استمارة البحث

القسم 6. عملية تشيب (عملية تنمية الصحّة المجتمعية التابعة لمعهد الصحّة)

  • ما هي "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"؟
  • لماذا استخدام "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"؟
  • مَن يجب أن يكون جزءاً من "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"؟
  • كيف نستخدم "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"؟

إن "معهد الطب" (Institute of Medicine, IOM) هو منظّمة أبحاث ومعلومات عامّة، مستقلّة وغير ربحيّة، وهو أحد مكوِّنات الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم في الولايات المتّحدة الأميركية. يريدكم المعهد أن تفكّروا بأمرٍ ما. فلنفترض أنّكم تنظّمون جهوداً مجتمعيّة للتعاطي مع مسألة محلّية مهمّة، ولنأخذ مثلاً العنف المنزلي: تؤلّفون مجموعةً لتكون رأس الحربة في هذه الجهود، وتُدرس المسألة في المجتمع المحلّي، وتخرجون بخطّة.

تدركون أنّ العنف المنزلي له عدّة أبعاد، فهو ليس نتيجة شخص ما يفقد أعصابه كل فترة، بَل هو نمط متكرّر. إضافةً إلى ذلك، للعنف المنزلي علاقة بالإدمان على المخدّرات، والبطالة، والظروف الاقتصاديّة الأخرى، والمناخ الاجتماعي الذي يجعل ذلك مقبولاً، على الأقل لدرجة ما.

من هنا، تُقرّر مجموعتكم طرح كافّة جوانب المشكلة. فقد يلزم تدريب الشرطة، وقد تضطر الشرطة والمحاكم أن تغيّر سلوكياتها تجاه العنف المنزلي. يجب تأمين ملاذٍ آمن لأعضاء العائلة الذين وقعت الإساءة العنفيّة بحقّهم أو جرى الإعتداء عليهم، كما تحتاج العائلات (بمن فيهم المسيئ/ة والمُساء إليه/ا والشاهد/ة على الإساءة) إلى إرشاد، ويجب التطرّق إلى الإدمان ومعالجته. إضافةً إلى ذلك، يجب أن ينصب الاهتمام على التدريب على العمل، ناهيكم عن الوضع الاقتصادي العام في المجتمع المحلّي. وأخيراً، يجب أن تُنفّذ حملة تثقيف عامّة لإقناع المجتمع المحلّي أنّ العنف المنزلي ليس جزءاً طبيعيّاً من أي علاقة.

يتطلّب كل عنصر من خطّتكم تحرّكاً، ويحتاج كل تحرّك إلى شخص ما لتنفيذه. علاوةً على ذلك، ستحتاجون أحداً أو مجموعةً ما في ائتلاف لتنسيق المسار بأكمله والإشراف عليه. لن تعمل الخطّة المعقّدة إلاّ إذا نَفّذ كلّ واحد ما هو متوقّع منه. ذلك همٌّ أساسي يشغل "معهد الطب"، فهو يعتقد أن المساءلة والمحاسبة غالباً ما يجري تجاهلهما في التخطيط للتنمية والصحة المجتمعيّتَيْن، مع أنّهما يشكّلان مكوّناً جوهريّاً في خلق مجتمع محلّي صحّي.

يصف هذا القسم  نموذج "معهد الطب"، في عملية تحسين الصحة المجتمعية"، وهو يشبه نماذج أخرى في هذا الفصل بعدّة طرق: فهو تشاركي، وذو منظور مجتمعي مرتكز ألى الناس، ويعتنق نظرة واسعة للصحّة، وينادي بدراسة المجتمع المحلي والتخطيط الاستراتيجي، وبالتقييم في أثناء التدخّل، الخ، لكنّه يتّسم بمكوّن المحاسبة. إذ يعتقد "معهد الطب" أنّ رصد الأداء (بدءاً بإعلان واضح عن مسؤوليات كل فرد، ثم التفقّد الدوري، عبر استخدام قياسات كمّيّة للأداء، من أجل التأكّد من أنّه تمّ تنفيذ هذه المسؤوليات، وبفعاليّة)، يمكن أن تُحدث فرقاً بين النجاح والفشل في مسار بناء مجتمع محلّي صحّي.

ما هي "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"؟

تشكّل "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" مساراً لبناء المجتمع المحلّي الصحّي. وكما شرحنا أعلاه، العملية تتضمّن عنصر رصد الأداء. وهي تتعلق بالمسار، (العملية أو الطريقة التي تستخدمون لخلق جهود صحة مجتمعيّة) وليس بالمضمون (المسائل التي قد تتطرقون إليها والطرائق التي قد تستخدمونها للتطرّق إليها). المضمون متروك لكل مجتمع محلّي.


يمكنكم قراءة الكلمات "تحسين الصحة المجتمعية" بإحدى طريقتين:

1) تحسين الصحّة الجسدّية بشكل عام للأفراد الذين يكوّنون المجتمع المحلّي،

2) تحسين صحّة المجتمع المحلي بذاته.

يجد "معهد الطب" نفسه معنيّاً إلى حد بعيد بالاحتمال الأوّل، لكنّنا نحن سنركّز على الثاني، آخذين بعين الاعتبار أنّ "عدّة العمل المجتمعي" معنيّة بكافّة جوانب عمل المجتمع المحلي. السعي وراء مجتمع محلّي صحّي أكثر من مجرد الصحّة المجتمعية لا يغيّر إطار عمل "عملية تحسين الصحة المجتمعية" نهائيّاً، ولكنّه يترك مجالاً لطرح جوانب متنوّعة من الحياة المجتمعية، بدلاُ من طرح الصحّة وحدها.

الرسم البياني أدناه يصف نموذج "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" مستخدماً الرسوم، والنص الذي يلي يشرح مكوّنات النموذج، وكيف تتصل ببعضها بعضاً، والرسم مأخوذ من المصدر التالي:

"تحسين الصحة في المجتمع المحلّي"، تحرير دورتْش وَبايْلي وَسْتوتو، واشنطن، المطبعة الأكاديمية الوطنيّة، 1997."

J.S. Durch, L.A. Bailey, and M.A. Stoto, eds. Improving Health in the Community, Washington, DC: National Academy Press, 1997.

نموذج "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"

تحليل المسألة

عمل جردة بالموارد

حلقة تحديد المشكلة والأولوية

رصد المسار والنتائج

تحديد المسائل الهامّة

تحضير صورة عن المجتمع المحلي وتحليلها

تأسيس ائتلاف مجتمعي

تطبيق الاستراتيجية

تطوير مجموعة المؤشرات

تحديد المساءلة

بناء الاستراتيجية

حلقة التحليل والتطبيق

)إخراج: مقارنة مع الأصل الإنجليزي وضبط)

كما يُظهر نموذج الرسم البياني أعلاه، "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" لها حلقتان، ونسمّيهما حلقات لأنّ كلاًّ منها يُنظر إليها كمسار متعاقب أو متسلسل، ويجب تكراره مع الوقت. يمكن بدء الحلقة في أيّ مرحلة من مراحلها، مع أنّ الرسم البياني يوحي، كما يبدو، أنّ هنالك تسلسلاً "أكثر منطقيّةً" يستخدمه معظم المجتمعات المحليّة، وسنستخدمه نحن هنا.

حلقة تحديد المشكلة والأولوية

في هذه الحلقة، تبدؤون بمجال اهتمامٍ معيًن (وهو الصحّة في تصوّر "معهد الطب"، ولكن، كما قلنا سابقاً، يمكن أن يكون مجال الاهتمام بسهولة نوعيّة الحياة بشكل عام في المجتمع المحلي)، ثمّ تقومون بتقدير الحالة، وتحديد المجالات التي يحتاج المجتمع المحلّي أن يعمل عليها، واتّخاذ قرار حول المكان الذي ستضعون فيه طاقاتكم:

  1. تأسيس ائتلاف مجتمعي لطرح صحّة/نوعيّة الحياة في المجتمع المحلي:

يجب أن يكون هنالك جسمٌ منسِّق لجهود كهذه. والائتلاف يلبّي متطلّبات نموذج "معهد الطب" من ناحية الشمولية والمشاركة الواسعة، كما يتضمّن علاقات بين متساوين يعملون باتّجاه غاية موحّدة، ويجعل جمع الأشخاص والمنظمات سويّة أسهل منما تفعل هيكليّة هرميّة. (للتعلّم عن إنشاء الائتلافات وصيانتها، انظروا الفصل 5، القسم 5: إنشاء ائتلاف (1): بدء ائتلاف والفصل 5، القسم 6: إنشاء ائتلاف (2): صيانة الائتلاف)

  1. تحضير صورة (ملامح أو "بروفيل") المجتمع المحلي وتحليلها:

هنا مسار تفحّص العوامل المختلفة التي يمكن أن تؤثّر على الرفاهة في المجتمع المحلي. نتائج تحليلكم، ستمكنكم من الإضاءة على المجالات الحاضنة للمشكلات التي يلزم التصدّي لها كأولويّة. يقترح "معهد الطب" خمسة مجالات للبحث فيها:

  • الديموغرافيات الاجتماعية: العمر والتوزيع الجغرافي والأصل العِرقي/الإثني أو الثقافي والدخل والعمل والسكن...الخ.

  • حالة المسألة: وتيرة المسائل في المجتمع المحلّي ودرجة خطورتها، وعلى مَن تؤثّر، والمسائل ذات الصلة وتأثيرات هذه المسائل وتواترها، إذ إنّ التواتر ودرجة الخطورة مهمّان للغاية. مثلاً، إن أعداداً كبيرة من حالات صغيرة من سرطان الجلد القابل للشفاء بسهولة يمكن أن تكون هَمّاً، ولكن ليس بحجم الهمّ الناجم عن وجود عدد أقل من سرطان الرئة، حيث يكون الكثير من الحالات (بل معظمها) مُميتاً.

  • عوامل الخطر والحماية: العوامل الموجودة أصلاً في مجتمعكم المحلي التي تجعل الناس أكثر أو أقل تعرّضاً للتأثر بمسائل معيّنة. مثلاً، قد يكون غياب القوانين التي تمنع الأطفال والمراهقين من شراء السجائر عامل خطر لوباء سرطان الرئة ذلك، وقد يكون إنفاذ قوانين منع التدخين في المطاعم والأبنية العامّة عامل حماية.

  • استهلاك الموارد على المسائل: الموارد المجتمعية (الخدمات والتمويل، الخ) المخصّصة لمسائل معيّنة.

  • كيف يرى الناس المسائل ربطاً بهم: إلى أي مدى يقرّ الناس بتأثيرها عليهم؟ من الصعب إشراكُ المجتمع المحلّي في تحرّك حول المسألة ما لمْ يرَ الناس أن المسألة مشكلة تؤثّر عليهم بشكلٍ ما، أو أنها أمر مهم.

ستساعدكم هذه الصورة على اتّخاذ قرار حول أي المسائل يجب العمل عليها، وستكون مفيدة ليتفحّص المجتمع المحلي نفسه بطرق عديدة، ولمتابعة عمل "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" بعد انتهاء الجهود الأولّية. (انظروا الفصل 3: تقدير حاجات المجتمع المحلي وموارده.)

  1. تحديد المسائل المهمة (المشكلات):

ما هي الحاجات الأكثر أهمية في المجتمع المحلي؟ ما هي المسائل التي تحفّز (أو يمكن أن تحفّز) المواطنين للعمل عليها؟ ماذا يمكن أن تقوم به الموارد التي يتمتّع بها المجتمع المحلّي؟ أو ما هي المسائل التي يمكن أن تصنعوا فيها فرقاً فعليّاً؟ هذه أسئلة يجب طرحها لاتّخاذ قرار حول أي مسائل يجب التصدّي لها.


المقصود بكلمة "مشكلة" هنا جانب مِن هَمّ أكبر (تحديداً هنا مشكلة الصحّة في تصوّر "معهد الطب" الأصلي). قد تكون مشكلة محدّدة فعليّة (حمل الأمهات المراهقات أو التشرّد أو السل أو العنف أو نسبة التسرّب المدرسي)، ولكن قد تكون إحدى المقدّرات المجتمعية التي يلزمها تطوير (القيادة الشبابية أو بناء تاريخي خالي)، أو بناء أمر جديد يساهم في صحة المجتمع المحلي ورفاهه (مركز مجتمعي للفنون أو برنامج للطفل السعيد).

 

بعد تحديد المسائل التي خطّطتم للعمل عليها، تنتقلون إلى الحلقة التالية، وهي حلقة التحليل والتطبيق. يصف الرسم البياني أعلاه الحلقة الثانية من المسار لمسألة واحدة. أمّا في حال حَدّدتْ "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" وقَصدت التطرّق إلى مسائل عدة (العنف المنزلي ونشاطات العصابات والاعتداء الجنسي على الأطفال، مثلاً)، فستقام حلقة التحليل والتطبيق لكل مسألة من هذه المسائل.

 

حلقة التحليل والتطبيق

 

هنا تعملون على استراتيجية طويلة الأمد وعلى خطة تحرّك من أجل حل المسألة المطروحة بفعاليّة، وتعيّنون المسؤوليات لكل عنصر من الخطّة، وتنفّذونها، وبعدها تراقبون النتائج لتحديد ما إذا كل شيء يعمل على ما يرام، وإذا كان الشركاء يتحمّلون مسؤولياتهم.

  1. تحليل المسألة:

يحلّل الائتلاف المسألة، عبر استخدام المعلومات التي جمعها، ومعرفته بالمجتمع المحلي، والأبحاث المتوفّرة. إذ إنّ نموذج "معهد الطب"، (مثله مثل نمذجي "اسبق/تابع" و"المدن الصحّية" وغيرهما)، يشدّد على أنّ الصحة الفرديّة والمجتمعية تتأثر إلى حدّ كبير بمزيج من العوامل الاجتماعية والمادّية والجينيّة والبيئية، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية. من هنا، قد يكون للبيئة الطبيعية، والفجوة بين الأعلى والأدنى على السلّم الاقتصادي، والمجموعات العِرقيّة أو الإثنيّة أو اللغوية في المجتمع المحلّي، وأوضاع العمل، ومواقف مَن هم في السلطة تجاه دور الحكومة، تأثيرٌ عميق على مسألة معيّنة أو على نوعية الحياة المجتمعية بشكل عام.

الغاية هنا هي فهم العوامل المحدّدة التي تسبب المسألة التي تهمّكم، أو تؤدّي إليها، وكيف تظهر في المجتمع المحلّي، وكيف يمكن مقاربتها بالشكل الأفضل. عليكم أن تنتبهوا لاعتبار كافّة العوامل الممكنة، وليس فقط تلك المرتبطة بشكل بديهي بالمسألة.

  1. إجراء جردة بالموارد:

ما هو المتوفّر لدى الائتلاف والمجتمع المحلي للتصدّي للمسائل؟

  • المقدّرات أو الأرصدة المحلّية: المنظمات والمؤسسات، والمنشآت المحلية والممولون، والخبرات، والخدمات الحالية...الخ.

  • عوامل الحماية ضمن المجتمع المحلي: العائلة والشبكات الاجتماعية والدينيّة، والقيم والأعراف المجتمعيّة، والأشخاص الذين يتمتّعون بمهارات في المجالات ذات الصلة.

  • الموارد من خارج المجتمع المحلي: مصادر التمويل الخاصّة والرسميّة، مثلاً، على صعيد المحافظة أو البلد ككل، أو مصادر المساعدة التقنيّة.

  1. تطوير استراتيجيّة:

إن فهم المسألة وإدراك الموارد المتوفّرة إدراكاً واضحاً سيساعدكم على الخروج  ليس فقط بخطة قصيرة المدى لطرح مسألة معيّنة تركّزون عليها حاليّاً، بل أيضاً باستراتيجية طويلة الأمد لتعزيز رفاه المجتمع المحلي وصيانته على المدى البعيد. يجب أن تُبنى الاستراتيجية من أجل المجتمع المحلي، ويجب أن تكون نتيجة مسار جامع تشاركي. (انظروا الفصل 8: بناء خطّة استراتيجية.)

  1. تحديد المساءلة:

الائتلاف أو الشراكة (بالإضافة إلى المعلومات والقدرات التي يؤمّنها الذين سينفّذون الخطة، والتعاون معهم، علماً أنّه في حال كانت الأمور تجري على ما يرام، فسيكونون قد باتوا منخرطين أصلاً) يحدّد مَن سيكون مسؤولاً عن أي عنصر من عناصر من الخطّة. يجب أن تحدّدوا مَن سيشرف على أي جزء من المسار، ومَن سيكون مسؤولاً عن القيام بالعمل الفعلي لتدخّلٍ معيّن أو لجزء من تدخّل، ومَن سيقوم بالتقييم ويؤمّن المردود من الناس... الخ. فيما يلي بعض الاعتبارات المهمّة عندما تتّفقون على المساءلة:

  • يجب أن تكون واقعيّة: قبل أن يستلم الأفراد أو المجموعات مسؤولية جزء من المسار، يجب أن تتأكّدوا من أنّ لديهم الموارد والقدرات والدعم لتنفيذ ما يحاولون القيام به. إذ من غير العدل ومن غير المنتج محاسبة شخص ليس لديه أصلاً إمكانيّات النجاح.

  • يجب أن تكون طوعيّة: لكي يكون للمساءلة معنى (ولكي تؤدّي إلى نتائج)، يجب أن تجري بالرضا. المجموعات أو الأفراد الذين يقبلون المساءلة عن عنصر من الاستراتيجية يوافقون كذلك على التفكير مليّاً بما يقومون به، وعلى الاستعداد لتغيير المسار في حال لم تنجح الجهود أو إذا احتاج المجتمع إلى تغييرات، وعلى تقبل النقد البنّاء من دون اتخاذ موقف تبريري أو دفاعي، وأن يعتبروا أنفسهم جزءأً لا يتجزأ من كل. أم إذا قبلوا تحت الضغط، أو كانوا مختلفين مع عملية المساءلة، فعندها لن يوافقوا على أي ممّا سبق، ومساءلتهم المزعومة لن تُحدث أيّ فرق.

  • يجب أن تشمل مسؤوليات واضحة ومَرئيّة: الأفراد والمنظمات تحت المساءلة بالإضافة إلى الائتلاف، يجب أن يفهموا تماماً ما الذي يتّفقون عليه، وكيف سيحدّدون ما إذا كانت المسؤوليات قد نفّذت أم لا، وكيف نُفّذت. الوضوح يجعل الأداء بحد ذاته ومراقبته أسهل، ويؤكّد أنّكم تعملون ضمن خطة مفهومة ومتّسقة، ولأنّ الجميع يعرف تماماً ما المفترض أن يقوم به، تزداد فرص النجاح.


    مهما خطّطتم بتأنٍّ، لا يمكن أن تتوقّعوا أن يحصل كل أمر أو سيحصل. عليكم توقّع المفاجآت. ولكن، إذا خطّطتم مليّاً، وكنتم واضحين قدر الإمكان، ستكون المفاجآت أقل، وستتولّد مشاعر أقل سوءاً لدى من سيجد نفسه تحت وطأة المفاجأة. طالما أن كل فرد وافق منذ البداية على أن المسؤوليات التي يتحمّلها هي معقولة وقابلة للتنفيذ فسيكون ممكناً معالجة الظروف والأحداث غير المتوقَّعة.

     

    5.تحديد مجموعة المؤشرات:

    يمكّن هذا التحديد من مراقبة المسار والنتائج والأداء. يجب أن تكون المساءلة قابلة للقياس، ويجب أن ترتكز على ما ينبغي تحقيقه، فليس المقصود من المساءلة الإشارة إلى مَن لم يحقّقوا الغايات المرجوّة معاقبتهم، بل القصد منها القيام بالتالي:

    مساعدة مَن لديهم صعوبات على تحسين أدائهم: قد يكون ذلك من خلال دعمٍ أفضل، أو إعادة تحديد الغايات، أو تغيير الطرائق أو التقنيّات، أو تبديل العاملين، أو التركيز على مجموعة أخرى من المشاركين، أو تعديل الجدول الزمني وجعله أكثر واقعية، أو مهما يلزم للتأكّد من أنّ ما يقومون به له التأثيرات المرغوبة.

    تحديد المشكلات في النظام: قد يكون الأداء غير فعّال لأنّ أسبابه ببساطة غير صالحة، أو لأنّكم صغتم المسألة بشكل خاطئ أصلاً. يمكن أن تُضيء المشكلات في الأداء في كثير من الأحيان، ليس على فشل المسؤولين، بَل على الخلل في النظام الذي يعملون من خلاله.

    مساعدة الجميع على التعلّم وعلى تحسين خطط التحرّك والاستراتيجية العامّة.

    يقترح "معهد الطب" تحديداً أن تكون المؤشّرات كمّية (أي مرتبطة بالأرقام، كعدد الأشخاص الذين تمّت خدمتهم أو معدّل الوقت الذي قضاه المشاركون في البرنامج)، لكن هنالك كذلك طرائق أخرى تضمن قياس المساءلة. إذ قد تؤمّن القياسات النوعية، كالرصد وتقارير المشاركين أنفسهم وانطباعات المجتمع المحلي، معلومات دقيقة ومهمّة مرتبطة بالمساءلة أيضاً، فالأرقام لا تحكي دائماً القصّة بأكملها. (للمزيد عن القياسات النوعيّة والكمّية، انظروا الفصل 3، القسم 15: الطرق النوعية في تقدير المسائل المجتمعية والفصل 31، القسم 1: كيف نُجري بحثاً: نظرة عامّة.)


    ليست الفكرة من المساءلة هنا جعل تحديد الملامَة أسهل في حال لم يتم أمرٌ ما كما خُطّط له، بَل هي جعل تحسين الاستراتيجية والتحرّكات ممكناً، لكي تصبح أكثر فعاليّة. إذا حصل فشل في النظام فالمساءلة الواضحة تمكّنكم من إيجاد أين حصل الفشل ولماذا. عندها، يمكنكم القيام بإجراءات لتصحيحها، أكان ذلك بتقديم دعم أفضل للمسؤول أو بإعادة النظر في الاستراتيجية بأكملها.

    6.تطبيق الاستراتيجية:

    قوموا بكافّة الأمور التي قرّرتم أنّها ضرورية (التدخّل أو البرنامج أو المبادرة التثقيفية المجتمعية...الخ).

    7.مراقبة المسار والنتائج:

    كما في النماذج الأخرى (اسبق / تابع، مثلاً)، الاهتمام هنا يتعلّق بالمسار وبالنتائج:

    المسار: هل قمتم بما قرّرتم القيام به (مثلاً، تقديم خدمة معيّنة لعدد محدّد من الناس في إطار زمني محدّد)؟ إذا كنتم لم تقوموا بذلك، لمَ لا؟

    النتائج: ما هي تأثيرات تحرّكاتكم؟ هل كانت هي التأثيرات المطلوبة، أو على الأقل هل كانت إيجابيّة؟ إنْ لم تكن كذلك، لمَ لا؟

    إذا انكسر المسار، أو لم تكن النتائج مُرضية، يجب أن تتمكّنوا من تحليل الوضع، والإشارة إلى الخلل الذي جرى وكيف جرى، من خلال استخدام مؤشّرات الأداء التي طوّرتموها في المرحلة 5. بعد ذلك، يمكنكم اختيار من بين عدد من مسارات التحرّك الممكنة لتصحيح الأخطاء أو سوء التقدير، ولدعم أداء المنظمة التي لم تتمكّن من إنجاز المتوقّع منها...الخ. ومن بين الاحتمالات، ما يلي:< style="list-style-type:disc;" >

    تغيير الاستراتيجية أو خطّة التحرّك

    تحويل المسؤولية إلى مكان آخر

    تأمين المزيد من الدعم و/أو الموارد للمسؤولين

    حذف تحرّكٍ أو عنصرٍ معيّن من الاستراتيجيّة

    8.البدء بالدائرة من جديد، بمسألة أخرى أو مجموعة من المسائل:

    قد يكون ما قمتم به حتّى الآن حلَّ بعض المسائل، أو يكون قد أوضحَ لكُم كَمْ هي معقّدة. مهما كانت النتيجة فأنتم لمْ تنتهوا بعد: الغاية النهائية هنا هي طويلة المدى، تغييرٌ جذري يحسّن الحياة في المجتمع المحلي. وسواء كنتم تنتقلون إلى هَمٍّ أكبر، أو كنتم ببساطة تطرحون مسألة أخرى فسيكون هنالك دائماً خطوة تالية في المسار.

    لماذا استخدام "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"؟

    لماذا قد تستخدمون نموذج "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" مقابل نموذج آخر؟ هنالك عدّة أسباب تجعل هذا النموذج جيّداً للعديد من المجتمعات المحلّية:

    1.لديه منظور مجتمعي:

    يطلب منكم نموذج "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" أخذ المجتمع المحلي بأكمله في الإعتبار عندما تطرحون مسألة. وعلى الأرجح، فإن هذا المنظور الواسع سيتضمّن الأسباب الحقيقية (والحلول الأفضل) للمسائل الواجب طرحها.

    2.هو جامع وتشاركي:

    لا يأخذ نموذج "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" المجتمع المحلّي في اعتباره فحسب بل يُشركه بأسره أيضاً عند توليد الاستراتيجية وتنفيذها. هذا يعني أنّ مروحةً واسعة من الآراء ووجهات النظر والأفكار تدخل في الاستراتيجيّة، وأن المجتمع المحلّي يتملّك الجهود الحاليّة. وبدورها، تؤدّي الملكيّة المجتمعية إلى دعمٍ من الناس في المجتمع المحلي بحماس وإلى استعداد للعمل من أجل الجهود وإنجاحها.

    3.يتطلّب نظرة شموليّة للصحّة:

    مرّة أخرى، وكما في العديد من النماذج الأخرى في هذا الفصل، ينظر نموذج "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" إلى الصحّة، ليس فقط كغياب للمرض أو كحالة مزمنة. الصحّة المجتمعية هي الصحّة بكافّة معانيها: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية...الخ. تسمح لكم هذه النظرة بالتفكير في كافّة المسائل المجتمعية عند طرح الصحّة المجتمعية، ما يزيد احتمال حلّها. (يمكن أيضاً الاسعانة بالنموذج التطبيقي "لإيفانزْزْ وستودّارت" الذي يعطي مثلاً عن هذه النظرة الشمولية. بالإنجليزية على: http://www.uic.edu/sph/prepare/courses/ph430/resources/hdmodel.htm)

    4.ينظر النموذج إلى الإنصاف كمفتاح:

    لقد أظهرت منظّمة الصحّة العالميّة أنّ الإنصاف (الحالة التي يحصل فيها الجميع في المجتمع المحلي على ما يحتاجونه من أجل نوعيّة حياة لائقة) يشكّل عاملاً أوّليّاً في الصحّة المجتمعية والفرديّة. إنّ تعزيز الإنصاف هو أساسي لخلق مجتمع محلي صحي ولتأسيس عدالة اجتماعية في مجتمع محلي أو مجتمع بشكل عام

    5.مرن:

    يَدَع هذا النموذج المجتمع المحلّي يحدّد هيكلية خطّته الاستراتيجية وخطط التحرّك ومضمون هذه الخطط، بناءً على تحليله الخاص ومعرفته بحاجاته الخاصّة. 

    6.يتضمّن النموذج المساءلة داخله:

    1. يجب أن تركّز المجتمعات المحلية مسار تحسين الصحّة على تعريفٍ واسع للصحة وعلى نموذج مفاهيمي شمولي لكيفية إنتاج الصحة ضمن المجتمع المحلي.

    2. يجب أن تطوّر "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" مجموعتها الذاتيّة من قياسات الأداء المحدّدة الكمّية (أي المرتكزة إلى الأرقام)، التي تربط المكوّنات المسؤولة بأداء نشاطات معيّنة متوقَّع منها أن تؤدّي إلى تحقيق النتائج المطلوبة في الصحّة في المجتمع المحلي.

    3. يجب أن تسعى "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" إلى التوازن بين الفرص الاستراتيجية لتحسين الصحة على المدى الطويل والغايات القابلة للإنجاز في الوقت القريب.

    4. يجب أن تسعى الائتلافات المجتمعية التي توجّه "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" إلى الدمج الاستراتيجي، وإلى إشراك الأفراد والمجموعات والمنظمات التي لها مصلحة في نتائج الصحّة، والتي يمكن أن تقوم بالخطوات اللازمة لتحسين الصحة المجتمعية، أو التي يمكن أن تسهم من خلال البيانات أو القدرات التحليلية اللازمة لمراقبة الأداء.

    5. يجب أن تتمركز "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" في ائتلاف للصحّة المجتمعية أو مكوِّن مشابِه.

    6. يجب أن تؤمّن هيئات الصحة الرسمية المحلية والوطنية حصول "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" في كافة المجتمعات المحلية، ويجب على الأقل أن تشارك في نشاطاتها، وفي بعض المجتمعات المحلّية أن تزوّدها بالقيادة و/أو بمَقر تنظيمي.

    7. يجب أن تؤمّن هيئات الصحة الوطنية بالتعاون والتنسيق مع أقسام الصحة المحلي تَوفير البيانات اللازمة للصورة عن الصحة على مستوى المجتمع المحلي، لدعم مسارات تحسين الصحة المجتمعية.

    • يجب أن تطلب الحكومة والبلديات - من خلال أقسام الصحّة أو قنوات أخرى مناسبة - أن تقدّم خططُ الصحّة ووكالاتُ التأمين والمؤسساتُ الخاصة الأخرى بيانات مرجعيّة عن خصائص الناس المسجلين وأوضاعهم الصحّية، وعن الخدمات المقدّمة، وعن نتائج هذه الخدمات، باعتبارها ضرورية لرصد الأداء في "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"، وذلك


      الخطوط التوجيهية الأربعة الأخيرة تُظهر الطبيعة الهرمية من فوق إلى تحت، التي يتسم بها مفهوم "معهد الطب"، والخط الأخير قد يشكّك بالطبيعة الطوعيّة للمساءلة التي ذكرناها سابقاً. إذا كانت جهودكم قاعدية أو وليدة المجتمع المحلي فالائتلاف المجتمعي الجامع (سواء كان ائتلافاً موجوداً أصلاً، أو ائتلافاً تَشكّل لتلبية حاجة مجتمعية) يمكن أن يؤمّن قيادة تعاونية لمسار من نوع "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية". (انظروا الفصل 13، القسم 11: القيادة التعاونية.) يمكن جمع البيانات الخاصة بقياس الأوضاع المجتمعية ورصد الأداء من المشاركين عبر الإنترنت، والملفّات المحلية ومحفوظات المنظمات، ووثائق رسميّة أخرى، دون تدخّل وكالات حكومية – حيث أمكن. بكلمات أخرى، يمكن بسهولة تنفيذ عملية تغيير مجتمعي على نموذج "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"، بشكل تعاوني من قبل المجتمع المحلي، بدلاً من إشراف وقيادة تقوم بهما هيئة صحّة عامّة أو وكالة مشابهة أخرى.

       

      الخطوات الناتجة عن هذه الخطوط التوجيهية من أجل تطبيق "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"

      1.حشد ائتلاف أو مجلس تنسيقي واسع القاعدة وجامع وتشاركي لتوجيه مسار "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"، في حال عدم وجود هذا الجسم أصلاً.

      2.القيام بالبحث: ، قد يتضمّن البحث، بحسب الظروف، تفحّص بعض أو كافّة ما يلي:

      هذا يعني البحث في أسبابها الجذريّة والتبعات (المقصودة وغير المقصودة) الناجمة عن طرحها وعدم طرحها، وكيف يمكن مقاربتها...الخ. (انظروا الفصل 17: تحليل مشكلات المجتمع المحلي وحلوله، لاسيّما القسم 2: التفكير النقدي والقسم 3: تحديد المشكلة وتحليلها.) عليكم النظر في كافّة العوامل التي تمس بالصحّة وبالمسائل الأخرى حتى يكون لديكم تحليلٌ دقيق:

      • بيانات إحصائية، للمعلومات الديموغرافيّة (حول السكّان).

      • معلومات عن المسألة/المسائل في المجتمع المحلّي: قد يكون بعضٌ من هذه المعلومات متوفّراً في البيانات الإحصائية، وجزءٌ آخر في السجّلات الرسمية من مختلف الأنواع، وفي سجّلات المنظمات المجتمعية وغير الربحية، كما تجدون معلومات أخرى في المقابلات والاستطلاعات المجتمعية، وفي الدراسات الأكاديمية وغيرها...الخ. يجب أن تشمل هذه المعلومات تفاعل البيانات الديموغرافيّة مع المسألة أو المسائل المطروحة. (ما علاقة الأصل العِرقي، مثلاً، أو النوع الاجتماعي في تواتر المسألة؟ هل يختبرها الكبار أكثر من الصغار، أو الناس في مناطق جغرافيّة محدّدة أكثر؟ هل هي منتشرة بالتساوي في المجتمع المحلي؟ هل لها علاقة بالوظيفة أو بالوضع الاقتصادي أو بالتعليم أو الجينات أو ظروف المعيشة...الخ؟)

      • مواقف المجتمع المحلي من المسألة/المسائل: ستعرفون عنها من خلال استطلاعات محلية، أو من خلال مقابلات فردية أو جماعية، ومجموعات مركّزة، و/أو عبر مخبرين ذوي مصداقيّة (أشخاص في المجتمع المحلي تثقون بهم ليقدّموا لكم قراءة دقيقة لِما تبحثون عنه).

      • اتّجاهات المسألة/المسائل وحقائقها: هل الأمور تتحسّن أم تعود إلى الوراء؟ كيف تؤثّر المسألة المطروحة على حياة الناس في الواقع؟ كيف يمكن لتفاصيل المسألة أن تتغيّر في المستقبل القريب (تحوّل من الكوكايين إلى الهرويين، مثلاً، بالنسبة لمستخدمي المخدّرات الثقيلة)؟ معظم هذه المعلومات ستأتي من منظّمات تتعاطى مع المسألة، ومن أشخاص متأثّرين بها (برامج علاج الإدمان ومتعاطي المخدّرات بالنسبة إلى اتّجاهات استخدام المخدّرات، مثلاً).

      • النظريات ونتائج الأبحاث الرسمية لمَن درسوا سابقاً المسألة/المسائل (ما يسمّي بالأدبيات، أي المعلومات المنشورة عن المسائل): (انظروا الفصل 3، القسم 4: جمع المعلومات عن المشكلة والفصل 31، القسم 1: كيف نُجري بحثاً: نظرة عامّة.)  

3.تحديد المسألة/المسائل التي ستعملون عليها، هذا إذا لم تبدؤوا بطرح مسألة هي في بالكم أصلاً.

4.تحليل المسألة/المسائل مليّاً:

  • المحدِّدات الاجتماعية للصحّة: بالمعنى العريض، تقع هذه في ثلاث فئات: الإنصاف الاجتماعي الاقتصادي، والترابط الاجتماعي، وحس الفعالّية الشخصيّة.

العوامل التسعة (وهي ضمن المحدّدات الاجتماعية الأوسع المذكورة أعلاه) التي تحدّد الصحّة المجتمعية، كما وضعتها شرعة أوتاوا ("دستور" حركة المجتمعات المحليّة الصحّية): السلام والسكن والتعليم والغذاء والدخل والنظام البيئي المستقر والموارد المستدامة والعدالة الاجتماعية والإنصاف.


للمزيد عن المحدّدات الاجتماعيّة وعوامل شرعة أوتاوا، انظروا الفصل 2، القسم 3: مدن صحية / مجتمعات محلية صحية والفصل 17، القسم 5: تحليل المحدّدات الاجتماعية للصحة والتنمية.

 
  • العوامل الثابتة بشكل أو بآخر: الجينات والجغرافيا والمعلومات الديموغرافيّة وأنماط الناس...الخ.

سيساعدكم فهم هذه العوامل وتفاعلها مع بعضها بعضاً كما تظهر في المجتمع المحلّي، على تنفيذ تحليلكم، كما سيُضيء لكم اعتباراً مهمّاً آخر: هل تطرحون فعليّاً المسألة/المسائل الصحيحة لخلق التغييرات التي تهدفون إليها؟ إذ تبدو المسألة في بعض الحالات وكأنها مكتملة فيما هي جزءٌ من مسألة أوسع. هذا يعني أنّكم لن تحلّوا المسألة دون التصدّي للمسألة الأوسع


عند القيام بتحليل من هذا النوع، يكون مفيداً تذكّر قصّة الرجال الضريرين والفيل: وقف عدّة رجال ضريرون أمام فيل، وطُلب منهم وصفه. فقال الذي مسك خرطومه إنّ الفيل كالحيّة، وتحسّس الآخر قدمه فقال إنّه كالشجرة، وقال الذي كان قرب ذنبه إن هذا الحيوان كالحبل. أمّا من تحسّس جنبه، فقال إنه كالحائط. كافّة التحاليل صحيحة كما هي...، لكن لا تحليل واحداً منها كافٍ. تأكّدوا أن تتخطّوا الانطباع الأوّل: لا تفترضوا أنّكم رأيتم كافّة الأمور المتصلة بالمسألة الواجب رؤيتها.

 

5.خذوا في الاعتبار الموارد المحتملة، لاسيّما تلك المتوفّرة أصلاً في المجتمع المحلّي:

هنالك في الحقيقة ثلاثة مسارات للتحرّك يجب مراعاتها هنا:
  • البدء بموقف إيجابي مبادِر، وافتراض أنّ المجتمع المحلي يملك أصلاً العديد من الموارد اللازمة لطرح مسائله الخاصّة وتحسين نوعيّة حياته. ثمّ اكتشفوا هذه المقدّرات أو الأصول المجتمعية (الناس، والمنظمات والمؤسسات، والتمويل...الخ) التي يمكن أن تسهم في جهودكم، وجنّدوها.

  • اتّخاذ قرار في ما إذا كنتم ستحتاجون إلى المزيد من الموارد أمْ لا، وخطّطوا استراتيجيّاً لكيفية الحصول عليها ومن أين.

  • مقاربة مموّلين محتملين: اجعلوهم مشاركين في مسار "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"، إنْ كنتم لم تفعلوا ذلك حتّى الآن.

.

(انظروا الفصل 3، القسم 8: تحديد أرصدة المجتمع المحلي وموارده)

6.تطوير خطة استراتيجية وخطط تحرّك لتنفيذها:

(انظروا الفصل 8: بناء خطّة استراتيجية.) يجب أن تنتج الخطّة الاستراتيجية عن مجموعة تمثّل كافة قطاعات المجتمع المحلي، لكي تستجيب لحقائق وظروف المجتمع المحلي وحتى تُعتبر منتميةً إلى المجتمع المحلي. (انظروا الفصل 18، القسم 2: مقاربات تشاركية في التخطيط لتدخلات مجتمعية.)

  • خطة استراتيجية طويلة الأمد لطرح التغيير الشامل المجتمعي: سيؤدّي تنفيذ هذه الخطّة ليس فقط إلى حل دائم للمسألة، بل إلى تحسين مستمر في رفاه المجتمع المحلي. إلا أنها في نفس الوقت، قد تستغرق عقداً من الزمن أو أكثر، ما يشكّل وقتاً طويلاً للناس لانتظار النتائج.

  • غايات استراتيجيّة قصيرة الأمد تسمح لكم بنجاحات سريعة بشكل معقول: هذه ليست بالضرورة لطرح المشكلات المباشرة بل لإبقاء الناس متحمّسين على المدى البعيد، ولوضع نقاط مرجعية تساعد على قياس تقدّمكم نحو النتائج القادمة.


    هذه النقطة تتصل بإحدى الخطوط التوجيهية لمعهد الطب عن السعي وراء التوازن بين الغايات القابلة للتحقيق طويلة الأمد وتلك قصيرة الأمد.

    7.الاتّفاق على مَن سيحاسَب على أي أجزاء من الخطّة:

    كما ذكرنا سابقاً، يجب أن تكون المساءلة طوعيّة، وأن تشكل توقّعات واقعيّة، وأن تقوم على مسؤوليّات مَرئيّة ومحدَّدة بوضوح.


    لا تعني المساءلة دائماً أنّ من يساءَلون هم مسؤولون عن القيام بما يجب القيام به، بَل تعني أنّهم مسؤولون عن التأكّد من أنّه يحصل. من هنا، قد يجري مساءلة منظّمةٍ عن أمرٍ ليس في مجال خبرتها، مع إدراك أنّها ستجد وتستقطب من سيؤمّن الخدمة أو من سيطبّقها، وذلك لضمان حصولها.

     

    8.الاتّفاق على كيفية رصد أو مراقبة المساءلة:

    هنا تطوّرون مؤشّرات الأداء لرصد مسار جهودكم ونتائجها، ولمعرفة ما إذا كان الجميع نفّذوا ما اتّفقوا عليه وأنجزوا المتوقّع منهم. وفيما يطلب "معهد الطب" قياسات كمّية فإن استخدام القياسات الكمّية والنوعيّة معاً قد يكون في الحقيقة أدق ويقدّم معلومات أكثر. إذ تعطي القياسات النوعيّة، كالرصد وتقارير المشاركين الذاتيّة، معلومات تخبّئها الأرقام أو تفشل تماماً في التقاطها.

    9.تطبيق استراتيجيتكم:

    بوصولكم إلى هنا، يكون قد أصبح لديكم استراتيجية على المدى البعيد وخطة تحرّك آنيّة. إتها خطّة التحرّك (أو أوّل خطة تحرّك، وهذا يتوقف على ما تبدو عليه استراتيجيّتكم بالمجمل) التي ستبدؤون بها، ويجب أن تتضمّن غايات واضحة ومساراً وإعلاناً واضحاً عمَن يُسأل عن ماذا، وطرائق لقياس الأداء ونجاح خطّتكم.

    10.رصد المسار ونتائج جهودكم:

    للرصد أو المراقبة هدفان: التأكّد من أنّ كل شخص يقوم بما اتّفق عليه وأنّه يسير بشكل جيّد (رصد الأداء)، والنظر فيما كانت خطّتكم بمجملها فعّالة (رصد النتائج).

    كما ذكرنا سابقاً، إنّ الفكرة من رصد الأداء ليست إيجاد أحدهم للَوْمه على عدم قيامه بمهمّته، بَل إيجاد نقاط الضعف في النظام وتقويتها. إنْ لم تقم إحدى المنظمات، مثلاً، بدورها في المسار، فقد تكون بحاجة إلى مزيد من الموارد، أو إى مساعدة تقنيّة، أو دعم آخر. في حال كانت العمليّة تسير كما خُطّط لها (كلٌّ يقوم بما هو مفترض أن يقوم به)، وبقيت النتائج غائبة، عندها قد يضطر أحدهم إلى تغيير الطرائق أو إلى طرح جانب آخر من المسألة.

    يخبركم رصد الأداء عما تحتاجون إلى معرفته عن المساءلة، وما إذا كان المسار يعمل أم لا. أمّا رصد النتائج، فيخبركم عن مدى الحاجة إلى تعديل أو صقل (أو إعادة نظر) في الاستراتيجية وخطط التحرّك. قد تكونون قد أخطأتم في قراءة حاجات المجتمع المحلي أو مواقفه، أو اعتمدتم على تقنيّات لا تعمل، بكل بساطة، أو فشلتم في الاستجابة لتغيير في الوضع. مهما كان الأمر، ما لم تجدوا دليلاً على النتائج المأمولة فقد حان وقت تغيير المقاربة.

    حتّى لو لمْ تسر الأمور جيّداً، هنالك دائماً مجال للتحسينات. قد يدلّكم الرصد على الطرائق التي يمكن من خلالها "فرك" الجهود لتحسين العمل: إنّ التنسيق والتواصل الأفضل، مثلاً، أو الزيادة في التركيز على مجال معيّن،  قد يجعل النجاح أسرع وأسهل للجميع.

    11.صيانة مكاسبكم:

    لن تكون خطّة العمل قيّمة مهما كانت ناجحة ما لم يجر صيانتها بالنجاحات. المهمّة لا تنتهي ما إن تُحل المسألة، بل يجب أن تبقى المسألة "محلولة"، ما يتطلّب جهوداً مستمرّة. عندما تُنجزون أمراً ما، يجب أن تعملوا إلى ما لا نهاية لإبقائه مُنجَزاً، حتّى عندما تنتقلون إلى المسألة التالية.

    تُنجز الصيانة على أفضل وجه من خلال تغيير النُظم. الحل المثالي هو تأسيس نظام جديد، أو تغيير المناخ المجتمعي من أجل استدامة السلوكيات أو الظروف الجديدة بشكل آلي. في حال لم يكن ذلك ممكناً (وقد لا يكون ممكناُ لاسيّما في الجهود طويلة المدى)، سيكون عليكم عندها الاستمرار بالانتباه للأمور، أو ستخسرون كافّة المكاسب.

    12.إعادة الدورة من جديد، مع مسألة أخرى:

    كما أوضحنا في بداية القسم فإنّ "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" ليست صفقة لمرّة واحدة. فالمقصود بها أن تكون الجهود مستمرّة، وطويلة الأمد لتغيير المجتمع المحلي بطرائق جذريّة. الدورات تستمر، وتتطرّق إلى مسائل مختلفة، وتتغيِّر نُظم، وتعمل على تحسين الرفاه ونوعية الحياة للجميع في المجتمع المحلي.

    باختصار

    تشكّل "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"، وهي مبادرة من "معهد الطب"، إطار عمل لتعزيز الصحّة المجتمعية، وقد تُستخدم أيضاً كنموذج لخلق مجتمعات صحّية، وهي تشبه العديد من النماذج الأخرى في هذا الفصل في أنّ لها نظرةً إلى الصحّة شموليّةً ومرتكزةً إلى المجتمع المحليّ، وأنّها تبدأ بائتلاف مجتمعي جامع تشاركي، أو بمجموعة تنسيق. في الحلقة الأولى (من الحلقتين) من المسار، تقدّر هذه المجموعة، وتحلّل، المجتمع المحلي لتحديد المسائل المهمّة التي تؤثّر على صحة المجتمع المحلي بأسره.

    في الحلقة الثانية (وهي حلقة تتكرّر لكل مسألة تطرحها "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية")، تحلّل مجموعة التنسيق المسألة، وتَجرد الموارد المتوفّرة لطرحها، وتطوّر استراتيجيّة طويلة الأمد وقصيرة الأمد، وتحدّد المساءلة عن تنفيذ الخطّة الاستراتيجية، وتطوّر مؤشرات قابلة لقياس أداء المسؤولين ونجاح الخطة بمجملها، وتطبّق الاستراتيجية، وترصد المسار والنتائج، وتقوم بما يلزم من تعديلات وتغييرات، ثمّ تعيد الحلقة مع المسألة نفسها أو غيرها.

    تتمتّع "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" بعدد من الحسنات. لديها منظور شمولي للصحّة، ما يسمح لها باعتبار أي عامل ذي صلة كمساهم أو عقبة لبناء مجتمع محلّي صحّي. إنها جامعة وتشاركيّة، وترى الإنصاف كعامل أساس في الصحّة المجتمعية، ومن هنا فهي تُشرك كافّة الأصوات والمصالح في المجتمع المحلي وتأخذها في الإعتبار. وهي مرنة، وتشجّع المجتمعات المحلّية على خلق حلول تعكس الحاجات الحقيقية للمجتمعات المحلية بحد ذاتها وتعكس ظروفها. وهي تبني المساءلة في قلبها وترصد الأداء للتأكيد على احترام المساءلة. ويمكن لها أن تُدخِل أو أن تتناسب مع نماذج أخرى، والأهم أنّ هذه العمليّة ترى المسار على أنه مستمر وطويل الأمد، يسعى إلى تغيير النُظم والمواقف في المجتمع المحلي عبر طرق جذريّة.

    الخلل الأكبر الذي يسم "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"، بحسب "عدّة العمل المجتمعي" هو أنّها ترى المسار كمبادرة من مهنيّين في الصحّة أو الصحّة العامّة، وبقيادتهم، رغم إشراكها أشخاصاً من كافّة القطاعات. لكنّ المجتمع المحلي ليس عليه بالضرورة قبول هذا الجانب المعيّن من النموذج، ويمكنه اختيار مسار تعاوني أكثر. في الواقع، يجب أن تشمل "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" كافّة أصحاب المصلحة، مِن الأكثر تأثّراً بالمسائل إلى المتأثرين بشكل غير مباشر بالتدخل، مروراً بالذين يتحكّمون بالسياسات و/أو الذين لهم تأثير في المجتمع المحلي، والمواطنين المهتمّين لمجرّد اهتمامهم بالمصلحة العامّة.

    يختلف تطبيق "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" من مجتمع محلّي إلى آخر، لكنّ "معهد الطب" يؤمّن بعض الخطوط التوجيهيّة:

    يجب أن تؤسّس المجتمعات المحليّة عنلية تحسين الصحّة على تعريف واسع للصحّة، وعلى نموذج شمولي مفاهيمي لكيفيّة إنتاج الصحّة ضمن المجتمع المحلّي.

    يجب أن تطوّر "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" مجموعتها الخاصّة من قياسات الأداء المحدَّدة النوعيّة، والتي تربط المكوّنات القابلة للمساءلة بأداء بعض النشاطات المتوقّع أن تؤدّي إلى تحقيق نتائج الصحّة في المجتمع المحلّي.

    يجب أن تسعى "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" إلى إقامة التوازن بين الفرص الاستراتيجية لتحسين الصحة على المدى البعيد، والغايات القابلة للتحقيق على المدى القصير.

    يجب أن تسعى الائتلافات التي توجّه "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" إلى الدمج، وإلى شمل كافّة الأفراد والمجموعات والمنظمات التي إمّا تكون من أصحاب المصلحة أو قد تسهم في المسار.

    يجب أن يكون مركز "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية" في ائتلاف صحّي مجتمعي أو ما شابه.

    يجب أن تؤمّن هيئات الصحّة العامّة المحلية والحكوميّة إجراء عملية تحسين الصحّة في المجتمع المحليّ في كافّة المجتمعات.

    يجب أن تتأكّد هيئات الصحّة الحكوميّة، بالتعاون مع أقسام الصحة المحليّة، من توفّر البيانات على مستوى المجتمع المحلّي، لتجميع الصورة الكاملة عن الصحة (البْروفيل الصحي).

    يجب أن تطلّب الحكومة (والبلديات) أن تتلقى البيانات حسب المعايير عن للناس المسجّلين لدى الهيئات الخاصة، وذلك لتسهيل "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية".

    إضافةً إلى ذلك، قد تكون خطوات التطبيق ما يلي من أجل استخدام "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية":

    حشد ائتلاف أو مجلس تنسيقي واسع القاعدة وجامع وتشاركي لتوجيه مسار "عمليّة تحسين الصحّة المجتمعية"، في حال عدم وجود هذا الجسم أصلاً.

    القيام بالبحث.

    تحديد المسألة/المسائل التي ستعملون عليها، هذا إذا لم تبدؤوا بمسألة معيّنة موجودة في بالكم أصلاً.

    تحليل المسألة/المسائل مليّاً.

    الأخذ بعين الاعتبار الموارد المحتملة، لاسيّما تلك المتوفّرة أصلاً في المجتمع المحلّي.

    تطوير خطة استراتيجية وخطط تحرّك لتنفيذها.

    الاتّفاق على مَن سيُسأَل على أي أجزاء من الخطّة.

    الاتّفاق على كيفية رصد المساءلة.

    تطبيق استراتيجيتكم.

    رصد العملية ونتائج جهودكم.

    صيانة مكاسبكم.

    بدء الدورة من جديد، مع مسألة أخرى.

    نشجّعكم على إعادة إنتاج هذه المادة، لكن نرجو أن تذكروا مرجعها، "عدة العمل المجتمعي" على الموقع:

    Http://ctb.ku.edu

Contributor 
فِيْل رابيْنوفِيتْز

 

موارد مطبوعة

Durch, Jane S., Linda A. Bailey, and Michael A. Stoto, eds.  The Committee on Using Performance Monitoring to Improve Community Health. Improving Health in the Community: A Role for Performance Monitoring. Washington, DC: National Academy Press, 1997.

 موارد على الإنترنت

Oconto County Community Health Improvement Process - General Information

Oconto County CHIP home page, briefly describing the process and including links to the county plan and the statistics it was based on.

 

Oconto County 2008 Community Health Improvement Plan
The 2008 CHIP plan for Oconto County, Wisconsin.

Community Health and Empowerment through Education and Research's CHIP
Invitation to join a CHIP piloted by CHEER (Community Health and Empowerment through Education and Research) in Takoma Park, Md.

CHIP Index Page
Wisconsin Department of Health Services provides examples of local CHIP plans.

Public Health Performance Management Centers for Excellence - Community Health Improvement Planning Process
Washington state Department of Health slide presentation on CHIP.

Douglas County Community Health Improvement Partnership
Douglas County, Kansas CHIP home page.

CHIP Action Planning Model
Simple graphic outline of CHIP process from the University of Calgary, Canada.

Healthy Montgomery - Montgomery County CHIP
Outline of the CHIP plan for Montgomery County, Maryland.

The Institute of Medicine
The homepage for the Institute of Medicine.