استمارة البحث

القسم 2: مقاربات تشاركية في التخطيط لتدخّلات مجتمعية

  • ما هي المقاربة التشاركية في التخطيط؟
  • ما هي حسنات المقاربة التشاركية في التخطيط؟
  • ما هي سيّئات المقاربة التشاركية في التخطيط؟
  • ما هي مستويات التخطيط التشاركي؟
  • متى يكون التخطيط التشاركي مناسباً، ومتى لا يكون مناسباً؟
  • مَن يجب أن يشترك في عملية التخطيط التشاركي؟
  • ما الذي يجب أن نقوم به لتأسيس عملية تخطيط تشاركي وتفعيلها؟

كل من عمل في مجال الخدمات الصحّية أو الإنسانية يعرف على الأقلّ قصّة مأسوية واحدة عن تدخّلٍ إمّا فَشِل وإمّا لم ينجح مطلقاً. وكثيراً ما يتّضح لنا عندما نسمع القصّة، أنّ المهنيّين ذوي النوايا الحسنة الذين كانوا مسؤولين عن الأمر قد أساؤوا بالكامل فهم بعض الحقائق الأساسية حول المجتمع المحلّي أو الفئة المُستهدَفة أو تجاهلوها. وبما أنّهم افترضوا أنّهم يعرفون ما هو مطلوب فقد قاموا وحدهم بالتخطيط لكلّ شيء... فكان فشلهم ذريعاً.

ولكن، مقابل كلّ قصّة مأسوية، ثمّة قصّة أخرى عن تدخّل نجح بكلّ جوانبه. وفي الكثير من هذه الحالات، ستجدون أنّ الفئة المُستهدَفة – وأيضاً المجتمع المحلّي بكامله غالباً – كانت مشارِكة في التخطيط للتدخّل منذ البداية.

إذاً، عندما تقرّر منظّمةٌ ما القيام بتدخّل مجتمعي – سواء برنامج خدمات متكامل أو حملة واحدة تهدف إلى إنجاز غايةٍ محدّدة – تستطيع في غالبية الأحيان أن تزيد حظوظ نجاحها من خلال استخدام عملية تخطيط تشاركي. في هذا القسم، سنكتشف ما هي عملية التخطيط التشاركي، ولماذا هي قيّمة، وما هي حسناتها وسيّئاتها المُحتَملة، وكيف ينبغي استخدامها للتخطيط لتدخّل فعّال – أي تدخّل ينجح بكلّ جوانبه.

ما هي المقاربة التشاركية في التخطيط؟

في أبسط تعريف، المقاربة التشاركية (أو النهج التشاركي عند البعض) هي مقاربة يُؤخَذ فيها برأي كلّ شخص معنيّ بالتدخّل، سواء شخصياً أو بالتمثيل. وينبغي أن يُدعى إلى التخطيط كلٌّ من موظّفي المنظّمة التي ستُدير التدخّل، وأعضاء من الفئة المُستهدَفة، والمسؤولين في المجتمع المحلّي، والمواطنين المهتمّين، وأفرادٍ من الوكالات والمدارس والمؤسّسات الأخرى المعنيّة. ويجب أن تحظى مشاركة كلّ شخص بالترحاب والاحترام، كما أنّه ينبغي ألا يهيمن على العملية أيّ فرد أو مجموعة أو وجهة نظر واحدة.

هذه هي الحال المثالية. ولكنّ الواقع كثيراً ما قد يكون مختلفاً تماماً. فبعض الأشخاص قد لا يرغبون في المشاركة – ربّما يرون أنّ هذا الأمر سيستغرق الكثير من الوقت، أو أنّهم يفتقرون إلى المهارات المطلوبة. كذلك، قد يشعر أفراد معيّنون أو مجموعات معيّنة بالإهمال وقلّة الاحترام إذا لم يُدعوا إلى المشاركة. وربّما تتحوّل عملية التخطيط إلى تكرار روتيني لأفكارٍ سبق أن طُرحت. وقد يُعطى انتباه أكبر لآراء بعض الأشخاص دون سواهم. في بعض هذه الحالات، قد تؤدّي العملية التشاركية إلى التسبّب بمشكلات تماماً كالمقاربة التي لا تعتمد إطلاقاً على إشراك أيّ شخص.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الأمر المهمّ الذي يجب تذكّره هنا هو كلمة تشاركي. فاستخدام هذا المصطلح لا يعني فقط أن تطلبوا رأي أحد الأشخاص قبل أن تقوموا بما ستقومون به في جميع الأحوال، بل أن يصبح كلّ مشارك مساهماً مهمّاً في عملية التخطيط.

فالمقاربة التشاركية الحقيقية إذاً هي تلك التي تأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر الجميع. وهذا لا يعني أنّه ليس باستطاعة الناس أن يتحدّوا افتراضات بعضهم البعض، أو أن يبدوا رأيهم في الاستراتيجية الفضلى. ولكنّ المقاربة التشاركية تعني احترام أفكار الجميع، وعدم الافتراض، بالضرورة، أنّ المهنيّين أو المطّلعين يعرفون تلقائياً ما هو أفضل. ينبغي أن يحصل الجميع على فرصة المشاركة في عملية التخطيط، وأن يلعبوا دوراً ما في اتّخاذ القرارات.

هذه نقطة مهمّة للغاية. فالكثير من الأفراد والمجموعات ذوي الدخل المحدود أو المنتمين إلى الأقلّيات يشعرون بأنّه لا يُؤخَذ برأيهم في المجتمع، وبأنّه لا يجري الاستماع إليهم حتّى عندما يُسألون عن آرائهم. فالمشاركة الحقيقية إذاً تعني الأخذ بآراء الجميع وضرورة الاعتراف بها.

والاعتراف يقتضي أيضاً احترام رأي الآخر وبالتالي مجادلته. فكثيراً ما يتمّ التعامل بقبول مفرط مع الأعضاء ذوي الدخل المحدود أو المنتمين إلى الأقلّيات في فريق تخطيط أو مجلس إدارة ، كأنّ أيّ شيء يقولونه هو صحيح وعميق من دون شكّ. ولكنّ العملية التشاركية الحقيقية لا تكمن فقط في الاستماع إلى الجميع، بل في قيام الجميع بمناقشة الأفكار والغايات، والبحث في المفاهيم الجديدة.

ولكي يحصل ذلك، كثيراً ما يحتاج الأشخاص ذوو المستويات العلمية و"المراكز" المتدنّية إلى المزيد من الدعم، ليتعلّموا العملية وليقتنعوا بأنّ آراءهم وأفكارهم مهمّة وتستحقّ التعبير عنها. وصحيح أنّ هذا كلّه يستغرق وقتاً طويلاً، إلّا أنّ فوائده عظيمة.

ما هي حسنات المقاربة التشاركية في التخطيط؟

المشاركة تقترن بمشاعر الانتماء وتبني قاعدة متينة للتدخلّ في المجتمع المحلّي:

إذا كان الأشخاص يشكّلون جزءاً لا يتجزّأ من التخطيط لتدخّل مجتمعي فسيكون هذا التدخّل تدخّلهم. ويصبحون معنيّين به ليس فقط كمستفيدين أو موظّفين أو راعين، بل كمؤسّسين. وبالتالي، سيبذلون قصارى جهدهم ليروا نجاح عملهم.

إنّها تضمن أن يتمتُّع التدخّل بمصداقية أكبر في جميع شرائح المجتمع المحلّي:

المجموعة التي خطّطت للتدخل تمثّل جميع شرائح المجتمع المحلّي. وإذا عرف الناس أنّ أشخاصاً آخرين يشاركونهم وجهة النظر أو الخبرات نفسها، قد كانت لهم مساهمة فعّالة في حصول التدخّل، فسيفترضون أنّ مصالحهم قد حظيت بالاهتمام.

إنّ جلب مجموعة أوسع من الأشخاص إلى عملية التخطيط يتيح الوصول إلى مجموعة أوسع من وجهات النظر والأفكار.

المقاربة التشاركية في التخطيط تتفادى العثرات الناجمة عن جهل واقع المجتمع المحلّي أو الفئة المُستهدَفة:

على سبيل المثال، إذا كان أشخاص مسلمون مشاركين في عملية التخطيط لتدخّل في مجتمع محلّي يضمّ الكثيرين من أتباع الإسلام، فسيعرفون أنّ اجتماعات الغداء في شهر رمضان، وهو شهر الصوم لدى المسلمين، ليس من المرجّح أن تنجح. والأعضاء القدامى في المجتمع المحلّي سيعرفون ما فشل في السابق ولماذا فشل، وبالتالي يستطيعون منع المجموعة من تكرار أخطاء الماضي.

مثالٌ من مجال الأعمال الربحية:

يملك لاعب كرة السلّة الشهير ماجيك جونْسون سلسلة من صالات السينما في أحياء يسكنها أميركيون أفارقة. ولدى التحدّث مع مدراء الصالات، اكتشف أنّ المشروبات – أي المشروبات العادية كالمشروبات الغازية بنكهة الكولا والحامض، والبيرة – لا تُباع في مقاهي الصالات. فأمَر جونسون فوراً بإضافة مشروبات أكثر حلاوةً – مثل المشروبات الغازية بنكهة الليمون وعصير الليمون المُحلّى – فارتفعت المبيعات. لقد عرف من تجربته الخاصة أنّ المشروبات الأكثر حلاوةً تذكّر الزبائن بمشروب ـKool-Aid الذي كانوا يشربونه وهم أطفال.

إنّها تُشرِك لاعبين مهمّين منذ البداية:

إذا احتاج التدخّل إلى دعم فرد محدّد، أو هيئة أو مجموعة معيّنة، وشاركوا في التخطيط منذ البداية، فهذا يضمن تعاونهم.

 قد توفّر فرصة للاستماع إلى آراء المجموعات المحرومة غالباً:

يمكن أن يتعلّم أفراد المجتمع المحلّي أنّ لديهم أموراً مهمّة ليقولوها.

إنّها تعلّم مهارات تستمرّ لما بعد عملية التخطيط:

المهارات قد تساعد على تحسين المجتمع المحلّي على المدى البعيد. فالناس يتعلّمون كيف يديرون الاجتماعات، ويحلّلون البيانات، ويبنون الخطط الاستراتيجية – باختصار، يتعلّمون كيف يصبحون مرجعيات وقادة في مجتمعهم المحلّي.

قد تجمع وتقيم روابط بين أعضاءٍ من المجتمع المحلّي قد لا يكون بينهم أيّ اتّصال عادةً:

هذه العلاقات – بين الأشخاص ذوي الدخل المحدود وكبار رجال الأعمال مثلاً – لا تدعم التدخّل فحسب، بل قد تساعد على بناء علاقات طويلة الأمد وكسر الحواجز في المجتمع المحلّي.

عملية التخطيط التشاركي تبني الثقة:

ستتولّد ثقة بين منظّمتكم والمجتمع المحلّي من جهة، وبين الأفراد المعنيّين من جهة أخرى. وقد تخدم هذه الثقة كأساس لتطوير المجتمع المحلّي وللعمل المجتمعي في المستقبل.

عملية التخطيط التشاركي تعكس بشكل عام رسالة القواعد الشعبية والمنظّمات المجتمعية وغاياتها:

من خلال مبادئ التعاون والدمج والتمكين يعمل التخطيط التشاركي على أن تجسّد المقاربة التشاركية المُثُلَ العليا التي تشكّل أُساس معظم القواعد الشعبية والمنظّمات المجتمعية.

تفترض الاحترام للجميع في المجتمع المحلّي:

تضع المقاربة التشاركية معياراً للمشاركة المجتمعية والتمكين قد تُشعر المنظّمات الأخرى – والمجتمعات المحلّية ككلّ – بأنّها مرغمة على اتّباعه.

 منطقياً، يُفترَض بالمقاربة التشاركية في التخطيط أن تكون فعّالة:

حيث أنّها تشمل آراء جميع المتأثّرين بالتدخّل ووجهات نظرهم فمن المفترض أن تعمل لضمان تحديد نقاط القوّة والاحتياجات كافة ومخاطبتها، والتقليل من التبعات غير المقصودة.

ختاماً، إنّها تسمح بالقيام بالأمور كما يجب:

إنها تحترم ذكاء الجميع، وتقدّر أفكارهم وخبراتهم، وتمنحهم قدراً من السيطرة. وتستطيع منظّمتكم تجسيد مُثُلها العليا من خلال تمكين المجتمع المحلّي، والفئة المُستهدَفة بشكل خاص، بدلاً من أن تفرض أفكارها الخاصة فقط على بنية اجتماعية موجودة مسبقاً. في التحليل النهائي، فإنّ اعتماد مستوى معيّن من المقاربة التشاركية هو الطريقة الأكثر أخلاقيةً للتخطيط لتدخّل مجتمعي في جميع الحالات تقريباً.

ما هي سيّئات المقاربة التشاركية في التخطيط؟

إلى جانب الحسنات، تتّصف المقاربة التشاركية في التخطيط ببعض السيّئات الخطيرة أيضاً. ومن الضروري أن نفهم هذه السيّئات ونستبقها، وأن نقرّر متى وكيف يمكن أن تنجح المقاربة التشاركية في التخطيط في حالتنا نحن.

العملية التشاركية تستغرق وقتاً أطول:

إنّ المجموعة المتنوّعة تتطلب دائماً وقتاً أطول لاتّخاذ القرارات والتوصّل إلى الخلاصات، مقارنةً بما  يتطلبه الفرد أو المجموعة الصغيرة. وقد يطول الوقت كثيراً بحيث تفوت فرصةٌ ما، أو يُهدَر الوقت القيّم الذي كان يمكن تمضيته في مخاطبة المشكلة.

قد لا يتّفق أعضاء الفئة المُستهدَفة أو المجتمع المحلّي مع "الخبراء" حول ما هو مطلوب:

قد يشير ذلك إلى ثغرات خطيرة في خطّة مُقتَرحة، وقد يكون من الصعب الإقرار بهذه الثغرات ومخاطبتها. وقد يعني عدم الاتّفاق أيضاً أنّ الفئة المُستهدَفة أو أعضاء المجتمع المحلّي - بكلّ بساطة - ليسوا مطّلعين على المعارف أو الخبرات بحيث يفهموا لماذا يشكّل التدخّل فكرةً جيّدة في الواقع.

قد نكتشف حاجة إلى الكثير من الاطّلاع لدى أعضاء المجتمع المحلّي ولدى المنظّمة.:

قد يفتقر أعضاء الفئة المُستهدَفة والمجتمع المحلّي إلى المعارف أو الخبرات التقنية المهمّة، وقد يتوجّب عليهم فهم بعض النظريات أو الممارسات السابقة لكي يروا ما تحاول المنظّمة القيام به. وقد يحتاج بعضهم إلى مهارات جديدة ليشاركوا بشكل كامل في عملية التخطيط. من جهة أخرى، قد تحتاج المنظّمة إلى تعلُّم المزيد عن الثقافة المحلّية، والمسائل السياسية، وتاريخ المجتمع المحلّي حتى تُكيِّف التدخّل وفقاً لما يناسب المجتمع المحلّي، ولتتجنّب أخطاء الماضي. ويستغرق اطّلاع كلّ منهما أو كلاهما وقتاً طويلاً... وقد لا يكون الوقت متوافراً.

قد يتسبّب شخص عنيد واحد بتعطيل العملية بأسرها، إذا لم يتمّ التعامل معه كما يجب:

إذا كان لدى أحد الأشخاص هدف شخصي، أو إذا كان مقتنعاً بأنّه وحده يعرف ما هو مناسب بالنسبة إلى المجتمع المحلّي فقد يجعل العملية التشاركية صعبة جداً. وقد تتطلّب معالجة هذا الوضع براعةً وصرامة.

إنّ مجموعة من الأهالي المهتمّين بوضع برنامج تثقيفي اختياري عن التربية الجنسية في المدرسة الثانوية المحلّية، واجهت اعتراضاً من رجل كان مقتنعاً بفعل معتقداته الدينية بأنّ هذه الفكرة هي من صنع الشيطان. فدعاه الأهالي لينضمّ إليهم آملين أن يساعد انخراطه على تهدئة بعض اعتراضاته والتوصّل إلى برنامج تسوية يستطيع الجميع تقبّله.

أما في الواقع فقد كان هذا الرجل مصمّماً بشدّة على تقويض العملية، ولم يكن مستعدّاً اطلاقاً لاحترام قواعد اللباقة أو الإنصاف، بحيث تمكّن من جعل عمل المجموعة مستحيلاً. وفي النهاية، تفكّكت المجموعة، والمنهاج الذي طُبِّق أخيراً – من دون عملية تخطيط تشاركي – كان مخفَّفاً جداً بحيث أصبح من دون فائدة.

قد يكون من الصعب ضمان مشاركة جميع الأشخاص المناسبين:

بكلّ بساطة، قد لا يرغب بعض الأشخاص الأساسيين في المشاركة. وقد تصبح مهمّة تأسيس عملية تخطيط تشاركي أكثر تعقيداً بسبب الانشقاقات في المجتمع المحلّي، وفشل محاولات التواصل أو التعامل مع المشكلات في السابق، وعدم معرفة المجموعات أو الأفراد المهمّين، أو قلّة الثقة - بكلّ بساطة. ولكنّ تجاوز هذا الحاجز قد يترك تبعات إيجابية عميقة في المجتمع المحلّي على المدى البعيد.

عملية التخطيط التشاركي تتطلّب الصبر والالتزام من قبل الجميع:

على الأشخاص أن يحافظوا على التزامهم مع مرور الوقت، وألا يبتعدوا عن اللباقة لدى مناقشة مسائل قد يكون لديهم مواقف قويّة تجاهها، وأن يكونوا مستعدّين للتسوية. فقد يؤدّي بعض الكلمات غير المناسبة، أو فقدان الاهتمام من قبل شخص واحد أو عدد قليل من الأشخاص الأساسيين، إلى عرقلة العملية بأسرها.

صحيح أنّ هذه السيّئات تشكّل تحدّيات مُحتمَلة أو حقيقية تهدّد نجاح عملية التخطيط التشاركي، إلا أنّ تجاوزها قد يزيد إلى حدّ كبير إمكانيةَ تصميم تدخّل مجتمعي فعّال وتنفيذه.

مستويات التخطيط التشاركي

ثمّة عدد من الطرق لمقاربة التخطيط التشاركي. فكما تبيّن في مناقشة الحسنات والسيّئات أعلاه فإنّ هذا النوع من العمليات يطرح دائماً، وحتّى في أفضل الحالات، مقايضةً بين الكفاءة والدمج. فضيق الوقت، واحتياجات المجتمع المحلّي، ومهارات المشاركين وخبراتهم، وطبيعة التدخّل، جميع هذه العوامل وغيرها تساعد على إملاء الشكل الفعلي لعملية التخطيط.

إذن، ما هي الاحتمالات؟ بمعنى آخر، إلى أيّ مدى تريدون أن تكونوا تشاركيين؟

في دليله الممتاز إلى "المشاركة الفعّالة" (Guide to Effective Participation المتوافر على الموقع الالكتروني التاليhttp://www.partnerships.org.uk/guide/index.html ) يقترح مؤلفه دايْفيد ويلْكوكْس ما يلي كنموذج لمختلف مستويات المشاركة الممكنة:

الإعلام:

أقلّ ما يمكنكم القيام به هو إعلام الناس بما يتمّ التخطيط له.

الاستشارة:

تقدّمون عدداً من الخيارات وتستمعون إلى المردود الذي تتلقّونه.

اتّخاذ القرارات معاً:

تشجّعون الآخرين على تقديم بعض الأفكار والخيارات الإضافية، وعلى المشاركة في اتّخاذ قرار بشأن أفضل الطرق للمضي قدماً.

العمل معاً:

إنّ مختلف الأشخاص المهتمّين لا يقرّرون معاً ما هو أفضل فحسب، بل يشكّلون شراكة لتنفيذه.

دعم المبادرات المجتمعية المستقلّة:

تساعدون الآخرين على القيام بما يريدونه – ربّما ضمن إطارٍ من المنحٍ، والنصائح، والدعم، يوفّرها صاحب الموارد.

قد يكون كلّ من هذه المستويات فعّالاً في ظروف مختلفة، أو مع مجموعات مختلفة. ولكن، ابتداءً من مرحلة "اتّخاذ القرارات معاً" وما بعدها، يكون عليهم فعلاً أن يصبحوا تشاركيين بالكامل، بحسب المعنى المقصود باستخدام المصطلح في هذا القسم.

متى يكون التخطيط التشاركي مناسباً، ومتى لا يكون مناسباً؟

فضلاً عن أيّ أمر يمكن أن يكون مناسباً لمنظّمتكم وظروفكم فإن هناك بعض المبادئ التوجيهية التي تبيّن متى قد يكون مناسباً استخدام كلّ مستوى من مستويات التخطيط.

الإعلام فحسب قد يكون مناسباً عندما:

  • تكون طريقة العمل قد قُرِّرت مسبقاً – من قبل مموّل مثلاً.

  • تكونون بصدد الإبلاغ فقط عن أمرٍ قد بدأ مسبقاً.

  • تقومون بإعلام الناس حتى تكون لديهم المعلومات الضرورية لكي يشاركوا في جهد تشاركي لاحقاً.

الاستشارة فحسب قد تكون مناسبة عندما:

  • تريدون تقييم الخدمات الحالية أو تحسينها.

  • توجد خيارات محدودة وأنتم تحاولون الاختيار من بينها.

  • توجد أسباب تقنية – وهنا أيضاً بسبب مموّل ربّما – تفسّر لماذا لا يمكن أن يشترك رسمياً في عملية التخطيط سوى أشخاص محدّدين أو مجموعات معيّنة.

مهما كان السبب، فعندما تستشيرون أشخاصاً في المجتمع المحلّي يكون عليكم أن تنتبهوا إلى ما يقولونه لكم. فإذا كنتم ستتجاهلون أفكارهم وتوصياتهم، بكلّ بساطة، فالأجدر بكم ألا تستشيروهم في الأساس. فإذا طُلِب رأي الشخص ثمّ تمّ تجاهله فإن ذلك يُشعِره بالإهانة والغضب أكثر بكثير ممّا قد يشعر به لو كان لم يُسأَل مطلقاً. على الأقلّ، يستحقّ الناس شرحاً لسبب عدم اتّباع نصيحتهم.

اتّخاذ القرارات معاً قد يكون مناسباً عندما:

  • يكون من المهمّ أن يشعر الجميع بالانتماء إلى الخطّة.

  • تريدون أفكاراً جديدة من أكبر عدد ممكن من المصادر.

  • تستطيعون جذب أشخاص سيؤثّر التدخّل عليهم مباشرةً.

  • يوجد التزام بتوفير الدعم من خلال العملية للّذين يحتاجون إليه.

  • يتوافر الوقت الكافي.

في الواقع، كما ذكرنا سابقاً، كثيراً ما تعاني عملية التخطيط من ضيق الوقت بسبب مُهَل تقديم المُقترَحات، وشدّة الحاجة (إذا كان المراهقون يموتون كلّ يوم قتلاً بالسلاح فإنه  يتوجّب على برنامج الوقاية من العنف أن يبدأ العمل سريعاً)، ومتطلّبات الشركاء الآخرين أو المموّلين، الخ. فالمهارة تكمن في إنشاء توازن بين المشاركة وقيود الوقت، وفي محاولة استخدام أعلى مستوى ممكن من المشاركة في ظلّ الظروف الموجودة.

العمل معاً قد يكون مناسباً عندما:

  • سيكون التدخّل أكثر فعاليةً ممّا لو أداره كيان واحد.

  • يفرض المموّل شرطاً يقتضي إشراف المجتمع المحلّي.

  • يوجد التزام بتطوير شراكة حقيقية.

  • يستفيد الجميع من العمل معاً.

  • تتمثّل إحدى غايات التدخّل في تولّي مهمّة القيادة في النهاية، أو تعلُّم مهارات القيادة من قبل الفئة المُستهدَفة و/أو آخرين في المجتمع المحلّي.

إنّ كلمة "شراكة" تعني علاقةً بين متساوين، حيث يُؤخَذ برأي الجميع ويجري تَشارَك السلطة والمسؤولية بالتساوي. ولكنّ تشكيل مثل هذه العلاقة قد لا يكون مهمّةً سريعة أو سهلة، حتّى في الظروف التي يرغب فيها الجميع بذلك فعلاً. فالأمر يستغرق وقتاً طويلاً، وهو يتطلّب الالتزام بالعملية وبالمنتوج النهائي (الشراكة)، والاستعداد للتعبير عن الخلافات والاختلافات الفلسفية ومعالجتها. إذا لم تكونوا مستعدّين لتكريس أنفسكم لتطوير شراكة حقيقية فقد لا يشكّل العمل معاً سوى غاية مستقبلية لمنظّمتكم ومجتمعها المحلّي.

دعم المبادرات المحلّية قد يكون مناسباً عندما:

  • يوجد التزام بتمكين المجتمع المحلّي.

  • تكون لدى المجتمع المحلّي الرغبة وبعض الأدوات على الأقلّ للبدء بتدخّل ناجح وإدارته.

  • يوجد التزام بتوفير التدريب والدعم حيث تدعو الحاجة.

  • لا تستطيع منظّمتكم سوى توفير الدعم، أو لا تستطيع أن تدير تدخّلاً ما إلا لمدّة قصيرة من الوقت.

فيما تحاولون تحديد مستوى المشاركة المناسب لحالتكم، خذوا ما يلي بعين الاعتبار: قد تتحوّل عملية التخطيط التشاركي إلى تمثيلية تهدف حصراً إلى إقناع المجتمع المحلّي بأنّ ما يجري هو عملية تشاركية.

روى مرشدٌ للبالغين حواراً أجراه مع حميه الذي يعمل في مصنع أحد أبرز صانعي السيارات في مدينة ديترويت. كانت الشركة قد أطلقت مشروع "إدارة الجودة الكلّية" وقسّمت عمّال المصنع إلى فِرَق. كان كلّ فريق يضمّ عمّالاً من كلّ مرحلة من مراحل عملية صناعة السيارات، وكان الفريق مسؤولاً عن بناء سيارة كاملة منذ البداية وحتّى النهاية. إضافةً إلى ذلك، كان يُفترَض بكلّ فريق أن يكون قادراً على تغيير إجراءاته لزيادة كفاءتها أو لتسهيلها، وبالتالي تحسين الإنتاج من خلال معارف أعضاء الفريق ومهاراتهم.

وبما أنّ المرشد كان يعلم أنّ حماه لطالما كان ناشطاً نقابياً واشتراكياً فقد قال له: "هذا رائع من دون شكّ. فلقد أصبح لدى العمّال بعض التحكّم بالإنتاج." ولكنّ حماه أسرع فصحّح له قائلاً: "لا، الأمر لا يختلف عمّا كان عليه في السابق. الفرق أنّهم الآن أصبحوا يدعوننا إلى الاجتماعات لنعبّر عن آرائنا، ثمّ يتجاهلوننا. فما من شيء تغيّر. إنّهم يكتفون بالشكليات فقط، لكي يُظهِروا للناس أنّهم يقومون بأمر مختلف."

وثمّة أيضاً بعض المبادئ التوجيهية العامة التي تبيّن متى لا تكون عملية التخطيط التشاركي مناسبةً على الإطلاق، بما في ذلك:

عندما لا يتوافر الوقت الكافي بكلّ بساطة: قد تتوجّب كتابة المنحة فوراً، مثلاً، أو قد تصل حالة ما – عنف الشباب ربّما – إلى وضع متأزّم يقتضي معالجتها فوراً. في مثل هذا الظرف قد يكون من الممكن القيام ببعض التخطيط التشاركي بعد الواقعة، إمّا لتعديل التدخّل قبل أن يبدأ أو للتخطيط لمرحلته المقبلة.

عندما تكون الانشقاقات حادّةً جداً في المجتمع المحلّي، بحيث يتعذّر اجتماع جميع الخصوم – أو حتّى أيّ منهم – على طاولة واحدة.

عندما يستحيل توفير الدعم المناسب للعملية – كالتيسير، والبنية.. الخ.

عندما تكون الفئة المُستهدَفة، بكلّ بساطة، غير مهتمّة بالمشاركة وتريد أن تهتمّ المنظّمة فقط بالموضوع: قد تتمثّل إحدى الغايات في إثارة اهتمامهم، ولكنّ ذلك قد يكون جزءاً من التدخّل، وليس جزءاً من عملية التخطيط.

عندما يعتمد التدخّل على معارف تقنية تفتقر إليها الفئة المُستهدَفة وأعضاء المجتمع المحلّي بكلّ بساطة.

عندما يكون إشراك جميع أصحاب المصلحة أو معظمهم غير ممكن من الناحية اللوجستية بكلّ بساطة، بسبب المسافة، أو الوقت، أو مسائل أخرى.

عندما لا تسمح شروط التمويل أو أنظمة المموّل بذلك.

في حال غياب الثقة بين منظّمتكم والمجتمع المحلّي: قد يعود ذلك إلى كون المنظّمة جديدة وغير خبيرة، أو بسبب ماضيها. في هذه الحالة الأخيرة، من المهمّ إعادة بناء الثقة، ولكن قد لا يكون ذلك ممكناً قبل أن يتمّ التخطيط للتدخّل.

مَن يجب أن يشترك في عملية التخطيط التشاركي؟

الإجابة المثالية هنا هي: جميع المتأثّرين بالتدخّل المُقترَح. ولكن نادراً ما يكون ذلك ممكناً، أو حتّى مرغوباً فيه. فربّما كنتم تتكلّمون عن آلاف الأشخاص، وهذا رقم كبير جداً يتعارض مع عملية التخطيط الفعّالة. في الواقع، ينبغي وجود تمثيل قوي وفعّال لجميع المعنيّين، ويشمل ذلك:

 "أهداف التغيير" المُشار إليهم في القسم 1 من هذا الفصل، أي الأشخاص الذين يتوجّه التدخّل إليهم أو الأشخاص المستفيدون منه: قد يكون ذلك محدّداً جداً (مثلاً: الأمّهات المراهقات، لبرنامج تدريب مهني يستهدف الآباء والأمهات من المراهقين) أو عامّاً جداً (المجتمع المحلّي ككلّ، لمبادرة تُعنى بالوقاية من التدخين والإقلاع عنه تستهدف الجميع في المجتمع المحلّي). وثمّة فعلاً مجموعتان يجب أخذهما بعين الاعتبار هنا:

  • أعضاء المجتمع المحلّي المُستهدَف، أي الذين يركّز عليهم التدخّل بشكل خاص، والآخرون الذين يشاركونهم ثقافتهم، أو سنّهم، أو لغتهم، أو خصائص أخرى.

  • الأشخاص الذين يعتبرهم المجتمع المحلّي المُستهدَف أصحاب رأي مهمّين: قد يكونون من أعضاء الفئة المُستهدَفة بحدّ ذاتها، أو أشخاصاً من خارج المجموعة يثق فيهم أعضاء المجتمع المحلّي المُستهدَف ويعتمدون عليهم – رجال الدين، المستشارون، الأعضاء السابقون في المجتمع المحلّي الذين يتواجدون حالياً في أوساط أصحاب النفوذ، السياسيون، الخ.

"عملاء التغيير" المُشار إليهم في القسم 1 من هذا الفصل، أي الأشخاص الذين يصنعون السياسات أو الرأي العام أو يؤثّرون عليهما: يشمل هؤلاء صانعي القرار الفعليين ولكنّهم يضمّون أيضاً أشخاصاً مؤثِّرين في المجتمع المحلّي ككلّ يستطيعون مساعدة تدخّل ما أو عرقلته من خلال دعمهم أو معارضتهم.

صانعو السياسات

  • المسؤولون المحلّيون المُنتخَبون أو المعيّنون

  • المسؤولون المُنتخَبون أو المعيّنون في الحكومة أو في المناطق والذين لهم تأثير على المجتمع المحلّي أو على المسألة التي يتناولها التدخّل.

إذا وافق المسؤولون المُنتخَبون على المشاركة في التخطيط  فهم كثيراً ما سيرسلون مساعدين لهم ليمثّلوهم. وقد يكون ذلك أفضل من حضور المسؤولين أنفسهم لأنّ المساعدين غالباً ما يتمتّعون بتأثير كبير على رؤسائهم، كما أنّ وقتهم يسمح لهم على الأرجح بالمشاركة بالكامل. انظروا الفصل 33، القسم 10: القواعد العامة لتنظيم مناداة تشريعية، والفصل 33، القسم 11: تطوير علاقات متواصلة مع المشرّعين ومساعديهم.

  • رؤساء الهيئات العامة المحلّية (الشؤون الاجتماعية مثلاً) الذين يديرون فعلياً السياسات في المجتمع المحلّي. في حال كانوا مشاركين منذ البداية فقد يتمكّنون من خرق القواعد أو تعديل إجراءاتهم لتيسير التدخّل.

  • الأساتذة أو الباحثون الجامعيون المحلّيون الذين يُعتبَرون خبراء في المسألة المطروحة.

الأشخاص المؤثّرون في المجتمع المحلّي

  • أعضاء قطاع الأعمال: ثمّة عدد من الأسباب الوجيهة التي تبرّر محاولة إشراك قطاع الأعمال. فهم يميلون إلى أن يكونوا عمليين، وهذه سمة مفيدة غالباً. كذلك، فهم يميلون إلى أن يكونوا محافظين: إذا دعموا الجهد فقد تكون مصداقيتهم – وبالتالي مصداقية التدخّل بحدّ ذاته- عالية عند عناصر محافظة أخرى في المجتمع المحلّي. إلى ذلك، فهم كثيراً ما يتأثّرون مباشرةً بمسائل مثل الأمّية، وصحّة الموظّف، والتأمين، والبيئة، الخ، لذلك، فقد يرون بسرعة الحاجة إلى التدخّل. أخيراً وليس آخراً، كثيراً ما يتوافر لديهم المال ما قد يكون ذلك أمراً مهمّاً لاستمرارية التدخّل مع الوقت.

  • رجال الدين وجماعة المؤمنين: في مجتمعات محلّية كثيرة يمارس رجال الدين تأثيراً كبيراً، وكثرٌ منهم يعتبر أنّ الانخراط في المسائل المجتمعية يشكّل جزءاً من رسالتهم الروحية. أمّا مجموعات المؤمنين فقد تمثّل قوى جبّارة في المجتمع المحلّي، بفضل تماسكها، وطابعها الهادف، وأخلاقيتها.

  • القادة بالفطرة، أي الذين يحترمهم الآخرون ويستمعون إليهم.

ضمّ ائتلاف مجتمعي عضواً مؤسّساً، وهو جندي أُصيب في الفييتنام حين كان طياراً مقاتلاً. عندما عاد إلى بيته راقبت المدينة بأسرها طوال شهور مريرة كيف تعلّم، بألمٍ واضح، أن يمشي وأن يعيش بشكل طبيعي، على الرغم من إصاباته المعطِّلة التي كان يمكن أن ترغمه على الجلوس على كرسي متحرّك مدى الحياة. لقد كان هذا الرجل عادياً من دون ثروة أو مركز ولكنّه كان يحظى بالمصداقية في هذه المدينة. (من الفصل 9، القسم 4: بناء مجلس إدارة متواصل).

  • وسائل الإعلام، أو جهات أخرى لها الوسائل لمخاطبة الجمهور.

  • مدراء المنظّمات الأخرى المتأثّرة بالمشكلة أو المسألة، أو موظّفوها. كثيرٌ من هؤلاء الأشخاص يحظى ربّما بالاحترام الشديد أو الشهرة في المجتمع المحلّي.

قد يضمّ التدخّل المجتمعي عدداً من المنظّمات والهيئات والخدمات العامة، ومجموعات أخرى. على سبيل المثال، فإن مبادرة مجتمعية تُعنى بتقديم العلاج لضحايا إساءة استعمال مواد الإدمان قد تضمّ الجهات التالية وجهات أخرى:

  • المدارس

  • الشرطة

  • المستشفيات، والعيادات، ومنظّمات الرعاية الصحّية المحلّية

  • الخدمات الشبابية

  • مراكز الصحّة النفسية

  • المعالجون الخصوصيون

  • أرباب العمل

  • منظّمات أخرى ذات صلة

الأعضاء المهتمّون في المجتمع المحلّي ككلّ. على سبيل المثال، في تدخّل يُعنى بالشباب، قد تضمّ هذه الفئة الأهالي، أو الشباب، أو موظّفي المدارس. وتجدر الإشارة إلى أنّ الكثير من المسنّين لديهم الوقت، والرغبة، والخبرة ليكونوا متطوّعين ممتازين في المجتمع المحلّي. كذلك، إنّ الأشخاص الذين لهم مصلحة شخصية أو مهنية في المسألة قد يرغبون أيضاً في المشاركة – الأهالي الذين عانى أولادهم مشكلات مع تعاطي المخدّرات، أو طلّاب الدراسات العليا، أو المعلّمون المتقاعدون، أو الأطبّاء.

أعضاء المنظّمة بحدّ ذاتها: المسؤولون والموظّفون الرئيسيون، والمتطوّعون، والمشاركون الحاليون، وأعضاء مجلس الإدارة، والداعمون.

ما الذي يجب أن نقوم به لتأسيس عملية تخطيط تشاركي وتفعيلها؟

تجنيد أصحاب المصلحة

إنّ الخطوة الأولى الواضحة لبدء عملية تخطيط تشاركي هي إيجاد الأشخاص المشاركين. ويعتمد جزء من هذه الخطوة بكلّ بساطة على التشبيك والعمل المجهد والمملّ على الطريقة القديمة. ولكن، ثمّة مسار منطقي يرافق ذلك أيضاً. (انظروا الفصل 7: التشجيع على الانخراط في العمل المجتمعي.)

 تحديد أصحاب المصلحة.

كيف نحدّد أصحاب المصلحة؟

إنّ قائمة المشاركين المُحتمَلين التي أوردناها سابقاً هي قائمة أوّلية قد تصلح كبداية. وقد لا يحتاج تدخّلكم إلى جميع أو حتّى إلى الكثير من هذه المجموعات أو هؤلاء الأشخاص. ولكي نحدّد مَن يجب أن يشارك فالسؤال الأفضل الذي ينبغي طرحه هو التالي: "من سيتأثّر مباشرةً بهذا التدخّل؟"

الإجابات هنا ستختلف كثيراً تبعاً لطبيعة التدخّل. فإذا كان سيُطلَب من المكلَّفين أن يسدّدوا مدفوعات متعلّقة بهذا التدخّل مباشرةً – من خلال ضريبة الأملاك مثلاً، لأنّهم سيسدّدونها للكثير من البرامج المدرسية – فينبغي إذن الأخذ برأي المسؤولين المحلّيين والمكلَّفين العاديين. وإذا كان سيُطلَب من الشرطة أو موظّفين مجتمعيين آخرين أن يتولّوا مسؤوليات إضافية أو أن يتعاونوا بطرق محدّدة لإنجاح التدخّل، فينبغي أن يشاركوا في التخطيط.

ينبغي أن يضمّ أصحابُ المصلحة على الأقلّ موظّفي المنظّمة، وأعضاء مجلس الإدارة، والفئة المُستهدَفة. وبشكل عام، من المنطقي أيضاً ضمّ أعضاء من المجتمع المحلّي، لا سيّما إذا:

  • احتاج التدخّل إلى دعم مجتمعي أو مشاركة مجتمعية لكي ينجح.

  • كان التدخّل سيؤثّر على المجتمع المحلّي ككلّ.

  • طُلِب من المجتمع المحلّي أن يغيّر، بطريقة ما،  مواقفه، سلوكه، افتراضاته، أنظمته الداخلية...

حتّى لو لم يكن المجتمع المحلّي من أصحاب المصلحة المحدّدين فقد يكون منطقياً إشراك أعضائه في عملية التخطيط. فكلّ تدخّل يحتاج إلى مستوى معيّن من الدعم المجتمعي لكي ينجح. والمشاركة المجتمعية في التخطيط ستساعد على ضمان هذا النجاح.

تعميم الموضوع: إذا كنتم تريدون أن تكون عمليتكم جامعة او دامجة قدر الإمكان، يتعيّن عليكم استخدام ما أمكنكم استخدامه من الوسائل لإعلام المجتمع المحلّي عن الموضوع – كالبيانات الصحافية، والمقالات الصحافية، والمنشورات، والملصقات، وإعلانات الخدمة العامة على الإذاعات والمحطّات، بالإضافة إلى العروض المجتمعية، والاتّصالات الشخصية (المقابلة الشخصية أو عبر الهاتف)، والمراسلات، الخ. وإذا كنتم تحاولون إعلام مجموعات محدّدة فقط في المجتمع المحلّي، يمكنكم أن تبدؤوا بأعضاء المجموعات التي تعرفونها مسبقاً. فهم سيساعدونكم على تعميم الموضوع على أصدقائهم ومعارفهم، وهؤلاء بدورهم سينشرون الموضوع أيضاً. كذلك، قد يساعدونكم على تقرير أين يجب أن تضعوا المعلومات الأخرى حيث يُرجَّح أن تصادفها المجموعات المُستهدَفة.

احرصوا على أن تكون رسالتكم بسيطة وواضحة، ومكتوبة باللغات التي يتكلّمها المجتمع المحلّي. وهذا يعني استخدام اللغة العربية العادية والمفهومة، واستخدام اللغات الأخرى التي يتكلّمها الناس في المجتمع المحلّي. قد يكون عليكم أن تكتبوا رسائلكم بالعربية والانكليزية، مثلاً، أو بعدد من اللغات لكي تصلوا إلى الجميع في المجتمع.

واحرصوا أيضاً على أن تظهر رسالتكم في أماكن يراها أو يسمعها الأشخاص الذين تُوجَّه إليهم. فالمتاجر، والمصابغ، والمقاهي، والإذاعات والمحطّات المتكلّمة بلغات الأقلّيات، والوكالات الخاصة، الخ، قد تكون أماكن جيّدة لنشر رسالتكم.

للاطّلاع على المزيد من الأفكار حول تعميم رسالتكم.انظروا الأقسام: "إعداد بيان صحافي"، و"تحضير إعلانات الخدمة العامة"، و"استخدام الدعاية المدفوعة"، و"صناعة الملصقات والمنشورات"، و"خلق لوائح البريد الإلكتروني"، و"استخدام البريد المباشر"، و"التعاطي مع الأزمات في التواصل" (الفصل 6، الأقسام 3، 7، 9، 11، 17، 18، 19(،

الدعوة إلى عملية التخطيط

اختيار شخص ليدعو إلى العملية: بغضّ النظر عمّا يحدث في ما بعد، يجب أن يقوم شخص ما بدعوة الأشخاص وإدارة الاجتماع الأوّل. في حال كان هذا الشخص منتمياً إلى مجموعة محدّدة فقد يُنظَر إلى هذه المجموعة ربّما على أنّها مسؤولة عن عملية التخطيط. وتبعاً للمجتمع المحلّي، فقد يكون من المهمّ التفكير مليّاً في مَن يجب أن يتولّى هذا المنصب.

أحياناً، يُفضَّل إيجاد شخص من خارج المجموعة – مسؤول مُنتخَب غالباً أو شخصية مُحترَمة أخرى -  لإدارة الاجتماع الأوّل. فمن شأن هذا النوع من الخيارات أن يمنح التدخّل المصداقية، وأن يحدّده على أنه جهد مجتمعي أكثر من كونه جهد منظّمة معيّنة.

وإذا قامت مجموعة أساسية متنوّعة بإطلاق العملية فقد يكون من المنطقي أن تتولّى هذه المجموعة الدعوة إلى الاجتماع الأوّل. في هذه الحالة، قد يكون رئيس المجموعة هو الداعي. وفي حالات أخرى – وخصوصاً عندما تحتاج المنظّمة إلى قدر كبير من الدعم المجتمعي لكي ينجح التدخّل – قد يكون من المنطقي تقديم التدخّل على أنّه مشروع منظّمتكم. وفي هذه الحالات، يكون رئيس مجلس الإدارة أو المدير هو الخيار المنطقي للدعوة إلى عملية التخطيط.

عقد اجتماع تمهيدي: قد يكون الاجتماع التمهيدي مفتوحاً لعدد كبير جداً من الأشخاص (المجتمع المحلّي بأسره، أو الفئة المُستهدَفة بكاملها مثلاً)، أو لمجموعة أصغر (ممثّل عن كلٍّ من الهيئات والمنظّمات المتعدّدة، وبعض الأعضاء المُختارين من المجموعة المُستهدَفة، الخ). ويُذكَر أنّ توقيت هذا الاجتماع، ومكانه، وطابعه، جميعها عوامل مهمّة لضمان استعداد الناس للمشاركة فيه وفي العملية التي تليه. في ما يلي بعض الأمور التي يمكنكم القيام بها للمساعدة على إنجاحه:

  • قبل الاجتماع، حاولوا دعوة أكبر عدد ممكن من الناس شخصياً. فالناس يتشجّعون أكثر على المجيء إذا كانوا يعرفون أنّ شخصاً ما يهتمّ لحضورهم.

  • خطّطوا لتواقيت الاجتماع بحسب ما يناسب الحاضرين، وليس بحسب ما يناسب المنظّمة. فعقد الاجتماع في فترات المساء، وعطلة نهاية الأسبوع – وحتّى عقد اجتماعين أو أكثر في أوقات مختلفة – قد يسمح بمشاركة عدد أكبر من الناس.

  • اعقدوا الاجتماع في مكان مناسب ومريح بالنسبة إلى جميع المشاركين. اختاروا مكاناً حيادياً يعتبره الجميع "آمناً" إذا كان المجتمع المحلّي منقسماً. وإذا لم تكن هذه المشكلة موجودة يمكنكم أن تختاروا مكاناً يسهل إيجاده والوصول إليه نسبياً بالنسبة إلى الجميع (بقرب خطّ نقل عام، أو توافر أماكن كثيرة لركن السيارات، أو على مسافة متساوية من الأحياء المجاورة، أو يقع في مكان وسطي في المناطق الريفية..الخ).

  • قدّموا بعض الأطعمة والمشروبات. فوجود الأطعمة يخفّف من الطابع الرسمي ويُشعِر الحضور براحة أكبر.

  • فكّروا مليّاً في مَن سيدير الاجتماع (انظروا أعلاه). هذا الخيار قد يحدّد عدد الأشخاص المستعدّين للمشاركة في العملية.

  • إذا كان المجتمع المحلّي متعدّد اللغات، احرصوا على وجود مترجمين، أو على تقديم كلّ شيء بلغات متعدّدة لكي يشعر الجميع بأنّهم معنيّون.

  • خطّطوا لنشاطات تتيح لكلّ مَن في الاجتماع فرصةَ التعبير عن رأيه، سواء في المجموعة الأوسع، أو في مجموعة أصغر. لقد طلبتم من الناس أن يشاركوا في عملية التخطيط: فعليهم إذن أن يروا منذ البداية أنّكم جدّيون في هذا الأمر وأنّه سيتمّ التعامل مع أفكارهم بجدّية.

  • في نهاية الاجتماع، ينبغي إعلان خطوة مقبلة واضحة، ويجب أن يعلم الجميع بها. أكثر ما يسبّب انحراف عملية التخطيط التشاركي عن مسارها الصحيح بسرعة هو بثّ الحماسة ثمّ تركها من دون توفير قناة تصب فيها.

(للاطّلاع على المزيد حول كيفية التخطيط لاجتماع وإدارته، انظروا الفصل 16، القسم 1: إجراء اجتماعات فعّالة).

ليس الاجتماع الموسّع دائماً أفضل طريقة للدعوة إلى العملية. ففي بعض المجتمعات المحلّية أو بعض المجموعات، قد يكون من الأفضل البدء بعدّة اجتماعات أصغر، أو باجتماعات مع شخص أو شخصين أو ثلاثة أشخاص. فالاجتماع الموسّع قد يسبّب الإحراج لأفراد محدّدين أو لمجموعات معيّنة: قد لا يحضرون، أو قد لا يجرؤون على التكلّم إذا حضروا. وكما هي الحال بالنسبة إلى كلّ عملية، من المهمّ أن نبدأ من حيث يشعر المشاركون بالراحة، وأن نعمل انطلاقاً من ذلك.

متابعة عملية التخطيط

بعد أن تبدأ عملية التخطيط، ينبغي أن تتمّ متابعتها. فيجب أن يبقى المشاركون مهتمّين، ويجب توفير الدعم عند الحاجة، وحلّ النزاعات، وابتكار الطرق للمحافظة على كفاءة العملية بطريقة مقبولة، وتحديد الغايات والمُهَل القصوى، الخ.

اختيار شخص لتوجيه عملية التخطيط:

يجب أن يتولّى شخصٌ ما مراقبة ما يجري والتأكّد من عدم تسبّب أيّ شيء بتعطيل التخطيط – عادةً، يتولّى المدير أو مسؤول آخر في المنظّمة إجراء التدخّل، ولكن قد يكون أيضاً رئيس مجلس الإدارة، أو ميسّراً خارجياً، أو عضواً في المجتمع المحلّي. في الواقع، فإنّ إيجاد الشخص المناسب لملء هذا المنصب هو أمر في غاية الأهمية. فعليه أن يكون قادراً على التواصل بشكل جيّد مع جميع المشاركين، وأن يرى الصورة العامة إضافةً إلى التفاصيل، وأن يتعامل بطريقة لبقة مع المشكلات بين الأفراد ومع المشكلات اللوجستية. (لذلك، يُعتيَر الميسّر الخارجي أحياناً استثماراً جيّداً).

هل تحتاجون إلى ميسّر خارجي؟

في الحالة التي تكون فيها الانقسامات عميقة، أو في حال افتقر جميع الأشخاص المتوافرين إلى المهارات المطلوبة لإبقاء عملية التخطيط في المسار الصحيح فقد تبرز الحاجة إلى ميسّر حيادي وخبير. في الواقع، يستطيع الميسّر الذي ليست له أيّ مصلحة شخصية في العملية أو المجتمع المحلّي أن يرى – وأن يهدّئ – الديناميات بين المجموعات المشاركة في العملية. وقد نحتاج إلى مهاراته للتعامل مع هذا الشخص ذي الطبع الصعب الذي أشرنا إليه سابقاً، أو لمساعدة المجموعات العرقية المختلفة على تجاوز ريبتهم المتبادلة. وقد يكون قادراً أيضاً على تحويل العملية التي تكون هشّة في العادة إلى عملية أكثر كفاءةً وفعالية.

وما إذا كان تخطيطكم يحتاج إلى ميسّر خارجي أم لا يحتاج إليه فهذا أمر يعتمد على طابع مجتمعكم المحلّي، وطابع العلاقات بين مختلف عناصره إلى حدّ كبير. وتجدر الإشارة إلى أنّ المبالغ التي يتقاضاها الميسّر ليست بقليلة بشكل عام، لذلك، عليكم أن تقرّروا ما إذا كنتم قادرين على التعاقد معه إذا احتجتم إليه. غير أنّه سيكون عليكم أيضاً أن تقرّروا إذا كنتم قادرين على عدم التعاقد معه، إذا أردتم التخطيط لتدخّل ناجح.

اتّخاذ القرار بشأن الجهة التي ستعطي الموافقة النهائية على الخطّة:

إذا قامت مجموعة صغيرة نسبياً بالتخطيط الفعلي، كما هي الحال في معظم الأحيان، فهناك ثمّة آلية تُعتمَد عادةً للحصول على موافقة جهة أوسع أو جهة حاكمة على الخطّة. وقد تتّخذ هذه الجهة أحد الأشكال التالية:

  • اجتماع أصحاب المصلحة

  • مجموعة متنوّعة اختيرت للإشراف على التدخّل

  • اجتماع للمجتمع المحلّي

  • مجلس إدارة المنظّمة

  • مجموعة صغيرة جداً – المدير ورئيس مجلس الإدارة مثلاً، أو حتّى أحدهما.

تحديد مدّة استمرار عملية التخطيط:

قد يتمحور التخطيط الذي تريدون القيام به حول مبادرة أو حملة واحدة، أو قد يشمل سنوات من التعاون حول العمل مع فئة واسعة ومتنوّعة. إذا وجب بقاء مجموعة التخطيط، إمّا للإشراف على الخطّة النهائية وإمّا للاستمرار في تطوير التدخّل وتغييره مع تغيّر الظروف واحتياجات المجتمع المحلّي، فقد تكون المقاربة التشاركية المتواصلة أكثر أهمية حتّى من أجل ضمان نجاح التدخّل. إن كيفية الحفاظ على العملية بعد أن تبدأ لا تقلّ أهميةً بالنسبة إلى نجاحها عن كيفية إطلاقها. تذكّروا أنّ عملية التخطيط بحدّ ذاتها لا تشكّل سوى البداية.

الخلاصة:

كثيراً ما تكون عملية التخطيط التشاركي – أي العملية التي يشترك فيها جميع أصحاب المصلحة – الطريقة الأكثر فعاليةً ودمجاً للتخطيط لتدخّل مجتمعي. فالعملية التشاركية توفّر ملكية المجتمع المحلّي للتدخّل ودعمه، والاطّلاع على تاريخ المجتمع المحلّي، والظروف السياسية، وأخطاء الماضي، كما أنّها تكفل احترام الجميع والأخذ برأيهم. كذلك، تتطلّب هذه العملية الوقت، والرعاية، والاحترام المتبادل، والالتزام.

ومن أجل إجراء هذه العملية بطريقة جيّدة، عليكم أن تفكّروا مليّاً في مستوى المشاركة الأنسب في ظلّ الظروف الموجودة. وعليكم أيضاً تحديد أصحاب المصلحة، والتأكّد من تمكّنهم جميعاً من المشاركة، واستخدام تقنيات التواصل المُصمَّمة للوصول إليهم.

إلى ذلك، من الضروري الانتباه عند بدء العمل. فالشخص الذي نختاره والطرق المختارة في المناداة قد تبعث رسائل عن نيّاتكم، وقد تترك أثراً بالغاً في تحديد المشاركين الذين تجذبونهم وعددهم.

ختاماً، ينبغي متابعة العملية مع الوقت، لتجنُّب فقدان الزخم. فإذا استطعتم إدارة عملية تخطيط تلبّي جميع هذه المتطلّبات فمن المرجّح أن تقدّموا تدخّلاً مجتمعياً ناجحاً يعمل بالفعل ويستجيب لاحتياجات المجتمع المحلّي.

Contributor 
Phil Rabinowitz

موارد

موارد على الانترنت

http://learningforsustainability.net/

يتضمّن روابط ومقالات عن المشاركة ومواضيع أخرى كثيرة مرتبطة بالنشاط والتطوير المجتمعي. يحتوي هذا الموقع أيضاً على مواد كثيرة مرتبطة بالمسائل البيئية، ولكنّه يقدّم أيضاً الكثير من المعلومات والمواد العامة التي تتطرّق إلى نواحٍ أخرى أيضاً. جرّبوا أداة البحث في أعلى الصفحة، المسمّاة "اختاروا ناحية اهتمام أخرى" (Select another area of interest). إنّه مورد رائع.

http://www.mekonginfo.org/

"Effective Involvement of Ethnic Minorities in Participatory Planning (Experiences from Yunnan, China) ". تحليل لمبادرة تخطيط تشاركية وبعض الصعوبات التي واجهتها.

http://www.plannersweb.com/trends/2particip.html

مقالات قصيرة عن المشاركة وحسناتها.