Search form

القسم 1. تطوير نموذج منطقي أو نظرية تغيير

  • ما هو النموذج المنطقي؟
  • متى يمكن استخدام النموذج المنطقي؟
  • كيف تبنون النموذج المنطقي؟
  • ما الذي يجعل النموذج المنطقي فعّالاً؟
  • ما هي منافع النموذج المنطقي وما هي محاذيره؟

لا شك أن الدافع للتغيير الاجتماعي الناجح هو دائماً قصّة عظيمة: غاندي، ومارتن لوثر كينغ، ومانديلا، وغيفارا، وحقوق النساء والناخبين، وحماية البيئة... سمّوا مَن وما شئتم. عندما يظهر القادة ويعمل الناس سوية لإحداث الفرق في العالم، tالقصص هي من الأمور التي تجمعهم: قصص عن كيف كانت الأمور، وعن كيف يجب أن تكون، وكيف سيجلب نضال اليوم وضعاً أفضل في الغد.

تفرض القصص المؤثّرة الانتباه، ومن ثمّة تُحفّز التحرّك. ويتمتّع إيجاد القصص القوية المؤثّرة وإخبارها بشيء من الفنون، كما يتضمّن نوعاً من العلوم كذلك. وكما ستكتشفون في هذا القسم، النماذج المنطقية هي أدوات لرواية القصص المبنيّة على براهين، وهي تجمع الفنون والعلوم، من خلال تركيز قصّة حملتكم (وفعاليتها) نحو مجتمع محلي أكثر أمناً وأكثر صحةً.

لا يمكننا أن نكونَ جميعُنا قادةً ساحرين وجذّابين، ولكنّنا نستطيع أن نستخدم أدوات عملية مثل النماذج المنطقية لإيجاد القصة الكامنة في عملنا، والتي قد تغيّر العالم.

ما هو النموذج المنطقي؟

النموذج المنطقي يعرض صورةً عن كيف يُفترض أن تعمل جهودكم أو مبادرتكم، وهو يشرح لماذا تشكّل استراتيجياتكم حلاً للمشكلة المطروحة. تقدّم النماذج المنطقية الفعّالة تصريحات واضحة، غالباً ما تكون بَصريّة، عن النشاطات التي ستُحدث التغيير والنتائج التي تتوقّعون رؤيتها في المجتمع المحلي ولدى سكّانه. النموذج المنطقي يُحرّك المشاركين في الجهود بنفس الاتّجاه من خلال تزويدهم بلغة مشتركة ونقطة مرجعيّة واحدة.

النماذج المنطقية تتخطّى كونها أداة مراقبة، فهي تصبح جزءاً من العمل نفسه، وتزوّد المبادرة بالطاقة وتجمع لها الدعم، من خلال إعلان دقيق لما تحاولون تحقيقه وكيف.

في هذا القسم، يُستخدَم تعبير "النموذج المنطقي" كعنوان شامل للطرق العديدة التي تُبرز كيف يأتي التغيير. وتشمل بعض الأسماء (أو التعبيرات) الأخرى:

  • خارطة طريق، أو خارطة المفاهيم، أو خارطة السبيل

  • النموذج الذهني

  • مخطّط التغيير

  • إطار عمل التحرك أو إطار عمل البرنامج

  • نظرية البرنامج أو فرضية البرنامج

  • الدعامة النظرية أو الأسباب الموجبة

  • السلسلة السببية أو سلسلة الأسباب

  • نظرية التغيير أو نموذج التغيير

تَستخدم كلُّ تقنية لصنع النماذج أو لوضع الخرائط مقاربةً مختلفةً بشكل ما، ولكنّها جميعاً تَستند على أساس المنطق، وتحديداً إلى منطق كيفية حدوث التغيير. ومهما كان اسمه، فالنموذج المنطقي يدعم عمل تعزيز الصحة والتنمية المجتمعية من خلال رسم جدول بياني لمسار التحول المجتمعي الناشئ.

كلمة عن "المنطق"

لكلمة "منطق" عدة تعريفات. لكونه فرعاً من الفلسفة، يخصص الباحثون الأكاديميون حياة مهنية كاملة لممارسة المنطق. وكونه وسيلة منهجية للتفكير والتحليل، يعتمد عليه المتخصّصون بالرياضيات للبراهين. وفي عالم الآلات، اللغة الوحيدة التي يفهمها الحاسوب هي منطقُ الشخص الذي  يبرمجه.

من جهة أخرى، يوجد معنى آخر أقرب إلى قلب التغيير المجتمعي: المنطق الذي تعمل الأمور من خلاله. فلنأخذ، مثلاً، منطقَ حركةِ زحمة المرور. لا أحد يخطّط لها، ولا أحد يتحكّم بها. مع ذلك، وعبر الخبرة وإدراك الأنماط المتكرّرة، فنحن نفهمها، وفي حالات كثيرة، نتمكّن بنجاح تجنّب مشاكلها (عبر استخدام سيّارة واحدة بالمداورة تنقل مجموعة من زملاء العمل معا، أو سلك طرقات بديلة، الخ...)

المقصود بالمنطق في هذا المعنى هو "العلاقة في ما بين العناصر، والعلاقة بين العناصر والكل." لكل منّا قدرة هائلة على رؤية الأنماط في الظواهر المعقّدة. فنحن نرى الأنظمة تعمل ونجد في داخلها المنطق الداخلي: مجموعةً من القواعد أو العلاقات التي تحكم سلوكها. عندما نعمل وحدنا، نستطيع تمييز منطق النظام البسيط، وعند العمل ضمن فرق، على مدى طويل وباستمرار، يندر وجود أي نظام سابق أو حالي لا نستطيع فك ألغاز منطقه.

على مقلب آخر، يمكن إسقاط المنطق على المستقبل. إن فهمٍ الإطار ومعرفة السبب والأثر يمكننا من بناء نظريات منطقية للتغيير، وفرضيات لكيف ستتكشف الأمور وحدها أم تحت تأثير تدخلات مخطَّط لها. وككل التوقعات، تكون جودة الفرضيات بجودة المنطق الذي يحكمها. الفرضيات السحرية، والتحليل الضعيف، والتفكير المشوّش كلها يزيد الفرص في أن يكون المستقبل مختلفا عمّا نتوقّع أو نتمنّى، بالرغم من جهودنا. ومن جهة أخرى، فإن بعض الأحداث التي تبدو غير متوقَّعة لغير المهيَّأ لن تكون مفاجِئة للمتمرّسين والمراقبين الحذرين.

إن التحدي لمن يتبنّى النموذج المنطقي يكمن في إيجاد حكمة مَن يعرفون بشكل أفضل كيف يحصل التغيير المجتمعي، وفي نقل هذه الحكمة بدقّة.

المنطق في النموذج المنطقي

النموذج المنطقي يشبه خارطة الطريق إذ إنّه يُظهر الطريق التي يجب أن نسلكها (أو الخطوات التي يجب اتّخاذها) للوصول إلى المكان المقصود. النموذج المفصّل يشير بالتحديد إلى كيف سيؤدّي كل نشاط إلى التغييرات المتوخاة. أما بديل الخطة العريضة فهو يرسم الطرق العامة التي تمّ اختيارها والمدى الذي سنقطعه عليها. هذا الجانب المتعلق بخارطة الطريق من النموذج المنطقي يكشف عمّا يسبّب ماذا، وبأي ترتيب. وخلال مراحل متنوعة من الخطة، قد تحتاجون لأن تقفوا وتراجِعوا تقدّمكم وتقوموا بالتعديلات الضرورية.

النموذج المنطقي يعبّر أيضاً عن التفكير في أساس خطة المبادرة، فهو يشرح لماذا يجب أن يُنفّذ هذا البرنامج، ولماذا يمكن أن ينجح فيما فشلت محاولات أخرى. هذا هو الجانب المتعلق "بنظرية البرنامج" أو الأسباب الموجبة" من النموذج المنطقي. فمن خلال تعريف المشكلة أو الفرصة، وإظهار كيف ستردّ عليها نشاطات التدخّل، فإن النموذج المنطقي يجعل فرضيات مخطّطي البرنامج واضحة.


الشكل الذي يأخذه النموذج المنطقي مرن وليس بالضرورة خطّاً أحادياً طولياً (إلاّ إذا كان منطق برنامجكم أصلاً كذلك). الرسوم البيانية والخرائط والجداول هي الأشكال الأكثر شيوعاً. كما يمكن استخدام شبكة، أو خارطة مفاهيم، أو شبكة عنكبوتية لوصف العلاقات بين المكوّنات الأكثر تعقيداً من البرنامج. ويمكن كذلك بناء النماذج حول رموز ثقافية تصف التحوّل مثل "دولاب الطب للأميركيين الأصليين"، هذا إذا شعر أصحاب المصلحة أنّ ذلك مناسب. Native American medicine wheel

انظروا مَثَل "النموذج الشامل للوقاية من والسيطرة على الأمراض والإصابات" في جزء الأمثلة "Generic Model for Disease/Injury Control and Prevention" (غير موجود في اللغة العربية) من هذا القسم الذي يجسّد كيف يمكن عرض نفس المعلومات في شكل خط آحادي أو في شكل آخر.

 

مهما كان الشكل الذي تختارونه، يجب أن يؤمّن النموذج المنطقي الاتّجاه والوضوح من خلال عرض الصورة الأكبر التي تُظهر التغيير مرفقة ببعض التفاصيل المهمّة. تعالوا لنجسّد المكونات النموذجية للنموذج المنطقي، مستخدمين مثلاً، برنامج إرشاد في مجتمعٍ محلي تعلو فيه نسبة التسرب من المرحلة الثانوية المدرسية، وسنسمّيه "على الطريق":

  • الهدف، أو الرسالة: ما الذي يحفّز الحاجة إلى التغيير؟ يمكن أيضاً التعبير عن ذلك بالمشكلات أو الفرص التي يطرحها البرنامج. (بالنسبة لبرنامج "على الطريق" On Track، ركّز المنادون المجتمعيون على رسالة تحسين النمو الصحي للشباب من أجل تحسين، أي خفض، نسبة التسرب من المرحلة الثانوية المدرسية.

  • الإطار أو الظروف: ما هو المناخ الذي سيتم التغيير فيه؟ (كيف ستتماشى السياسات والمشاريع الجديدة لبرنامج "على الطريق"، قياساً بتلك القائمة؟ ما هي الاتجاهات التي تتنافس مع جهود إشراك الشباب في نشاطات إيجابية؟ ما هو المناخ السياسي والاقتصادي للاستثمار في نماء الشباب؟)

  • المدخَلات أو الموارد أو البنية التحتية: ما هي المواد الخام التي ستُستخدم لتنفيذ الجهود أو المبادرة؟ (في برنامج "على الطريق"، هذه "المواد" هي المنسق والمتطوعون في برنامج الإرشاد، والاتفاقيات مع مدارس المناطق المشاركة، وتأييد مجموعات الأهل وهيئات المجتمع المحلي.) وقد تشمل المدخلات القيود التي يواجهها البرنامج، كالشروط أو الفجوات التمويلية، التي تشكل عوائق أمام الأهداف.

  • النشاطات، أو التدخلات: ما الذي ستقوم به المبادرة بمواردها لتوجيه مسار التغيير؟ (في مَثلِنا، سيدرّب البرنامج مُرشدين متطوعين ويُحيل الشباب الذين قد يستفيدون من المرشدين إليهم.) يجب أن يوجِّه تدخلَّكم، ومعه النموذجَ المنطقي، تحليلٌ واضح للعوامل الحامية وعوامل الخطَر. (انظروا الفصل 19، القسم 2: فهم عوامل المخاطر والحماية واستخدامها في اختيار أهداف محتملة واستراتيجيات تدخّل واعدة).

  • المخرَجات: ما هي الدلائل القائمة على أنّ النتائج نُّفّذت كما خُطّط لها؟ (المؤشرات يمكن أن تتضمّن: عدد المرشدين الذين تمّ تدريبهم، والشباب الذين تمت إحالتهم، وكذلك وتائر ونوع ومدّة وكثافة الاتصالات "الإرشادية".)

  • التأثيرات، أو النتائج أو العواقب أو الآثار: ما هي أنواع التغييرات التي أُحدثت كتأثير مباشر أو غير مباشر للنشاطات. (مَثَلان: التواصل بين المرشدين الكبار والشباب، وزيادة تقدير الذات لدى الشباب.)

يعطيكم وضعُ هذه العناصر سوية بشكل رسم بياني البنيةَ الأساسية التالية لنموذج منطقي. الأسهم بين المربّعات تشير إلى أنّ المراجعات والتعديلات تشكّل مساراً مستمراً، أثنلء تنفيذ المبادرة وأثناء تطوير النموذج:

غاية/رسالة البرنامج أو الجهود أو المبادرة

المخرجات: أدلة مباشرة على تنفيذ النشاطات

الآثار أو النتائج أو العواقب أو التأثيرات للقيام بالتحرّك (المقصودة وغير المقصودة):

  • قصيرة المدى
  • متوسطة المدى
  • طويلة المدى

إطار العمل أو ظروفه

النشاطات: ما الذي يفعله البرنامج بالموارد لتوجيه مسار التغيير

المدخل أو الموارد: المواد الخام التي يستخدمها البرنامج  

المحاذير أو العوائق أمام أهداف البرنامج

ومن خلال استخدام هذا النموذج الشامل والقابل للتعميم كقالب لأو إطار، تعالوا نضع التفاصيل في مَثَلٍ آخر من النموذج المنطقي، نموذجٍ يصف جهوداً مجتمعية صحية للوقاية من مرض السل.

النموذج المنطقي لجهود التحكم بمرض السل

المخرجات:

* أشخاص بدؤوا العلاج

* أشخاص أنهوا العلاج

إطار العمل أو ظروفه: بنية تحتية للصحة العامة متحلّلة، وفقدان الثقة بين المجتمع المحلي والحكومة

النشاطات:

* تحديد حالات السل

* تحديد المعارف

* تشخيص أسباب الحالات المحلية

الغاية أو الرسالة: تحسين الصحة والرفاهة من خلال جهود تعاونية لتخفيف حدوث السل

الآثار (تمّ تعقبها مع الوقت):

* تم علاج الأشخاص المصابين

* انخفاض في نسبة السل

* تحسّن في الوضع الصحي

المدخل أو الموارد:

* موظفون مدربون

* أنظمة معلومات عن الصحة

* عيادات ومختبرات وصيدليات

* تنظيم فعال

المحاذير أو العوائق:

*الخوف أو الوصمة

* ساعات العيادة المحدودة


 

تذكّروا أنّه رغم أن هذا المثل يستخدم المربّعات والأسهم، يمكنكم، أنتم وشركائكم، استخدام أي شكل أو صورة

تويل الفكرة بشكل أكثر فعالية إلى أصحاب المصلحة.

وكما ذكرنا سابقاً، يصف "النموذج الشامل للوقاية من والسيطرة على الأمراض والإصابات" في جزء الأمثلة (غير موجود في اللغة العربية)، نفس العلاقة بين النشاطات والتأثيرات في شكل "طولي" وفي شكل غير طولي، علماً أنّ الشكلَيْن ساعدا على التواصل مع مجموعات مختلفة من أصحاب المصلحة، وقدّما نقاطاً مختلفة.

النموذج الطولي يوجّه بشكل أفضل النقاشات حول الأسباب والتأثيرات ومدى نجاح سلسلة التأثيرات الناجمة عن برنامج معيّن. أمّا النموذج الدائري، فيصف بشكل أكثر فعالية الترابط بين المكونات لإحداث التأثيرات المرغوبة.

 

عند استكشاف نتائج التدخّل، تذكّروا أنه يمكن أن يكون هنالك تأخيرٌ طويل بين التحركات وتأثيراتها. كما يمكن لبعض التغييرات في الأنظمة أن تُحدث ثغرات ناجمة عن انتظار المردود عليها، ما يعقّد الأمور أكثر ويؤخّر قدرتنا على رؤية كافّة التأثيرات. (قد يساعدنا هنا التعريف الذي قدّمه "مجتمع ديناميكيات الأنظمة" the System Dynamics Society : "المردود – أو إرجاع الأثر - يعني أنّ الحالة أ تؤثر على ب كما تؤثر ب بدورها على أ من خلال سلسلة أسباب وتأثيرات. لا يستطيع المرء أن يدرس الرابط بين الحالة أ والحالة ب، وبشكل مستقل، بين الحالة ب والحالة أ، وأن يتوقّع كيف سيتصرّف النظام. فقط دراسة النظام بأكمله كنظام مردود ستؤدّي إلى النتائج الصحيحة.")

لهذه الأسباب، تشير النماذج المنطقية إلى متى يمكن توقع بعض التغييرات. كثيرٌ من المخططين يفضّلون استخدام التصنيفات الثلاثة التالية من التأثيرات (وهي مصوّرة في النموذَجيْن أعلاه)، مع أنّكم قد تختارون أن يكون لديكم تصنيفات أكثر أو أقل، حسب الحالة التي تتواجدون فيها:

  • التأثيرات قصيرة المدى أو السريعة: (في مَثَل "على الطريق"، تكون هذه التأثيرات أن الشباب الذين يشاركون في الإرشاد، تتحسّن ثقتهم بأنفسهم ويفهمون أهمّية البقاء في المدرسة.)

  • التأثيرات متوسطة المدى أو النصفية: (في مثل "على الطريق"، تتحسّن علامات الطلاب الذين تابعوا الإرشاد ويبقون في المدرسة.)

  • التأثيرات طويلة المدى أو النهائية: (في مثل "على الطريق"، ترتفع معدلات التخرج من المرحلة الثانوية، وعليه، يُعطى للمتخرجين فرص عمل أكثر واستقرار اقتصادي أفصل وتحسين في والوضع الصحي.)


 

في ما يلي ملاحظتان مهمّتان عن بناء النماذج المنطقية وصقلها:

نتيجة أم تأثير؟ توضيح اللغة: في مشروع تعاوني، من الحكمة توقّع الإرباك في اللغة. في حال فهمتم العناصر الأساسية للنموذج المنطقي، يصبح فإن أي تصنيف يصبح له معنى طالما يوافق عليه أصحاب المصلحة. ففي النموذج العام ونموذج السل أعلاه، سمينا التأثيرات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى. من الشائع أيضاً سماع الناس يتكلمون عن التأثيرات "القريبة" (من النشاطات) أو "المباشرة" مقابل "البعيدة" (من النشاطات) أو "غير المباشرة". قد يعرّف أصحاب المصلحة من مجاليْن مختلفيْن نفس الكلمة بطرق مختلفة، هذا لأن لكل مجال "لغته المحلية" الخاصّة.

بعض الناس مدرَّبون على تسمية التأثيرات الأولية "نتائج" والنتائج الأبعد "آثار". أناسٌ آخرون يتعلّمون العكس: "الآثار" أولاً، تليها "النتائج". فكرة التتالي هي نفسها بغض النظر عن أي تعبيرات تستخدمون مع شركائكم. النقطة الأساس هي أن تُظهروا بوضوح الصلات بين النشاطات والتأثيرات مع مرور الوقت، وبذلك تجعلون فرضيات مبادراتكم واضحة بالنسبة إلى أيٍ من أنواع التغييرات يجب توقّعها ومتى. حاولوا تعريف المفاهيم الجوهرية في مرحلة التصميم، ثم ابقوا منسجمين في استخدامكم التعبيرات.

إنّ مسار تطوير النموذج المنطقي يدعم هذا الحوار المهم ويُخرج إلى العلن سوء التفاهم المحتمل.

في السراء أو الضراء؟ فهم التأثيرات: فيما تُشكّل نقطة البداية في النموذج المنطقي تحديد التأثيرات التي تتماشى مع الغايات المُعلَنة، فإنّ التأثيرات التي تتوخّونها ليست التأثيرات الوحيدة التي يجب النظر إليها. إنّ أي تدخل قادر على تغير سلوكياتٍ تشكّل مشكلات، أو على تعديل الظروف في المجتمع المحلي، يستطيع كذلك أن يولّد تأثيرات غير مقصودة. هذه هي التغييرات التي لا يخطّط لها أحد، والتي قد تجعل المشكلة، بشكل ما، أسوأ.

كثيراً ما تؤدي جهودنا لحل مشكلة إلى نتائج مفاجئة غير مُدرَكة. إن خطر أن يكون "علاجنا" أسوأ من المرض قائم دائماً ما لم نكن حذرين. جزءٌ من القيمة المضافة في النموذج المنطقي هو أن المسار يخلق مجالاً للتدقيق في القفزات الكبيرى التي نؤمن بها، وطريقةً للبحث عن التأثيرات غير المقصودة. (انظروا نقاش المحاكاة في "ما الذي يجعل النموذج المنطقي فعالاً" لاحقاً في هذا القسم، من أجل أفكار عن كيفية القيام بذلك بطريقة منهجيّة.)

إحدى أعظم المكافآت على المجهود الإضافي هي القدرة على اكتشاف المشكلات المحتملة، وإعادة تصميم المبادرة (والنموذج المنطقي) قبل أن تطغى التأثيرات غير المقصودة من أيدينا، وذلك حتّى يكون النموذج واصفاً بدقة النشاطات التي ستُنتج التأثيرات المتوخاة بجدارة.

اختيار المستوى المناسب من التفاصيل: أهمية الإفادة والبساطة

قد يكون مفيداً هنا النظر إلى ما يمثّله النموذج المنطقي وما لا يمثّل: مع أنّ هذا النموذج يشمل الصورة الأوسع، فهو لا يمثّل بدقّة كافّة الأمور التي تحصل. إذ إنّ النماذج تبسّط الوقائع، ولو لم تفعل ذلك، لما كانت مفيدة.

بالرغم من أنّ النموذج الجيد قد يتغاضى عن بعض المعلومات، فهو يمثل تلك الجوانب من المبادرة التي يعتبرها أصحاب المصلحة الأهم من أجل فهم كيفية عمل الجهود. في معظم الحالات، قد يقوم الذين يطورون النموذج بأكثر من مسودّة قبل إنتاج النسخة التي يتّفق أصحاب المصلحة على أنّها تعكس قصّتهم بدقّة.

إذا ما أصبحت المعلومات معقّدة كثيراً، يمكن بناء عائلة من النماذج ذات الصلة، أو نماذج متشابكة، يغطّي كلٌّ منها درجة مختلفة من التفاصيل. أحد النماذج قد يرسم الطرق الواسعة  نحو التغيير، فيما النماذج الأخرى يمكن أن تفصّل المكونات المنفصلة، كاشفةً عن المعلومات المفصّلة عن كيفيّة عمل البرنامج على مستوى أعمق. كلّ نموذج يُظهر بشكل فردي المعلومات الأساسية فقط ، فيما النماذج معاً تؤمّن صورة أكمل وأشمل عن كيفية عمل البرنامج أو المبادرة. (لمزيد من التفاصيل انظروا "كيف تبنون النموذج المنطقي؟".)

تخيلوا "تركيزاً مكبّراً" ("زوم") على الأعمال الداخلية لمُكَوّن معيّن، وخلقَ نموذج أكثر تفصيلاً آخر فقط لهذا الجزء. في مبادرة معقّدة قد تختارون تطوير عائلة كاملة من النماذج المتّصلة التي تُظهر كيف يعمل كل جزء من الجهود، فضلاً عن كيف يركب كل جزء في الأجزاء الأخرى سوية. في النهاية، قد يكون لديكم بعض أو كافّة نماذج عائلة النماذج التالية، حيث يختلف كل نموذج منها عن الآخر في النطاق:

  • النظرة من الفضاء الخارجي: خارطة الطريق الشاملة هذه تُظهر السبلَ الأساسية للتغيير، والمروحةَ الكاملة للتأثيرات. هذه النظرة تجيب عن أسئلة كالتالية: هل تتبع النشاطات سبيلاً واحداً أم هنالك سبلٌ منفصلة تلتقي في نهاية الطريق؟ ما هو المدى الذي تصل إليه سلسلة التأثيرات؟ كيف تتواءم نشاطات البرنامج مع نشاطات منظمات أخرى؟ ما هي القِوى الأخرى التي قد يكون لها نفوذ على التأثيرات التي نتمنّى رؤيتها؟ أين يمكن لنا أن نتوقّع حلقات في المردود (رجع الأثر) ، وفي أي اتّجاهات ستسير هذه الحلقات؟ هل هنالك تأخيرات زمنية أساسية بين أي جزء من الصلات؟

  • النظرة من أعلى الجبل: هذه النظرة الأقرب تركّز على مكوّن معيّن، أو على مجموعة من المكوّنات، ومع هذا، تبقى واسعة كفاية لوصف البنية التحتيّة والنشاطات والتسلسل الكامل للتأثيرات. هذه النظرة تجيب عن نفس أسئلة النظرة من الفضاء الخارجي، ولكن ربطاً بالمكوّن أو المكوّنات التي تم اختيارها فقط.

  • أنتم هنا: تتوسّع هذه النظرة في جزء معين من السلسلة، من نوع أدوار مختلف أصحاب المصلحة أو الموظفين، أو أدوار الهيئات في الائتلاف، والوظائف، وتخدم رسم بياني تسلسلي لخطة عمل أحدهم. هي نموذج معيّن يضع خطوطاً عريضة للعمليات الروتينية، والتأثيرات المتوقَّعة. هذه هي النظرة التي قد تحتاجونها من أجل فهم ضبط الجودة داخل المبادرة.

 


 

العائلات والتداخل والتركيز المكبّر

في جزء الأمثلة من هذا القسم (غير موجود هنا)، تتجسّد فكرة النماذج المتداخلة في عائلة من "نماذج الحد من استلاك التبغ". وهي تشكل نموذجاً عالمياً يتضمّن ثلاث نتائج وسطية في الحد من استهلاك التبغ: بيئات دون دخّان، وتخفيف المباشرة في التدخين لدى الشباب، وزيادة التوقف عن التدخين عند الشباب والكبار. ثمّ يأتي نموذج "مركّز مكبّر" لتفصيل كل من هذه النتائج الوسطية.

 

أمّا "نموذج السرطان الشمولي"، فيجسّد نموذجاً منطقياً عامّاً، من خلال "تركيز مكبّر" على النشاطات من أجل إعطاء موظّفي البرنامج التفاصيل المحدّدة التي يحتاجونها. يُلحظ أنّ التأثيرات المقصودة في "التركيز المكبّر" هي مماثلة لتلك الموجودة في النموذج الشامل، كما تَظهر كافة تصنيفات النشاطات الأساسيّة. ولكن "التركيز المكبّر" يشرّح هذه النشاطات في مكوناتها بالتفصيل، بالإضافة إلى الإشارة (وهذا الأهم) إلى أن النشاطات تحقق مفاعيلها من خلال التأثير على الوسطاء الذين يحرّكون بدورهم عندها "حرّاس البوابة" للقيام بالتحرّك. هذا المستوى من التفاصيل ضروري لموظّفي البرنامج، ولكن قد يكون لا لزوم له في النقاشات مع الممولين وأصحاب المصلحة الأساسيين.

ويشكل "نموذج الحد من السكّري" مثلاً آخر من عائلة النماذج. في هذه الحالة، تشبه نماذجُ "التركيز المكبّر" كثيراً النموذجَ الشامل في مستوى التفاصيل، فيما هي تُضيف قيمةً من خلال ترجمة النموذج الشامل إلى خطّة للاعبين معيّنين (في هذه الحالة، برنامج وطني للحد من السكري) أو لأهداف محدّدة (مثلاً، زيادة فحص الأقدام الدوري).

 

 

متى يمكن استخدام النموذج المنطقي؟

إنّ النماذج المنطقية مفيدة لكلّ من البرامج والمبادرات القائمة، ولتلك الجديدة. في حال كنتم تخطّطون لجهودة معينة فالنموذج المنطقي يمكن أن يساعدكم على إقلاعها إقلاعاً حسنا. ومن جهة أخرى، إذا كان برنامجكم صار شغالاً فالنموذج يمكن أن يساعدكم على وصفه أو تعديله أو تحسينه.

يمكن للمخطّطين ولمدراء البرنامج وللمدربين وللمقيّمين وللمنادين ولأصحاب المصلحة الآخرين أن يستخدموا النموذج المنطقي في طرق عديدة في أثناء المبادرة. قد يخدم نموذجٌ واحد أكثر من غاية، أو قد يكون من الضروري تطوير نسخ مختلفة لأهداف مختلفة. في ما يلي أمثلة عن الأوقات المختلفة التي يمكن خلالها استخدام النموذج المنطقي:

أثناء التخطيط من أجل:

  • توضيح استراتيجية البرنامج

  • تحديد أهداف النتائج المناسبة (وتجنّب المغالاة في الوعود)

  • مواءمة جهودكم مع جهود المنظمات الأخرى

  • كتابة مشروع منحة أو طلب تقديم مشاريع

  • تقدير الفعالية المحتملة لمقاربة ما

  • وضع الأولويات للموارد المخصَّصة

  • تقدير الجداول الزمنية

  • تحديد الشراكات الضرورية

  • مفاوضة الأدوار والمسؤوليات

  • تركيز النقاشات وجعل وقت التخطيط أكثر فعاليّة

أثناء التطبيق من أجل:

  • تأمين كشف عمّا قمتم به وعمّا تحتاجونه لتشغيل البرنامج أو المبادرة

  • تطوير خطة إدارة

  • إدخال نتائج من الأبحاث ومشاريع الإيضاح

  • القيام بالتعديلات في منتصف المسار

  • تجنّب التأثيرات غير المقصودة أو التخفيف منها

أثناء  توجيه الموظفين وأصحاب المصلحة من أجل:

  • شرح كيف يعمل البرنامج بأكمله

  • إظهار كيف يمكن أن يعمل أناسٌ مختلفون معاً

  • تحديد ما هو المتوقّع من كل شخص أن يقوم به

  • الإشارة إلى كيف يمكن أن يعرف المرء ما إذا كان البرنامج يشتغل جيّداً أم لا

أثناء التقييم من أجل:

  • توثيق الإنجازات

  • تنظيم الأدلة والبراهين على البرنامج

  • تحديد الاختلافات بين البرنامج المثالي والتشغيل الواقعي

  • تحديد أي مفاهيم ستقاس (وأي منها لن تقاس)

  • تأطير الأسئلة عن التنسيب (السبب والأثر) والمساهمة (مِن قِبل مكونات المبادرة في النتائج)

  • تحديد طبيعة الأسئلة المطروحة

  • تحضير التقارير ووسائل الإعلام الأخرى

  • إخبار قصة البرنامج أو المبادرة

أثناء المناداة من أجل:

  • إعطاء التبريرات حول الأسباب التي ستجعل البرنامج ينجح

  • شرح كيفية استخدام استثمارات الموارد

كيف تبنون النموذج المنطقي؟

لا يوجد طريقة واحدة لبناء نموذج منطقي. فكّروا فيه على أنه شَيء ما للاستخدام، تتَحكم بشكله ومضمونه حاجاتُ المستخدمين.

مَن يبني النموذج؟ هذا يتوقف على وضعكم. يمكن لنفس الناس الذين سيستخدمون النموذج (المخطّطون ومدراء البرنامج والمدرّبون والمقيّمون والمنادون وأصحاب المصلحة الآخرون) أن يساعدوا في بنائه. مع ذلك، قد تفضّلون البدء بمجموعة صغيرة لأسباب عملية، ومن هناك تنطلقون بمسودة العمل إلى الآخرين من أجل الصقل المستمر.

تذكّروا أنّ النموذج المنطقي هو وثيقة حيّة، وثيقة تروي قصة جهودكم في المجتمع المحلي. وعندما تتغير استراتيجيتكم، يجب أن يتغيّر النموذج كذلك. من جهة أخرى، فيما أنتم تطورون النموذج فقد ترون سبلاً جديدة جديرة بالاكتشاف في الحياة الحقيقية.

هنالك استراتيجيتان أساسيتان غالباً ما تُجمَعان معاً عند بناء النموذج المنطقي:

  • التقدم أمام النشاطات (المعروفة أيضاً باسم المنطق الأمامي). تكتشف هذه المقاربة الأسباب الموجبة للنشاطات المُقتَرحة أو التي تنفَّذ حالياً، وتحرّكها أسئلة "ولكن لماذا؟"، أو منطق التفكير "إذا، فإذن": ولكن لماذا علينا التركيز على إخبار موظفي المجلس؟ ولكن لماذا نحتاجهم لفهم أفضل للمسائل المؤثّرة على الأطفال؟ ولكن لماذا قد يطوّرون سياسات وبرامج تدعم الإرشاد؟ ولكن لماذا قد تُحدث السياسات الجديدة فرقاً؟... وهكذا دواليك. ونفس الخط التحليلي يمكن كشفه عبر استخدام صيغة "إذا، فإذن": "إذا ركزّنا على المشرّعين، إذن سيفهمون بشكل أفضل المسائل المؤثرة على الأطفال. وإذا فهم المشرّعون، إذن سيقرّون سياسات جديدة..."

  • العودة إلى الخلف انطلاقاً من موقع المفاعيل أو التأثيرات (المعروفة كذلك باسم المنطق العكسي). تبدأ هذه المقاربة بوضع النهاية في البال: نبدأ بقيمة محدّدة بوضوح أو بتغيير نتمنّى نحن وزملاؤنا حصوله دون أي شك، ونتابعُ المقاربة عبر طرح أسئلة "ولكن كيف؟": "ولكن كيف نتخطّى الخوف والوصمة؟ ولكن كيف نتأكّد من أنّ خدماتنا مؤهَلة ثقافياً؟ ولكن كيف يمكننا الاعتراف بأننا لا نعرف بعد ما الذي نقوم به؟ (للمزيد عن هذه المقاربة، انظروا الفصل 17، القسم 1: تقديم لمسار حل المشكلات)

في البداية، قد لا تتفقون مع الردود التي يعطيها بعض أصحاب المصالح عن هذه الأسئلة. قد لا يبدو منطقهم مقنعاً أو حتّى منطقياً. ولكن هنا تكمن قوّة النموذج المنطقي. فمن خلال تظهير تفكير كل صاحب مصلحة وجعله مَرئياً على الورقة يمكنكم أن تقرروا كمجموعة ما إذا  كان المنطق الذي يقود مبادرتكم معقولاً أم لا. يمكنكم التكلّم عنه، وتوضيح التفسيرات المغلوطة، وطلب آراء أخرى، وتفقّد الفرضيّات، ومقارنتها بنتائج الأبحاث، وفي النهاية يمكنم تطوير نظام متين لمنطق البرنامج. سيصبح هذا "المنتَج" لاحقاً أداةً قوية للتخطيط والتطبيق والتوجيه والتقييم والمناداة، كما وصفنا سابقاً.

عند الوصول إلى ما وصلنا إليه هنا لا بد أن تكونوا قد خمّنتم أنّه لا يوجد مسار صارم "خطوة بخطوة" لتطوير النموذج المنطقي. ، فالنموذج المنطقي هو مسار مستمر مثله مثل سائر العمل المجتمعي. مع ذلك، تبقى هنالك مهمّات يجب أن تتأكّدوا من تحقيقها.

لتجسيد هذه الخطوات في تحرّك معين، سنستخدم مثلاً آخر على مبادرة "جهود التعبئة من أجل ملكيّة المنازل". تهدف هذه المبادرة إلى زيادة ملكيّة المنازل من أجل إعطاء السيطرة على الحي لمَن يسكن فيه بدلا من تكون لمالكين من خارجه لا يعنيهم المجتمع المحلي. تقوم المبادرة بذلك عبر مزيج من تثقيف سكّان المجتمع المحلي، وتنظيم الحي، وبناء علاقات مع الشركاء كقطاع الأعمال. (النموذج المنطقي لهذه المبادرة هو الأوّل في جزء الأمثلة – غير الموجود في اللغة العربية بعد.)

خطوات كتابة مسودة نموذج منطقي:

إيجاد المنطق في المواد المكتوبة الموجودة لإنتاج مسودتكم الأولى.

المواد المكتوبة الموجودة تتضمن أكثر من مجرد معلومات للمباشرة بالعمل. قوموا بجمع نصوص وصفية أو مبررات أو طلبات منَح أو وثائق عامّة تشرح الفكرة الأساسية خلف جهود المبادرة. تأكّدوا من الحصول على الأوصاف من وجهة نظر كل وكالة إذا كانت مغامرتكم تشمل ائتلافاً لمنظمات عديدة. بالنسبة لحملة تملّك المنازل، لقد قمنا بجمع وثائق من مخطّطين كانوا قد اقترحوا الفكرة، بالإضافة إلى شركات رَهن، وجمعيات ملاّكين، ومنظمات أحياء أخرى.

  • تكمن مهمّتكم كمصمّمين للنموذج المنطقي في فك أغاز ومحتويات هذه الوثائق. ضعوا ورقة وارسموا عليها الصلات المنطقية بين أمر ,ىخر ما إن تظهر لكم. (يمكن لهذا العمل أن يتم من قبل مجموعة لتوفير الوقت، ولإشراك عدد أكبر من الناس إذا كنتم تفضّلون ذلك.)
  • قوموا بقراءة كل وثيقة بعين تنظر إلى البنية المنطقية للبرنامج. أحياناً سيظهر هذا المنطق بوضوح (مثلاً، المعلومات والإرشاد وخدمات الدعم التي نقدّمها إلى السكّان ستساعدهم على تحسين تصنيفهم في أهلية الائتمان ، والترشح لقروض، وشراء منازل في المجتمع المحلي. سيغيّر البرنامج نسبة المالكين الذين يسكنون منازلهم في الحي).

في أحيان أخرى، سيُدفَن المنطق في اللغة المبهمة والقفزات الكبرى من التحلركات العملية إلى النتائج النهائية (مثلاً: "برنامجنا شمولي ومستند إلى المجتمع المحلي، وسيحوّل الأحياء عبر نقل السيطرة عليها إلى ناس يسكنون فيها، وليس إلى دخلاء لا مصالح لهم في المجتمع المحلي".

  • في أثناء قراءتكم كل وثيقة: اطرحوا على نفسكم أسئلة "ولكن لماذا؟" بالإضافة إلى أسئلة "ولكن كيف". واكتشفوا ما إذا كان المكتوب يؤمّن أجوبة، وانتبهوا بشدّة لأجزاء النص. إن أفعالاًمن نوع  "يعلّم أو يثقّف أو يدعم أو يعود إلى"، غالباً ما تكون متّصلة بوصف نشاطات البرنامج. فيما صفات مثل "مخفَّف أو محسَّن أو أعلى أو أفضل"، تُستخدم غالباً في وصف التأثيرات المتوقَّعة.

  • تحديد المدى المناسب للنموذج بالنسبة للمستخدِمين المُستهدَفين والاستخدامات المقصودة. فكّروا في بناء عائلة نماذج لمستخدِمين متعدّدين.

  • الوثائق المكتوبة تحتوي عادةً على معلومات أكثر بكثير من إمكانية وضعها في نموذج واحد. سيكون عليكم تبسيط الأمور من خلال تحديد المدى المناسب أو مستوى التفاصيل اللازم للنموذج. سيعتمد هذا القرار بالطبع على المستخدِمين المُستهدفين والاستخدامات المقصودة. والاحتمالات التي يجب اعتبارها هي سواء كان فريق المشروع سيستخدم النموذج لأغراض تنموية، أو إذا كانت الجهة المانحة هي التي طلبت النموذج كجزء من طلب التمويل، أو إذا كان هنالك استخدام آخر مخطّطاً له. اسألوا كم من التفاصيل يحتاج المستخدِم.

  • في معظم الأحيان، يكون من الأفضل البدء بنظرة عامّة واسعة أو بالنموذج الشامل الذي يُظهر كيف يعمل البرنامج ككل. من هنالك، يمكن إضافة تفاصيل حسب ما يناسب المستخدِمين المحددين.

قد تحتاج المبادرة المعقّدة كلّاً من النموذج الشامل وعائلة النماذج ذات الصلة أيضاً وذلك من أجل إظهار كيفية عمل كل جزء من الجهود وكيفية تناغم الأجزاء معا. لهذه المهمّة عليكم خلق سلسلة نماذج متشابكة تترابط مع النموذج الشامل، مع التركيز المكبّر على العمل الداخلي لمكّون محدّد، وبناء نموذج أكثر تفصيلاً لهذا الجزء.

مثلاً: لقد طوّرت مبادرة "تملّك المنازل" نماذج مختلفة لطرح الحاجات الفريدة لكل من الشركاء الماليين، ومدراء البرنامج، والمربّين المجتمعيين. وقد وجد المسؤولون في شركات الرهن والجهات المانحة وصانعو القرار الآخرون، الذين قرّروا ما إذا كانوا سيخصّصون الموارد للجهود أم لا، أنّ "النظرة الشاملة من الفضاء" (النموذج المُصوّر في الأمثلة – ليس هنا بعد!) هي الأكثر إفادة لرسم الإطار. أمّا مدراء البرنامج، ففضّلوا النظرة الأقرب، على أن تبقى واسعة "من أعلى الجبل"، والمربّون المجتمعيون استفادوا بشكل أفضل من نظرة "أنتم هنا". المهم هو أنْ تتذكروا أنّ هذه ليست برامج ثلاثة مختلفة، بل هي طرق مختلفة لفهم كيف يعمل نفس البرنامج.

  1. التأكد من أنّ النموذج ذو معنى ومكتمل.
  2. النماذج المنطقية تكشف قصة التغيير المجتمعي، في أثناء العمل مع أصحاب المصلحة، تصبح مسؤوليتكم التأكّد من أنّ القصّة التي أخبرتموها في مسودتكم لها معنى (منطقية) ومكتملة (لا نهايات مفتوحة). وفيما أنتم تستمرون بصقل النموذج، عليكم تسألوا أنفسكم والآخرين ما إذا كان يغطي القصة بأكملها.

  3. في ما يلي نقاط الحبكة المشتركة في معظم مبادرات التغيير المجتمعية، ونحن نعرضها بأسمائها بحسب الراوي:

  4. الأرض الموعودة (التأثيرات المرغوبة): هل يُظهر النموذج نتائج محدّدة قابلة للقياس تتمنّون تحقيقها؟ هل يحتوي على "قفزات كبرى من الإيمان بها" أم يَظهر التغيير من خلال سلسلة منطقية من التأثيرات؟ هل التغييرات السلوكية الجوهرية محدّدة (مثلاً، عدد أكبر لطلبات ملكيّة المنازل أو زيادة في شراء المنازل أو زيادة انخراط في القضايا المدنية والمجتمعية، الخ؟). وفي حال من المفترض إدامة هذه التغييرات السلوكية، هل يشرح النموذج كيف ستتغير الظروف المجتمعية لتعزيز السلوكيات الجديدة (مثلاً، مجموعة دعم مالكي المنازل أو خفض الضرائب للسكان المالكين أو خصومات من مخازن الخردوات للزبائن الذين يملكون منازلهم في الحي، الخ)؟ في نموذج "المنازل"، حدّدنا تسلسل التأثيرات التالية:

    • قصيرة المدى: يصل مالكو المنازل إلى فهم أكبر لكيف تُحسب تصنيفات أهلية القروض ومعلومات دقيقة أخرى عن الخطوات لتحسين نسبة السلفة، وتَخلق شركات الرهن سياسات وإجراءات جديدة تسمح للمستأجرين بشراء منازلهم الخاصّة، وتبدأ شركات الأعمال المحلية برامج تحفيز، وتُرفَع دعاوى ضد التمييز في ممارسات التأجير غير الشرعية.

    • متوسّطة المدى: يتحسّن معدّل أهلية التسليف للمجتمع المحلي، وتتزايد طلبات القروض من أجل المنازل، كما تزداد معدلات الموافقات عليها، وتؤسَّس خدمات دعم لمَن يشترون منازل للمرّة الأولى، و يقوى تنظيم الحي، وتتوسّع التحالفات لتشمل شركات الأعمال وهيئات الصحة والمسؤولين المنتخبين.

    • طويلة المدى: تزيد نسبة المنازل المسكونة بملاّكيها، وتنطلق إعادة إحياء الاقتصاد فيما تزيد استثمارات الأعمال في المجتمع المحلي، ويعمل السكّان سوية لبناء أماكن للمشي وشرطة لمكافحة الجرائم ووسائل واقية من الحرائق، وتنخفض بشكل هائل نسب السمْنة والجرائم والإصابات في المجتمع المحلي.

إحدى حسنات النموذج البياني هي أنه يُظهر تتالي التأثيرات وتفاعلها. فمثلاً، في نموذج "المنازل"، يؤدّي إرشاد التسليف إلى فهم أفضل لنسب التسليف، فيما المساعدة في القروض تؤدّي إلى مزيد من طلبات القروض، ولكنّهما معاً (بالإضافة إلى نشاطات أخرى كالمزيد من البرامج للشاري الجديد) لازمَين من أجل زيادة تمليك المنازل.

  • الدراما (النشاطات والتدخلات). كيف سيتم تخطّي العقبات؟ مَن يقوم بماذا؟ ما هي أنواع النزاعات والتعاون التي لا مفر منها؟ ما الذي تفعلونه لإعادة ترتيب قوى التغيير؟ ما هي الخدمات أو الشروط الجديدة المقدَّمة؟ بناءً على تحليل واضح لعوامل الحماية والخطر تكون نشاطاتكم هي الأجوبة عن هذه الأسئلة، وتكشف تدخّلاتكم عن الدراما في قصة التغيير الاجتماعي الموجّه.

تشملُ التحرّكاتُ الدرامية في مبادرة "المنازل" تقديمَ جلسات تثقيفية، وتشكيلَ تحالفات تجارية ومجموعات دعم مالكي المنازل ومجلس تنظيم الحي. وفي وقت التقييم، لكلّ من هذه التحركات صلة وثيقة بمؤشرات النتائج التي توثّق ما لو كان البرنامج على الطريق الصحيح أم لا، والسرعة التي يسير بها. قد تكون هذه النتائج عددَ جلسات تشارك المعلومات التي أُقيمت، ومعدّلَ الحضور، وحجمَ شراكات الأعمال، الخ. (لا تظهر هذه النتائج في النموذج الشامل، ولكن يمكن أن يتم إظهارها إذا كان ذلك مهمّاً للمستخدمين.)

  • المواد الخام (المدخلات أو الموارد أو البنية التحتية): لا تأتي الطاقة لخلق التغيير من لا شيء. يجب أن يجري إدخال موارد حقيقية في المنظومة. قد تكون هذه الموارد ماليةً، ولكنها أيضاً قد تشمل ناساً وأمكنة ومعلومات وتكنولوجيا ومعدات ومقدّرات أخرى. إن حملة "المنازل"، مثلاً، تعمل بفضل المدخَلات من جانب المرّبين المتطوعين، والدعم من المدارس والمؤسسات الدينية في الحي، والحسومات التي أمنّها المستأجرون والأعمال المحلية، والريع من إعادة إحياء الحي، وزيادة رأس المال الاجتماعي بين سكان المجتمع المحلي.

  • الإطار (الخلفية والسياق والظروف): صحيح أنّ القصص الجيدة تكشف فعلياً عن وقائع، لكنّها تتمتّع بصفات مميزة أيضاً، فهنالك ستارة خلفية تجري خلفها الحركة الأساسية. إذ إنّ التغيير الاجتماعي يحصل دائماً في إطار تاريخي وجغرافي وسياسي، الخ. ومع أنّ تصويرَ كافة هذه العوامل في نموذج واحد مستحيلٌ فإنه يمكنم أن تسعوا بضم الخصائص التي تذكّر المستخدمين بأن هذه الظروف موجودة وستؤثّر على حركة التغيير.

فَهِمَ أصحاب المصلحة العاملون في حملة "المنازل" أنّهم يتحدون تاريخاً من التمييز العنصري العرقي وانعدام العدالة الاقتصادية. فلقد شاهدوا تصنيفاً طبقياً اجتماعياً يحصل في أحياء قريبة، وهم يدركون ردود الفعل المعادية من مالكي الأراضي الخارجيين الذين يستفيدون من إبقاء الوضع على ما هوعليه. هذه الوقائع ليست موجودة في النموذج بهذا الشكل، ولكنّنا أضفنا مربّعاً مظلّلاً سُمّي "التاريخ والإطار"، ليخدم كتذكير مرئي بأنّ هذه الأمور موجودة في الخلفية.

  • انتبهوا إلى التفاصيل الدقيقة أثناء  رسم النموذج.
  • قوموا برسم مسودة النموذج المنطقي مستخدمين طرفَي دماغكم وكافة مواهب أصحاب المصلحة، وقدراتكم الفنية والتحليلية.

  • رتّبوا النشاطات والتأثيرات المطلوبة في التسلسل الزمني المتوقّع، ولا تنسوا إدخال حلقات المردود من الآخرين، أو رجع الأثر، فمعظم الأفعال في نهاية المطاف تستفزّ ردود فعل.

  • قوموا بربط المكونات معا من خلال رسم أسهم أو استخدام طرائق بصرية أخرى تنقل إلى الآخرين كيفية تسلسلَ النشاطات والتأثيرات. (تذكّروا أنّه ليس بالضرورة أن يكون النموذج طولياً أو أن يُقرأ من اليمين إلى الشمال، ومن الأعلى إلى الأسفل بل يمكن لدائرة أن تعبّر بشكل أفضل عن حلقة متكرّرة.)

  • أعطوا أنفسكم مساحة كافية لتطوير النموذج، وراجعوا الصورة بحرّية لإظهار العلاقات بشكل أفضل أو لزيادة مكوّنات.

  • الترتيب والأناقة في الشكل مهمتان، لذا تجنبوا الخطوط المتقاطعة والحشو غير الضروري.

  • لوّنوا أرقام مناطق النموذج (في حال وجودها)، للمساعدة على التركيز على خط الشرح الأساسي.

  • حاولوا جعل النموذج بأكمله على صفحة واحدة. عندما يصبح النموذج مزدحماً، قوموا بتعديل مداه أو قوموا ببناء نماذج مكمّلة.

  • تأكّدوا من نجاح النموذج في "امتحان الضحك"، أي ألاّ يكون رسمكم معقّداً لدرجة استفزاز ضحكات فوريّة من أصحاب المصلحة. بالطبع، سيكون لأصحاب المصلحة المختلفين أسباب مختلفة للضحك.

  • استخدموا شرائح ال"باوِر بوينْت" أو برامج كومبيوتر أخرى لتحريك النموذج: نبنيه خطوةً بخطوة، حتّى يتمكّن الناس من متابعة المنطق خلف كل رابط عندما تعرضونه للجمهور. (لاقتراحات حول برامج الكومبيوتر انظروا الأدوات أدناه.)

العودة إلى النموذج والجهوزية لمراجعته كما يلزم

  1. لا تَدَعوا النموذج يصبح تمريناً مملاً تقومون به فقط لإرضاء الآخرين، ولا تدَعوه ينام في الدرج. ما إن تنتهوا من جهود بناء النموذج فالمكافأة هي في استخداماته. عودوا إليه بشكل مستمر، وكونوا حاضرين للقيام بالتعديلات. إذ إنّ كافة البرامج تتطور وتتغير مع الوقت، حتى لو كان ذلك فقط لمجاراة الظروف المتغيّرة في المجتمع المحلي. النموذج الجيد هو كخارطة الطريق التي تساعدكم على إدراك مسائل جديدة أو إعادة التعرّف على مسائل قديمة.

  2.  كذلك، عندما تتغير الأمور بسرعة يصبح سهلاً على المتعاونين أن يتوهوا عن رؤية غاياتهم المشتركة، في حين أن النموذج المنطقي المشغول بشكل جيد يساعد على الإبقاء على أصحاب المصلحة مركِّزين على تحقيق النتائج، مع المحافظة على الانفتاح على إيجاد أفضل الوسائل لتحقيق العمل. وإذا لزم أن تغيروا المسار أو أن تقفوا لفترة أطول، فالنموذج يخدم كإطار عمل لإدخال التغيير.

  3. فيما أنتم تتقدّمون، قوموا بتعديل نموذجكم أو بإعادة موضعته، وخذوا بعين الاعتبار النشاطات والتأثيرات الناشئة. قد تضطرّون للقيام بمهمة أو أكثر من اللمهام الآتية:

  4. توضيح المسار من النشاطات إلى التأثيرات والنتائج

  5. بلورة الروابط بين المكونات والنشاطات

  6. توسيع النشاطات للوصول إلى الغايات

  7. وضع "علامات التقدم على الطلريق" أو مراجعتها

  8. إعادة تعريف حدود المبادرة أو البرنامج

  9. إعادة تأطير الغايات أو النتائج المتوخاة

ما الذي يجعل النموذج المنطقي فعّالاً؟

ستعرفون فعاليّة النموذج بشكل أساسي من خلال إفادته للمستخدمين المستهدفين. النموذج المنطقي الجيّد يقوم عادةً بما يلي:

  • يَربط النشاطات والتأثيرات ربطاً منطقيّاً

  • يجعلكم مرتبطين بصريّاً (فهو بسيط وخفيف)، ومع ذلك فهو يتضمّن درجة التفاصيل المناسبة للهدف (ليس شديد البساطة ولا شديد التعقيد)

  • يستفزّ التفكير ويحثّ على طرح الأسئلة

  • يتضمّن القوى المعروف أنها تؤثّر على النتائج المرغوبة

كلّما كان النموذج كاملاً، كلما زادت فرصكم في الوصول إلى "الأرض الموعودة" في حكايتكم. ومن أجل عرض قصّة كاملة أو عرض صورة كاملة عن النموذج، تأكّدوا من مراعاة كافّة قوى التغيير (الأسباب الجذريّة والاتّجاهات وديناميكيات النظام). هل يكشف النموذج عن فرضيّات وافتراضات الخاصة بالأسباب الجذرية وحلقات المردود، أو إرجاع الأثر، التي تساهم في المشكلات وحلولها؟

في نموذج "المنازل"، مثلاً، يستمر المعدّل المنخفض في تملّك المنازل عندما يكون هنالك حلقة مفرغة من التمييز والتسليف السيئ واليأس، ما يمنع التنظيم على صعيد الحي والتغيير الاجتماعي. لقد جرى اقتراح ثلاثة من طرق التغيير لكسر هذه الحلقة: التثقيف، والإصلاحات في الجانب التجاري، والتنظيم في الحي. لذا فإن بناء نموذج على خط واحد لطرح مجرد قوّة واحدة قد يحدّ من فعاليّة البرنامج.

يمكنكم اكتشاف قوى التغيير في حالتكم من خلال استخدام استراتيجيات متعدّدة للتقدير، بما فيها "المنطق الأمامي" أو "إلى الخلف"، أو العكسي، كما ذكرنا أعلاه. وعند استكشاف قوى التغيير، تأكّدوا من البحث عن العوامل الشخصية (المعرفة والمعتقدات والمهارات) والبيئية (العوائق والفرص والدعم والمحفّزات) التي تُبقي الوضع على ما هو أو تلك التي تدفعه إلى التغيير.


 

خذوا وقتكم للقيام بمحاكاة

بعد أن تضعوا خارطة البنية لاستراتيجية البرنامج، تبقى هنالك خطوة أساسية يجب القيام بها قبل التحرّك: القيام بنوع من المحاكاة. فبقدر ما تبدو القصّة التي تحكونها منطقية فإنها قد تفشلُ كخطة تدخّل إذا لم تستكشفوا كيف يمكن أن تبدو الأمور عليه في العالم الحقيقي حيث ردود الفعل والمقاومة.

المحاكاة هي أكثر الطرق عمليةً لمعرفة ما إذا كانت الخطة التي تبدو معقولة ستشتغل كما تتمنون. المحاكاة ليست كاختبار النموذج مع أصحاب المصلحة لمعرفة ما إذا كان منطقياً. فالأساس في المحاكاة هو معرفة كيف ستتغير الأمور (كيف سيتصرف النظام) مع الوقت في ظروف مختلفة.

ومع أن المحاكاة أداة قوية، فهي يمكن أن تُنَفَّذ بطرائق تتراوح بين البسيطة والمنمّقة:

  • يمكن للمحاكاة أن تكون مباشرة مثل لعب الأدوار غير المنهجي، حيث حكون عن النموذجَ كله وصولاً إلى النتائج المنطقية.

  • في "المحاكاة" الأكثر منهجةً، يمكنكم تطوير تمرين "غطاء الطاولة" حيث تعملون خطوة بخطوة من خلال سيناريو محدد، مع أدوار ومسؤوليات محدّدة مسبقاً للمشاركين.

  • في النهاية، يمكن أن تخلقوا محاكاة مبنية على الرياضيات والكومبيوتر، مستخدمين كافة أدوات برامج الحاسوب المتوفرة.

النقطة الأساس التي يجب أن تتذكّروها هي أنّ بناء النماذج المنطقية ومحاكاة كيف ستتصرّف هذه النماذج يتضمنان مجموعتين مختلفتين من المهارات، جميعها ضرورية لاكتشاف أي استراتيجيات تغيير ستكون فعّالة في مجتمعكم المحلّي.

 

ما هي منافع النموذج المنطقي وما هي محاذيره؟

يمكنكم أن تتصوّروا مجموعة من الطرائق التي يمكن من خلالها أن يُستخدَم النموذج المنطقي الذي قمتم بتطويره أو أن يُفيد عملكم. فيما يلي بعض الحسنات التي اكتشفها بعض الخبراء في النموذج المنطقي:

  • النماذج المنطقية تشمل التخطيط والتطبيق والتقييم: كونه وصفاً مفصّلاً لمبادرتكم - من الموارد إلى النتائج - تتساوى أهمية النموذج المنطقي في التخطيط للمشروع وفي تطبيقه وفي تقييمه. في حال كنتم من المخطّطين، تتحدّاكم عملية بناء النموذج لكي تفكروا أكثر كمقيّمين. ولو كانت غايتكم التقييم فإن بناء النموذج يحث على مناقشة التخطيط. ولمَن يطبّقون يجيب النموذج عن أسئلة عمليّة حول كيفية تنظيم العمل وإدارته.

  • النماذج المنطقية تساعد على تجنّب عدم التطابق بين النشاطات والتأثيرات أو المفاعيل: كثيراً ما يلخّص المخطّطون جهداً معيناً من خلال ذكر الرؤية والرسالة والأهداف والاستراتيجيات وخطط التحرّك (انظروا الفصل 8، القسم 1: نظرة عامة على التخطيط الاستراتيجي: الرؤية والرسالة والأهداف والاستراتيجيات وخطط العمل). حتّى بوجود هذه المعلومات، يمكن أن يكون من الصعب أن تقولوا كيف تتناغم كافة هذه الأجزاء معا. من خلال وصل النشاطات بالتأثيرات يساعد النموذج المنطقي على تجنّب اقتراح نشاطات دون تأثير مرتقب، أو توقّع تأثير دون نشاطات داعمة. وتشكّل القدرةُ على اكتشاف عدم التجانس هذا بسهولة، السببَ الرئيسي ربّما الذي يجعل عدداً كبيراً من النماذج المنطقية تَستخدم رسماً بيانيّاً تسلسلياً.

  • النماذج المنطقية تزيد من قوة الشراكات: كما تذكر مؤسسة "كيلوغ" (انظروا عناوين الإنترنت أدناه)، فإن صقل النموذج المنطقي هو مسار متكرر يسمح للمشاركين بأن "يقوموا بتغييرات وفقاً لبناء التوافق والعملية المنطقية، وليس وفقاً للشخصيات أو للسياسة أو للعقيدة. ويصبح وضوح التفكير التي يحصل مع بدء مسار بناء النموذج جزءاً أساسياً من نجاح البرنامج بأكمله." بوجود نموذج منطقي محدّد بشكل جيّد، من الممكن الانتباه إلى متى يجب تمرير عصا السباق من شخص إلى آخر أو من وكالة إلى أخرى، وهذا يزيد التعاون ويمنع سقوط الأمور في الشروخ.

  • تزيد النماذج المنطقية المساءلة من خلال إبقاء أصحاب المصلحة مركِّزين على النتائج: أشارت كل من "كوني شْميتزْ" و"بِفرلي بارْسونْز" (انظروا موارد الإنترنت أدناه) إلى أنه من الصحيح أنّ لائحة بخطوات التحرّك تشكّل دليلَ المدير في إدارة المشروع، فهي تُظهر ما الذي يجب أن يفعله الموظف أو الآخرون (مثلاً، "توظيف عامل للتعريف عن عيادة السل"). ولكن بوجود النموذج المنطقي يصبح من الممكن أن يُضاف إلى ذلك تصوير التأثيرات التي ستخلقها مهمّات هذا العامل (مثلاً: "توظيف عامل خارجي سيزيد نسبة العملاء الذين يأتون إلى العيادة للعلاج"). وهذا التأثير قصير المدى يتّصل بعد ذلك بتأثيرات وسيطة وطويلة المدى. مثلاً: "الزبائن الراضون يُحيلون آخرين على العيادة، والفحص المتحسّن وتوسع العلاج أدّيا إلى وفيّات أقل بسبب السل".

في ائتلاف أو شراكة تعاونية، يوضح النموذج المنطقي التأثيرات التي يخلقها كل شريك، وكيف تجتمع كافة هذه التأثيرات في غاية مشتركة. تعمل أيضاً مقاربة العائلة أو التشابك بشكل جيّد في شراكة تعاونية، لأنّه يمكن تطوير نموذجٍ لكل هدف وفقاً لسلسلة من التأثيرات، وبذلك إظهار طبقات المساهمات ونقاط التقاطع.

  • تُساعد النماذج المنطقية المخطّطين على وضع الأولويات في تخصيص الموارد: النموذج الشامل يُظهر أين تلزم الموارد المادية والمالية والبشرية والموارد الأخرى. عندما يناقش المخطّطون الخيارات ويضعون الأولويات، يمكن للنموذج المنطقي أن يساعدهم على اتّخاذ قرارات مرتبطة بالموارد وذلك على ضوء كيفية تأثيرها على نشاطات البرنامج ونتائجه.

  • تَكشف النماذج المنطقية عن الحاجة إلى البيانات وتؤمّن إطار عمل لتفسير النتائج: من الممكن تصميم نظام توثيق يتضمّن فقط قياسات في البداية وفي النهاية، ولكنّ هذه استراتيجية خطرة مع احتمال كبير في أن تؤدّي إلى نتائج مُخيّبة. المقاربة البديلة تدعو إلى متابعة التغييرات مع كل خطوة بحسب تسلسل التأثيرات المخطّط له. باستخدام النموذج المنطقي، يمكن لمخطّطي البرنامج تحديد التأثيرات الوسطية وتحديد مؤشرات قابلة لقياسها.

  • تُحسّن النماذج المنطقية عملية التعلّم من خلال ضم نتائج الأبحاث إلى حكمة الممارسة: معظم المبادرات أُسّس على فرضيات عن السلوكيات والظروف الواجب تغييرها، وكيف هي عرضة للتدخّل. كثيراً ما تكون هنالك درجات مختلفة من التأكّد من هذه الفرضيات. فمثلاً، قد يكون بعض الروابط في النموذج المنطقي قد اختُبر وتأكّدت صحته في أبحاث سابقة، ولكن، من جهة أخرى، قد تكون روابط أخرى لم تخضع قط لأي بحث أو تجربة أو حتى تأمّل في ما سبق. الشكل الواضح للنموذج المنطقي يعني أنكم تستطيعون دمج الممارسات المرتكزة إلى دلائل من أبحاث سابقة بالأفكار المُبدعة التي يعتقد الممارسون المتمرّسون أنّها ستحدث فرقاً. عندما تتسلّحون بنموذج منطقي لن يكون سهلاً على النقّاد ادّعاء أنّ عملكم ليس مبنياً على براهين.

  • تُحدّد النماذج المنطقية لغة مشتركة ورؤية مشتركة للتغيير المجتمعي: تساعد التعابير المستخدمة في النموذج على وضع قياسات موحّدة لما يفكر به الناس ولكيف يتكلمون عن التغيير المجتمعي، فهي تجعل الجميع يدفع في نفس الاتجاه، وهي بذلك تحسّن التواصل مع الجمهور الخارجي كالإعلام أو المموّلين المحتملين. حتى أصحاب المصلحة المشكِّكين أو المعارضين يمكن إدخالهم في مناقشة النموذج المنطقي وتطويره. وعندما يشاركون في الحديث عن الصلات المنطقية بين النتائج والتأثيرات فهم لا يعودون ينتقدون من الخارج بل من الداخل. سينخرطون في حل المشكلات، وسيقومون بذلك في منتدى مفتوح حيث يستطيع الجميع أن يرى ممانعتهم التغيير أو غياب منطقهم، إذا كان ذلك ينطبق عليهم.

المحاذير

يجب عدم مقاربة أداة تتمتّع بهذه القوّة بخفّة. عندما تأخذون على عاتقكم مهمة بناء نموذج منطقي، انتبهوا للتحدّيات والمحاذير التالية:

أولاً، مهما كان النموذج المنطقي يبدو منطقياً، يقوم دائماً خطر ألاّ يكون صحيحاً. فالعالم يعمل أحياناً بطرق مفاجئة وغير متوقَّعة، ما يعني أنّنا قد لا نفهم منطق التغيير إلاّ بعد حدوثه. صانعو النماذج يتذكّرون ذلك، وعليه، فهم يدركون حقيقة أنّ التأثيرات الحقيقية لتحرّكات التدخّل يمكن أن تختلف عن التأثيرات المخطّط لها. بل بعض التحركات قد يجعل المشكلات أسوأ، لذا من المهم إبقاء عينٍ على الخطة وإبقاء الثانية مركّزة على تجارب الحياة الواقعية لأعضاء المجتمع المحلي.

في أقل تقدير يجب على الأقل أن يكون النموذج المنطقي منطقياً. وفي ذلك، تكمن نقاط قوته ونقاط ضعفه. فالذين يحاولون اللحاق بالمنطق الذي اتّبعتموه، سيضخّمون أي تناقض أو غلطة، ما يضع عبئاً ثقيلاً على صانعي النموذج يدفعهم إلى الانتباه إلى التفاصيل وصقل أفكارهم إلى أعلى درجة ممكنة. بالطبع، لا يوجد نموذج مثالي. سيكون عليكم أن تقرّروا مستوى الدقة اللازمة بناءً على استخدامات أصحاب المصلحة بالمشروع.

كذلك يمكن أن يكون وضع الحدود المناسبة للنموذج المنطقي تحدّياً صعباً. في معظم الحالات، يحل التوتر بين التركيز على برنامج محدّد ووضع الجهود ضمن إطار أوسع. إذ تميل نماذج عديدة إلى القول بإن قوى التغيير تأتي فقط من البرنامج المطروح وكأنّ الأمور الأخرى غائبة.

في الجهة المقابلة، قد يكون سخيفاً وغيرَ منتج أن نضع خارطة بكافة قوى التغيير المتزامنة التي تؤثّر على التنمية المجتمعية والصحية. يكمن التحدّي عندصانع النموذج في يراعي عمقاً كافياً يسمح للإطار التنظيمي في أن يكون واضحاً من دون تغييب الأسباب التي أدّت أصلاً إلى تطوير النموذج المنطقي.

وعلى مستوى عملي بحت، فالنموذج المنطقي يمكن أن يستهلك الوقت، ويتطلّب كمّاً هائلاً من الطاقة في البداية وانتباهاً مستمرّاً طوال حياة المبادرة. يمكن للعملية أن تتطلّب درجة عالية من الدقة، ويجب الحذر من تبسيط مبالغ به للعلاقات المعقدة، ومن الاعتماد على مهارات فنانّي تصميم الرسوم البيانيّة لالتسلسلية إظهار مسارات التفكير المعقّدة.

بالطبع، يمكن للنماذج المنطقية أن تكون صعبة البناء، ولكن عملية بنائها، كما ، ستؤدّي، بمثل ما يؤدي المُنتَج، إلى منافع عديدة في غضون مسار المبادرة.

باختصار

النموذج المنطقي هو قصّة أو صورة تظهر كيف من المفترض أن تعمل مبادرة أو جهود معيّنة. تجمعُ عملية بناء النموذج معاً أصحابَ المصلحة الأساسيين من أجل تفصيل غايات البرنامج والقيمِ التي تدعمه، ولتحديد استراتيجيات المبادرة والنتائج المتوخاة.

وكوسيلة لإيصال البرنامج بصريّاً داخل الائتلاف أو إلى مجموعة العمل وإلى المجموعات الخارجية، يؤمّن النموذج المنطقي لغةً مشتركة ونقطةً مرجعيّة لجميع المنخرطين في المبادرة.

النموذج المنطقي مفيدٌ للتخطيط والتطبيق ولتقييم المبادرة. فهو يساعد أصحاب المصلحة على الاتّفاق على أهداف قصيرة الأمد كما على الأهداف طويلة الأمد في أثناء عملية التخطيط، ويساعدهم على وضع الخطوط العريضة للنشاطات واللاعبين، وعلى تأسيس معايير واضحة للتقييم في غضون الجهود. عندما تنتهي المبادرة، يؤمّن النموذج إطارَ عمل لتقدير فعالية المبادرة بأكملها، بالإضافة إلى تقدير النشاطات والموارد والعوامل الخارجية التي لعبت دوراً في النتيجة.

من أجل بناء نموذج يمكن أن تستخدموا على الأرجح منطق "التقدّم إلى الأمام" ومنطق "العودة إلى الخلف". عند العمل إلى الخلف، تبدؤون بالنتائج المرغوبة ثم تحدّدون الاستراتيجيات والموارد التي ستحققها. إن جمع المنطقين  يمكنكم من اختيار بعض الخطوات التي تُنتج التأثيرات المطلوبة.

يمكن مراجعة النموذج دورياً، وهذا تحديداً هو أحد إيجابيات استخدام النموذج المنطقي. فلأن النموذج يقيم صلة بين نشاطات البرنامج وتأثيراتها، فهو يساعد على إبقاء أصحاب المصلحة في حال تركيزٍ على تحقيق النتائج، فيما يبقى النموذج مرناً ومفتوحاً لإيجاد الوسائل الفضلى من أجل تحقيق قصّة تغيير فريدة.

نشجّعكم على إعادة إنتاج هذه المواد، لكن نرجو أن تذكروا مرجعها، "عدة العمل المجتمعي" على موقع:

Http://ctb.ku.edu

Contributor 
بوبي ميلْستين
تُوم شابِل

موارد مطبوعة

American Cancer Society (1998). Stating outcomes for American Cancer Society programs: a handbook for volunteers and staff. Atlanta, GA, American Cancer Society.

Julian, D. (1997). "The utilization of the logic model as a system level planning and evaluation device." Evaluation and Program Planning 20(3): 251-257.

McEwan, K. L. and D. A. Bigelow (1997). "Using a logic model to focus health services on population health goals." Canadian Journal of Program Evaluation 12(1): 167-174.

McLaughlin, J. A. and J. B. Jordan (1999). "Logic models: a tool for telling your program's performance story." Evaluation and Program Planning 22(1): 65-72.

Moyer, A., H. Verhovsek, et al. (1997). "Facilitating the shift to population-based public health programs: innovation through the use of framework and logic model tools." Canadian Journal of Public Health 88(2): 95-98.

Rush, B. and A. Ogbourne (1991). "Program logic models: expanding their role and structure for program planning and evaluation." Canadian Journal of Program Evaluation 6: 95-106.

Taylor-Powell, E., B. Rossing, et al. (1998). Evaluating collaboratives: reaching the potential. Madison, WI, University of Wisconsin Cooperative Extension.

United Way of America (1996). Measuring program outcomes: a practical approach. Alexandria, VA, United Way of America.

Western Center for the Application of Prevention Technologies. (1999) Building a Successful Prevention Program. Reno, NV, Western Center for the Application of Prevention Technologies.

Wong-Reiger, D. and L. David (1995). Using program logic models to plan and evaluate education and prevention programs. In A.J. Love, ed. Evaluation Methods Sourcebook II. Ottawa, Ontario, Canadian Evaluation Society.

 

موارد على الإنترنت

 

The CDC Evaluation Working Group provides a linked section on logic models in its resources for project evaluation.

The "Evaluation Guidebook for Projects Funded by S.T.O.P. Formula Grants under the Violence Against Women Act" includes a chapter on developing and using a logic model (Chapter 2), and additional examples of model in the "Introduction to the Resource Chapters."

Excerpts from United Way's publication on "Measuring Program Outcomes." See especially "Program Outcome Model."

logic model from Harvard that uses a family/school partnership program.

A concise definition by Connie C. Schmitz and Beverly A. Parsons.