- ما الذي نعنيه بـ"التكييف"؟
- ما الذي نعنيه بـ"الثقافات والمجتمعات المحلّية المختلفة"؟
- لماذا ينبغي أن نكيّف التدخّلات؟
- متى ينبغي أن نكيّف التدخّلات؟
- سؤال مهمّ: هل ينبغي دائماً تكييف التدخّل؟
- كيف ينبغي أن نكيّف التدخّلات؟
- بعض الحالات الخاصة: "ماذا عليّ أن أفعل إذا...؟"
ما الذي نعنيه بـ"التكييف"؟
فلنفترض أنّنا أجرينا تدخّلاً مجتمعياً ناجحاً. في الحالة الطبيعية، قد نفكّر في الارتكاز على نجاحنا وإجراء التدخّل في مكان آخر أيضاً -- في سياق قد يكون مختلفاً من الناحية الثقافية، أو قد يضمّ فئة مختلفة تماماً من الناس.
فلنفترض مثلاً أنّنا نظّمنا حملات ناجحة لتنظيف الحديقة العامة أو لتسجيل الناخبين، أو برنامجاً لزيارة المسنّين في منازلهم. الحديقة العامة أصبحت نظيفة، والناخبون تسجّلوا، والزيارات أُجريَت. الآن، توجد إمكانية للقيام بالحملات نفسها في إطار آخر، ومع فئة مختلفة من الناس. فهل سيتكرّر نجاحنا؟
إنّ الأسئلة الرئيسية هنا هي التالية: (1) هل سينجح هذا التدخّل هناك؟، وبشكل خاص (2) كيف يمكن إنجاحه على أفضل نحو؟ أمّا أفضل الإجابات فهي: (1) "ربّما"، و(2) "من خلال التفكير والتخطيط بدقّة".
إذاً، الفكرة الأساسية هي أنّ التدخّلات ليست دائماً نموذجاً يناسب جميع الحالات. فقد يتوجّب تكييفها عندما يكون الإطار مختلفاً. لحسن الحظّ، توجد مبادئ للتكييف، وخطوط توجيهية لإنجاح أيّ عملية تكييف. وهذا هو المحور الأساسي لهذا القسم من عدّة العمل.
ما الذي نعنيه بـ"التقاليد الثقافية المختلفة"؟
"الثقافة" كلمةٌ واسعة تشمل الكثير من المعاني. وإذا أردنا تعريفها بإيجاز، نقول إنّ الثقافة تشير إلى مجموعة من السلوكيات والعادات والأدوار والمعايير التي تنطبق على مجموعة معيّنة. ويمكننا أيضاً استخدام مصطلح "التقاليد" الذي يعني المفهوم نفسه في الأساس، فهذان المصطلحان يتداخلان. ولكنّنا لا نهتمّ بالتعريفات الرسمية بقدر ما نهتمّ بإيصال الفكرة الأساسية.
بحسب هذا التعريف الواسع، ثمّة مجموعات كثيرة مؤهلة لتكون ثقافات. والمجموعات العرقية هي أوّل مثال يتبادر إلى الأذهان. فالثقافات القوقازية [البيضاء ذات الأصول الأوروبية]، والأفرو- أميركية، والإسبانية، والآسيوية، والأميركية الأصلية، في الولايات المتحدة، تختلف عن بعضها البعض (وغالباً ما تختلف في داخلها). والمجموعات الإثنية أيضاً قد تتضمّن ثقافات أساسية وثقافات فرعية مختلفة. من المهمّ إذاً أخذ هذه الاختلافات في الحسبان.
إلى ذلك، إنّ التقاليد والاختلافات الثقافية قد تتجاوز العِرق والإثنية، لتشمل أيضاً السنّ، أو الجندر، أو الطبقة الاجتماعية، أو الدين، أو المنطقة، أو الميول الجنسية، أو العمل، أو الخلفية العائلية، أو حتّى المحيط السكني -- أو أيّ خلطة من هذه العوامل. وقد تحقّق حملةٌ معيّنة لإقامة عشاءٍ جماعي، أو لفحص ضغط الدم، أو للتحصين، نجاحاً باهراً في إطار محدّد، فيما قد يخفق النشاط نفسه في إطار مختلف. لماذا؟ قد يُعزى ذلك إلى اختلاف التقاليد الثقافية بتعريفها الواسع، وربّما لأنه لم يتمّ إجراء تكييف ناجح.
لماذا ينبغي أن نكيّف التدخّلات لتناسبَ التقاليد الثقافية المختلفة؟
ربّما كان السبب الأهمّ الذي يدفعنا إلى تكييف تدخّلنا بحسب الثقافات المختلفة هو أنّ تدخّلنا قد نجح سابقاً ونريده أن ينجح مجدّداً. ويستطيع التدخّل المُكيَّف جيّداً أن:
- يُظهِر الاحترام لقِيَم ثقافة أخرى وهويتها
- يحسّن قدرتنا على التواصل مع المجتمع المحلّي الذي نستهدفه
- يزيد من ملاءمة أعمالنا
- يحدّ من احتمال حدوث المفاجآت غير المرغوب فيها
- يزيد من انخراط أعضاء المجموعات الثقافية الأخرى ومشاركتهم
- يزيد من دعم أعضاء المجموعات الثقافية هؤلاء لبرنامجنا، حتّى لو لم يشاركوا أو ينخرطوا مباشرةً
- يزيد من حظ تدخّلنا في النجاح (وأثره على المجتمع المحلّي)
- يبني ثقةً وتعاوناً للمستقبل بين الفئات الثقافية -- الأمر الذي من المُفترَض أن يمهّد الطريق للمزيد من التدخّلات الناجحة في المستقبل.
هذه جميعها أسباب ممتازة للمضي قدماً، إذا كانت الشروط مناسبة.
متى ينبغي أن نكيّف التدخّلات لتناسبَ التقاليد الثقافية المختلفة؟
في ما يلي ستّة معايير مفيدة:
- أوّلاً، عندما نظنّ أنّه لدينا فكرة جيّدة
- ثانياً، عندما نكون قد اختبرنا هذه الفكرة ووجدنا أنّها ناجحة
- ثالثاً، عندما نكون مهتمّين فعلياً بتجربة الفكرة في إطار ثقافي مختلف
- رابعاً، عندما يتوافر لنا الوقت والمال والطاقات البشرية المطلوبة للمباشرة بالعمل
وبشكل خاص عندما:
- خامساً، يكون أعضاء المجموعات الثقافية المختلفة مهتمّين بشكل واضح بتدخّلنا. (في بعض الحالات، قد يطلبوا منّا حتّى أن نقوم بتطبيقه في إطار مجموعتهم).
- سادساً وأخيراً، يكون أعضاء هذه المجموعة الثقافية مستعدّين فعلياً للتعاون معنا من أجل إنجاح هذا التدخّل.
سؤال مهمّ: هل ينبغي دائماً تكييف التدخّل؟
كلّا، ليس في كلّ مرّة. بالطبع، يوجد بعض الحالات التي تقتضي تكييفاً بسيطاً أو التي لا تتطلّب أيّ تكييف. على سبيل المثال:
- طُلِب من شخص (قوقازي - أو أبيض البشرة) اختصاصي في كتابة طلبات المِنَح أن يقيم ورشة عمل حول كتابة طلبات المِنَح لمجموعة ناطقة بالإسبانية. في هذه الحالة، بالكاد كان التكييف مطلوباً. فمبادئ كتابة طلب المِنَح لا تختلف كثيراً بين الثقافات، وبالتالي، لم تشكّل الاختلافات الثقافية أيّ عامل هنا.
- أجرى اختصاصي آخر شرحاً تطبيقياً على الانترنت لمجموعة من المهاجرين الواصلين حديثاً من بلدان مختلفة. تمثّلت غايتهم في تعلّم كيفية استخدام الانترنت، وكانوا يريدون أن يتعلّموا مهارات محدّدة جداً. ولهذا الغرض، لم تكن ثقافتهم تشكّل فرقاً.
ولكن، في أوقات أخرى، تشكّل الاختلافات الثقافية فرقاً كبيراً بالفعل.
- أرادت منظّمة تُعنى بالوقاية من الإيدز أن تجريَ حملة توعية وقائية في مجتمعها الأميركي المحلّي الناطق بالإسبانية. لم يكن أعضاء المجتمع المحلّي يحبّذون الاجتماعات العامة أو يستطيعون حضورها. ولكنّهم لا يمانعون الذهاب للقاء جيرانهم في منزل جار آخر. والتوعية هنا حصلت من خلال الدردشة، وهي وسيلة ملائمة لهذه الثقافة بالذات.
- ناقش وزير إفرو- أميركي كيف أنّ مجموعات الأشخاص ذوي البشرة السوداء والأشخاص ذوي البشرة البيضاء يتصرّفون بشكل مختلف في الاجتماعات، على الأقلّ بحسب تجربته الشخصية: "الأشخاص ذوو البشرة البيضاء يأتون إلى الاجتماع، ويريدون أن يهتمّوا بالعمل وأن تكون الأحاديث السطحية محدودة جداً. فيكون لديهم جدول أعمال، ويناقشون البند تلو الآخر، ثمّ يتّفقون على الاجتماع التالي. أمّا اجتماعات الأشخاص ذوي البشرة السوداء فتحتاج إلى المزيد من التمهيد. ويُخصَّص فيها المزيد من الوقت لتبادل الإطراءات، والإكثار من الكلام والكلام ثمّ الكلام، إلى أن يحين وقت التركيز على العمل في النهاية." إذا كان هذا الوزير محقّاً، فالتكييف الاجتماعي مهمّ جداً إذاً.
تتناول هذه الأمثلة الاختلافات العرقية أو الإثنية، ولكنّها قد تشمل أيضاً الاختلافات الثقافية الأخرى. فالفكرة العامة التي نريد إيصالها هي أنّه من الصعب أن نعرف مسبقاً مقدار التكييف الثقافي الضروري. لذلك، من الأفضل أن نفترض أنّه من الضروري إجراء بعض التكييفات على الأقلّ، وأن نباشر بالعمل بحذر.
ولكن، كيف علينا أن نباشر بالعمل؟ الفقرة التالية التي تشرح "كيفية" التكييف قد تعطينا إجابةً عن هذا السؤال.
كيف ينبغي أن نكيّف التدخّلات لتناسبَ التقاليد الثقافية المختلفة؟
في ما يلي مقاربة مقسّمة إلى خطوات يمكننا أن نستخدمها كدليل. (إذا كنّا نعمل ضمن منظّمة معيّنة فستنطبق الخطوات نفسها على منظّمتنا أيضاً).
1. نسأل أنفسنا بصراحة: "هل يستحقّ التدخّل أن يُكيَّف؟" قد يكون التدخل جيّداً، ولكن، هل هو جيّد بما يكفي؟ هل قيمته المُحتمَلة عالية بشكل كافٍ لتبرير الجهد الذي سنبذله؟ في الواقع، إذا أعطينا إجابة صادقة ومدروسة عن هذا السؤال قبل أن نبدأ، فقد نوفّر الكثير من الوقت والمتاعب لاحقاً.
2. فلنفترض أنّنا قرّرنا أنّ التدخّل يستحقّ أن يُكيَّف. هل نحن نريد أن نقوم بالتكييف؟ إن جزءاً كبيراً من نجاح التكييف -- أو من نجاح أيّ تدخّل -- يعتمد على رغبتنا الشخصية. فقد توجد أمور أخرى يمكننا القيام بها. إذاً، يجب أن نفكّر جيّداً قبل المتابعة إلّا إذا استطعنا أن نجيب عن هذا السؤال بـ"نعم" حاسمة.
3. قد نقرّر أنّنا نريد القيام بذلك. ولكن، ثمّة سؤال آخر: هل توجيه التكييف هو دورنا فعلاً؟ ربّما هو دورنا، وربّما لا يكون هناك أحد مستعدّ للتقدّم إطلاقاً. (إذا كان ذلك صحيحاً فيجب أن نسأل لماذا.) ولكن، قد ينجح التدخّل أكثر إذا لم نقم بتوجيهه. وربّما ينبغي أن يتولّى أشخاص آخرون المسؤولية الرئيسية -- الأمر الذي قد يزيد من نجاح التدخّل ويمكّن هؤلاء الأشخاص الآخرين أيضاً. فقد يكون أفضل مكان لنا هو أن نبقى على الهامش، أو في الخلفية.
4. نتأكّد من استعدادنا. إذا كان لدينا دور معيّن، فهل نحن مستعدّون ثقافياً لتولّيه؟ قد يكون علينا طرح هذه الأسئلة على أنفسنا:
- ما هي قِيَمنا ومعتقداتنا الثقافية الخاصة؟ وكيف يمكن أن تختلف عن قِيَم المجتمع المحلّي المُستهدَف ومعتقداته؟
- هل لدينا خبرة في العمل مع المجموعة الثقافية المعنية، أو مع مجموعات مشابهة؟
- إذا كانت لدينا الخبرة في ذلك، ما هي الدروس التي يمكننا استخلاصها من هذه الخبرات التي قد تكون مفيدة هنا؟
- هل نحن مستعدّون شخصياً لتولّي العمل المُحتمَل الذي يقوم على إجراء التكييف؟
5. نتأكّد من استعداد المجموعة التي نستهدفها – "الاستعداد" يجب أن يكون في كلا الاتّجاهين:
- هل المجموعة الثقافية المعنية مستعدّة للعمل معنا؟
- هل هي أيضاً قادرة على العمل معنا؟ هل تتمتّع بالمهارات والموارد التي قد تكون ضرورية؟
- كيف يُرجَّح أن تتفاعل مع تقليدنا الثقافي الخاص؟ (في الواقع، سنجلب تقليدنا معنا إلى التدخّل حتّى لو لم نرد ذلك.)
6. وفقاً لإجاباتنا عن هذه الأسئلة، قد نكون مستعدّين للانطلاق. وإذا صحّ ذلك، يجب أن نلتزم بإجراء التكييف. فالتزامنا الخارجي ورغبتنا الداخلية سيشكّلان عنصراً مهمّاً لنجاحنا.
7. نضع أهدافاً محدّدة للتدخّل المُكيَّف. فما الذي نريد أن نحقّقه بالتحديد؟
قد يبدو أنّ الخطوات التي يجب اتّخاذها والأسئلة التي يجب طرحها قبل أن نبدأ كثيرة. وربّما كانت فعلاً كثيرة. ولكنّها لا تستغرق وقتاً طويلاً. وثمّة سبب وجيه جداً يبرّر الحاجة إلى اتّخاذ هذه الخطوات والإجابة عن هذه الأسئلة بشكل صحيح: إنّ جزءاً كبيراً من أيّ تدخّل ناجح يجب أن يجري داخل الشخص الذي يخطّط لهذا التدخّل، وذلك قبل أن يحدث التدخّل. فالتدخّل يُعَدّ عملاً داخلياً إلى حدّ كبير.
ويصحّ جميع هذه النقاط بشكل خاص في ما يتعلّق بتكييف التدخّلات لتناسب تقاليد ثقافية مختلفة. فإذا قرّرنا أنّه ما من حاجة كبيرة إلى التكييف، فهذا عظيم. وإذا قرّرنا أنّه لا يجب إجراء التكييف كما خُطِّط له في البداية، فهذا حسن أيضاً. الفكرة الأساسية إذاً هي أنّ التفكير والتحضير بدقّة يوفّران الكثير من الجهد (والتفاقم المُحتمَل) على المدى البعيد.
والآن أصبحنا مستعدّين للعمل في العالم الخارجي. وما يتبع هو الخطوات التالية:
8. نقوم بإجراء بعض الأبحاث، لا سيّما إذا كنّا لا نعرف الكثير عن المجموعة الثقافية المعنية. ونتعلّم قدر المستطاع -- عن معتقداتها وممارساتها الثقافية، وعن معاييرها الاجتماعية واعتباراتها السياسية، وعن تاريخها -- قبل أن ننكبّ على العمل.
ما هي أنواع الأسئلة التي ينبغي أن نطرحها؟ انظروا فقرة الأدوات في نهاية هذا القسم للحصول على بعض الأفكار المحدّدة.
أين يمكننا إيجاد الإجابات عن هذه الأسئلة؟
قد نبدأ بالمكتبة العامة المحلّية [أو دائرة أو جمعية محلية] التي بإمكانها تزويدنا بما يلي:
- بيانات إحصائية
- خرائط
- بيانات حكومية
- تقارير وإحصاءات محلّية
- صحف محلّية، بما في ذلك الأعداد القديمة
- مقالات عن المجموعة الثقافية التي سنعمل معها. (هل جرّب الآخرون التدخّل نفسه مع هذه المجموعة الثقافية؟ من خلال البحث الدقيق، قد نتمكّن من اكتشاف ما قاموا به، وما حصل نتيجة لذلك.)
9. نتكلّم مع الأشخاص في هذا الإطار الثقافي، ونحاول التكلّم مع مجموعة واسعة منهم إذا استطعنا. يتضمّن هؤلاء الأشخاص:
- خبراء معروفين في هذه الجماعة الثقافية، عادةً من خلال السمعة المهنية
- أعضاءً أساسيين من هذه الثقافة المحدّدة يتمتّعون بمعرفة خاصة – إمّا لأنّهم عاشوا فترة طويلة في هذا الإطار الثقافي، أو لأنّ لهم علاقات مع الآخرين في هذا الإطار، وإمّا لهذين السببين معاً. فقد يساعدنا كثيراً هؤلاء الأعضاء الأساسيون عندما يحين الوقت لبدء التدخّل بحدّ ذاته.
فمَن هم بالتحديد هؤلاء الأشخاص؟
قد يكونون:
- مسؤولين حكوميين محلّيين
- اختصاصيين في مجال إدارة الأعمال
- معلّمين أو أساتذة جامعيين
- باحثين متخصّصين
- أشخاصاً قد عملوا في مجتمعات محلّية مشابهة على مشكلات مشابهة
- أشخاصاً مطّلعين، من دون أيّ لقب محدّد
- عاملين خدماتيين في المجتمع المحلّي
- رجال دين وقادة دينيين آخرين
- محرّرين للصحف
يُذكَر أنّه يمكننا أن نسأل كلاً من هؤلاء الأشخاص عن أشخاص آخرين يستطيعون إرشادنا.
إنّ التكلّم مع الآخرين يعني عادةً تمضية الوقت مع كلّ فرد على حدة. ولكن كبديل، يمكننا أيضاً التكلّم مع الآخرين ضمن مجموعة. فهذه الطريقة قد تكون أكثر كفاءةً وفعالية، حتّى لو تمّ فقدان بعض الإجابات الفردية. للمزيد حول هذه المقاربة الجماعية، انظروا الفصل 3، القسم 6: تنظيم مجموعات مركّزة.
10. نمضي بعض الوقت في الإطار الثقافي المعين، إذا لم نقم بذلك مسبقاً. نحتسي فنجاناً من القهوة في مقهى محلّي، نقوم بنزهة في الحيّ السكني، نجلس في حديقة عامة، نذهب إلى مناسبة عامة (أو نحصل على دعوة إلى مناسبة خاصة). فالتواجد بكلّ بساطة في الإطار قد يشكّل فرصةً ممتازة للتعلّم، وقد يزوّدنا بمعلومات من الصعب إيجادها بطريقة أخرى. طبعاً، يمكننا في أثناء تواجدنا أن نتكلّم أيضاً مع الأشخاص (ننظر الرقم 9 أعلاه)، مع العلم أنّ "التكلّم" و"تمضية الوقت" هما أيضاً نوعان من البحث (ننظر الرقم 8).
11. بعد أن نقوم بواجبنا في التعرّف إلى الإطار الثقافي، وأن نتعلّم قدر المستطاع، نقترح فكرة تدخّلنا على بعض الأشخاص في هذا الإطار. (يمكن القيام بذلك أيضاً مع كل فرد على حدة أو ضمن مجموعة. ننظر الرقم 9 أعلاه). ويجب أن نتوجّه إلى الأشخاص الذين طوّرنا معهم علاقة مريحة ومبنية على الثقة. وإذا كانوا أصحابَ تأثيرٍ في هذا الإطار، فهذه فائدة مُضافة.
ولدى تقديم اقتراحنا، نعتمد اللطف والتدرّج. فبدلاً من أن نقول: "أخطّط للقيام بكذا"، نحاول أن نقول مثلاً: "لديّ فكرة بدرت إلى ذهني. هل أقولها لكم، ثمّ أودّ أن أعرف ما هو رأيكم بها." ويجب أن نكون لبقين، وأن نجعل كلماتنا متناغمة مع خبرات المُستمِع. وعلينا أيضاً أن نستفيد من الدروس الثقافية التي تعلّمناها.
12. بعد أن نقدّم اقتراحنا، نسأل عن المردود. هل يرى المُستمِع أنّ التدخّل هو فكرة جيّدة؟ هل سينجح؟ ما هي التغييرات التي ينبغي إحداثها؟ وما الذي يجب أن يحصل بعد ذلك؟ عندما نسأل عن المردود، ينبغي ألا نسأل فقط كإجراء شكلي، بل ينبغي أن نأخذ هذا المردود جيّداً في الحسبان، ونقوم بالتغييرات المُقترَحة (وإنْ لم نفعل، فليكن لدينا سبب وجيه).
إذا قال لنا الكثير من أصحاب المعلومات عن المجموعة المختلفين إنّ فكرتنا ليست لها قيمة كبيرة بالنسبة إلى الأشخاص في هذا الإطار، أو ليست لها فرصة في النجاح، فيجب أن ننتبه إلى هذه الإنذارات. فقد لا يكون هذا هو الوقت المناسب أو المكان المناسب لتكييف هذا التدخّل بالذات. وإذا صحّ ذلك، من الأفضل بكثير أن ندرك ذلك الآن وليس لاحقاً. ولكن، لا ينبغي أن نيأس كثيراً، فقد تنتج عن نقاشاتنا فكرة تدخّل أخرى، قد لا تكون مختلفة جداً عمّا كان في بالنا. وقد تكون هذه الفكرة أفضل بالنسبة إلى جميع المعنيين.
13. إذا حصلنا على مردود إيجابي بما يكفي، فقد نكون مستعدّين للمتابعة. والخطوة التالية هي إيجاد بعض الأشخاص في هذا المجتمع المحلّي الثقافي ليعملوا معنا من أجل حصول التدخّل. بعض هؤلاء الأشخاص قد يكونون أعضاء المجتمع المحلّي أنفسهم الذين تكلّمنا معهم سابقاً (طبعاً، لا بأس بتجاهل ذلك عندما نبدأ). وينبغي أن يكون بعضهم أشخاصاً سيتأثّرون بالتدخّل – إذا كان برنامجاً يُعنى بالوقاية من حمل الأمهات المراهقات مثلاً، فسنرغب في إشراك المراهقين، ومن المحتمل جداً أن نشرك أيضاً أمّهات المراهقين وآباءهم.
بمعنى آخر، نحن نحتاج في هذه المرحلة إلى أشخاصٍ متعاونين. إضافةً إلى ذلك، سيكون علينا جمع هؤلاء المتعاونين ضمن مجموعة غير رسمية -- غالباً ما تُسمّى مجموعة عمل أو مجموعة استشارية. وفي العادة، تتولّى هذه المجموعة المسؤولية الرئيسية عن تكييف التدخّل وتنفيذه.
14. في هذه المرحلة، ينبغي أن نبدأ بالتخطيط والتنفيذ، تماماً كما نفعل مع أيّ تدخّل آخر، فالإجراءات الأساسية نفسها تنطبق الآن أيضاً. هنا، يمكننا أن نستند إلى تجاربنا السابقة الناجحة. وسيقرّر المتعاونون معنا -- أي مجموعة العمل الخاصة بنا -- ما الذي قد يتوجّب تغييره عمّا كان في التدخّل الأوّل، وما الذي لا يتوجّب تغييره. كذلك، ستتّفق المجموعة على طريقة العمل، وستضع الجداول الزمنية، وستجري أيّ اختبارات تجريبية، وتتوزع المسؤوليات وفقاً لما تراه مناسباً. تكون هذه الخطوات واحدة في جميع التدخّلات، بغضّ النظر عمّا إذا كانت مُكيَّفة أم لا. للمزيد عن التخطيط لتدخّلنا وتنفيذه، ننظر الفصل 8.
بعض الحالات الخاصة: "ماذا عليّ أن أفعل إذا...؟"
إذا نشـأت نزاعات؟
يجب ألا نتفاجأ إذا نشأت النزاعات. فالنزاعات أمرٌ طبيعي، لا سيّما إذا لم يسبق لمجموعتين معيّنتين أن عملتا معاً بنجاح في السابق. فالعلاقات يجب أن يجري تشكيبها، والثقة يجب أن تُبنى- والثقة تستغرق وقتاً طويلاً لكي تُبنى.
إنّ التوجيه الناجع في هذه الحالة لا يكمن في قمع النزاع، بل في الحرص على التعبير عنه، عند حدوثه، بانفتاح واحترام. فقد يكون من المفيد تحديد هذا النمط منذ البداية. وقد يكون من المفيد أيضاً عقد بعض اجتماعات المراجعة المنتظمة لرصد التقدّم والمشاعر. كذلك، ينبغي اعتماد بعض القواعد الأساسية لمعالجة النزاع، تفادياً لتفاقمه. وثمّة احتمال إضافي يتمثّل في إجراء نوع من التدريب الثقافي (ننظر أدناه). للمزيد من المعلومات، ننظر الفصل 20، القسم 6: التدريب لحلّ النزاع.
إذا لم تفهم المجموعات الثقافية بعضها بعضاً فعلاً؟
عندما يكون تعامل مجموعتين ثقافيتين معاً تعاملاً حديثاً – لا سيّما عندما لا يكون لدى أيّ منهما خبرة كبيرة في العمل مع المجموعة الأخرى – وعندما يكون التدخّل أوسع أو قد يدوم لفترة طويلة، من الممكن اللجوء إلى نوعٍ من التدريب الثقافي: يعمل مدرّبون من إحدى المجموعتين الثقافيتين على تدريب المجموعة الأخرى، والعكس صحيح. (أحياناً، يمكن للمدرّبين من المجموعتين إجراء التدريب معاً). وتختلف تفاصيل مثل هذا التدريب بحسب الحالة، ولكن، قد نرغب في العمل على بعضٍ منها قبل بدء التدخّل.
إذا احتاجت المواد إلى الترجمة؟
لدينا مواد في لغة معيّنة ونريد ترجمتها إلى لغة أخرى. فكرة جيّدة؟ ربّما، ولكن يجب أن نبحث أوّلاً ما إذا كانت توجد مواد ذات صلة (وقد تمّ اختبارها) بهذه اللغة الثانية. فقد نوفّر الكثير من الوقت إذا وجدناها. وينبغي أن نفكّر أيضاً في ما إذا كان من الأفضل ترجمة المواد أو ابتكار مواد جديدة من الصفر. صحيح أنّ ابتكار المواد الجديدة يستغرق وقتاً طويلاً، ولكن ثمّة ربح إضافي محتمل بحيث تكون المواد حديثة وذات صلة.
فإذا قرّرنا أن نترجم، علينا أن نحاول إيجاد مترجم خبير في هذا المجتمع المحلّي الثقافي. وإذا كان ذلك ممكناً، علينا أن نحاول أن يقوم آخرون بمراجعة المواد المُترجَمة، وأن يُعاد ترجمتها إلى اللغة الأولى من قِبل شخص آخر، لأن هذه التقنيات تسمح لنا بالتأكّد من دقّة الترجمة.
إذا كان التكييف يستهدف عدّة مجموعات ثقافية مختلفة؟
فلنفترض أنّنا نقوم بتكييف تدخّل لا يستهدف مجموعة ثقافية واحدة فقط، بل عدّة مجموعات مختلفة في الوقت نفسه. من الممكن أن يحصل ذلك، فقد نكون بصدد العمل في إطار متعدّد الإثنيات، أو مع أجيال أو فئات مختلفة. في هذه الحالة، نكون أمام تحدٍّ إضافي، وهو أحد التحدّيات الكثيرة التي تجعل العمل المجتمعي ممتعاً إلى هذه الدرجة.
تتمثّل أفضل استجابة هنا في البحث عن العناصر المشتركة بين جميع المجموعات الثقافية. وهي قد تشمل على سبيل المثال، الحاجة إلى مساكن أفضل، أو السلامة على الطرقات، أو التعليم الأفضل للأبناء. هل توجد مثل هذه العناصر في حالتنا؟ إذاً، علينا أن نقوم بتكييف تدخّلنا على ضوئها، أو أن نعدّل تدخّلنا لمخاطبة هذه الغايات المشتركة. ونكرّر هنا أيضاً أنّه علينا الحرص على مشاركة جميع المجموعات المعنية، وطلب المردود، والاستماع إليه.
هذا هو ما فعله الكثير من المنظّمات المتعدّدة الثقافات. والعمل الناجح المتعدّد الثقافات الذي يبني الصلة والثقة والإنجاز بين عدّة ثقافات مختلفة في الوقت نفسه، يُعَدّ من بين أمتع الأعمال المجتمعية التي قد نقوم بها.
الخلاصة:
يلخص هذان المقطعان الختاميان النقاط الأساسية في هذا القسم:
- أوّلاً، نقلاً عن المنظِّم المجتمعي الشهير سول ألينسكي، يجب أن نعمل دائماً ضمن خبرة المجموعة التي نستهدفها. فننظر إلى الأمر من منظارهم، ونتصرّف على هذا الأساس. ولكي نقوم بذلك، علينا أن نعرف جيّداً كيف يفهم هؤلاء الأشخاص العالم وطبيعة علاقتهم به. وهذا يتطلّب التفهّم من جانبنا، فضلاً عن المراعاة، والمرونة، والصبر. وليس هذا سهلاً دائماً. فالعمل مع مجموعات ثقافية مختلفة أو في مجتمعات محلّية متنوّعة ثقافياً، يشكّل تحدّياً حتّى بالنسبة إلى الاختصاصيين المهنيين.
- ثانياً، حتّى مع الموقف الصحيح والمقاربة الصحيحة، ليس النجاح مضموناً. فلأسبابٍ متنوّعة، قد لا نحصل على التعاون المحلّي الذي نريده أو نحتاج إليه. وقد تعترضنا عقبات أخرى. ولكن، عندما يحصل النجاح، يمكن أن تكون المكافآت عظيمة. إذ نكون قد طوّرنا برنامجاً متّصلاً ثقافياً باحتياجات المجتمع المحلّي، ربّما مع فوائد لم يسبق أن وُجِدت. وسنكون قد صنعنا قدوةً ممتازة للعمل المستقبلي مع هذا المجتمع المحلّي الثقافي، قدوةٌ يمكن أن تتجاوز بكثير انطلاقتنا الأولى.
الموارد
American Red Cross.(1987). Guidelines for Outreach to Minority Populations. The American National Red Cross.
Anner, J. (1995) Working Together: Building Successful Multicultural Movements. The Neighborhood Works, June/July.13-21.
Gonzalez, V.M.(1991). Health Promotion in Diverse Cultural Communities. Palo Alto, CA Health Promotion Resource Center, Stanford Center for Research in Disease Prevention.
Homan, M.(1994), Promoting community change: making it happen in the real world. Pacific Grove: CA. Brooks/Cole Publishing Company.
Pasick, R. et al.(1996) Similarities and Differences Across Cultures: Questions to Inform a Third Generation for Health Promotion Research. Health Education Quarterly, December. 142-161.
Rivera, F. (1992).Community Organizing in A Diverse Society. Neeham Heights, MA. Allyn & Bacon.
Sabogal, F. et al.(1996) Printed Health Education Materials for Diverse Communities, Health Education Quarterly, December. 123-41.
Singer, M. (1991). AIDS and U.S. Ethnic Minorities: The Crisis and Alternative Anthropological Responses. Hartford, CT. Hispanic Health Council.
US Department of Health and Human Services.(1994) Communications: Technical Assistance Bulletins:You can use communications principles to create culturally sensitive and effective prevention materials.