استمارة البحث

  • ما هو التقييم التشاركي؟
  • ما الذي يدعونا (وما الذي لا يدعونا) إلى استخدام التقييم التشاركي؟
  • متى يمكن أن نستخدم التقييم التشاركي؟
  • مَن يجب أن يشارك في التقييم التشاركي؟
  • كيف نجري تقييماً تشاركياً؟

يَعلم بُناة المجتمعات المحلّية ذوو الخبرة أنّ إشراك أصحاب المصلحة – أي الأشخاص المرتبطين مباشرةً بمشاريعهم والمتأثّرين بها – في عملهم يشكّل أمراً في غاية الأهمية. فهذا يعطيهم المعلومات التي يحتاجون إليها لتصميم ما يقومون به وتعديله أو تغييره، وذلك بغية تلبية احتياجات المجتمع المحلّي والفئات المُحدَّدة التي تستفيد من التدخّل أو المبادرة على أفضل وجه. وهذا يصحّ بشكلٍ خاص على التقييم.

يتناول الفصل 36، القسم 2: البحث التشاركي المرتكز إلى المجتمع المحلّي موضوع البحث التشاركي المرتكز إلى المجتمع المحلّي الذي، كما نشرح، يمكن توظيفه لوصف المجتمع المحلّي، و/أو تقدير المسائل والاحتياجات المجتمعية، و/أو إيجاد أفضل الممارسات واختيارها، و/أو التقييم. ونحن نعتبر أنّ موضوع التقييم التشاركي مهمٌّ بحيث يجب تخصيص قسمٍ له، وإظهار موقعه ضمن نطاق البحث التشاركي بشكلٍ عام.

والواقع أنّ بناء مشاركة أصحاب المصلحة في المشروع منذ البداية يشكّل فكرةً جيّدة. فإحدى أفضل الطرق التي تخوّلنا اختيار التوجّه المناسب لعملنا تتمثّل في إشراك أصحاب المصلحة في تحديد الاحتياجات المجتمعية الفعلية، وكيفية توصّل المشروع إلى تحقيق أفضل أثرٍ ممكن. وإحدى أفضل الطرق لاكتشاف آثار عملنا على الأشخاص الذين يستهدفهم تتمثّل في إشراك المستفيدين من المعلومات أو الخدمات أو المناداة في فريق التقييم الخاص بنا.

غالباً ما نحصل على الصورة الأكثر وضوحاً لما يجري بالفعل من خلال الأشخاص المعنيين مباشرةً – المشاركين، والموظّفين، وغيرهم من الذين يشاركون وينفّذون البرنامج، أو المبادرة، أو أيّ مشروعٍ آخر. في الفصل 36، القسم 2: البحث التشاركي المرتكز إلى المجتمع المحلّي، ناقشنا كيف يمكننا إشراك هؤلاء الأشخاص في إجراء البحث حول المجتمع المحلّي واختيار المسائل التي يجب مخاطبتها والتوجّهات التي يجب اتّباعها. أمّا هذا القسم فيتطرّق إلى كيفية إشراكهم في النطاق الكامل للمشروع، بما في ذلك تقييمه، والفوائد المُحتمَلة على المُخرَجات النهائية للمشروع.

ما هو التقييم التشاركي؟

عندما يفكّر معظم الناس في التقييم، يعتقدون أنّه يحدث في نهاية المشروع – أي أنّه ينظر إلى المشروع بعد انتهائه ويقرّر ما إذا كان جيّداً أم لا. في حين أنه ينبغي أن يشكّل التقييم جزءاً لا يتجزّأ من أيّ مشروعٍ منذ بدايته. والتقييم التشاركي يضمّ جميع أصحاب المصلحة في المشروع – أي الأشخاص المتأثّرين مباشرةً به أو بتنفيذه – من حيث المساهمة في فهمه، وتطبيق هذا الفهم بغية تحسين العمل.

وكما سوف نرى، لا يقتصر التقييم التشاركي على طلب مشاركة أصحاب المصلحة. فإشراك جميع المتأثّرين يغيّر طبيعة المشروع الإجمالية، إذ يتحوّل من أمرٍ يجري من أجل مجموعةٍ مُعيَّنة من الناس أو مجتمعٍ محلّي مُعيَّن، إلى شراكةٍ بين المستفيدين والجهات التي تطبّق المشروع. فبدلاً من أن يكون المستفيدون أشخاصاً خاضعين مجرّدين من أيّ سلطة، يصبحون مشاركين في قيادة المشروع، فيحرصون على إدراك احتياجاتهم واحتياجات المجتمع المحلّي الفعلية ومخاطبتها. هكذا، يكون المُقيِّمون المحترفون، وموظّفو المشروع، والمستفيدون منه أو المشاركون فيه، وغيرهم من أعضاء المجتمع المحلّي، زملاء في جهدٍ يرمي إلى تحسين نوعية الحياة في المجتمع المحلّي.

ولا تكون هذه المقاربة في التخطيط والتقييم ممكنة من دون وجود الثقة والاحترام المتبادلَين. وهذان العاملان يتطوّران مع الوقت، ولكنّ ما يعزّزهما هو البدء بفهمٍ الثقافة والعادات المحلّية – سواء كنّا نعمل في بلدٍ نامٍ أو في حيّ مديني أميركي. في الواقع، فإنّ احترام الأفراد والمعارف والمهارات التي يمتلكونها يلعب دوراً كبيراً في تعزيز الثقة والانخراط على المدى البعيد.

وهناك جانب ضروري آخر في أيّ عملية تشاركية، وهو التدريب الملائم لجميع المعنيين. فالبعض من أصحاب المصلحة قد لا يعلمون حتّى أنّه يتمّ إجراء الأبحاث، وقد لا يكون لدى البعض الآخر أيّ فكرةٍ عن كيفية العمل مع أفرادٍ من خلفيات مختلفة، وهناك أشخاص لا يعلمون ما الذي عليهم القيام به بعد الحصول على نتائج التقييم. سوف نناقش جميع هذه المسائل، أي إشراك أصحاب المصلحة، وبناء الثقة، والتدريب، تدريجيً في هذا القسم.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الغرض الحقيقي من التقييم لا يقوم على اكتشاف ما حدث فحسب، بل على استخدام المعلومات لتحسين المشروع. ومن أجل القيام بذلك، ينبغي أن يشتمل التقييم على دراسةٍ لناحيتَين على الأقلّ:

  • العملية: إنّ العملية الخاصة بمشروعٍ ما تشمل التخطيط والأنشطة اللوجستية المطلوبة لإطلاقه وإجرائه. هل قمنا بتقديرٍ مناسب مسبق لنتعرّف على الاحتياجات الفعلية؟ هل استخدمنا نتائج التقدير لتحديد هذه الاحتياجات وتلبيتها في تصميمنا للمشروع؟ هل أطلقنا المشروع وأجريناه ضمن المهل الزمنية وغيرها من الأُطر التي خطّطنا لها؟ هل قمنا بإشراك الأشخاص المعنيين كما خطّطنا؟ هل كان لدينا - أو حصلنا - على الموارد التي توقّعناها؟ هل تدرّب العاملون وسواهم وأُعِدُّوا للقيام بالعمل؟ هل حصلنا على الدعم المجتمعي الذي توقّعناه؟ هل سجّلنا ما قمنا به بشكلٍ دقيق وفي الأوقات المناسبة؟ هل قمنا بالرصد والتقييم كما خطّطنا؟
  • التطبيق: تطبيق المشروع هو العمل الفعلي الذي نقوم على إجرائه. هل قمنا بما خطّطنا له؟ هل خدمنا أو أثّرنا على العدد الذي اقترحناه من الأشخاص؟ هل استخدمنا الطرق التي خطّطنا لاستخدامها؟ هل كان مستوى نشاطنا كما خطّطنا له (مثلاً: هل قمنا بتوفير عدد ساعات الخدمة كما خطّطنا)؟ هل بلغنا الفئة (أو الفئات) التي استهدفناها؟ ما الذي وفّرناه أو قمنا به بالتحديد؟ هل أحدثنا تغييراتٍ مقصودة أو غير مقصودة، ولماذا؟
  • المُخرَجات: مُخرَجات المشروع هي نتائجه – ما الذي حصل بالفعل بنتيجة وجود المشروع. هل أحدث عملنا الآثار التي سعينا إليها؟ هل أحدث آثاراً أخرى غير مُتوقَّعة؟ هل كانت هذه الآثار إيجابية أو سلبية (أو غير إيجابية وغير سلبية)؟ هل نعلم لماذا حصدنا النتائج التي حصدناها؟ ما الذي نستطيع تغييره حتى نجعل عملنا أكثر فعاليةً، وكيف نفعل ذلك؟

إنّ الكثيرين ممّن يكتبون عن التقييم التشاركي يجمعون الناحيتَين الأوليين ضمن تقييم العملية، ويضيفون ناحيةً ثالثة – وهي تقييم الأثر – إلى جانب تقييم المُخرَجات. وتقييم الأثر هو التقييم الذي يدرس نتائج المشروع على المدى البعيد، سواء استمرّ هذا الأخير، أو قام بعمله وتوقّف.

على سبيل المثال، غالباً ما تقوم مشاريع التنمية الريفية في العالم النامي على نقل مهاراتٍ مُعيَّنة إلى السكّان المحلّيين ليس إلّا، حتّى يقوم هؤلاء بدورهم بممارسة هذه المهارات وتعليمها للآخرين. وبعد أن يتعلّم الناس المهارات – ربّما تكون تقنيات مُعيَّنة للزراعة، أو تنقية المياه – يتوقّف المشروع. وإذا أظهر تقييم الأثر بعد خمس أو عشر سنوات أنّ المهارات التي علّمها المشروع ما زالت تُمارَس، لا بل انتشرت أكثر فأكثر، عندئذٍ يكون أثر المشروع طويل الأمد وإيجابياً.

ولتغطية هذه النواحي بشكلٍ مناسب، يجب أن يبدأ التقييم منذ بداية المشروع، مع التقدير والتخطيط. وفي التقييم التشاركي، يجب أن يشترك أصحاب المصلحة في:

  • تحديد وتأطير المشكلة أو الغاية الواجب مخاطبتها.
  • تطوير نظريةٍ للممارسة (عملية، نموذج منطقي) لكيفية تحقيق النجاح.
  • تحديد الأسئلة الواجب طرحها حول المشروع وأفضل الطرق لطرحها. سوف تحدّد هذه الأسئلة ما الذي ينوي المشروع القيام به، وبالتالي ما الذي يجب تقييمه.

ما هي الغاية الفعلية مثلاً لمشروعٍ يقضي بإدخال أطعمة مُغذِّية أكثر إلى وجبات الغداء في المدارس؟

قد تتمثّل الغاية بكلّ بساطة في إقناع الأطفال بتناول المزيد من الفواكه، والخضر، والحبوب الكاملة. وقد تقوم على جعلهم يقلّلون من تناول الوجبات السريعة. وقد تقوم على تشجيع المراهقين الذين يعانون الوزن الزائد أو السمنة على خسارة الوزن. وقد تتمثّل الغاية بكلّ بساطة في توعيتهم بشأن الغذاء الصحّي، وإقناعهم بأن يكونوا أكثر مغامرةً في تناول الطعام.

أسئلة التقييم التي نطرحها تعكس غاياتنا من البرنامج وتحدّدها. فإذا لم نقم بقياس خسارة الوزن مثلاً، فهذا ليس حتماً ما نصبو إليه. وإذا لم نهتمّ سوى بزيادة تناول الأطفال الأطعمة الصحّية، فقد نكون قد أهملنا عاملاً آخر، وهو أنّ وزنهم سوف يزداد بكلّ بساطة إذا لم يحدّوا من تناولهم أطعمةٍ أخرى (كالوجبات السريعة مثلاً).

هل هذا أفضل من عدم تناول الأطعمة الصحّية؟ علينا الإجابة عن هذا السؤال وفقاً لما نريد مراقبته – إذا كان أفضل، فقد لا نهتمّ بالأطعمة الأخرى التي يتناولها الأطفال، وإلا، فسوف نهتمّ بذلك.

  • جمع المعلومات عن المشروع
  • فهم هذه المعلومات
  • تحديد ما الذي يجب الاحتفال به، وما الذي يجب تعديله أو تغييره، استناداً إلى المعلومات التي قدّمها التقييم.

ما الذي يدعونا (وما الذي لا يدعونا) إلى استخدام التقييم التشاركي؟

لماذا قد نستخدم التقييم التشاركي؟ الإجابة السريعة هي أنّه غالباً الطريقة الأكثر فعالية لاكتشاف ما يجب معرفته، في بداية المشروع وفي أثنائه. إضافةً إلى ذلك، فإنّه يقدّم فوائد بالنسبة إلى المشاركين الأفراد والمجتمع المحلّي، وهي فوائد لا تقدّمها الطرق الأخرى. في ما يلي أبرز حسنات التقييم التشاركي. فهو:

  1. يعطينا منظوراً أفضل عن الاحتياجات الأوّلية للمستفيدين من المشروع، وعن آثاره النهائية: إذا اشترك أصحاب المصلحة، ومن بينهم المستفيدون من المشروع، منذ البداية في تحديد ما يجب تقييمه وأسباب التقييم – فضلاً عن تحديد محور اهتمام المشروع – نكون قد سيّرنا عملنا في التوجّه الصحيح أكثر فأكثر، وحدّدنا بشكلٍ دقيق ما إذا كان مشروعنا فعّالاً أم لا، وفهمنا كيف يجب أن نغيّره لنجعله أكثر فعاليةً.
  2. يعطينا معلوماتٍ لا يمكننا الحصول عليها بطريقةٍ أخرى: عندما يعتمد توجّه المشروع وتقييمه، ولو بجزءٍ منه، على معلوماتٍ من أعضاء المجتمع المحلّي، فغالباً ما تكون هذه المعلومات أكثر صراحةً إذا كان السائل شخصاً مألوفاً. بإمكان أعضاء المجتمع المحلّي الذين يستجوبون أصدقاءهم وجيرانهم أن يحصلوا على معلوماتٍ لا يحصل عليها شخصٌ من "الخارج".
  3. يحدّد ما الذي نجح وما الذي لم ينجح وذلك من منظور المعنيين مباشرةً – كالمستفيدين والعاملين. فالأشخاص الذي يطبّقون المشروع والمتأثّرون مباشرةً به هم الأكثر قدرةً على تحديد ما كان فعّالاً وما لم يكن كذلك.
  4. يشرح لنا سبب نجاح أو فشل أمرٍ ما: غالباً ما يكون المستفيدون قادرين على شرح السبب المُحدَّد لعدم تجاوبهم مع تقنيةٍ أو مقاربةٍ مُعيَّنة، وهذا يعطينا بالتالي فرصةً أفضل لتعديلها كما يجب.
  5. يؤدّي إلى مشروعٍ أكثر فعاليةً: بفضل الأسباب التي وصفناها للتو، نكون أكثر قابليةً للبدء بالتوجّه الصحيح، ومعرفة متى ينبغي أن نغيّر التوجّه في حال لم يكن صحيحاً. والنتيجة هي مشروعٌ يخاطب المسائل الملائمة بالطريقة الملائمة، وينجز ما خطّط له.
  6. يمكّن أصحاب المصلحة: فالتقييم التشاركي يعطي الأشخاص الذين غالباً ما لا يُستشارون – أي الموظّفين والمستفيدين بشكل خاص – الفرصةَ ليكونوا شركاء كاملين في تحديد توجّه المشروع وفعاليته.
  7. يعطي صوتاً للأشخاص الذين غالباً ما لا يتمّ الإصغاء إليهم: في الواقع، غالباً ما يكون المستفيدون من المشروع من ذوي الدخل المنخفض والمستويات العلمية المتدنّية نسبياً، ونادراً ما يتمكّنون من التعبير عن أنفسهم – وهم غالباً يعتقدون أنّ هذا لا يحقّ لهم. فمن خلال إشراكهم منذ البداية في تقييم المشروع نكون قد أوصلنا أصواتهم، ويكونون قد تعلّموا أنّه بمقدورهم ومن حقّهم أن يعبّروا عن أنفسهم.
  8. يعلّم بعض المهارات التي يمكن استخدامها في الوظيفة وفي نواحٍ أخرى من الحياة: بالإضافة إلى تطوير المهارات الأساسية وبعض القدرات البحثية المُحدَّدة، يشجّع التقييم التشاركي على التفكير النقدي، والتعاون، وحلّ المشكلات، والعمل المستقلّ، واحترام الوقت...وجميع هذه المهارات تهمّ أصحاب العمل، كما أنّها مفيدة في الحياة العائلية، والتعليم، والمشاركة المدنية، ونواحٍ أخرى.
  9. يعزّز الثقة بالنفس وتقدير الذات لدى الذين يفتقرون إليهما: لا تشمل هذه الفئة المستفيدين من المشروع فحسب، بل تشمل أيضاً الأشخاص الآخرين الذين لم تسمح لهم ظروفهم بأن يثقوا بكفاءتهم أو قيمتهم في المجتمع. لذلك، فإنّ فرصة الاشتراك في نشاطٍ مُجدٍ ومليء بالتحدّي، والتعامل مع المحترفين بصفة الزمالة، قد تُحدث فرقاً كبيراً بالنسبة إلى الأشخاص الذين نادراً ما يُعامَلون باحترام أو يُعطَون فرصةً لإثبات أنفسهم.
  10. يبرهن للناس طرقاً للتحكّم أكثر بحياتهم: في الواقع، إنّ العمل مع المحترفين وسواهم لإنجاز مهمّة مُعقَّدة بتبعاتٍ واقعية، من شأنه أن يُظهر للناس كيف يستطيعون التصرُّف للتأثير على الناس والأحداث.
  11. يشجّع انتماء أصحاب المصلحة إلى المشروع: إذا شعر المعنيون أنّ المشروع هو مشروعهم، وليس أمراً مفروضاً عليهم من قبل الآخرين، فسوف يعملون بجهد لتطبيقه، ولإجراء تقييم مُعمَّق وغنيّ بالمعلومات لتحسينه.
  12. يستطيع تحفيز روح الإبداع لدى جميع المعنيين: بالنسبة إلى الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن اشتركوا في أمرٍ مشابه، قد يشكّل التقييم مصدر إلهام، فيفتح أبواباً على طرق جديدة في التفكير والنظر إلى العالم. أمّا بالنسبة إلى الذين سبق لهم أن اشتركوا في التقييم من قبل، فإنّ فرصة تبادل الأفكار مع أشخاصٍ قد تكون لديهم طرق جديدة للنظر إلى الأمور المألوفة، قد تخلق منظوراً جديداً لمسألةٍ كانت تبدو ثابتة.
  13. يشجّع العمل التعاوني: لكي ينجح التقييم التشاركي، يجب أن يعتبره جميع المعنيين نوعاً من التعاون، حيث يجلب كلّ مشاركٍ أدواتٍ ومهاراتٍ مُحدَّدة للجهد، وحيث يُعتبَر كلّ فردٍ عضواً قيّماً نظراً لما يستطيع أن يساهم به. وهذا النوع من التعاون لا يؤدّي إلى الكثير من الميزات الموصوفة أعلاه فحسب، بل يعزّز أيضاً روح التعاون أكثر فأكثر للمستقبل، وهذا يولّد المزيد من المشاريع المجتمعية الناجحة.
  14. يشكّل جزءاً من جهدٍ تشاركي أوسع: عندما يكون التقدير المجتمعي والتخطيط لمشروعٍ ما عملاً تعاونياً بين المستفيدين من المشروع، والموظّفين، وأعضاء المجتمع المحلّي، فمن المنطقي إدراج التقييم ضمن الخطّة العامة، ومقاربته بالطريقة نفسها التي قاربنا بها الأجزاء الباقية من المشروع. ولإجراء تقييمٍ جيّد، ينبغي أن يكون التخطيط له جزءاً من التخطيط الإجمالي للمشروع. علاوةً على ذلك، فإنّ العملية التشاركية تتناسب جيّداً، بشكلٍ عام، مع فلسفة المجموعات أو المنظّمات المجتمعية أو الشعبية.

رغم جميع هذه الجوانب الإيجابية، ينطوي التقييم التشاركي على بعض الجوانب السلبية أيضاً. قد تكون السيئات أكثر من الحسنات، أو العكس بالعكس وiبحسب ظروفنا. ولكن، من المهمّ أن نفهم أنواع السلبيات التي قد ينطوي عليها، بغضّ النظر عمّا إذا كنّا قد قرّرنا الانخراط فيه أم لا. وتشمل أبرز سيئات التقييم التشاركي:

  1. إنّه يستغرق وقتاً أطول من الوقت الذي تستغرقه العملية التقليدية: بما أنّنا نشرك الكثير من الناس من ذوي وجهات النظر المختلفة – حتّى أنّ البعض منهم لم يسبق لهم أن اشتركوا في التخطيط أو التقييم، فسوف يستغرق كلّ شيء وقتاً أطول من الوقت الذي يستغرقه المُقيِّم المحترف أو الفريق المعتاد على التقييم للتخطيط وإجراء كلّ شيء. فعملية اتّخاذ القرارات تنطوي على الكثير من النقاشات، وجمع الناس معاً قد يكون صعباً، والمُقيِّمون يحتاجون إلى التدريب، إلخ.
  2. إنّه يتطلّب بناء الثقة بين جميع المشاركين في العملية: إذا كنّا نُطلِق شيئاً جديداً (أو حتّى لو كان المشروع قائماً كما في كثيرٍ من الأحيان)، فالأرجح أن تطرأ على مسائل تتعلّق بالتمييز الطبقي، والفروقات الثقافية وغيرها مما تقسّم مجموعات أصحاب المصلحة. وقد تؤدّي هذه المسائل إلى عقباتٍ وإبطاءٍ في العملية إلى أن يتمّ حلّها، وهذا لن يحصل بين ليلةٍ وضحاها. في الواقع، إنّ هذا الأمر يتطلّب وقتاً طويلاً والكثير من الجهود الواعية حتّى يشعر جميع أصحاب المصلحة بالراحة والثقة بأنّ احتياجاتهم وثقافتهم تُؤخذ بعين الاعتبار.
  3. يجب أن نتأكّد من أنّ الجميع منخرطون، وليس "قادة" المجموعات المختلفة فحسب: في كثيرٍ من الأحيان يعني مصطلح "التشاركي" مشاركة بنى قوى قائمة مسبقاً. فغالبية القادة هم فعلياً الأشخاص الأكثر اهتماماً بالمصالح القصوى للمجموعة، والذين يحظون بثقة الآخرين لتمثيلهم وتوجيههم في الاتّجاه الذي يعكس هذه المصالح على أفضل نحو. ولكن يمكن أن يكون القادة أحياناً أشخاصاً يشقّون طريقهم إلى الصفوف الأمامية، ويحاولون تأكيد أهميتهم الذاتية من خلال إعطاء الأوامر للآخرين.

في حال لم يتمّ إشراك سوى قادة فئةٍ مُعيَّنة أو مجتمعٍ محلّي مُعيَّن، فسوف نعرّض أنفسنا لخطر فقدان – أو عدم كسب – ثقة ومنظور باقي الفئات التي ربّما لا تحبّذ القائد الآخر أو لا تثق به، أو التي، بكلّ بساطة، قد ترى نفسها معزولةً عن العملية. فقد يرون في التقييم التشاركي نوعاً من السلطة، وقد لا يهتمّون بالمشاركة فيه. لذلك، إنّ العمل من أجل تجنيد أشخاص "عاديين" إضافةً إلى القادة، أو بدلاً منهم، قد يشكّل خطوةً مهمّة بالنسبة إلى موثوقية العملية. ولكنّ ذلك يتطلّب الكثير من العمل، وقد يكون من الصعب الترويج له.

  1. يجب أن ندرّب الناس لكي يفهموا التقييم وكيف تسير العملية التشاركية، فضلاً عن تعليمهم مهارات البحث الأساسية: هناك فعلاً عدد من السيئات المُحتمَلة هنا. والسيّئة الأكثر وضوحاً هي التي تتعلّق بعامل الوقت الذي تناولناه سابقاً: التدريب يتطلّب وقتاً للتحضير، ووقتاً للتطبيق، ووقتاً للغوص فيه. وهناك سيّئة أخرى وهي اختيار نوع التدريب الذي يستجيب له المشاركون. وهناك أيضاً سيّئة أخرى تتعلّق بالتجنيد: هل سيكون الناس مستعدّين لتكريس الوقت اللازم للتحضير للعملية، فضلاً عن الوقت الذي تستغرقه العملية بحدّ ذاتها؟
  2. علينا الحصول على التأييد والالتزام من قبل المشاركين نظراً إلى ما سوف يكون على المُقيِّمين القيام به، يجب أن يكونوا ملتزمين بالعملية، وأن يشعروا بأنّهم معنيون بها. إذاً، ينبغي أن نصوغ التدريب والعملية بحدّ ذاتها بحيث نؤمّن هذا الالتزام.
  3. إنّ حياة الناس – المرض، ومشكلات ورعاية الأطفال والعلاقات، وجني المحاصيل..إلخ – قد تسبّب تأخيراً أو قد تعيق مسار التقييم: في الواقع، فإنّ الفقراء في كلّ مكان يواجهون صعوباتٍ معيشية، أي أنّ وضعهم دقيق. وبمجرّد حصول أيّ أمرٍ طارئ (طفل مريض، الكثير من الأيام الممطرة المتواصلة أو الحارة للغاية) قد يَحدث خللٌ مُعيَّن يؤدّي إلى عدم قدرتهم على المشاركة في يوم ما، أو عدم المشاركة بتاتاً. إذا كنّا نتعامل مع قريةٍ ريفية تعتمد على الزراعة مثلاً، فقد تؤدّي الظروف المناخية الطارئة إلى إعاقة العملية بأكملها، إمّا بشكلٍ مؤقّت وإمّا بشكلٍ دائم.
  4. قد نحتاج إلى أن نكون مُبدِعين بشأن طريقة الحصول على المعلومات، وتسجيلها، والإبلاغ عنها: في حال كان بعض المشاركين في التقييم غير متعلّمين، أو شبه متعلّمين، أو إذا كان المشاركون يتكلّمون عدداً من اللغات المختلفة (الانكليزية أو الكردية أو لهجة محلية صعبة جداً، مثلاً)، فسوف يتوجّب علينا إيجاد طريقةٍ لتسجيل المعلومات يفهمها الجميع، ويمكن أن تكون مفهومة بدورها من قبل الآخرين من خارج المجموعة.
  5. قد لا يفهم المُموِّلون وصانعو السياسات التقييمَ التشاركي أو قد لا يؤمنون به: في أسوأ الحالات، قد يجعلنا ذلك نخسر تمويلنا أو نفوّت فرصة التقدّم بطلبٍ للتمويل. وفي أفضل الحالات، سوف يكون علينا أن نكرّس الكثير من الوقت والجهد لإقناع المُموِّلين وصانعي السياسات بأنّ التقييم التشاركي هو فكرةٌ جيّدة، وللحصول على دعمهم لجهدنا.

إنّ بعض هذه السيّئات قد تُعتبَر أيضاً بمثابة حسنات: فالتدريب الذي يحصل عليه الناس يختلط مع تطويرهم الذاتي للمهارات الجديدة التي يمكن نقلها إلى نواحٍ أخرى من الحياة. مثلاً، إنّ استحداث طرقٍ مُبتكَرة للتعبير عن الأفكار يفيد الجميع، وبعد إقناع المُموِّلين وصانعي السياسات بمنافع العملية التشاركية والتقييم التشاركي، فيشجّعون الآخرين على استخدامهما أيضاً. غير أنّ جميع هذه السيّئات المُحتمَلة تكلّف الكثير من الوقت الذي قد يكون ثميناً. إذا كان من الضروري للغاية أن تحدث الأمور بسرعة (وهذا صحيح، ليس بمقدار ما يعتقده معظمنا)، فقد لا يكون التقييم التشاركي هو الخيار الأنسب.

متى قد نستخدم التقييم التشاركي؟

إذاً، متى نستخدم التقييم التشاركي؟ في ما يلي بعض الأسباب التي تدعونا إلى اعتباره بمثابة الخيار الأفضل لأغراضنا:

  1. عندما نكون ملتزمين بالعملية التشاركية في مشروعنا: قد يُدرَج التخطيط للتقييم وقد يُصمَّم بطريقة جماعية كجزءٍ من خطّة المشروع العامة.
  2. عندما يتوافر لدينا الوقت الكافي، أو عندما تكون النتائج أهمّ من الوقت: كما أوضحنا في الجزء الأخير من هذا القسم، إنّ إحدى أبرز السيئات التي ينطوي عليها التقييم التشاركي تكمن في الوقت الذي يستغرقه. ففي حال لم يكن الوقت هو العامل الأهمّ يمكننا الاستفادة من حسنات التقييم التشاركي من دون أن يكون علينا التعويض عن الكثير من سيئاته.
  3. عندما نتمكّن من إقناع المُموِّلين بأنّه فكرة جيّدة: قد يطلب المُموِّلون بالتحديد إجراء تقييمٍ خارجي، أو قد يشكّون بكلّ بساطة في قيمة التقييم التشاركي. في الحالتَين، قد يكون علينا إقناعهم لكي نتمكّن من استخدام العملية التشاركية. ولكن، إذا استطعنا الحصول على دعمهم فقد يحبّذ المُموِّلون التقييمَ التشاركي لأنّه غالباً ما يكون أقلّ كلفةً، ولأنّه يقدّم قيمةً مضافة من حيث التمكين والمهارات التي يمكن تناقلها.
  4. في حال وجود بعض المسائل في المجتمع المحلّي أو في الفئة المعنية يجهلها على الأرجح المُقيِّمون الخارجيون (أو مزوّدو البرنامج): في الواقع، فإنّ العوامل السياسية، والاجتماعية، والعلائقية في المجتمع المحلّي قد تشوّه نتائج التقييم. وفي حال لا يدرك المُقيِّمون هذا العوامل وتاريخها، فقد لا يتنبّهون إلى أنّ ما يجدونه مطبوعٌ بطابعٍ مُعيَّن. أمّا المُقيِّمون المنتمون إلى المجتمع المحلّي فقد يساعدون على استيعاب تأثير هذه العوامل، وقد يقدّمون في نهاية المطاف تقييماً أكثر دقّة.
  5. عندما نحتاج إلى معلوماتٍ يصعب على أيّ شخصٍ خارج المجتمع المحلّي أو الفئة المعنية أن يحصل عليها: إذا علمنا أنّ أعضاء المجتمع المحلّي أو الفئة المعنية غير مستعدّين للتكلّم بحرية مع أيّ شخصٍ خارجي، عندئذٍ يكون التقييم التشاركي طريقة لزيادة فرص حصولنا على المعلومات التي نحتاج إليها.
  6. عندما تكمن إحدى غايات المشروع في تمكين المشاركين ومساعدتهم على تنمية المهارات التي يمكن تناقلها: هنا، يصبح التقييم التشاركي جزءاً من المشروع بحدّ ذاته ومن غاياته، كما يجدر به أن يكون في جميع الحالات.
  7. عندما نريد لمّ شمل المجتمع المحلّي أو الفئة المعنية: إضافةً إلى تعزيز روح التعاون كما ذكرنا، فإن التقييم التشاركي يمكنه أن يخلق فرصاً للعمل المشترك والتعارف بين أشخاصٍ لا يتواصلون مع بعضهم البعض عادةً. وهذه الألفة قد تنتقل بعد ذلك إلى جوانب أخرى من حياة المجتمع المحلّي، وقد تغيّر الطابع الاجتماعي للمجتمع المحلّي على المدى البعيد.

مَن يجب أن يشارك في التقييم التشاركي؟

أشرنا مراراً إلى أصحاب المصلحة – أي الأشخاص المتأثّرين مباشرةً بالمشروع الذي يتمّ تقييمه. فمَن هم أصحاب المصلحة؟ في الواقع، يختلف أصحاب المصلحة باختلاف المشروع، وتبعاً لمحور الاهتمام، والتمويل، والمُخرَجات المنشودة، إلخ. ولكن، هناك عدد من المجموعات التي تكون معنية عادةً:

  1. المشاركون أو المستفيدون: أي الأشخاص الذين يتوجّه إليهم المشروع. هؤلاء قد يؤلّفون مجموعةً مُحدَّدة (مثلاً: أشخاصٌ يعانون حالةً مرضية مُعيَّنة)، أو فئة مُعيَّنة (كالنازحين الجدد من بلاد النزاعات والحروب أو الوافدين للعمل)، أو مجتمعاً محلّياً برمّته. وقد يكونون حاصلين على خدمةٍ ما (مثلاً: التدريب الوظيفي)، أو قد يكونون بكلّ بساطة مستفيدين ممّا يقوم به المشروع (الوقاية من العنف في حيّ سكني مُعيَّن). غالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص هم الأكثر استفادةً من نجاح المشروع، والأقلّ خبرةً في التقييم.
  2. طاقم المشروع و/أو المتطوّعون فيه: أي الأشخاص الذين يقومون فعلياً بتنفيذ المشروع. قد يكونون محترفين، أو أشخاصاً يتمتّعون بمهاراتٍ مُحدَّدة، أو متطوّعين من المجتمع المحلّي. وهم قد يعملون مباشرةً مع المستفيدين من المشروع كمرشدين، أو معلّمين، أو مزوّدين للرعاية الصحّية، أو قد ينادون بحقوق المهاجرينأو العمال الوافدين، أو يحدّدون مكاناً مفتوحاً للحفاظ عليه، أو يجيبون على الهاتف والرسائل. أياً كانوا، غالباً ما يعرفون عملهم أكثر من أيّ شخصٍ آخر، وقد تكون حياتهم متأثّرة بالمشروع، تماماً كتأثر المشاركين أو المستفيدين.
  3. الإداريون: أي الأشخاص الذين ينسّقون المشروع أو الجوانب المُحدَّدة فيه. تماماً كالموظّفين والمتطوّعين، الذين يعلمون الكثير عمّا يجري، كما أنّهم معنيون مباشرةً بالمشروع على الصعيد اليومي.
  4. المُقيِّمون الخارجيون، إذا كانوا مشاركين: في حالاتٍ كثيرة، يجري توظيف المُقيِّمين الخارجيين ليقوموا بإدارة التقييمات التشاركية. وما من شكّ في ضرورة إشراكهم.
  5. المسؤولون في المجتمع المحلّي: قد نحتاج إلى دعم قادة المجتمع المحلّي، أو قد نرغب بكلّ بساطة في إعطائهم وإعطاء المشاركين الآخرين فرصةَ التعرّف إلى بعضهم البعض ضمن سياقٍ قد يؤدّي إلى فهمٍ أفضل لاحتياجات المجتمع المحلّي.
  6. الأشخاص الآخرون الذي تتأثّر حياتهم بالمشروع: يختلف تعريف هذه المجموعة إلى حدٍّ كبير بين مشروعٍ وآخر. بشكلٍ عام، تتألّف هذه المجموعة من الأشخاص الذين سوف تتغيّر وظائفهم أو نواحٍ أخرى من حياتهم إمّا من خلال سير المشروع بحدّ ذاته، وإمّا من خلال مُخرَجاته

نذكر كمثالٍ على ذلك مالكي الأراضي الذين قد يتأثّر استخدامهم المُحتمَل لهذه الأراضي بمبادرةٍ بيئية مُعيَّنة، أو بخطّةٍ في حيّ سكني مجاور.

كيف نُجري تقييماً تشاركياً؟

يشمل التقييم التشاركي عناصر تتعلّق بتصميم المشروع، بالإضافة إلى تقييمه. فما نقيّمه يعتمد على ما نريد معرفته وما نحاول القيام به. وتحديد أسئلة التقييم الفعلية يؤدّي إلى انطلاق المشروع تماماً كما يفعل البرنامج الاختباري المعياري الذي يوجّه التعليم. فعندما تنبع هذه الأسئلة من تقديرٍ يشترك فيه أصحاب المصلحة، يكون التقييم مرحلةً من مراحل عملية البحث التشاركي المرتكز إلى المجتمع المحلّي (راجعوا الفصل 36، القسم 2: البحث التشاركي المرتكز إلى المجتمع المحلّي).

والواقع أنّ التقييم التشاركي يقوم على مرحلتَين: الأولى تشمل إيجاد أصحاب المصلحة وتدريبهم ليشاركوا في التقييم. والثانية – التي قد تحدث بجزءٍ منها قبل المرحلة الأولى أو في خلالها – تتضمّن التخطيط والتطبيق للمشروع وتقييمه، وتتألّف من ستّ خطوات:

  • تسمية المسألة وتأطيرها
  • تطوير نظرية ممارسة للتعامل معها
  • تحديد الأسئلة الواجب طرحها، وكيفية الإجابة عنها للحصول على المعلومات التي نحتاج إليها
  • جمع المعلومات
  • تحليل المعلومات التي جمعنا
  • استخدام المعلومات للاحتفال بما نجح، ولتعديل المشروع وتحسينه.

سوف نتناول هاتين المرحلتَين بالتفصيل.

إيجاد أصحاب المصلحة وتدريبهم ليشاركوا في التقييم

للأسف، لا تقوم هذه المرحلة على الإعلان عن التقييم التشاركي فحسب، ثمّ انتظار الناس وهم يتهافتون للمشاركة فيه. في الواقع، قد تكون هذه المرحلة من أصعب الجوانب التي ينطوي عليها إجراء التقييم التشاركي.

هنا تُبنى الثقة التي ناقشناها سابقاً. فالفئة التي نعمل معها قد لا تثق بالأشخاص الخارجيين، أو قد تكون معتادة على وعود المشاركة التي يتبيّن أنّها وعود فارغة أو التي يتمّ تجاهلها بكلّ بساطة. وقد تكون معتادة على أن يتمّ تجاهلها بشكلٍ عام، و/أو أن تحصل على خدماتٍ وبرامج لا تلبّي احتياجاتها الفعلية. ففي حال لم نكن قد بنينا علاقةً تقوم على ثقة الناس بوعودنا، فقد حان الوقت للقيام بذلك الآن. قد يتطلّب هذا الأمر بعض الوقت والجهد (فقد يكون علينا أن نُثبِت أنّنا سوف نظلّ هنا بعد ستّة أشهر) ولكنّ الأمر يستحقّ العناء. فإذا حظينا بعلاقةٍ قوامها الثقة والاحترام المتبادلَين، فسوف نزيد حظوظ نجاح المشروع، ناهيك عن التقييم. (راجعوا الفصل 14، القسم 5: بناء الالتزام وإدامته، و7: بناء العلاقات وإدامتها.)

ولكن، لنفترض أنّ هذه الخطوة أُنجزت، وأنّنا بنينا علاقاتٍ جيّدة في المجتمع المحلّي وضمن الفئة التي نعمل معها، ومع موظّفي المشروع. ولنفترض أيضاً أنّ هؤلاء الأشخاص يعلمون القليل عن التقييم التشاركي إنْ هم علموا شيئاً. هذا يعني أنّهم يحتاجون إلى التدريب ليكونوا فعّالين.

إذا كان تقييمنا يشكّل بالفعل جزءاً من جهدٍ تشاركي أوسع، يُطرَح سؤال حول ما إذا كان يجب توظيف الفريق نفسه الذي قام بالتقديرات و/أو الذي خطّط للمشروع، ربّما مع بعض الإضافات، كالمُقيِّمين. طبعاً، ينطوي هذا الخيار على نواحٍ إيجابية وأخرى سلبية. فالفريق مُشكَّل مسبقاً، ولديه طريقة للعمل الجماعي، وقد حصل على بعض التدريبات في طرق البحث، إلخ. إذاً، إنّه يستطيع الانطلاق فوراً – وهذا بالتأكيد أمر إيجابي.

وبما أنّ لهم مصلحة كبيرة في رؤية البرنامج ناجحاً، قد يكون هذا الأمر إيجابياً أو سلبياً في الوقت نفسه: فقد يفسّرون نتائجهم في الضوء الأنسب، أو قد يهملون حتّى المعلومات السلبية، أو قد يكونون حريصين على رؤية المواضع التي ينبغي تحسين العمل فيها، وكيفة تحسينه، ليكون أفضل.

وهناك مسألة أخرى وهي الإرهاق. فالتقييم يتطلّب المزيد من الوقت، بالإضافة إلى ما قد قدّمه فريق التقدير والتخطيط. وصحيحٌ أنّ البعض قد يكونون مستعدّين للمتابعة، غير أنّ الكثيرين قد يكونون جاهزين لأخذ استراحةٍ (أو الانتقال إلى مرحلةٍ جديدة من حياتهم). فإذا كان احتمال تشكيل فريق جديد وارداً، فسوف يعطي ذلك الفرصة للذين أُرهِقوا لكي ينسحبوا بأمان.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ كيفية معالجة هذه المسألة سوف تعتمد على مواقف المشاركين، وعلى عدد الأشخاص الذين نستطيع فعلياً الاتّكال عليهم (إذا كان تجنيد الفريق الأساسي صعباً فعلاً، فقد لا يكون لدينا الكثير من الخيارات)، وما التزم الناس به.

تجنيد المُقيِّمين: هناك طرق عدّة للقيام بذلك. في بعض الحالات، من المنطقي دعوة المتطوّعين، وفي حالاتٍ أخرى، من المنطقي مقاربة بعض الأفراد المُحدَّدين الذين سوف يكونون مستعدّين على الأرجح – بسبب التزامهم بالمشروع أو بالفئة المعنية. وكحلٍّ بديل، يمكن أن نقارب قادة المجتمع المحلّي أو أصحاب المصلحة لاقتراح المُقيِّمين المُحتمَلين.

لقد جرى تناول موضوع التجنيد في عددٍ من الأقسام الأخرى من "عدّة العمل المجتمعي"، لا سيّما الفصل 7التشجيع على الانخراط في العمل المجتمعي، والفصل 11، القسم 1: تطوير خطّة لإشراك متطوّعين، والفصل 11، القسم 2استقطاب متطوّعين، والفصل 36، القسم 2البحث التشاركي المرتكز إلى المجتمع المحلّي.

تشمل بعض المبادئ التوجيهية الأساسية:

  • استخدام قنوات وأساليب التواصل التي تصل إلى الأشخاص الذي نستهدفهم.
  • توضيح رسالتنا قدر الإمكان.
  • استخدام اللغة المشتركة (و/أو أيّ لغة أخرى تستخدمها الفئة المعنية) البسيطة.
  • وضع رسالتنا حيث يكون الجمهور المُستهدَف.
  • مقاربة المشاركين المُحتمَلين فردياً حيث يمكن ذلك. وإذا استطعنا إيجاد أشخاصٍ يعرفونهم ليجنّدوهم، يكون ذلك أفضل.
  • تفسير ما يمكن أن يكسبه الناس من المشاركة.
  • توضيح أنّهم يُسأَلون لأنّهم يتمتّعون بالميزات الضرورية للمشاركة.
  • تشجيع الناس، ولكن أيضاً اعتماد الصراحة بشأن مقدار ومدى ما يجب القيام به.
  • المناقشة مع المشاركين بشأن ما هم مستعدّون للقيام به وما يستطيعون إنجازه.
  •  محاولة تقديم الدعم – كرعاية الأطفال أثناء مشاركة أهلهم مثلاً – لجعل المشاركة أسهل.

الطلب من الأشخاص الذين جنّدناهم أن يوصوا بالآخرين – أو أن يجنّدوهم.

بشكلٍ عام، من المهمّ بالنسبة إلى المُقيِّمين المشاركين المُحتمَلين – لا سيّما الذين لا تقوم صلتهم بالمشروع على وظيفتهم – أن يفهموا الالتزام الذي تنطوي عليه المسألة. فالتقييم يدوم سنةً على الأرجح، إلا إذا كانت مدّة المشروع أقلّ من ذلك بكثير. وصحيحٌ أنّه لا بدّ من توقّع بعض الانسحابات والتخطيط لها، غير أنّه ينبغي على معظم الفريق أن يكون متوافراً طوال هذه الفترة.

ومن أجل تسهيل هذا الالتزام، يجب أن نناقش مع المشاركين أنواع الدعم الذي سوف يحتاجون إليها للإيفاء بالتزامهم – كرعاية الأطفال والنقليات مثلاً – ومحاولة إيجاد طرقٍ لتوفيرها. كذلك، ينبغي تنظيم اللقاءات في الفترات وفي الأماكن الأسهل بالنسبة إليهم (مع الحرص على التقليل قدر الإمكان من عدد الاجتماعات). أمّا بالنسبة إلى المشاركين من بين موظّفي المشروع الذين يتقاضون أجوراً، فينبغي أن يُعتبَر التقييم جزءاً من عملهم الاعتيادي، لكي لا يكون عبئاً إضافيا غير مدفوع يشعرون أنّهم لا يستطيعون رفضه.

إلى ذلك، يجب أن نحرص على تشكيل فريقٍ يضمّ مجمل فئات أصحاب المصلحة. فكما ناقشنا سابقاً، إذا قمنا بتجنيد "القادة" حصراً من بين فئة المستفيدين مثلاً، قد يشعر الجزء الباقي من المجموعة بالاستياء، وقد لا نحصل على منظورٍ حقيقي عن تفكير هذه المجموعة أو انطباعاتها، وقد نُخِلُّ أيضاً بالطبيعة التشاركية التي ننشدها من التقييم. وحتّى لو أحسن القادة تمثيل المجموعة فقد نرغب في توسيع دائرة تجنيد المشاركين، آملين أن نبني المزيد من القيادة المجتمعية المحلية، وتمكين الأشخاص الذين قد لا يكونون مستعدّين دائماً للتعبير.

تدريب المُقيِّمين: قد يحتاج المشاركون، تبعاً لخلفياتهم، إلى التدريب في عددٍ من النواحي. فقد لا يمتلكون سوى خبرة ضئيلة في مجال حضور الاجتماعات والمشاركة فيها، مثلاً، وقد يحتاجون إلى البدء من هنا. لذلك، من الممكن أن يستفيدوا من مقدّمةٍ عن فكرة التقييم التشاركي، وكيف يجري. ومن المؤكّد أنّهم سوف يحتاجون إلى بعض التدريب في موضوع جمع البيانات وتحليلها.

يُذكَر أنّ كيفية تنفيذ التدريب سوف تختلف باختلاف احتياجات وبرامج عمل المشاركين والمشروع. فقد يتمّ التنفيذ على مراحل قصيرة تمتدّ لفترةٍ طويلة من الزمن – أسابيع أو أشهر – أو قد يحصل دفعةً واحدة في خلوةٍ تُعقَد في إحدى عطل نهاية الأسبوع، أو بالمزج بين هذين الاحتمالَين. فما من طريقةٍ صحيحة أو خاطئة هنا. في الخيار الأوّل، قد يُفسَح المجال أمام المزيد من الناس ليشاركوا، في حين أنّ الخيار الثاني يسمح للناس بأن يتعرّفوا على بعضهم البعض وأن يتّحدوا كفريقٍ. في حال استخدمنا  الطريقتين، فهذا يسمح بتحقيق الفائدتَين معاً.

وعلى المنوال نفسه، يوجد عدد كبير من طرق التدريب التي يمكن لمجموعةٍ  مُعيَّنة أن تستفيد من أيٍّ منها أو من جميعها. فأفضل طريقةٍ للتدريب على مهارات الاجتماع – كمعرفة متى يجب المساهمة والاستجابة وكيف، ومتابعة النقاش، إلخ – تكون عبر الإرشاد بدلاً من التعليم. وأفضل طريقةٍ لتعلّم مهارات إجراء المقابلات تكون عبر لعب الأدوار وغير ذلك من التقنيات الاختبارية. وهناك بعض التدريبات – كيفية مقاربة السكّان المحلّيين مثلاً – التي يُفضَّل أن تُعطى من قبل المشاركين أنفسهم.

في ما يلي بعض النواحي التي قد يكون التدريب عليها ضرورياً:

  • عملية التقييم التشاركي: كيف يجري التقييم التشاركي، وغاياته، والأدوار التي قد يلعبها الناس في العملية، وما الذي يجب توقّعه.
  • مهارات الاجتماع: متابعة النقاشات، ومهارات الإصغاء، وحلّ الخلافات أو النزاعات، والمساهمة والاستجابة بطريقة ملائمة، والقواعد والآداب العامة الرئيسية، إلخ.
  • إجراء المقابلات: توفير جوّ مريح للناس، ولغة الجسد ونبرة الصوت، وطرح الأسئلة المفتوحة وأسئلة المتابعة، وتسجيل ما يقوله الناس والمعلومات المهمّة الأخرى، ومعالجة المقاطعات والإلهاءات، والمقابلات الجماعية. (يُرجى مراجعة الفصل 3، القسم 12إجراء المقابلات، و15: الطرق النوعية في تقدير المسائل المجتمعية، فضلاً عن الفصل 40، القسم 3: الحصول على المردود من المشاركين واستخدامه، لمزيدٍ من التفاصيل حول مهارات إجراء المقابلات.)
  • المراقبة: المراقبة المباشرة والمراقبة من قبل المشاركين، واختيار الأوقات والأماكن الملائمة للمراقبة، والمعلومات ذات الصلة التي يجب إدراجها، وتسجيل حصيلة المراقبات. (للمزيد عن تقنيات المراقبة راجعوا أيضاً الفصل 3، القسم 15الطرق النوعية في تقدير المسائل المجتمعية).
  • تسجيل المعلومات وإبلاغ المجموعة بها: ما يقوله ويفعله الأشخاص الذين تتمّ مقابلتهم ومراقبتهم، والرسائل غير الكلامية التي يرسلونها، وهويتهم (العمر، والوضع، إلخ)، والظروف، والتاريخ والتوقيت، والعوامل الأخرى التي أثّرت على المقابلة أو المراقبة.

بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يحبّذون الكتابة، أو الذين لا يجيدونها، أو الذين يعتبرون اللغة حاجزاً، يجب أن تتوافر لديهم طرق بديلة للتسجيل والإبلاغ. فالرسوم والصور، أو الخرائط، أو الرسوم البيانية، أو التسجيلات الصوتية، أو الفيديو، أو غيرها من الطرق المُبتكَرة لتذكُّر ما قيل وما روقب بالضبط.. جميعها يمكن أن تُستخدَم كبدائل بما يتناسب والوضع. وفي المقابلات، من المهمّ طلب إذن الشخص الذي سوف تُجرى معه المقابلة أوّلاً إذا كنّا ننوي استخدام التسجيلات الصوتية أو الفيديو وذلك قبل أن يأتي الشخص الذي سوف يُجري المقابلة، ومعه المعدّات، تجنّباً لأيّ سوء تفاهم.

  • تحليل المعلومات: التفكير النقدي، وأنواع الأمور التي توضحها لنا الإحصائيات، وغيرها من الأمور التي ينبغي التفكير فيها. (راجعوا الفصل 17: تحليل مشكلات وحلول المجتمع المحلّي، لا سيّما الأقسام 2: التفكير النقدي، و3: تحديد المشكلة وتحليلها، و4: تحليل الأسباب الجذرية للمشكلات: تقنية "ولكن لماذا؟".)

راجعوا الفصل 12، القسمَين 2: تصميم جلسة تدريب، و3: إجراء جلسة تدريب، للمزيد عن التدريب بشكلٍ عام.

التخطيط للمشروع وتقييمه وتطبيقهما

هناك افتراضٌ هنا بأنّ جميع مراحل المشروع تتّخذ الطابع التشاركي، بحيث أنّ تقييمه والتخطيط له والتقدير الذي يقود إليه، جميعها تنطوي على مشاركة أصحاب المصلحة (ليس بالضرورة أن يكونوا الأشخاص أنفسهم الذين يلعبون دور المُقيِّمين). وفي حال لم يشارك أصحاب المصلحة منذ البداية فلن يكون لديهم الفهم العميق لأهداف المشروع وبنيته كما لو كانوا قد ساعدوا فيه. وبالتالي، سوف يكون التقييم أقلّ دقّةً – أي أقلّ قيمةً – من المشروع الذي يكونون مشاركين فيه منذ البداية.

تحديد وتأطير المشكلة أو الغاية الواجب مخاطبتها: إنّ تحديد ما نقيّمه يلقي الضوء على ما يخاطبه المشروع وينوي إنجازه. وممثّلو المجتمع المحلّي وأصحاب المصلحة، أي جميع الذين قد يربحون أو يخسرون شيئاً ما، يعملون معاً على تطوير رؤيةٍ ورسالةٍ مشتركتَين. ومن خلال جمع المعلومات حول الهموم المجتمعية وتحديد المقدّرات المتوافرة، يمكن المجتمعات المحلّية أن تفهم المسائل التي يجب أن يركّز عليها المشروع.

تحديد المشكلة أو الغاية يعني إلقاء الضوء على المسألة التي يجب مخاطبتها. أمّا تأطيرها فيتعلّق بطريقة نظرنا إليها. فإذا اعتبرنا أنّ عنف الشباب هو مشكلة مرتبطة بتنفيذ القانون، مثلاً، عندئذٍ ينطوي التأطير على طرقٍ مُحدَّدة لحلّها: قوانين أكثر صرامةً، تنفيذ أكثر صرامةً للقوانين، عدم التساهل بتاتاً مع العنف، إلخ. وإذا اعتبرناه مزيجاً بين عددٍ من المسائل – كتوافر الأسلحة اليدوية والبطالة واستخدام المخدّرات بين الشباب، والمسائل الاجتماعية التي تؤدّي إلى تشكُّل العصابات، والانعزال، واليأس في بعض الفئات المُحدَّدة، والفقر، إلخ – عندئذٍ قد تشمل الحلول برامجَ التوظيف والترفيه، والإرشاد، ومعالجة إساءة استخدام مواد الإدمان، إلخ، بالإضافة إلى تنفيذ القوانين.

فكلّما عرفنا المزيد عن مشكلةٍ ما، وكلّما أدرجنا وجهات نظر مختلفة في تفكيرنا حول المشكلة، نستطيع تأطيرها بدقّةٍ أكبر، وتزداد حظوظ إيجاد حلٍّ فعّال.

تطوير نظريةٍ للممارسة من أجل التعامل مع المشكلة:  كيف ننفذ جهداً مجتمعياً لكي نضمن حلّ المشكلة المطروحة؟ يجيب الكثير من المجتمعات المحلّية والمنظّمات عن هذا السؤال من خلال إطلاق برامج غير مُنسَّقة لعلاج المشكلة، أو من خلال اعتماد مقاربةٍ مُعيَّنة (كتنفيذ القوانين مثلاً) يُفترَض أنّها سوف تحلّ المشكلة. إذا ما أردنا أن ينجح في الواقع، فعلينا أن نضع خطّة لإيجاد حلٍّ، وتطبيقه، وتقييمه، وتعديله، والحفاظ عليه.

وبغضّ النظر عن التسمية التي نختارها لهذه الخطّة – نظرية في الممارسة، أو نماذج منطقية، أو مقاربة أو عملية – فينبغي أن تكون منطقية ومتّسقة، وأن تأخذ بعين الاعتبار جميع النواحي التي يجب تنسيقها حتّى تنجح، وأن تعطينا توجيهاً عامًا وقائمةً بالخطوت لاتّباعها وتنفيذها.

وبعد أن نكون قد حدّدنا المسألة مثلاً، فقد تنصّ إحدى نظريات الممارسة المُحتمَلة على ما يلي:

  • تشكيل ائتلاف من المنظّمات، والوكالات، وأعضاء المجتمع المحلّي المعنيين بالمشكلة.
  • تجنيد فريقٍ مختصّ بالبحث التشاركي وتدريبه، على أن يضمّ ممثّلين عن جميع مجموعات أصحاب المصلحة.
  • قيام الفريق بجمع المعلومات المباشرة الإحصائية والنوعية عن المشكلة، وتحديد المقدّرات أو الموارد المجتمعية التي قد تساعد على التعامل معها.
  • استخدام المعلومات التي لدينا لتصميم حلٍّ يأخذ في الحسبان درجة تعقيد المشكلة وسياقها.

قد يتعلق الأمر ببرنامج واحد أو مبادرة واحدة، أو قد يكون جهداً مُنسَّقاً على نطاق المجتمع المحلّي يضمّ العديد من المنظّمات، ووسائل الإعلام، والأفراد. إذا كان الأمر أقرب إلى الاحتمال الثاني، فهذا جزءٌ من التعقيد الذي علينا أخذه في الحسبان، إذ يجب أن يكون التنسيق جزءاً من الحل، كمثل طرق تخطّي العوائق البيروقراطية التي قد تحدث، وطرق إيجاد الموارد المالية والشخصية التي نحتاج إليها.

  • تطبيق الحلّ.
  • تنفيذ الرصد والتقييم الذي سوف يعطينا مردوداً مستمراً من الناس عن مدى نجاحنا في تحقيق الأهداف، وما الذي يجب تغييره لتحسين حلّنا.
  • استخدام المعلومات التي حصلنا عليها من خلال التقييم لتعديل الحلّ وتحسينه.
  • العودة إلى النقطة "ب" ومعاودة هذه الخطوة وفقاً للحاجة إلى أن تُحَلّ المشكلة، أو – لأن الأرجح أن الكثير من المشكلات المجتمعية لا تختفي أبداً فعلياً – أو معاودتها بشكلٍ متواصل لصيانة على مكاسبنا وزيادتها.

 

تحديد أسئلة التقييم الواجب طرحها، وكيفية طرحها، وذلك للحصول على المعلومات التي نحتاج إليها: كما ناقشنا من قبل، إنّ اختيار أسئلة التقييم يوجّه العمل في الأساس. فما نختاره فعلياً هنا هو ما سوف ننتبه إليه. قد يعطي البرنامج نتائج بارزة لم ندركها قط، لأنّنا لم نبحث عنها – أي أنّنا لم نطرح الأسئلة التي تشكّل هذه النتائج إجابات عنها. لذلك، من المهمّ للغاية اختيار الأسئلة بدقّة: فهي التي سوف تحدّد ما نجده.

تأطير المشكلة هو أحد العناصر هنا – أي وضعها في سياقها، والنظر إليها من جميع الجوانب، وتخطّي افتراضاتنا وتحيُّزاتنا من أجل الحصول على نظرةٍ أوضح وأشمل. وهناك عنصر آخر هو تصوُّر المُخرَجات والنتائج التي نريدها، والتفكير في ما يجب تغييره، وكيف نغيّره، من أجل بلوغها.

التأطير مهمٌّ في هذا النشاط أيضاً: إذا أردنا خفض عنف الشباب بكلّ بساطة، فقد يبدو تعزيز صرامة القوانين والتنفيذ حلاً معقولا، وذلك في حال افترضنا أنّنا مستعدّون للالتزام بذلك على الدوام، وفي حال كنّا لا نريد خفض عنف الشباب أو إلغاءه فحسب بل تغيير المناخ الذي يعزّزه (أي إحداث التغيير الاجتماعي الطويل الأمد)، يصبح الحلّ أكثر شموليةً ويتطلّب، كما أشرنا سابقاً، أكثر من مجرّد تنفيذ القوانين. والحلّ الأشمل يعني المزيد من أسئلة التقييم، والمزيد من التعقيد فيها.

في الحالة الأولى، قد تنحصر أسئلة التقييم في ما يلي (مع بعض التعديلات). مثال: "هل ازداد عدد الاعتقالات والاتّهامات بحقّ المعتدين الشباب بسبب قيامهم بجرائم عنيفة في الفترة الزمنية المدروسة، مقارنةً مع الفترة الأخيرة التي توافرت فيها سجلات قبل تنفيذ الحلّ الجديد؟"، "هل خضع المعتدون الشباب لعقوباتٍ أقسى من ذي قبل؟"، "هل انخفض عدد الحوادث العنيفة التي يتورّط فيها الشباب؟"

وإذا نظرنا إلى الصورة الأشمل، إلى جانب البعض من هذه الأسئلة، فقد نضيف أسئلةً عن البرامج الاستشارية للمعتدين الشباب بهدف تغيير مواقفهم والمساعدة على تسهيل إعادة دمجهم في المجتمع المدني، وعلاج الإدمان على المخدّرات والكحول، وضبط مبيعات الأسلحة اليدوية، وتغيير مواقف المجتمع المحلّي، إلخ.

جمع المعلومات: هذا هو الجزء الأكبر في تطبيق التقييم، على الأقلّ من حيث الوقت والمجهود. فقد يُجري الكثير من المُقيِّمين أيًّا من الخطوات التالية أو جميعها - وذلك تبعاً للمعلومات المطلوبة:

  • البحث في سجلات المسح أو غيرها من السجلات العامة، بالإضافة إلى أرشيف الأخبار، ومجموعات المكتبات، والانترنت..إلخ.
  • المقابلات الفردية و/أو الجماعية.
  • المجموعات المُركَّزة.
  • جلسات تشارك المعلومات المجتمعية.
  • المسوح.
  • المراقبة المباشرة أو المراقبة من قبل المشاركين.

في بعض الحالات – لا سيّما بين الفئات غير المتعلّمة في البلدان النامية – قد يتوجّب على المُقيِّمين أن يجدوا طرقاً مبتكَرة لاستخلاص المعلومات. في بعض الثقافات، قد تكشف الخرائط، أو الرسوم، أو التمثيلات ("انفترض أن هذه الصخرة تمثّل بيت الزعيم...")، أو حتّى إخبار القصص، أكثر ممّا تكشفه الإجابات عن الأسئلة المباشرة.

(لمزيدٍ من المعلومات عن التقنيات المعيارية، راجعوا الفصل 3، القسم 3: إقامة منتديات عامة وجلسات استماع، و6: تنظيم مجموعات مركّزة، و12: إجراء المقابلات، و13: إجراء المسوح، و15: الطرق النوعية في تقدير المسائل المجتمعية. وراجعوا أيضاً الفصل 31، القسم 1: كيف نُجري بحثاً: نظرة عامة.)

تحليل المعلومات التي جمعنا: بعد أن نكون قد جمعنا جميع المعلومات التي نحتاج إليها، تقوم الخطوة التالية على فهمها. ما الذي تعنيه الأرقام؟ وما الذي تشير إليه قصص الناس وآراؤهم بشأن المشروع؟ هل نفّذنا العملية التي كنّا قد خطّطنا لها؟ في حال لم ننفذها، هل أحدث ذلك فرقاً، إيجابياً أم سلبياً؟

في بعض الحالات، تسهل نسبياً الإجابة عن هذه الأسئلة. فإذا كانت لدينا أهداف مُحدَّدة لخدمة الناس، أو لإنجازات المستفيدين، بإمكاننا أن نكتشف بسرعةٍ ما إذا كنا حقّقناها أم لا. (لقد خطّطنا لخدمة 75 شخصاً، وقمنا فعلياً بخدمة 82 شخصاً. توقّعنا أنّ 50 شخصاً سوف يكملون البرنامج فيما61 أكملوه فعلياً.)

في حالات أخرى، يصعب أكثر تفسير معنى المعلومات. فماذا لو قال حوالى نصف الأشخاص الذين أُجريَت المقابلات معهم إنّ المشروع كان مفيداً بالنسبة إليهم، فيما قال النصف الآخر عكس ذلك؟ مثل هذه النتيجة قد تدفعنا إلى القيام ببعض الأعمال الاستكشافية (هل يوجد أيّ خصائص إثنية، أو عرقية، أو جغرافية، أو ثقافية مرتبطة بكلٍّ من الفئتَين؟ ومع مَن عملت كلّ مجموعة؟ وأين اختبروا المشروع، وكيف؟ وهل لدى أعضاء كلّ مجموعة أيّ قواسم مشتركة؟)

صحيحٌ أنّ جمع المعلومات يتطلّب أكبر مقدارٍ من العمل والوقت، إلا أنّ تحليلها يشكّل ربّما الخطوة الأهمّ في عملية إجراء التقييم. فتحليلنا يدلّنا على ما يجب معرفته من أجل تحسين مشروعنا، ويعطينا أيضاً الأدلّة التي نحتاج إليها للحصول على التمويل المستمرّ وعلى تأييد المجتمع المحلّي. ومن المهمّ أن تتمّ هذه الخطوة بشكلٍ جيّد، وأن تُفسَّر النتائج المبهمة كما في المثال الذي أوردناه أعلاه. وهنا تبرز أهمية التدريب الجيّد والإرشاد الجيّد لاستخدام التفكير النقدي وغيره من التقنيات. (يُرجى مراجعة الفصل 17: تحليل مشكلات وحلول المجتمع المحلّي، للمزيد عن التفكير النقدي وحلّ المشكلات.)

بشكلٍ عام، يجب أن تشمل عملية جمع المعلومات وتحليلها النواحي الثلاث التي ناقشناها سابقاً في هذا القسم: العملية، والتطبيق، والمُخرَجات. الغرض هنا يكمن في توفير المعلومات لتحسين المشروع وتوفير المساءلة  للمُموِّلين والمجتمع المحلّي.

  • العملية: هذه الناحية تتعلّق بالجزء اللوجستي من المشروع. هل تمّ التنسيق والتواصل بشكلٍ جيّد؟ هل كانت عملية التخطيط تشاركية؟ هل كان الجدول الزمني الأوّلي واقعياً لكلّ مرحلةٍ من المشروع – كالتوسع في الوصول إلى المنتفعين، والتقدير أو القياس، والتخطيط، والتطبيق، والتقييم؟ هل تمكّنا من إيجاد أو توظيف الأشخاص المناسبين؟ هل وجدنا التمويل الملائم والموارد الأخرى؟ هل كان المكان ملائماً؟ هل عمل أعضاء فرق التخطيط والتقييم بشكلٍ جيّد معاً؟ هل قام الأشخاص بالمهام المنوطة بهم؟ هل برز أيّ قادة غير مُتوقَّعين (في مجموعة التخطيط مثلاً)؟
  • التطبيق: هل قمنا بما خطّطنا للقيام به – كالوصول إلى العدد الذي خطّطنا له من الأشخاص، واستخدام الطرق التي اعتمدنا، وتوفير الخدمات أو الأنشطة بالمقدار والنوع اللذين خطّطنا لهما؟ في الواقع، إنّ هذا الجزء من التقييم لا يهدف إلى تقدير الفعالية، بل إلى تحديد ما إذا كان المشروع قد نُفِّذ وفقاً للمُخطَّط – أي ما قمنا به فعلياً، وليس ما أنجزنا كنتيجةٍ، فذاك الجزء يأتي تالياً.
  • المُخرَجاتما كانت نتائج ما قمنا به؟ هل حصل ما أملناه؟ إنْ كان قد حصل، فكيف نعلم ما إذا كان نتيجةً لما قمنا به، وليس نتيجة لعاملٍ آخر أو أكثر؟ هل ظهرت أيّ نتائج غير مُتوقَّعة؟ هل كانت إيجابية أم سلبية؟ لماذا حصل ذلك كلّه؟

استخدام المعلومات للاحتفاء بما نجح، ولتعديل المشروع وتحسينه: صحيحٌ أنّ المصداقية مهمّة – فإذا لم يُحدث المشروع أيّ أثرٍ، مثلاً، يكون بكلّ بساطة مجهوداً ضائعاً – فالتوجّه الحقيقي للتقييم الجيّد هو توجّه تكويني. وهذا يعني أنّه يرمي إلى توفير المعلومات التي من شأنها أن تساعد على الاستمرار في تكوين المشروع، وإعادة تشكيله ليكون أفضل. وبنتيجة ذلك، تكون الأسئلة العامة لدى النظر إلى العملية، والتطبيق، والمُخرَجات هي التالية: ما الذي نجح؟ وما الذي لم ينجح؟ وما هي التغييرات التي قد تحسّن المشروع؟

تتطلّب الإجابة عن هذه الأسئلة المزيد من التحليل، ولكنّها تسمح لنا بتحسين المشروع إلى حدٍّ كبير. وبالإضافة إلى التخلّي عن عناصر المشروع التي لا تنجح، أو تغييرها وتعديلها، يجب ألا نهمل تلك العناصر التي كانت ناجحة. فما من شيءٍ كامل، وحتّى المقاربات والطرق الفعّالة يمكن تحسينها.

إلى ذلك، يجب ألا ننسى الاحتفاء بنجاحاتنا. فالاحتفال يعترف بالعمل الجاد الذي قام به جميع المشاركين، وبقيمة ما نبذله من جهد. إنّه يولّد الدعم المجتمعي ويقوّي التزام المشاركين. وربّما كان الأهمّ من ذلك كلّه أنّه يوضح أنّ عمل الناس مع بعضهم البعض قد يحسّن نوعية الحياة في المجتمع المحلّي.

وهناك عنصر أخير لا يمكن تجاهله في البحث والتقييم التشاركي: فعندما نبدأ مشروعاً ما ونجعله ناجحاً فإنه يتعيّن علينا المحافظة عليه. إذاً، يجب أن يستمرّ البحث والتقييم التشاركي – ربّما ليس مع الفريق عينه، بل مع فرقٍ تمثّل جميع أصحاب المصلحة. فالظروف تتغيّر، وعلى المشاريع أن تتكيّف معها. والبحث في هذه الظروف والتقييم المتواصل لعملنا من شأنهما أن يضْمَنا تجدّد هذا العمل وفعاليته.

وقد نظن أنّنا انتهينا من عملنا في حال كان مشروعنا ناجحاً. ولكن، فلنفكّر أكثر: فالمشكلات المجتمعية لا تُحَلّ إلا إذا تمّت ممارسة الحلول بشكلٍ ناشط. ففي اللحظة التي نهمل العمل فيها يمكن أن تبدأ الظروف التي جاهدنا كثيراً في سبيل تغييرها بالعودة إلى حالتها الأساسية. لذلك، ينبغي أن يتواصل العمل – المدعوم بالبحث والتقييم التشاركي – على الدوام للحفاظ على المكاسب التي ربحناها وزيادتها.

الخلاصة

يشكّل التقييم التشاركي جزءاً من البحث التشاركي. فهو ينطوي على مشاركة أصحاب المصلحة في مشروعٍ مجتمعي معيّن في وضع معايير التقييم لهذا المشروع، وجمع البيانات وتحليلها، واستخدام المعلومات المُكتسَبة لتعديل المشروع وتحسينه.

وتسهم العملية التشاركية في جمع مختلف وجهات نظر الأشخاص المتأثّرين مباشرةً بالمشروع – وجميعها مهمّة –  وهم على الأرجح مرتبطون أيضاً بتاريخ المجتمع المحلّي وثقافته. فقد تكون المعلومات والآراء المستنيرة التي يساهمون بها أساسيةً لفعالية المشروع. علاوةً على ذلك، فإنّ انخراطهم يشجّع على التأييد المجتمعي، وقد يؤدّي إلى مكاسب مهمّة من حيث المهارات، والمعارف، وثقة الباحثين بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم. إذاً، بشكلٍ عام، يُعَدُّ التقييم التشاركي مكسباً للكلّ في جميع الأحوال.

ويُذكَر أنّ إجراء التقييم التشاركي ينطوي على عدّة خطوات:

  • تجنيد فريق للتقييم يتألّف من أصحاب المصلحة، وتدريبه.
  • تحديد المشكلة وتأطيرها.
  • تطوير نظريةٍ للممارسة لتوجيه مسار العمل.
  • طرح أسئلة التقييم المناسبة.
  • جمع المعلومات.
  • تحليل المعلومات.
  • استخدام المعلومات للاحتفال وتعديل عملنا.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الخطوة الأخيرة، كما في الكثير من استراتيجيات وأعمال بناء المجتمع المحلّي الموصوفة في عدّة العمل المجتمعي، تقوم على مواصلة العمل. فيجب أن يستمرّ البحث التشاركي بشكلٍ عام، والتقييم التشاركي بشكلٍ خاص، طوال فترة استمرار العمل، من أجل تتبّع احتياجات المجتمع المحلّي وظروفه، والاستمرار في تعديل المشروع ليكون أكثر استجابةً وفعالية. وغالباً ما يتوجّب مواصلة العمل على الدوام للحفاظ على التقدّم، وتجنّب العودة إلى الظروف أو المواقف التي جعلت المشروع ضرورياً في الأساس.

Contributor 
Phil Rabinowitz
File Upload 

موارد

موارد على الانترنت

"Participatory Evaluation: What Is It? Why Do It? What Are the Challenges?"
Ann Zukoski and Mia Luluquisen.  Community-Based Public Health Policy and Practice, Issue #5, April, 2002

دليل مرجعي للإرشاد والتقييم التشاركي من  Eldis – وهي منظّمة موارد تنموية في المملكة المُتَّحدة. إنّه موقعٌ الكتروني ضخم وشامل.

The Evaluation Exchange, vol. 1, No. 3/4, Fall, 1995,  Harvard Family Research Project.  Issue on participatory evaluation.

Edward T. Jackson and Yussuf Kassam.  Knowledge Shared: Participatory Evaluation in Development Cooperation.  Kumarian Press: Bloomfield, CT, 1998. Book of essays and case studies on participatory evaluation (free to read online).  IDRC Free Books online.Mosaic.net International, Inc. Results Based Participatory Monitoring and Evaluation 1, by Francoise Coupal

"Participatory Evaluation: How It Can Enhance Effectiveness and Credibility of Nonprofit Work."  Susan Saegert, Lymari Benitez, Efrat Eizenberg, Tsai-shiou Hsieh, and Mike Lamb, CUNY Graduate Center. The Nonprofit Quarterly, 11, 1, Spring 2004

Facilitator's Guide for Participatory Evaluation with Young People.  Barry Checkoway and Katie Richards-Schuster.  The program for Youth and Community of the University of Michigan School of Social Work.

Who Are the Question Makers? A Participatory Evaluation Handbook.  From the Office of Evaluation and Strategic Planning of the United Nations Development Programme.