مثال 1:
عندما بدأ شريف يعمل في برنامج مكافحة "عنف المراهقين" في مجتمع محلّي مكوّن بشكل واسع من أشخاص من أفراد عائلات من العمال الوافدين، حدّد عدّة مواعيد اجتماعات في البلدة أيّام الجمعة صباحاً، متخيّلاً أنّ الوقت سيكون مناسباً للأشخاص الذين يعملون خلال الأسبوع. وعندما لم يأتِ إلى الاجتماعات إلاّ عدد قليل من الناس، اختلطت عليه الأمور، إذْ كان قد أعلن عن الاجتماعات في الصحف، كما استخدم "إعلانات الخدمة العامّة" على محطّات الراديو المحلّية، وعلّق ملصقات ووزّع مناشير في الأحياء. إذاً لماذا لم يأت سوى هذا العدد القليل من الناس؟
بعد العمل مع الجماعة المستهدَفة في المجتمع المحلّي لبعض الوقت، وبعد التآلف أكثر مع الأشخاص فيه، أدرك شريف غلطته: إنّ الإيمان الديني مهمٌّ جدّاً لدى العديد من هؤلاء، وهو كان حدّد مواعيد الاجتماعات تماماً بالتزامن مع أوقات الصلاة!
وعندما غيّر مواعيد الاجتماعات إلى بعد ظهر يوم الخميس، وتأكّد من توزيع الإعلانات عن المواعيد الجديدة في الجمعيات والمدارس ودور العبادة، شهد شريف ازدياداً ملحوظاً في عدد حاضري الاجتماعات، كما في عدد المنخرطين في البرنامج.
مثال 2:
"كان لدى وزارة التعليم فريقٌ يسافر إلى المدن عبر البلاد لتجميع شهادات حول إعادة تمويل قانون تعليم الكبار، الذي يشكّل مصدر التمويل المركزي الأساسي لتعليم الكبار، ولتعليم اللغة الإنكليزيّة كلغة ثانية، ولتعليم الكبار الأساسي. وعندما سمعنا في ائتلافنا المحلي أنّ الفريق قادم إلى مدينتنا، قرّرنا إقامة عرض مرتّب ومناسب، لاسيّما عندما سمعنا أنّ الحضور في أمكنة أخرى كان مثيراً للشفقة، إذْ لم يحضر أكثر من ثلاثة أو أربعة أشخاص لكي يقدّموا شهاداتهم في بعض الأماكن. وبما أنّه لم يكن على الفريق سوى ثماني محطّات، شعرنا أن هذه الأرقام غير مقبولة.
من هنا، قمنا بإشعال شبكة التواصل من أجل إنذار البرامج في الولاية. فضلاً عن ذلك، قمتُ بكتابة "ورقة معلومات" للطلاّب ووجّهتها إلى مستوى الصف الرابع لكي يتمكّن معظم الناس من قراءتها، ولكنّي كتبتها بشكل لا يجعل أي إنسان يشعر أنّ الورقة تكلّمه بأسلوب دُونيّ أو تقلل من قيمته الذاتية. وفي الورقة شرحٌ عن طبيعة الاجتماع، وكيف سيؤثّر عدم تمويل مشروع القانون علينا في ولايتنا، وكيف يعتمد تمويل الولاية بالتحديد على الإنفاق المركزي، الخ. إحدى الفرضيّات خلف ورقة المعلومات هذه كانت أنّه من غير الممكن أن يكون الناس منادين أو مناصرين فعّالين ما لم يفْهموا تماماً ما الذي ينادون به أو يناصرونه.
تمّ تحديد موعد الاجتماع بشكل تكون مدّته بضع ساعات قبل الظهر، على أن تكون هنالك جلسة اختياريّة بعد الظهر في حال كان هنالك المزيد من الأشخاص ينتظر. حضر 200 شخص للشهادة، معظمهم من الطلاّب، وكان هؤلاء الطلاّب الأكثر طلاقةً وتأثيراً من بين المتكلّمين، إذْ تحدّثوا عن التغييرات التي حصلت في حياتهم نتيجةً منحهم الفرصة لتعلمّ قراءة الإنكليزية أو التحدّث بها واستخدامها بيسر.
قال الناس أنّهم كانوا يشعرون بأنّ قيمتهم أقل من لا شيء، ويظنون أنّهم الوحيدون في هذا العالم الذين لا يجيدون القراءة والكتابة أو الذين لا يملكون شهادة مدرسيّة. وتحدّثوا عن أطفالهم وكيف كانوا يتعاطون مع أدائهم المدرسي عندما يدركون جدّية أهلهم ربطاً بالتعليم. كما عرض بعض الذين أدلوا بشهاداتهم سجلّهم الدراسي الذي يُظهر المواد الجامعية التي أخذوها منذ تخرّجهم من "برنامج تعليم الكبار". وقد أتى الطلاّب في الحافلات من مناطق بعيدة تاركين منازلهم في ساعة مبكرة صباحاً وعائدين إليها ليلاً، لمجرّد أنّهم أرادوا رواية قصصهم.
أمّا فريق وزارة التربية، فقد شعر بالذهول، ومدّد زيارته ليومين اثنيْن لكي يسمع أعضاءُ الفريق كل مَن كان يريد تقديم شهادته، ثمّ كتبوا لاحقاً إلى إدارة الولاية عن مدى انبهارهم بما سمعوه وشاهدوه، وكيف أثّر ذلك على آرائهم. وقد كانوا شديدي الاحترام للطلاّب الذين قدّموا شهادات ولهؤلاء الذين أتوا من أجل دعمهم، علماً أنّ بعض القصص جعلتهم يدمعون. بشكل عام، إنّه مثال رائع على ما يمكن أن يحصل عندما نشرك الأشخاص المعنيّين في المناداة أو المناصرة.
في إطار آخر، جاءت مجموعة من الطلاّب الذين كانوا يتلقّون مساعدات اجتماعيّة، وكانوا متخوّفين للغاية ممّا يمكن أن تتركه التغيرات والتقشف في السياسات المالية بالمساعدات الاجتماعيّة من أثرٍ على فرصهم في متابعة البرنامج والاستمرار في دراستهم. وكان مشروع التغيير المطروح يفرض على متلقّي المساعدات الاستفادة منها لسنتينْ فقط، بعدها يُخرَجون منها دون أن يكون لهم الحق بالعودة إليها. وسيكون عليهم العمل لمدّة 20 ساعة (مدفوعة أو تطوّعاً)، حتى في أول عامين، للمحافظة على المساعدة. ولم يكن هنالك أي دعم للتعليم أو التدرّب.
وفي مبادرة منهم، التقى الطلاّب وصاغوا لائحة بالأسئلة عن تنظيمات التغييرات المالية: من أين ستأتي رعاية الأطفال للّذين سيقومون بالخدمة المجتمعية؟ ألا يكون منطقياً أكثر أن تقوم الإدارة الرسمية بدعم التعليم والتدريب طالما أنها تريد أن يدعم الناس أنفسهم بعد أن يصبحوا خارج نطاق المساعدات الاجتماعيّة؟ لماذا لم يكن المتلقون أنفسهم منخرطين في التخطيط لعمليات التغيير المالي؟ وهكذا...
أخذ الطلاّب مئة نسخة من لائحة الأسئلة هذه إلى اجتماع عام، وقدّموا عرضاً لمجموعة تشمل نائبيْن عن الولاية ورئيسَ قسم المساعدة الانتقاليّة (وهو موقع يوازي مفوّض الولاية للمساعدات الاجتماعيّة في معظم الولايات). ولم ينتج عن الاجتماع سوى محلّي كبير، ولكنّ مجموعة النساء المنخرطة قامت بأمور أخرى. وقد علّمَت التجربة المشاركين أنّ لديهم الحق في أن تُسمع أصواتهم، والمردود الذي تلقّوه من الآخرين في الاجتماع أكّد لهم أنّ ما كانوا يقولونه في محلّه وضروري. لم أشعر بالاعتزاز بمجموعة كما شعرت مع هذه المجموعة من الناس."
(مكيَّفة عن مقابلة مع فِيْل رابيْنوفِيتز وهو مدير لجنة السياسات العامّة وعضو مجلس "ائتلاف [ولاية] ماساتشوسِتْس لتعليم الكبار". وقد تحدّث مع "عدّة العمل المجتمعي" عن تجاربه في إشراك الأشخاص المتأثرين بالمشكلة في حلّها. بالغ الشكر لفِيْل رابيْنوفِيتز على هذا المثل أعلاه.)