة من قبل صانعي السياسات أسهل، لأنّهم يعلمون أنّ الناس معهم.


السياسة العامّة الصحّية، كسائر عناصر استراتيجية "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية"، هي أكثر بكثير من مجرّد تعزيز الصحة الفرديّة، فهي السياسة العامّة التي ترعى مجتمعاً صحّيّاً. هذا يعني الإنصاف والصحة للجميع، والانتباه لأمور كالبيئات الداعمة (انظروا أدناه).

يتحدّث "لِن دُوهْل" عن أنّ معظم السياسات العامّة لا يتعاطى مع الحاجات الفعليّة، بل مع هموم الاقتصاد والسلطة. وحتى تكون السياسة العامّة صحّية فإنها يجب أن تعكس الصورة الحقيقية بدلاً  مِن الصورة التي يريد صانعو السياسات أن يروها، أو ما سيؤدّي إلى انتخابهم.

الموضوعية تؤدّي إلى السياسة العامّة التي تنفع الجميع، وليس فقط بعض النافذين.

    2.خلق بيئات داعمة: تشمل البيئات المجتمعية سلسلة كاملة من البيئات المادّية إلى الاجتماعيّة إلى الاقتصاديّة إلى السياسيّة. يمكن خلق بعض البيئات الداعمة من خلال القوانين أو التنظيمات، وأخرى من خلال جهود مجتمعيّة، وأخرى من خلال مجرّد تغيير المواقف (التي قد تكون متأثّرة بضغوط اجتماعية وأخرى أو لا تكون). في ما يلي بعض الأمثلة:

  •  البيئة الطبيعيّة: القوانين والتنظيمات التي تستعيد و/أو تحافظ على الهواء والماء النظيفيْن، وتحافظ على المساحات المفتوحة وتنشئها ، وعلى الجمال الطبيعي، والبراري، وتمنع استخدام المواد السامّة ورميها، وتصون الموارد الطبيعية، بما فيها النبات والحيوان... كافّة هذه الأمور يمكن لها أن تحسّن الصحّة وتخفّف التوتّر، وتؤمّن خبرة جماليّة، وتؤثّر على الحياة المجتمعية نحو الأفضل.  

يعمل "مشروع قمّة المجتمعات الصحيّة الأفضل" في نيدرلاند في ولاية كولورادو، على تجديد الحدائق وإنشاء شبكة مواصلات من وسط البلدة إلى الطرقات العامّة والمساحات الطبيعية خارج المدينة.

  •  البيئة المَبْنيّة: تصميم الأبنية والمساحات بشكل صديق للناس (أي أنه يشمل معايير إنسانيّة وممرّات للمشاة وأماكن للّقاء ومناظر مطلّة وجذابة...الخ)، وتأمين الوصول إليها للأشخاص المعوّقين، والحفاظ على التراث التاريخي والثقافي، والنظافة، والأمان (الإضاءة، وتصميم المباني والجسور، ومطلاّت فسيحة، ومخطّطات السير/المرور، ومنع استخدام المواد السامّة)، ونقل عام جيّد، وطرقات للمشاة دون سيّارات للتشجيع على المشي والهرولة وركوب الدراجاّت الهوائيّة.

على سبيل المثال، فإن مدينةٌ تبني أو تخصّص طرقات خالية من السيارات للمشي والدرّاجات الهوائية، سترى  أكثر سكّانها يمشون أو يقودون الدرجات الهوائية للذهاب إلى العمل أو لقضاء حاجاتهم من وسط المدينة حيث المشي والدراجات صعبة وخطرة. مثلاً، مدينة دايفيز في كاليفورنيا، شجّعت الدرّاجات الهوائية منذ 1960، فأصبحت أوّل مدينة في الولايات المتّحدة تطلي خطوطاً للدرّجات على شوارعها. وقد استطاعت المدينة إيقاف خدمة باصات المدارس، لأنّه أصبح سهلاً على الأطفال أن يذهبوا إلى المدرسة على هذه الطرقات الخالية من السياّرات على الدراجات أو سيراً على الأقدام أو على اللوح المدولَب (سْكيتَرز).

  • البيئة الاقتصادية: البيئة الاقتصادية الصحّية هي التي فيها عمل لكل من يستطيع أن يعمل، وحيث العاملون يُعامَلون كمقدّرات أو أرصدة (انظروا أدناه مباشرةً) ويُدفَع لهم معاش ملائم، وحيث هنالك فرص اقتصاديّة للجميع، وحيث يُدعَم مَن لا يستطيع أن يعمل، وحيث المال لا يشتري النفوذ السياسي أو الحصانة من القوانين.

مثال: "الحياة الجديدة لبيثِل"، وهي مبادرة تعود إلى جماعة روحية" في حي حديقة غارْفيلد في شيكاغو، بدأت تعيد تأهيل المساكن المتداعية في المنطقة، مستخدمة "إنصاف العَرَق"، أي تشغيل السكّان المحليين، الذين يمكنهم عندها مبدلة عملهم بجزء من تكلفة البيت الذي أعادوا بناءه. تَستخدم  بيثِل في الوقت الحالي أكثر من 300 شخص معظمهم سكّان محلّيون، في البناء، وفي التدريب على العمل والتوظيف، والتنمية الاقتصادية، وفي البرامج الثقافية والدعم العائلي وبرامج التنمية المجتمعية. و يأتي مجلس المبادرة بأكمله من المجتمع المحلي. وتشكّل برامجُها تَجاوباً مع الحاجات المجتمعية المُعلَنة، وهي تتابع في محاولة بناء المقدّرات، وجلب المزيد من الاستقرار إلى الجزء الغربي من شيكاغو.

  •   بيئة العمل: يجب أن تكون بيئة العمل مصدر حفز بدل التوتّر. احترام الموظّفين، والإجراءات والتدابير الوقائية الجيّدة للأمان، والقوانين الصارمة التي تمنع الاستغلال والإزعاج، والمعاشات المناسبة و/أو المكافآت الأخرى، والتعاطي الإنساني والتوقعات المنصفة في الإنتاج... كافّة هذه الأمور تساهم في بيئات عمل تغذّي الإبداع والحماس، وتحسّن الإنتاج ونوعيّة حياة العمّال، بدل الانتقاص منها.
  •  بيئة الترفيه: يمكن لبيئات العمل والمنزل أن تؤمّن أوقاتاً للترفيه. يمكن للمجتمع المحلي أن يؤمّن فرصاً ترفيهية وتثقيفية لاستخدامها في هذا الوقت: متاحف، وحدائق ومسابح، ونشاطات ثقافية ورياضيّة، ومكتبات، الخ.
  •  البيئة الاجتماعية: المجتمع المحلي الصحّي يشجّع الشبكات الاجتماعية، ويؤمّن أمكنة قد يتلاقى فيها الناس من كافّة أنحاء المجتمع المعني، ويرعى العائلات والأطفال، ويقدّم تعليماً شاملاً وخدمات أخرى، ويسعى لتعزيز السلوك الصحّي غير العنفي، ويدعو إلى التآلف والتفاعل بين المجموعات المتنوعة التي تكوّن المجتمع المحلي، ويعامل كافّة المجموعات والأفراد باحترام.

مثال: كان المجتمع المحلي معنيّاً، صمن جملة أمور، بالعدد المرتفع في حوادث الاعتداءات الجنسية والإساءة الجسديّة للأطفال في المنطقة. لذا جرى إنشاء مجموعة عمل حول المسألة، تطوّرت لتصبح برنامجا لتثقيف الأهالي وحياة العائلة اسمه "نقدّر أطفالنا". وقد قام هذا البرنامج بتدريب عدد كبير من أهالي المنطقة ليصبحوا "مثقِّفو أهالي"، وأمّن خدمات لعائلات المنطقة. حدث هذا في شمال "كابّين"،  في شمال وسط لاية ماساتْشوسيتْس الأميركية.

  • البيئة السياسيّة: في المجتمع المحلي الصحّي، يشارك كافة المواطنين في القرار الخاص بكيفية إدارة مجتمعهم المحلي ومَن يديره، كما يصل الجميع بسهولة إلى المعلومات اللازمة لفهم الأوضاع السياسية ولاتّخاذ قرارات سياسيّة مدروسة. وتكون القرارات السياسية والآراء وحرية الكلام محميّة. يشعر المواطنون أنّ لهم سلطة في المجتمع المحلي، وأنّهم يملكونه، وأنّه يمكنهم بَل عليهم التحكّم باتّجاهه.

        3.تقوية التحرّك المجتمعي: يمكن للمجتمعات المحلية أن تقوّي وتشجّع التحرّك المجتمعي عبر ثلاث طرائق على الأقل: الطريقة الأولى تشمل تشجيع التخطيط والتحرّكات على الصعيد القاعدي ورعايتها. عندما تُحدَّد المسائل وتُطرَح من قِبل الناس المتأثّرين بها فضلاً عن الآخرين المعنيين، يحصل أمران: يتم حل المسائل على الأرجح بنجاح، ويتعلّم الناس المنخرطون كيفية استخدام مواردهم لتحمّل مسؤوليّة حياتهم ومجتمعاتهم المحلّية. الطريقة الثانية هي تقوية التحرّك المجتمعي من خلال التزام مِن جانب الحكومة والقادة المجتمعيين وصانعي قرار آخرين، بتشجيع التحرّك من خلال تمرير تشريعات تؤدّي إلى ذلك، وبتغطيتها بالدعم الرسمي براسطة الإعلام وقنوات اتّصال أخرى، وشمل أعضاء من كافّة شرائح المجتمع المحلي في صياغة أي مبادرة مجتمعية والتخطيط لها وتطبيقها. الثالثة هي من قِبل صانعي القرار والإعلام وهي تؤمّن تدفق المعلومات اللازمة عن المجتمع المحلّي والمبادرات المجتمعية بشكل حر ودقيق لكافّة المواطنين، وتزويد الجميع في المجتمع المحلي بفرص تعلّم عن المسائل وعن نوعية الحياة بشكل عام.

الطريقتان الأخيرتان المذكورتان هما في الواقع من فوق إلى تحت، حيث الحكومة "تسمح" للمواطنين بالمشاركة في مسار صنع القرار. وفيما كثيراً ّما يكون أعضاء المجتمع المحلي (لاسيّما مَن لديهم خبرة أقل في التخطيط وإدارة المشاريع، أو تعليم أقل) في حاجة إلى الدعم لتعلّم بعض المهارات الضروريّة، فإن الدافع إلى التغيير يجب أن يأتي منهم أولاً. هنالك فارق كبير بين المسؤولين الذين ينظّمون مبادرة ويدعون المواطنين للانضمام، وآخرين يقاربون المواطنين طالبين منهم المشاركة في تصوّر المبادرة وتنظيمها.

    4. تنمية المهارات الشخصيّة: المجتمعات المحلية الصحّية تساعد المواطنين على كسب المهارات اللازمة لطرح المسائل الصحيّة والمجتمعية، من خلال تزويدهم بالتعليم والمعلومات في المدرسة والمسكن (باستخدام وسائل الإعلام ومصادر أخرى)، وبالعمل وأطر مجتمعية أخرى. إن الدروس، وورش العمل، ولوائح الإعلان والملصقات، وإعلانات التلفزيون والراديو، ومقالات الصحف، والبريد، والمنشورات، واللقاءات المجتمعية، والعروض في النوادي الاجتماعية والمراكز الروحية، واستخدام التكنولوجيا الإلكترونية..هذه الأمور جميعها قد تخدم مساعدة المواطنين على فهم المسألة واتّخاذ قرار حولها.


التعليم المقصود هنا ليس موصولاً فقط بالصحّة ومسائل الرفاه والمهارات الحياتية (مثلاً، الرعاية الوالديّة). بل يمكن لهذا التعليم فعلاً أن يُطبَّق على كافّة مواضيع التعلّم التي تلامس الحياة المجتمعية (المسائل السياسية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية، مثلاً). إضافةً إلى ذلك، يشكل التشجيع على التعلمّ مدى الحياة وتأمين توفّره للجميع دلالة على المجتمع المحلي الصحّي.

    5. إعادة توجيه الخدمات: إذا كان للصحّةُ والخدمات الإنسانية والبلديّة الأخرى أن تكون مفيدة لاستراتيجية "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية"، فعليها أن تغيّر نظرتَها من نظرة محورها الفرد (والعلاج) إلى نظرة محورها المجتمع المحلي، وأن تركّز على تعزيز المجتمع المحلي الصحّي.


المسألة ليست فقط إعادة توجيه الخدمات الصحية، بل إعادة توجيه كافة الخدمات لكي تعمل معاً باتّجاه غاية المجتمع المحلي الصحّي، ويجب النظر إلى أي مسألة مجتمعية من خلال عدسة الفرد وعدسة المجتمع المحلي. ليست تنشئة الطفل فحسب ما يحتاج إلى قرية بأكملها، بل أيضاً انتزاع العائلات من الفقر، وخلق فرص عمل، وتحسين الصحّة النفسيّة، وإيقاف العنف، وحماية البيئة الطبيعيّة، وخلق مجتمع عادل ومنصف.

 لماذا استخدام "المدن صحيّة/المجتمعات المحلّية الصحيّة"؟

 هنالك عدد من الأسباب للتفكير في إطار عمل "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" عند التخطيط لتحرّك مجتمعي وتطبيقه:

 1. المنظور المجتمعي: تتأثّر كافّة المسائل الصحية والمجتمعية مبدئياً بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و/أو البيئية التي تعمل على مستوى المجتمع المحلي (أو هي نتيجة مباشرة لها). ما لم نتعاطى مع هذه العوامل فستخف فرص تمكّننا من حل المسألة التي تعنينا.

 2. التخطيط التشاركي والملكيّة المجتمعية: التخطيط الذي يشمل هؤلاء الذين سيتأثّرون مباشرة بأي مبادرة مجتمعية أو يستفيدون منها، سيعكس على الأرجح الحاجات الحقيقية للمجتمع المحلّي أكثر من التخطيط الذي تقوم به مجموعة واحدة. إضافةً إلى ذلك، فإنّ الطبيعة التشاركية لإطار عمل "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" تعني أنّ المواطنين أنفسهم يخلقون المبادرات والغايات للمجتمع المحلي. وهذه المبادرات والغايات هي لهم، وليست مفروضة من قبل مَن هم في السلطة أو مِن "خبراء" خارجيين. نتيجة لذلك، يجعلهم التزامهم المسار والأهداف أكثر ميلاً لدعم النتائج التي اختاروها والعمل من أجلها.

 3.مروحة الأفكار: تؤدّي مشاركة المواطنين إلى تقديم مروحة أكبر من الأفكار والاحتمالات ودرسها، ما يزيد احتمال إصابة غايات وتحرّكات فعّالة.

 4.معرفة المجتمع المحلّي: مشاركة المواطنين تغرف من حكمة المجتمع المحلي ومعرفته بتاريخه الخاص وعلاقاته، ونزاعاته، ما يؤدّي إلى إدارة مبادرات تمنع المطبّات المحتملة.

  5. الصلات الوثيقة على صعيد المجتمع المحلي: يشجّع إشراك كافة شرائح المجتمع المحلي على التفاعل عبر الخطوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. هذه الروابط تقوّي المجتمع المحلي بأسره، وتغيّر منظور الناس إلى الأفضل، وتزيد التعاون على صعيد المجتمع المحلي، ويمكنها تحويل كيفية عمل المجتمع المحلّي إيجابيّاً.

 6. الغايات القابلة للتحقيق والقياس: مع أنّ الغايات النهائيّة "للمدن الصحّية / المجتمعات المحليّة الصحّية" هي واسعة وطويلة المدى فإن كل غاية هي قابلة للتحقيق في مدّة معيّنة مقبولة من الزمن، ويمكن البرهنة على نجاح تحقيقها، وكل نجاح يحضّر لمرحلة الحماس للمبادرة التالية.

 7. تحديد المقدّرات والموارد المجتمعية واستخدامها: إن مبادرة "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" تعتمد بدرجة كبيرة على الأرصدة والموارد البشرية والمؤسساتية والتنظيمية والبيئية وغيرها ممّا هو متوفّر في المجتمع المحلي. ومن خلال تحديدها واستخدامها تتعلّم المجتمعات المحليّة أنّه يمكنها خلق التغيير الإيجابي بنفسها، وإعادة تكوين نفسها بالطرائق التي تريدها.

 .8 الالتزام المجتمعي بالمسار طويل المدى: بسبب طبيعة المسار التشاركيّة، وبسب ما يتطلّبه من استقطاب المزيد من الأشخاص في كل مرحلة جديدة، فهو يبنى نواةً متوسّعة باستمرار من الأشخاص ذوي المهارات والمواهب والخبرات المختلفة، ملتزمين بمثاليّة بناء مجتمع محلّي صحّي وتحسين نوعية الحياة للجمعي. هذا الأمر مهم لاستدامة العمل إلى ما لا نهاية.

 9. الصورة الذاتيّة للمجتمع المحلي: باستخدام مسار "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية"، يبدأ المجتمع المحلي بالنظر إلى نفسه كمجتمع محلي صحّي، ويصبح معنيّاً بالحفاظ على هذه الصورة من خلال طرح القضايا ما إنْ تظهر. والأهم ربّما هو أنّ المجتمع المحلي يُدفَع إلى النظر إلى الصورة الأوسع كذلك. فالحفاظ على غاية نهائية بأن يكون المجتمع المحلي صحّياً تماماً، سواء أكان ذلك قابلاً للتحقيق أم لا، يجعل الجميع سائرين في هذا الاتّجاه، هذا يعني أنّ التخطيط يأتي بشكل طبيعي. ويصبح مثال المجتمع المحلي الصحّي مرسّخاً في الصورة الذاتيّة للمجتمع المحي عن نفسه، ويفهم الناس أنّه يمكنهم التحكّم بمصيرهم بأيديهم، ويعملون على تحسينه. من هنا، يصبح المسار في حد ذاته عنصراً مهمّاً في تعريف المجتمع المحلي الصحي، حيث يعمل المواطنون معاً لتحديد المشكلات وحلّها، ولخلق المقدّرات وتثبيتها، ولتوليد التحسينات، ولرفع نوعية الحياة للجميع.

 مَن يجب أن يكون جزءاً من المدن صحيّة / المجتمعات المحلّية الصحيّة؟

الجواب السهل عن هذا السؤال هو: الجميع في المجتمع المحلي- وهذا في الواقع جواب مثالي. في عالم مثالي، يشارك الجميع، في كافّة الأمكنة وبطريقة ما، في خلق مجتمع محلي صحّي. أمّا في العالم الحقيقي، ففي حين يكون من المهم محاولة إشراك كافّة قطاعات المجتمع المحلي، فإن عليكم كذلك العمل على إشراك بعض الأشخاص المعيّنين والمجموعات المحدّدة، هذا إذا أردتم النجاح لجهودكم. يتضمّن المشاركون الأساسيون:

1.المسؤولين المنتخبين والمعيّنين: مع أنّه من غير المحبّذ أن تكون مبادرة "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" هرميّة من "فوق إلى تحت" فهي تحتاج إلى الالتزام والدعم ممَّن يتمتّع بالنفوذ لإحداث الفرق. يمكن للمسؤولين استخدام الإعلام للإعلان عن الجهود، وتمرير القوانين والتنظيمات (وإنفاذ تلك الموجودة أصلاً) التي تعزّزها، ورمي ثقل الحكومة ومواردها خلف الجهود. دون الدعم الرسمي، ستميل الجهود المجتمعيّة إلى الفشل.

 2.هؤلاء الأكثر تأثراً بالمسألة: الوصفة المؤكّدة للفشل هي محاولة فرض تدخّل أو مبادرة على الشعب "من أجل مصلحتهم". غالباً ما يصوغ "الخبراء" (الذين يكونون بشكل عام أشخاصاً لا معرفة حقيقية لديهم عن المجموعة أو عن مسائلها) خططاً قد تبدو جد منطقية على الورقة، ولكنّها قد لا تعني أي شيء أبداً في الوضع الحقيقي المعروض عليهم. من هنا، تصبح جوهريّةً مشاركةُ الأكثر تأثّراً في تحديد المسائل التي ستطرح، وفي تطوير خطط التحرّك لطرحها، وفي تطبيقها والإشراف على هذه الخطط، من أجل نجاح مبادرة المجتمعات المحليّة الصحّية. (يصحّ دلك أيضاً عندما تكون المجموعة معنيّة هي المجتمع المحلي بأسره.)


هنالك للأسف حالات عديدة من مجموعات تقاوم وتتخطّى التغييرات رغم مراميها الجيّدة، لأنّها لم تكن جزءاً من التخطيط. إنّ كاتب هذه السطور اختبر حالة كذلك عندما كان أستاذاً في فيلادلفيا، حيث تواجد عندها مديرٌ للمدرسة تجديدي وتقدّمي. حاول مأسسة إصلاحات كانت على الأرجح ستحسّن حياة المعلمين والتلاميذ داخل النظام، ولكنّه قام بذلك دون استشارتهم. وكنتيجة لذلك، تجاهل المعلّمون ببساطة تعليمات المكتب المركزي، وفشلت الإصلاحات، وغادر المدير بعد أقل من ثلاث سنوات.

ا3.لأشخاص الذين سيقومون بالمبادرة وينفّذونها، أو من ستتأثّر وظائفهم أو حياتهم بها. من غير المنصف والحكيم التوقُّع من موظّفي المنظّمة وعاملي المجتمع المحلي (الشرطة ورجال الإطفاء ودائرة موظفي أعمال القطاع الرسمي، الخ) ورجال الأعمال، وآخرين أن يرموا بأنفسهم على تنفيذ مبادرة لم يكونوا جزءاً من صناعتها. إذ قد تتضمّن عناصر تجهل حقائق أعمالهم أو حياتهم، أو تجعل الأمور أصعب من اللازم بالنسبة لهم، وقد يكونون الأشخاص الوحيدين الذين يملكون المعلومات لفهم ذلك. إضافةً إلى ذلك، قد ينظرون إلها كفرضٍ غبيٍّ إضافيّ للتواجد، والقيام بأقل ما يمكن لجعلها فعّالة.

4.كافة الوكالات والمجموعات التي ستضطر إلى التعاون وتنسيق أنشطتها من أجل تطبيق الجهود المجتمعيّة. إن الطرائق التي ستعمل من خلالها هذه المجموعات سويّة والتي ستختار فيها أيّاً منها سيتحمّل مسؤولية ماذا، يجب أن تكون جزءاً من التخطيط لأي مبادرة على صعيد المجتمع المحلي. فدون مشاركتها الكاملة، لا ضمانة لعمل هذه المجموعات مع بعضها أبداً، ناهيكم عن أنّ الطرق لقيامها بذلك ستكون بسيطة ومجدية.

 5.قادة الرأي المجتمعيين. هم الناس الذين يثق الآخرون بآرائهم، والذين يقودون المجتمع المحلّي من خلال تبنّي آراء جديدة، ورفع الآخرين معهم. يُنظر إليهم كأسوياء وأذكياء، ويخدمون المصالح الفضلى للمجتمع المحلي. بعضهم قد يكون أعضاء حاليين أو سابقين في المجموعات التي ذكرناها، وبعضٌ منهم قد يكون رجال دين، أو أشخاصاً ذوي مصداقية في المؤسسات أو الأعمال (رؤساء جامعات أو في الجسم التعليمي، أو مدراء تنفيذيين لشركات)، أو مواطنين عاديين معروفين لنزاهتهم ورجاحة عقلهم.

 إذا كسبتم مشاركة أعضاء كافّة هذه المجموعات، من الأرجح أن يلحق بكم الجميع الآخرين. أمّا إذا لم تتمكّنوا من جلب أشخاص من كافة هذه المجموعات للانضمام في البداية، البديل يكون في تثقيفهم عن المسار، وإقناعهم في الانضمام إليه، فيما تتابعون استقطاب مشاركين آخرين. في النهاية، سيُحضر جَمْع التثقيف وزخمكم مَن كانوا في البداية متردّدين. قد يتطّلب ذلك وقتاً وصبراً، ولكّنه يستحق الجهود، إذ قد يعني ذلك بسهولة الفرق بين حركة مجتمع محلي صحي ناجحة وطويلة الأمد، وأخرى "ميتة عند الوصول" أي محاولة فاشلة من البداية.

 كيف نستخدم المدن صحيّة / المجتمعات المحلّية الصحيّة؟

لأنّ إطار عمل "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" هو هكذا بكل بساطة ( أي إطار عمل نظري وليس وصفة) فلا يوجد تعليمات لاستخدامه خطوة بخطوة. المقصود بهذا النموذج تكييفه مع الحاجات المختلفة للمجتمعات المحلية المختلفة، ولكن هذا لا يمنع وجود مكوّنات ضرورية لأي مبادرة "مدن صحّية / مجتمعات محليّة صحّية"، هي:

1. خلق رؤية تفرض نفسها مبنيّة على قيم مشترَكة:

 كما في حال أي مسارٍ يشمل التخطيط (لاسيّما التخطيط التشاركي)، الخطوة الأولى هي خلق رؤية تعرّف الجهود التي ستبذل. قد تكون الرؤية واسعة ("مجتمع محليّ عادل ومنصفاً بحق") أو أكثر تحديداً ("مجتمع محليّ حيث يستطيع كل عامل محتمَل أن يجد وظيفة تؤمّن له معاشاً لائقاً للعيش وظروف عمل مقبولة". مهما كانت الحال، يجب أن تفرض الرؤية نفسها، وتحفّز الناس على العمل على تحقيقها. كما يجب أن تؤسَّس على هذه القيم التي تجمعهم، ويجب أن يجري تشاركها بشكل واسع، ويُعترَف بها كرؤية مشروعة ومرغوبة. (الرجاء الذهاب إلى الفصل 8، القسم 2: التصريح عن الحلم: تطوير الرؤية والرسالة.)


مثال: بدأت مبادرة المجتمع المحلي الصحّي باجتماعات ضمت عدداً قليلاً من الأشخاص النافذين. وعندما تعلّموا عن المجتمعات المحلية الصحّية، دعوا مجموعة من 160 ممثل لكافّة القطاعات من سكّان المدينة (مواطنين من كافّة الجماعات والمستويات الاقتصادية، والمنظّمات والمؤسّسات، وحكومة المدينة، ومجموعات أخرى) لكي يعدّوا رؤية. بدورها، أقامت هذه المجموعة مجموعات تركيز ولقاءات عامّة مع المواطنين لسماع همومهم وفهمها. في النهاية، أعدّوا الرؤية، بناءً على نقاشاتهم الأصليّة بالإضافة إلى المعطيات من مئات الآخرين من كافّة مسارات الحياة، وتضمّنت الرؤية 14 تعبيراً عمّا يجب أن تكون المدينة أورلاندو عليه. وأصبحت هذه الرؤية أساس المبادرة  في مدينة أورْلاندو في ولاية فلوريدا.

2. اعتناق تعريف واسع للصحّة والرفاه:

يجب أن يُنظَر إلى الصحّة ليس على أنها الصحّة الجسديّة للأفراد فقط ، بل أيضاً باعتبارها خلق تلك العوامل التي تؤدّي إلى الصحة، ورعايتها، أي العوامل المذكورة في شرعة أوتاوا (السلام والمسكن والتعليم والدخل والغذاء والنظام البيئي المستقر والموارد المستدامة والعدالة الاجتماعية والإنصاف). المجتمع المحلي المنصف يجمع (أو يعمل باتّجاه جمع) كافّة هذه العناصر وأكثر.

3.  طرح حياة نوعيّة للجميع:

 الكلمة المفتاح هنا هي "الجميع". فيجب أن تصوّب مبادرة "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" باتّجاه تحسين نوعيّة الحياة لكافّة المجموعات والأفراد في المجتمع المحلي، وليس فقط لهؤلاء الموجودين في مجموعة مستهدفة معيّنة أو الذين بدؤوا المبادرة.

4. إدخال مشاركة متنوّعة للمواطنين، وليكن الدافع هو المواطن:

 يجب أن تنشأ المبادرات وتُخطَّط وتطبّق بالمشاركة الكاملة للمواطنين من كافّة المجموعات العرقيّة والإثنية والاقتصادية الاجتماعيّة، بالإضافة إلى مختلف مسارات الحياة. المواطنون أنفسهم، وليس أي وكالة حكوميّة أو خبراء من أي نوع، يجب أن يكونوا القوّة خلف توجيه أي مبادرة مجتمعية وتطبيقها.

5.السعي نحو عضوية متعدّدة القطاعات وملكيّة للمجتمع المحلّي على وسعه:

يجب أن تمثَّل كافّة قطاعات المجتمع المحلّي في المبادرة (الحكومة وقطاع الأعمال والمجموعات غير الربحيّة والرعاية الصحيّة والتعليم والمجموعات الدينية والمؤسسات الثقافيّة والفنون والجمهور المستهدف والمواطنين العاديّين)، ويجب أن يشعر المجتمع المحلي أنّه خلق هذه المبادرة ويملكها.


في عدّة أماكن من هذا القسم وفي أقسام أخرى من "عدّة العمل المجتمعي"، نذكر "ملكيّة" المبادرة أو التدخّل أو المنظّمة. في معظم الحالات، ما نعنيه هو أنّ مَن يشارك في خلق و/أو إدارة مسعى كهذا، يشعر أنّ هذا المسعى ينتمي إليه. الفكرة هي فكرتهم، ومن هنا، فهم يرون أنفسهم ليس فقط كداعمين للفكرة بل كمسؤولين عنها.

الملكيّة الحقيقيّة نادراً ما تكون (أو ربّما لا تكون قط) متعلّقة بتحرّكات أو أفكار مفروضة مِن قبل آخرين "يعرفون أكثر" أو لديهم نفوذ أكثر. بل هي تأتي من الداخل، من الشعور بأنّكم قمتم بهذا الخيار بناءً على حكمكم الأفضل. من هنا، يصبح مهمّاً جدّاً أن تشملوا أشخاصاً من كافّة قطاعات المجتمع المحلي، من أجل نجاح مسار "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية". في النهاية، ربّما بعد الكثير من الحجج والبحث الداخلي، يشعر المشاركون أنّه كان لهم يد في خلق أمرٍ مهمّ سينتج عنه حياة أفضل للجميع في المجتمع المحلي. لا بديل من هذا الشعور لتأمين قيامهم بكل ما يمْكنهم القيام به لجعل "مخلوقهم" ينجح.

6.إدراك المحدّدات الاجتماعية للصحّة والعلاقة المتداخلة بين الصحّة ومسائل أخرى (السكن والتعليم والسلام والإنصاف والعدالة الاجتماعيّة):

أشارت الأبحاث حول المحدّدات الاجتماعية للصحّة إلى ثلاثة عوامل أساسيّة ومترابطة:

  • الإنصاف الاجتماعي الاقتصادي: بالنسبة للبلدان المتقدّمة، تشكّل المساواة الاقتصادية والاجتماعية ضمن مجتمعٍ ما أو مجتمع محلي العامل الذي يحدّد معدّلات الوفاة ومعدّلات الحياة، أكثر من موقع البلد في هذا المجال قياساً باللدان بالنسبة الأخرى. إنّ حجم الفجوة بين الشرائح الأكثر والشرائح الأقل غنى في المجتمع أو المجتمع المحليّ هو في غاية الأهمّية، وهو ما يحدّد بدرجة كبيرة ما إذا كان الناس يحصلون على ما يحتاجونه أم لا.
  • الترابط الاجتماعي: أشارت دراسات عديدة إلى أن "الانتماء" (أكان إلى عائلة واسعة ممتدّة، أو إلى شبكة من الأصدقاء، أو منظّمة اجتماعية أو تطوّعية، أو مجموعة دينية) مرتبط بحياة أطول وصحّة أفضل، بالإضافة إلى الارتباط بالمشاركة المجتمعيّة.
  • الشعور بالفعاليّة الشخصيّة: المقصود بذلك شعور الناس بالتحكّم بحياتهم بأنفسهم، ويميل الأشخاص الذين يتمتّعون بحس أعلى بالفعاليّة إلى العيش لمدّة أطول والمحافظة على صحّة أفضل، والمشاركة بقوّة أكبر في قضايا المجتمع المحلي وسياسته.

كما في "شرعة أوتاوا"، تعترف "منظمة الصحة العالمية" في منشورها "الحقائق الصلبة"، بالحاجة إلى تقسيم هذه العوامل إلى أجزاء صغيرة، أكثر قابليّة للتحكّم بها، فتذكر عشرة عوامل تؤثّر في الصحة في متوسّط العمر المتوقّع، وتنادي بطرح كلّ من هذه العوامل ضمن برنامج متّسق ينظر إليها جميعها ضمن المجتمع. وهذه العوامل العشرة هي ما يلي:

                   الدرجة الاجتماعية (الإنصاف)

                   الضغوط  

                   الحياة المبكرة

                   الإقصاء الاجتماعي (وهو عكس الترابط الاجتماعي)

                   العمل

                   البطالة

                   الدعم الاجتماعي

                   الإدمان

                   الغذاء

                   النقل

(انظروا الفصل 17، القسم 5: تحليل المحدّدات الاجتماعية للصحة والتنمية.)       

7.طرح المسائل من خلال حل المشكلات التعاوني:

إذا أخذنا مجموعة متنوعة ما، لا بدّ أن يكون هنالك خلافات ونزاعات فيما بينها. ولكن، يجب أن يُنظر إلى هذه الخلافات والنزاعات كفرص، وليس كعوائق، ويجب أن يتم تشجيع الناس ومساعدتهم على العمل معاً للوصول إلى حلول خلاّقة.

8.التركيز على تغيير الأنظمة:

لكي تكون ناجحة، يجب أن تكون مبادرة "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" فعّالة ونشيطة ومبادِرة، ولا تقوم فقط على ردود الفعل. إذ لا يكفي أن تقوموا "بتصليح" المشكلة: غايتكم هي إزالة الأسباب التي أدّت إلى هذه المشكلة وغيرها من المشكلات، وتحسين نوعيّة الحياة على المدى الطويل في المجتمع المحلي في أثناء  تقدم المسار.

ومن أجل التصدّي لتلك الأسباب، يجب التركيز ليس على المشكلات الفرديّة، بَل على تحسين النُظم وتغييرها (أي الطرق التي تشغّل المجتمع المحلي، والمواقف والفرضيات والسياسات خلفها). ويشمل ذلك تحديد المقدرات الموجودة أصلاً في المجتمع المحلي، واستخدامها وتقويتها، بالإضافة إلى تغيير الأنظمة التي تسبّب المشكلات.

9.بناء القدرات عبر استخدام المقدّرات والموارد المحلّية:

تجدون في كافّة المجتمعات المحليّة، مهما كانت مضطربة، نقاط قوّة عظيمة حقيقية ومحتملة. وهي تختلف من مجتمع محلّي إلى آخر، ولكنّها قد تشمل:

  • أفراداً يتمتّعون بالمواهب والمهارات والقيادة والشغف لتغيير المجتمع المحلي إلى الأحسن.
  • أفراداً وشركات أعمال ومؤسسات يمكن لها أن تؤمّن موارد مادّية (أموال أو مساحات، الخ) للجهود المجتمعية.
  • مؤسسات (مكتبات ومدارس ومستشفيات وأماكن عبادة) لها القدرة على أن تكون بنفس الوقت موارد وعملاء تغيير.
  • المنظمات المرتكزة إلى المجتمع المحلي وغيرها التي تركّز رسالتها على العمل على تحسين المجتمع المحلي بأسره.
  • الحكومات ومسؤولي الحكومة الأفراد الذين يمكنهم إضافة الدعم الرسمي إلى المبادرة فضلاً عن الدعم السلطة والتشريعي والتنظيمي.
  • الموارد البشرية (مثلاً، المهارات وأخلاقيات العمل في قوّة عمل مجتمعية)
  • الموارد الطبيعية والبيئية الأخرى (المساحات المفتوحة، والماء النظيف والهواء النظيف، والبراري، والأسماك، والمعالم أو الأبنية التاريخية، وبقايا المنازل)
  • ربمّا الأهم هو القدرة الكامنة عند كافة هؤلاء الأفراد وهذه المجموعات والموارد على أنْ تنضم سويّة في سعي منسَّق وراء رؤية مشتركة.

تجدون على الأقل بعضاً من هذه المقدّرات، أو الأرصدة، وغيرها أصلاً في كل مجتمع محلي تقريباً، وغالباً ما يكون ذلك أكثر بكثير ممّا يدرك المواطنون إلى أن يبدؤوا بالبحث عنها. يجب أن تحدَّد هذه المقدّرات وأن تكون جزءاً من جهود "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية".

10.قياس التقدم ونتائجه، ووضع نقاط مرجعيّة:

مهما كان ما تفعلون، أكان تدخّلاً سلوكياً معقّداً أو حملة علاقات عامّة، عليكم بالرصد والتقييم للتأكّد من أنّ ما تقومون به فعّال. هذا يعني وضع أهداف (نقاط مرجعيّة) للتأشير على تقدّمكم على الطريق باتّجاه غايتكم، كما يعني تحديدا واضحا للنتيجة التي تهدفون إليها. الرصد الدوريّ لما تقومون به جوهريّ، لأنّه يسمح لكم بالتقاط المشكلات أو ما هو غير مناسب في الغايات والطرائق والإجراءات والتواصل...الخ، وتصليحه قبل أن يأخذ مبادرتكم إلى سكّة مختلفة تماماً. والأهم هو أنّ الرصد الدوريّ يسمح لكم بتغيير ما تقومون به للاستجابة إلى التغييرات في الظروف والحاجات المجتمعية، وبذلك تستمروّن في التعمل مع الواقعي الآنيّ. المجتمعات المحليّة ديناميكيّة: فهي تتطوّر وتتغيّر، أحياناً في فترات قصيرة. يجب أن تكون مبادرتكم ديناميكيّة أيضاً، لسيّما إذا كنتم تتوقّعون لها الاستمرار على المدى البعيد.

تطبيق استراتيجيّة المجتمعات المحلّية الصحّية

كيف تضعون فعليّا كافّة هذه المكوّنات سويّة لخلق مجتمع محلّي صحّي؟

لا يوجد طريقة واحدة للقيام بذلك، فهذا يعتمد على مجتمعكم المحلي، والمسائل التي تودّون طرحها، والأفكار والقدرات عند المجموعات والأفراد المشاركين في مسار "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية". ولكن من جهة أخرى، هنالك إجراءات ركيزة، على الأقل كخطوط عريضة، يجب أن تكون مشتركة في أي مبادرة "مدن صحّية / مجتمعات محليّة صحّية":

1.حشد مجموعة متنوّعة وشاملة: للمباشرة في مبادرة "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية"، يجب أن يجتمع أشخاص من كافّة أجزاء المجتمع المحلّي لمناقشة الرؤية وإعدادها. هذه المجموعة، كما ذكرنا مراراً في هذا القسم، يجب أن تكون ممثِّلة للجميع في المجتمع المحلي حتى ينظَر الجميع تقريباً إلى أي أمر تقرّره على أنه شرعي، وأن يجري تملّك هذا الأمر مِن قبل المجتمع المحلّي.

يجب أن يبدأ أحدٌ ما هذا المسار. قد يكون المبادِرُ فرداً مثابراً أو شخصاً جاذباً (ذا "كاريزما")، أو منظّمة، أو مكتباً أو وكالة حكوميّة. أيّاً يكن، يجب أن يكون جامعاً وليس بالضرورة أن يتوقّع منه/ا القيادة لفترة طويلة. القادة يجب أن يتم اختيارهم من المجموعة بنفسها عندما تتألّف، ويجب أن تكون القيادة تعاونية. (انظروا الفصل 13، القسم 11: القيادة التعاونية.)


هذا ليس للقول أنّ جهود المجتمعات المحلّية لا تحتاج إلى قيادة. بَل بالعكس، إنّ وجود القيادة والهيكليّة ضروري لنجاح أي جهود. ولكن على القيادة أن تكون تعاونيّة، وأن تنبع من المجتمع المحلي. قد يكون القائد فرداً أو اثنين أو مجموعة أوسع. مهما كان الوضع، يجب أن يكون القائد متساوياً، ضمن مجموعةِ متساوين، ويجب أن تكون صناعة القرار دائرة اختصاص المجموعة بأسرها. بهذه الطريقة يعمل المسار التشاركي.

نفترض أنّ كافة الخطوات الأخرى المذكورة هنا ستنفّذ من قبل مجموعة شاملة، وأنّ كافّة قطاعات المجتمع المحلي (بمن فيهم المواطنون الأفراد والمتأثرون) سيتم تمثيلها وسيكون لها سلطة صناعة القرار. قد تتغيّر المجموعة من خطوة إلى خطوة، أو مع مرور الزمن، لكن يجب أن تبقى شاملة وتشاركيّة.

2.توليد رؤية:

إن رؤية ما يجب أن يكون عليه المجتمع المحلي (بناءً ليس على مسألة واحدة بَل على قيم مشتركة بين كافّة المشاركين وعلى نوعية ذات مستوى عال من الحياة للجميع في المجتمع المحلي) هي ضروريّة لتحفيز المشاركين وإلهامهم، ولتوجيه المبادرة على المدى البعيد. قد يستلزم توليد هكذا رؤية وقتاً طويلاً وكمّاً هائلاً من النقاش، ولكنّه ضروري دون أدنى شكل لنجاح الجهود.

3.دراسة المقدّرات، أو الأرصدة، والموارد في المجتمع المحلي التي يمكن أن تساعدكم على تحقيق رؤيتكم، بالإضافة إلى المسائل التي تشكّل عائقاً أمام تحقيقها:

إنّ وضع المقدّرات، أو الأرصدة، في البداية ليس صدفةً هنا. إذ إنّ التطلّع إلى المجتمع المحلّي بعدسات إيجابيّة يخدم مبادرة "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" أكثر بكثير، وكذلك التساؤل عن الأمور الجيّدة في المجتمع المحلي بدَل البحث عن مكامن الخلل. عندها تصبح المبادرة تمريناً في الترويج للصحّة المجتمعية، بدَل من أن تكون معالجة مجتمع محلّي عليل. ويؤثّر تبنّي المنظور الإيجابي بشكل أفضل على مواقف جميع المنخرطين، وعلى الصورة الذاتيّة للمجتمع المحلي، وعلى النظرة إلى إمكانية تحقيق الرؤية من عدم تحقيقها.

ولنفس الأسباب، يُعتبر الصدق ووضوح الرؤية حول المسائل والمشكلات في المجتمع المحلّي أمرين مهمّين. ويجب أن يجري الاعتراف بهما وفهمهما ما أن يتم تحديد المسائل والمشكلات حتى يتم طرحهما في مرحلة ما أثناء المسار.

4.اختيار المسألة الأولى للتركيز عليها:

الطريقة الفضلى لإغراق مبادرة طويلة الأمد هي محاولة تحقيق كافّة الغايات في نفس الوقت. من الضروري اختيار مسألة واحدة (أو في بعض الحالات، ربّما، اثنتين أو ثلاث) للتصدّي لها، ومن الأفضل جعلها واحدة قابلة للحل حتّى تؤدّي جهودكم الأولى إلى النجاح.


أمّا ما هي المسألة، فذلك غير مهم، لكن المهم هو أن يعتبَرها المواطنون مهمّة لهم، وأن تكون محدّدة لدرجة تجعلها قابلة للحل. يتحدّث "لِن دُوهْل" عن المسار عام 1993 في مقابلة مع "جو فْلاوِر" في "مجلّة منتدى الرعاية الصحّية":

الأمر الأوّل الذي يجري عندما يتطوّر برنامج "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" في مكان جديد هو تبنّي بعض الأشخاص مسؤولية جمع كافّة شرائح المجتمع المحلي للتعاطي مع المسائل: مجتمع الأعمال والحكومة وقطاع المتطوّعين والمواطنين أنفسهم...

بعد ذلك، تأتي "ورش عمل الرؤية" حيث يُسأل الناس: "ما هو نوع المدينة التي تريدونها فعلاً؟" المفاجأة على الصعيد الشخصي كانت أنّه كلّما يصبح أوضح لي ما هو برنامج المدينة الصحّية، يخف احتمال بنائه من قبل مجتمع محلي. وكلّما ازداد الغموض لدي عمّا هي المدينة الصحّية، "المدينة الصحّية هي ما تريدونها أن تكون،" تزداد فرص أن يبدأ الناس بالعمل.

يحدّد المشاركون المتنوعون البرنامج. جلّ ما أقوله هو أنّه عليكم البدء في مكانٍ ما. عليكم المباشرة بالنظر إلى البرنامج من وجهة نظر بيئية ومنظّمة، وعليكم إشراك الناس، وعليكم البدء بالتفكير بقيم الإنصاف والمشاركة. بعد ذلك، يمكنكم البدء حيث تريدون.

يبدأ بعض المدن من البيئة والتلوّث والتدخين وحزام الأمان والمؤشر لنوعيّة الحياة. مدن أخرى لديها عمليّات حكومية، وأخرى لديها صحف، ومنظمات كبرى وإسكان. مدينة برشلونة ربطت البرنامج بالألعاب الأولمبية. غلاسْكو ربطته بتطوير نفسها كعاصمة ثقافيّة لأوروبا. يمكن القيام بذلك بشتّى الطرق.

5.تطوير استراتيجيّة على صعيد المجتمع المحلي، مشركين معكم منظمات ومستويات وقطاعات قدر الإمكان:

هنا يختلف نموذج "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" عن عدد كبير من النماذج المنطقية وعن طرائق أخرى واضحة بشأن كيفيّة المضي بالتخطيط لمبادرة ما وتنفيذها. بدلاً من تقديم عمليّة خطوة بخطوة، قد تستخدم "المدن الصحيّة" أي مسار تشاركي تخطيطي يتضمن نهجاً على صعيد المجتمع المحلي وينظر إلى كافّة المجالات التي قد تؤثّر على المسألة المُختارة. من هنا، يمكنكم استخدام نموذج "الرؤية والرسالة والأهداف والاستراتيجيّة والتحرّك" أو نموذج "اسبق / تابع" أو أي نموذج آخر ذي صلة، أو حتى مسار أقل تنظيماً. الأساس أن يكون مناسباً وأن ينجح في مجتمعكم المحلّي.

من جهة أخرى، من المهم أن تُنتج خطتكم مقاربةً على صعيد المجتمع المحلي ومتعدّدة الأطراف. إذا كان تركيزكم على العنف الشبابي، مثلاً، فيجب أن تشمل الخطّة نوعاً من التحرّك و/أو دورا داعما من قبل الحكومة (أو البلديّة)، والأهل ومناصري الأهالي، والمدارس، والشرطة، والنظام القضائي، والجمعيات الخيرية، والوكالات التي تتعاطى مع الشباب والعائلات، وخدمات الصحة الجسديّة والنفسيّة، والتخطيط للأسرة، والإعلام، وتعليم الكبار (المتسرّبين)، والشباب العنيفين سابقاً أو المحتمل أن يكونوا كذلك وضحاياهم. يجب أن تعمل كافّة هذه المجموعات والأفراد معاً كفريق، بشكلٍ يحيل كلّ منها الشباب إلى الخدمات أو الوكالات المناسبة الأخرى القائمة في ما بينها، وتتعاون جمعيها وتنسّق في عمليّاتها. التركيز يجب أن يكون تغيير النُظم التي تجعل المشكلة ممكنة، أو تغيير العوائق القائمة أمام المثال الذي يعمل المجتمع المحلي باتّجاهه.

6.تطبيق الخطّة:

مرّة أخرى، يجب أن يشمل ذلك جهوداً على مستوى المجتمع المحلي، كما يجب أن يشمل أيُّ إشراف على التطبيق مروحةً واسعة من الأفراد والمجموعات التي تمثّل كافّة قطاعات المجتمع المحلي.

7.رصد التدخّل أو المبادرة وتعديله/ها:

عندما تطبّقون الخطّة، يبقى تقييمُ فعاليّة المسار (هل أنتم تقومون بما خطّطتم له؟) والنتائج (هل وصلتم إلى نقاطكم المرجعيّة؟ هل حقّقتم التأثير المخطّط له على المسألة؟) أمراً أساسياً. في حال أعطاكم التقييم أجوبة غير مُرضية عن أي من هذه الأسئلة، يمكنكم العودة إلى المسألة، وتحديد الأسباب التي تمنع خطتكم من النجاح، وتغييرها وفقاً للنتائج.

8.تأسيس أنظمة جديدة ستصون وتبني على المكاسب التي حققتموها:

بعد أن خفّضتم نسبة العنف الشبابي، مثلاً، يبقى عليكم القيام بما هو ضروري للتأكّد من عدم بروزه مجدّداً، ومن استمرار انخفاضه. (ما هي الغاية النهائية هنا؟ هل هنالك مستوى مقبول من العنف الشبابي؟) قد يعني ذلك تأسيس منظمات أو برامج جديدة، والعمل على تغيير أو ترسيخ التغيرات في المواقف والإجراءات المجتمعية، وإعادة تصميم مناهج المدارس، والعمل باستمرار مع الإعلام، أي كافّة ما يلزم لاستدامة التقدّم.

9.الاحتفال بالنقاط المرجعية والنجاحات:

إن الاحتفال العام بالإنجازات لا ينشّط الذين يعملون باتّجاهها فحسب، بل يُعْلم المجتمع المحلي أنّ الدافع باتّجاه مجتمع محلي صحّي هو السير إلى الأمام بنجاح، كما يساعد على تأسيس فكرة المجتمع المحلي الصحّي في الرأي العام، وعلى بناء أساس لاستمرار المبادرة.

10.التطرّق إلى المسألة/المسائل التالية:

الغاية هنا هي تطوير مجتمع محلي صحّي حقيقةً، ما يُترجم بتحسين حياة كل فرد في المجتمع المحلي. بعد نجاحكم الأوّل، حان وقت استخدام زخمكم لطرح مسألة أخرى (أو أكثر من واحدة). وقد تكون المسألة إزالة عائقٍ ما أمام المجتمع المحلّي الصحّي، أو خلق عنصر ضروري للمجتمع المحلّي الصحّي. في كِلا الحالتين، هذا يعني إدامة التزام المواطنين بمسار مستمر وطويل الأمد، وينتهي بنتيجة تكون أنّ المجتمع المحلي يتحكّم به سكّانه، وحيث كافّة النُظم تعمل باتّجاه المصلحة العامّة.

باختصار

تعتمد صحّة المجتمع المحلي، كما صحّة الأفراد، على أكثر بكثير من مجرد الخلو من الأمراض أو التحرّر من الألم. الصحّة أو غيابها، بالنسبة للمجتمع المحلي، هي نتيجة عدد هائل من العوامل، غالباً ما تكون متشابكة وتمتد على المدارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمادّية والبيئية. في المبدأ، أي مسألة مجتمعية لها تأثير في الصحّة العامّة للمجتمع المحلي بأسره وتتأثر بها، ومن هنا يجب أن يجري مقاربتها في إطار مجتمعي. يؤمّن نموذج "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" إطارَ عمل فلسفيّاً لعملية تشاركية شاملة تهدف إلى رفع نوعيّة الحياة للجميع، وخلق مجتمع محلّي صحّي فعلياً.

الفرضيّتان الأساسيتان في مفهوم "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" هما النظرة الشمولية لمسائل الصحة والمجتمع المحلي (التي تغطّي مروحة واسعة من العوامل التي تساهم في المجتمع المحلي الصحي) وكذلك الالتزام بالتعزيز الفعلي للمجتمع المحلي الصحي، بدلاً من "علاج" المشكلات. يمكن للمجتمعات المحليّة أن ترعى عملية تمكين المواطنين والإنصاف من خلال طرح المحدّدات الاجتماعية وغيرها من مسائل الصحة والمجتمع المحلي (بما فيها لائحة شرعة أوتاوا التي تشمل السلام والسكن والتعليم والغذاء والدخل والنظام البيئي المستقر والموارد المستدامة والعدالة الاجتماعية والإنصاف)، ومن خلال خلق سياسات وبيئات مناسبة وتشجيع التحرّك الاجتماعي وتأمين المهارات الشخصية وإعادة توجيه الخدمات إلى مقاربة أكثر شموليّةً.

تشمل الأسباب التي تدعو إلى لتبنّي مقاربة "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" ما يلي:

  • منظورها المجتمعي، ما يؤدّي إلى مقاربة أكثر فعاليّة للمسائل.
  • ملكيّة المجتمع المحلي لأي جهود، والتي تَنتج عن مشاركة المجتمع المحلي في تطويرها وتطبيقها.
  • المروحة الواسعة من الأفكار المُكتسَبة من المسار التشاركي.
  • وصولها إلى معرفة الموطنين بالمجتمع المحلي، ما يساعد على تجنّب الهفوات التي يسبّبها عادة الجهل بتاريخ المجتمع المحلي والعلاقات داخله.
  • التأسيس لصلات وثيقة على صعيد المجتمع المحلي تعبر الخطوط الاقتصادية والاجتماعية والعرقية والخطوط الأخرى.
  • التخطيط التشاركي، ما يؤدّي إلى حلول تعكس حقيقة الحاجات المجتمعية.
  • تبنّي غايات قابلة للتحقيق، ما يؤدّي إلى النجاح.
  • تحديد المقدّرات، أو الأرصدة، والموارد المجتمعيّة واستخدامها، ما يؤمّن الاستفادة ممّا هو أصلاً موجود، ويعلّم المجتمع المحلّي ما يمكن أن يقوم به مستخدماً موارده القيّمة الخاصّة.
  • رعاية الالتزام المجتمعي بمسار بِناء مجتمع محلّي صحّي.
  • خلق صورة ذاتيّة صحّية للمجتمع المحلّي.

في حين يجب أن يشمل مسار "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" الجميع، عليه أن يشمل بعض المشاركين المهمّين كالمسؤولين المحلّيين والحكوميين، والمتأثّرين بالمسألة (المسائل)، والذين سينفّذون المبادرة ويطبّقونها، أو مَن ستتأثّر حياتهم بها، وكافّة المنظّمات المتوّقع منها أن تعمل معاً، وقادة الرأي.

هنالك عشرة مكوّنات ضرورية في كافّة مسارات "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية":

  1. خلق رؤية تفرض نفسها مبنيّة على قيم مشترَكة.
  2. اعتناق تعريف واسع للصحّة والرفاه.
  3. طرح الحياة النوعيّة للجميع.
  4. إدخال مشاركة متنوّعة للمواطنين وليكن دافع المبادرة هو المواطن.
  5. العضوية المتعدّدة القطاعات والملكيّة على صعيد المجتمع المحلّي بوسعه.
  6. إدراك المحدّدات الاجتماعية للصحّة والعلاقة المتداخلة بين الصحّة ومسائل أخرى (السكن والتعليم والسلام والإنصاف والعدالة الاجتماعيّة).
  7. طرح المسائل من خلال حل المشكلات التعاوني.
  8. التركيز على تغيير الأنظمة.
  9. بناء القدرات عبر استخدام المقدّرات، أو الأرصدة، والموارد المحلّية.
  10. قياس التقدّم ونتائجه، ووضع نقاط مرجعيّة.

ومع أنّه لا يوجد إجراءات خطوة بخطوة لتنفيذها في مبادرة "المدن الصحّية/المجتمعات المحليّة الصحّية" (إذ يعتمد كلٌ من مضمون المسار وهيكليته على حاجات المجتمع المحلّي، لاسيّما القرارات المجتمعية) تبقى هنالك طريقة منطقية لمقاربة المبادرة في معظم الأحيان، آخذة بعين الاعتبار المكوّنات العشرة المذكورة أعلاه:

  1. حشد مجموعة متنوّعة وشاملة.
  2. توليد رؤية.
  3. دراسة المقدّرات، أو الأرصدة، والموارد في المجتمع المحلي التي يمكن أن تساعدكم على تحقيق رؤيتكم، بالإضافة إلى دراسة المسائل التي تشكّل عائقاً أمام تحقيقها.
  4. اختيار المسألة الأولى للتركيز عليها.
  5. تطوير استراتيجيّة على صعيد المجتمع المحلي، مع إشراك منظمات ومستويات وقطاعات قدر الإمكان.
  6. تطبيق الخطّة.
  7. رصد التدخّل أو المبادرة وتعديله/ها.
  8. تأسيس نظم جديدة ستصون وتبني على المكاسب التي حققتموها.
  9. الاحتفال بالوصول إلى علامات التقدم المرجعية والنجاحات.
  10. التطرّق إلى المسألة التالية.

نشجّعكم على إعادة إنتاج هذه المادة، لكن نرجو أن تذكروا مرجعها، "عدة العمل المجتمعي" على موقع:

Http://ctb.ku.edu

Contributor 
فِيْل رابيْنوفيتز

مطبوعة  

Norris, Tyler.  “America’s Best Kept Secret: The Healthy Communities Movement.”  (Reprint by Healthy Communities Massachusetts from the National Civic Review, introduction, Spring, 1997.) Pan American Health Organization.  Healthy Municipalities and Communities: Mayors’ Guide for Promoting Quality of Life. Washington, DC, 2002

Public Health, Vol. 115, Nos. 2 and 3 (March/April & May/June, 2000): Focus on Healthy Communities., Vol. 115

Wilkinson, Richard and Michael Marmot, eds. "The Solid Facts: Social Determinants of Health." World Health Organization: Copenhagen, 1998.

على الإنترنت

تقدم المواقع التالية خلفيات المجتمعات المحلية التي تنتظم فيها برامج "مدن صحية/مجتمعات محلية صحية". يمكن البحث عن المزيد من خلال:

 “healthy cities” and/or “healthy communities”

Essential State Level Capacities for Support of Local Healthy Communities Efforts,” by Peter Lee, Tom Wolff, Joan Twiss, Robin Wilcox, Christine Lyman, and Cathy O’Connor.

Community Partners, Inc.

منظمة تشارك بعمق في حركة المجتمعات المحلية الصحية.

The Healthy Cities initiative of Illawarra, Australia.

The International Healthy Cities Foundation.

Healthy People in Healthy Communities,”

دليل من وزارة الصحة الأميركية.

The Peak to Peak Healthy Communities Project, Gilpin County, Colorado.

روابط إلى مقالات عديدة عن الموضوع بما في ذلك مقابلات مع  لِن دول و إلونا كيكبوش في مجلة:

Healthcare Forum Journal.

The Healthy Communities Program in Aiken, South Carolina.

برنامج يركز على وفيات الرضّع. لا يقتصر نجاحه على خفض الوفيات بل يقدم خدمات أخرى لازمة كثير منها لا يرتبط بالصحة مباشرة

Bethel New Life

برنامج قاعدي في أحد أحياء شيكاغو. مبادرة من تحت إلى فوق. معظم العاملين من سكان الحي.

Mesa County, CO:  A case study of community transformation.

مبادرة قاعدية نشأ عنها مبادرة لقياس الصحة المجتمعية

Greater Orlando Healthy Communities Initiative.

جهد من فوق إلى تحت من قبل العمدة وشخصيات مرموقة. أشركوا الناس من خلال مستشار.

Healthy Cities information from WHO Denmark

"عراب" حركة "مدن صحية/مجتمعات محلية صحية".

WHO information on Healthy Cities

The Ottawa Charter.